بين موسكو وواشنطن
لهذا أصبح القطب الشمالي منطقة توتر جديدة...!
-- رغم التوتر، القطب الشمالي بعيد كل البعد عن التحول إلى صراع مفتوح
-- تصعّد القوتان الأعظم في مجلس القطب الشمالي من مظاهر القوة في أقصى الشمال
-- لا توجد دولة من دول مجلس القطب الشمالي على استعداد للاستحواذ على موارد ليست ملكها
-- كان لا بد من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم حتى تهتم القوة الأولى في العالم بالمنطقة مجددا
-- تحصل روسيا على ما يقارب ربع ناتجها المحلي الإجمالي من خلال أنشطتها في منطقة القطب الشمالي
بينما تجتاح الرياح الجليدية الطوف الجليدي، تكسر ثلاث غواصات قادرة على حمل صواريخ باليستية نووية الجليد وتصعد الى السطح، على بعد بضع مئات الأمتار من بعضها البعض. تم نشر هذا الفيديو في نهاية شهر مارس على حساب الجيش الروسي على موقع يوتيوب.
تمت مشاهدة الفيديو أكثر من مليون مرة، ويأتي هذا لينضاف إلى الصور العديدة للتمارين العسكرية التي نشرتها روسيا في السنوات الأخيرة. وحتى تذكّر بأنها القوة العسكرية العظمى لأقصى الشمال، نفذت أيضًا، قبل عام، وفي نفس المنطقة، هبوطاً جريئاً بالمظلات على ارتفاع 10 كيلومترات.
بعد ما يقارب 30 عامًا من تفكك الاتحاد السوفياتي، استعادت موسكو موطئ قدمها بقواتها في القطب الشمالي. ومرة أخرى تسود أجواء الحرب الباردة، لأن الولايات المتحدة أيضا اجرت مناورات كبيرة.
عام 2018، زارت إحدى حاملات الطائرات، يو إس إس هاري إس ترومان، شمال الدائرة القطبية الشمالية -وهي الأولى لمثل هذه السفينة منذ عام 1990. وقبل عام، قامت واشنطن بدوريات بأربع سفن، برفقة سفينة بريطانية، بالقرب من المياه الإقليمية الروسية، في بحر بارنتس، حيث لم تعبر أي سفينة تابعة للبحرية الحربية “منذ منتصف الثمانينات”، بحسب البنتاغون. يضاف إلى ذلك، التدريبات المنتظمة لحلف شمال الأطلسي من جهة، وروسيا من جهة أخرى، دون إغفال تحليق القاذفات الاستراتيجية في حدود المجال الجوي لكل منهما.
مظاهر القوة هذه، التي تتكرر أكثر فأكثر في منطقة القطب الشمالي، لن تتم مناقشتها في آيسلندا، في القمة نصف السنوية لمجلس القطب الشمالي، مع ثماني دول أعضاء كاملة الحقوق (كندا، الدنمارك، الولايات المتحدة، فنلندا وآيسلندا والنرويج والسويد وروسيا) وثلاث عشرة دولة تتمتع بصفة مراقب، منها فرنسا والصين، والتي افتتحت أمس الأول 19، وتختتم أمس 20 الجاري. من الناحية النظرية، لا تندرج المسائل العسكرية في إطار هذا المنتدى الحكومي الدولي المخصص حصريًا للحفاظ على المنطقة وتنميتها.
وعي أمريكي بعد
أزمة القرم
غير ان هذه التوترات، تشكل فعلا خلفية القمة، كما يتضح من التصريحات الأخيرة المتبادلة بين موسكو وواشنطن. قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل يومين من الاجتماع، “نلاحظ انتقادات بأن روسيا توسّع نشاطها العسكري في القطب الشمالي، لكن من الواضح للجميع، ومنذ فترة طويلة، أن هذه أراضينا ومنطقتنا”، تصريح لم يستسغه رئيس الدبلوماسية الأمريكية، اذ استنكر أنتوني بلينكين في رد فعله “زيادة بعض الأنشطة العسكرية في القطب الشمالي”، مستهدفًا بشكل واضح موسكو. وكان في ذلك الوقت في الدنمارك، حيث اشاد بخطة استثمارية بقيمة 200 مليون يورو، من قبل كوبنهاغن، لتعزيز المراقبة العسكرية في جرينلاند، وفي شمال المحيط الأطلسي.
