تراجع نادر وغير متوقع

لهذا رضخ ناريندرا مودي لغضب الفلاحين...!

لهذا رضخ ناريندرا مودي لغضب الفلاحين...!

  بعد أكثر من عام من احتجاج الفلاحين، أعلن رئيس الوزراء الهندي إلغاء الإصلاحات الزراعية. تحوّل يأتي قبل بضعة أشهر من انتخابات رئيسية في ولاية أوتار براديش، الأكثر كثافة سكانية في البلاد.    استمرت المواجهة أكثر من عام. والشيء النادر، أن الحكومة هي التي استسلمت لضغط الشارع. فاجأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الجميع بإعلانه يوم الجمعة الماضي 19 نوفمبر، إلغاء الإصلاحات الزراعية المثيرة للجدل في خطاب متلفز إلى الأمة.
   وكان من المفترض أن تمهد هذه الإصلاحات، التي أُقرت في سبتمبر 2020، الطريق لمزيد من التحرير للقطاع الزراعي، الذي يوفر سبل العيش لما يقرب من 70 بالمائة من السكان، وعلى وجه الخصوص، أن تسمح للمزارعين ببيع محاصيلهم خارج الأسواق التي تنظمها الدولة إلى مشترين من اختيارهم.    لكن الفلاحين الهنود الصغار، كانوا يخشون أن يجدوا أنفسهم تحت رحمة المجموعات الكبيرة، ويخشون أن تضع هذه القوانين، على المدى الطويل، حداً لنظام الحد الأدنى للأسعار الذي تضمنه الدولة لبعض المواد الغذائية. وقد أدى اعتماده في البرلمان دون مداولات ودون استشارة مسبقة مع الولايات المختلفة، إلى تفاقم المخاوف.

قمع الشرطة
   لم يسبق أن واجه القوميون الهندوس مثل هذا التحدي منذ وصولهم إلى السلطة عام 2014. وكان آلاف المزارعين، ومعظمهم من البنجاب وأوتار براديش، يخيمون ويعتصمون على أبواب العاصمة الهندية منذ عام تقريبًا.
 قاوموا برد الشتاء وقمع الشرطة والعديد من المحاولات التي قام بها حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة ناريندرا مودي لتشويه حركتهم. واتُهم المزارعون على وجه الخصوص، بأنهم على صلة بالحركات الانفصالية.
   ورغم هذه الهجمات، تمكنوا من جذب انتباه وتعاطف بقية العالم، خاصة من خلال حملة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أظهرت شخصيات ومشاهير، مثل غريتا ثونبرج أو ريهانا، دعمها للحركة على تويتر، مما أغضب القادة الهنود.
   وقـــــدم رئيس الــوزراء الهندي في خطابــــــه يوم الجمعة “اعتذاره” إلى “مواطنيه” دون التشكيك في مزايا هذه القوانين. وأعرب عن أسفه “لم نتمكن من أن نشرح لبعض المزارعين فوائد” هذه الإصلاحات، مؤكدا أنها في مصلحة القطاع الزراعي.
   ومع ذلك، فإن الرجل القوي في الهند ليس معتادًا على التراجع في وجه الاحتجاج. فرغم الاحتجاجات الوحشية عام 2019، أقر ناريندرا مودي بقــــــوة قانــون الجنسية الذي يسهل الحصول على الجنسية الهندية للأشخاص الذين فروا من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، بشرط ألا يكونوا مسلمين.
 وفي الآونة الأخيرة، رفضت الحكومة أيضًا الاعتراف بعيوب تعاطيها مع الموجة الثانية المروعة من فيروس كورونا التي عصفت بالبلاد الربيع الماضي.

مأساة خلال مظاهرة
   إن السياق الانتخابي لهذا التحوّل، لم يغب على أحد في الهند. خاصة أن المحكمة العليا علقت القوانين الزراعية في يناير 2021. وستتجه أوتار براديش والبنجاب، حيث يأتي العديد من المزارعين المحتجين، إلى صناديق الاقتراع مطلع العام المقبل.
 ويريد حزب بهاراتيا جاناتا الاحتفاظ بالسلطة في ولاية أوتار براديش، الولاية الرئيسية والأكثر كثافة سكانية في الهند -ويخشى حدوث انتكاسة انتخابية قبل عامين من الانتخابات العامة.
   «إن احتجاج الفلاحين في غرب ولاية أوتار براديش، كان من شأنه أن يجعل حملة حزب بهاراتيا جاناتا صعبة.
 كــــــــل أسبوع، يشـــــوه حـــادث جــــديد ســـمعة الحكومة”، يرى راهول فيرمـــا، الباحث المشـــــارك في مركز أبحــاث الســـياســـات في نيــودلهي.
 في أوائل أكتوبر، دهس موكب وزاري، من بينهم نجل وزير، جمهورا متجمّعا على هامش احتجاج في لاكيمبور خيري في أوتار براديش، مما أسفر عن مقتل أربعة مزارعين. وقد هزت هذه المأساة البلد كله.
   «يبقى حزب بهاراتيا جاناتا حزبًا مهيمنًا، في موقع قوة، لكن الأمور يمكن أن تتغير”، يعتبر نيلانجان سيركار، أستاذ العلوم السياسية المشارك في مركز أبحاث السياسات، إننا نشهد ‘تراجعًا ديمقراطيًا’ في الهند، والمعارضة، كما المواطنين، قد يشعرون الآن أن الشارع هو السبيل الوحيد للتعبير عن آرائهم.
 ربما يكون حزب بهاراتيا جاناتا قد ذهب بعيدًا ويواجه الآن المزيد من الاضطرابات الاجتماعية».
   ورغم انتصارهم، ظل المزارعون حذرين، وأعلنوا أنهم سيواصلون التعبئة حتى الإلغاء الرسمي للقوانين من قبل البرلمان، وهي علامة على عدم ثقة الفلاحين الكبيرة تجاه حكومة ناريندرا مودي.
عن لاكسبريس