ومع ذلك، لأكثر من عشرين عامًا، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للقطب الشمالي. “لقد كان لا بد من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم حتى تهتم القوة الاولى في العالم بالمنطقة وتنتبه اليها مجددا”، يقول فلوريان فيدال، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. وأخذت هذه العودة الأمريكية منعطفاً مذهلاً في ظل رئاسة دونالد ترامب، عندما اقترح الملياردير غريب الأطوار على الدنمارك شراء جرينلاند.
تحتوي هذه المنطقة المغطاة بغطاء جليدي عملاق على العديد من الرواسب المعدنية، بعضها من الأتربة النادرة، وتتطلع اليها على وجه الخصوص الصين. وللأمريكان هناك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قاعدة جوية تلعب دورًا رئيسيًا في درعها المضاد للصواريخ، في ثول، شمال غرب هذه الجزيرة بحجم أربعة أضعاف حجم فرنسا.
إن العودة القوية لأمريكا في المنطقة هي رد فعل على الحضور الروسي المتنامي. “على مدى السنوات العشر الماضية، قام الروس بتحديث القواعد العسكرية القديمة أو قاموا ببناء قواعد جديدة على طول الساحل السيبيري، على طريقها البحري الشمالي، والتي يرغبون في فتحها أمام حركة المرور الدولية على المدى الطويل”، يوضح فلوريان فيدال. انه إعادة استثمار على الصعيدين العسكري والاقتصادي، اذ تحصل روسيا على ما يقارب ربع ناتجها المحلي الإجمالي من خلال أنشطتها في منطقة القطب الشمالي، ولا سيما بفضل استغلال حقول الغاز العملاقة مثل حقل يامال، بالتعاون مع مجموعة توتال الفرنسية.
زيت فوستوك، الجنون الروسي الجديد في القطب الشمالي
«الرهانات التجارية لموسكو أهم بكثير، في المنطقة، من تلك الخاصة بالولايات المتحدة، يذكّر ميكا ميريد، أستاذ الجغرافيا السياسية للأقطاب في المدرسة العليا للدراسات التجارية بباريس، ومؤلف كتاب ‘عوالم قطبية’، فإلى جانب بُعد الهوية الذي لا يمكن إنكاره على الصعيد المحلي، فإن زرع الجيش الروسي في المنطقة يجعل من الممكن تأمين عائداتها واصولها هناك”.
وآخر مشروع: نفط فوستوك، في أقصى شمال سيبيريا، شبه جزيرة التيمير، حيث تخطط شركة روسنفت الروسية العملاقة، لمضاعفة المدن والمنصات هناك لإنتاج أكثر من مليوني برميل يوميًا، بعد استثمار يقدر بأكثر من 109 مليار يورو.
“لذلك فإن الروس لا يريدون صراعًا في منطقة القطب الشمالي، يلخص ميكا ميريد، وهي رغبة الأمريكان أيضًا».
«لئن كانت هناك توترات، فإن القطب الشمالي بعيد كل البعد عن أن يتحول إلى صراع مفتوح، تضيف كاميل إسكودي-جوفريس، الأستاذة في معهد العلوم السياسية في باريس، ومؤلفة كتاب ‘الجغرافيا السياسية للقطبين’، ولا توجد دولة من دول مجلس القطب الشمالي على استعداد للاستحواذ على موارد ليست ملكها، والنزاع الإقليمي الوحيد الموجود يتعلق بحجرة لا تزيد مساحتها عن كيلومتر مربع، جزيرة هانز، بين كندا وجرينلاند».
وفي سياق التنافس العسكري، يقدم المنتدى نفسه على أنه فرصة للحوار بين روسيا والولايات المتحدة. وقد برمج أنتوني بلينكين وسيرجي لافروف عقد لقاء على هامش القمة لمناقشة جميع الموضوعات. تبادل ستتم فيه مناقشة إمكانية عقد قمة ثنائية بين رئيسيهما، جو بايدن وفلاديمير بوتين، في الأسابيع المقبلة.
ويبقى أن نرى ما إذا كان الرئيسان، اللذان لا ودّ بينهما -وصف الأول الثاني بأنه “قاتل” -يريدان حقًا كسر الجليد.
-- تصعّد القوتان الأعظم في مجلس القطب الشمالي من مظاهر القوة في أقصى الشمال
-- لا توجد دولة من دول مجلس القطب الشمالي على استعداد للاستحواذ على موارد ليست ملكها
-- كان لا بد من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم حتى تهتم القوة الأولى في العالم بالمنطقة مجددا
-- تحصل روسيا على ما يقارب ربع ناتجها المحلي الإجمالي من خلال أنشطتها في منطقة القطب الشمالي
بينما تجتاح الرياح الجليدية الطوف الجليدي، تكسر ثلاث غواصات قادرة على حمل صواريخ باليستية نووية الجليد وتصعد الى السطح، على بعد بضع مئات الأمتار من بعضها البعض. تم نشر هذا الفيديو في نهاية شهر مارس على حساب الجيش الروسي على موقع يوتيوب.
تمت مشاهدة الفيديو أكثر من مليون مرة، ويأتي هذا لينضاف إلى الصور العديدة للتمارين العسكرية التي نشرتها روسيا في السنوات الأخيرة. وحتى تذكّر بأنها القوة العسكرية العظمى لأقصى الشمال، نفذت أيضًا، قبل عام، وفي نفس المنطقة، هبوطاً جريئاً بالمظلات على ارتفاع 10 كيلومترات.
بعد ما يقارب 30 عامًا من تفكك الاتحاد السوفياتي، استعادت موسكو موطئ قدمها بقواتها في القطب الشمالي. ومرة أخرى تسود أجواء الحرب الباردة، لأن الولايات المتحدة أيضا اجرت مناورات كبيرة.
عام 2018، زارت إحدى حاملات الطائرات، يو إس إس هاري إس ترومان، شمال الدائرة القطبية الشمالية -وهي الأولى لمثل هذه السفينة منذ عام 1990. وقبل عام، قامت واشنطن بدوريات بأربع سفن، برفقة سفينة بريطانية، بالقرب من المياه الإقليمية الروسية، في بحر بارنتس، حيث لم تعبر أي سفينة تابعة للبحرية الحربية “منذ منتصف الثمانينات”، بحسب البنتاغون. يضاف إلى ذلك، التدريبات المنتظمة لحلف شمال الأطلسي من جهة، وروسيا من جهة أخرى، دون إغفال تحليق القاذفات الاستراتيجية في حدود المجال الجوي لكل منهما.
مظاهر القوة هذه، التي تتكرر أكثر فأكثر في منطقة القطب الشمالي، لن تتم مناقشتها في آيسلندا، في القمة نصف السنوية لمجلس القطب الشمالي، مع ثماني دول أعضاء كاملة الحقوق (كندا، الدنمارك، الولايات المتحدة، فنلندا وآيسلندا والنرويج والسويد وروسيا) وثلاث عشرة دولة تتمتع بصفة مراقب، منها فرنسا والصين، والتي افتتحت أمس الأول 19، وتختتم أمس 20 الجاري. من الناحية النظرية، لا تندرج المسائل العسكرية في إطار هذا المنتدى الحكومي الدولي المخصص حصريًا للحفاظ على المنطقة وتنميتها.
وعي أمريكي بعد
أزمة القرم
غير ان هذه التوترات، تشكل فعلا خلفية القمة، كما يتضح من التصريحات الأخيرة المتبادلة بين موسكو وواشنطن. قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل يومين من الاجتماع، “نلاحظ انتقادات بأن روسيا توسّع نشاطها العسكري في القطب الشمالي، لكن من الواضح للجميع، ومنذ فترة طويلة، أن هذه أراضينا ومنطقتنا”، تصريح لم يستسغه رئيس الدبلوماسية الأمريكية، اذ استنكر أنتوني بلينكين في رد فعله “زيادة بعض الأنشطة العسكرية في القطب الشمالي”، مستهدفًا بشكل واضح موسكو. وكان في ذلك الوقت في الدنمارك، حيث اشاد بخطة استثمارية بقيمة 200 مليون يورو، من قبل كوبنهاغن، لتعزيز المراقبة العسكرية في جرينلاند، وفي شمال المحيط الأطلسي.
ومع ذلك، لأكثر من عشرين عامًا، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للقطب الشمالي. “لقد كان لا بد من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم حتى تهتم القوة الاولى في العالم بالمنطقة وتنتبه اليها مجددا”، يقول فلوريان فيدال، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. وأخذت هذه العودة الأمريكية منعطفاً مذهلاً في ظل رئاسة دونالد ترامب، عندما اقترح الملياردير غريب الأطوار على الدنمارك شراء جرينلاند.
تحتوي هذه المنطقة المغطاة بغطاء جليدي عملاق على العديد من الرواسب المعدنية، بعضها من الأتربة النادرة، وتتطلع اليها على وجه الخصوص الصين. وللأمريكان هناك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قاعدة جوية تلعب دورًا رئيسيًا في درعها المضاد للصواريخ، في ثول، شمال غرب هذه الجزيرة بحجم أربعة أضعاف حجم فرنسا.
إن العودة القوية لأمريكا في المنطقة هي رد فعل على الحضور الروسي المتنامي. “على مدى السنوات العشر الماضية، قام الروس بتحديث القواعد العسكرية القديمة أو قاموا ببناء قواعد جديدة على طول الساحل السيبيري، على طريقها البحري الشمالي، والتي يرغبون في فتحها أمام حركة المرور الدولية على المدى الطويل”، يوضح فلوريان فيدال. انه إعادة استثمار على الصعيدين العسكري والاقتصادي، اذ تحصل روسيا على ما يقارب ربع ناتجها المحلي الإجمالي من خلال أنشطتها في منطقة القطب الشمالي، ولا سيما بفضل استغلال حقول الغاز العملاقة مثل حقل يامال، بالتعاون مع مجموعة توتال الفرنسية.
زيت فوستوك، الجنون الروسي الجديد في القطب الشمالي
«الرهانات التجارية لموسكو أهم بكثير، في المنطقة، من تلك الخاصة بالولايات المتحدة، يذكّر ميكا ميريد، أستاذ الجغرافيا السياسية للأقطاب في المدرسة العليا للدراسات التجارية بباريس، ومؤلف كتاب ‘عوالم قطبية’، فإلى جانب بُعد الهوية الذي لا يمكن إنكاره على الصعيد المحلي، فإن زرع الجيش الروسي في المنطقة يجعل من الممكن تأمين عائداتها واصولها هناك”.
وآخر مشروع: نفط فوستوك، في أقصى شمال سيبيريا، شبه جزيرة التيمير، حيث تخطط شركة روسنفت الروسية العملاقة، لمضاعفة المدن والمنصات هناك لإنتاج أكثر من مليوني برميل يوميًا، بعد استثمار يقدر بأكثر من 109 مليار يورو.
“لذلك فإن الروس لا يريدون صراعًا في منطقة القطب الشمالي، يلخص ميكا ميريد، وهي رغبة الأمريكان أيضًا».
«لئن كانت هناك توترات، فإن القطب الشمالي بعيد كل البعد عن أن يتحول إلى صراع مفتوح، تضيف كاميل إسكودي-جوفريس، الأستاذة في معهد العلوم السياسية في باريس، ومؤلفة كتاب ‘الجغرافيا السياسية للقطبين’، ولا توجد دولة من دول مجلس القطب الشمالي على استعداد للاستحواذ على موارد ليست ملكها، والنزاع الإقليمي الوحيد الموجود يتعلق بحجرة لا تزيد مساحتها عن كيلومتر مربع، جزيرة هانز، بين كندا وجرينلاند».
وفي سياق التنافس العسكري، يقدم المنتدى نفسه على أنه فرصة للحوار بين روسيا والولايات المتحدة. وقد برمج أنتوني بلينكين وسيرجي لافروف عقد لقاء على هامش القمة لمناقشة جميع الموضوعات. تبادل ستتم فيه مناقشة إمكانية عقد قمة ثنائية بين رئيسيهما، جو بايدن وفلاديمير بوتين، في الأسابيع المقبلة.
ويبقى أن نرى ما إذا كان الرئيسان، اللذان لا ودّ بينهما -وصف الأول الثاني بأنه “قاتل” -يريدان حقًا كسر الجليد.