منذ فترة طويلة، وعلى فترات منتظمة
لهذا يستمر توهّم الانقلاب العسكري في فرنسا...!
-- المثير للاهتمام هو ترسّخ فكرة الانقلاب في بلد لم يكن ضحية له لأكثر من قرنين، مع نابليون بونابرت
-- إن المقالين ليسا انقلابا، ولا مكونات خطيرة للانقلاب، ولا مؤشرًا على انقلاب في المستقبل
-- تخيّل أو فكرة الانقلاب تتقــــدم بشـــكل واضح، من جميع اتجاهات الطيف الســياسي
-- تبدو فكرة الانقلاب العسكري في فرنسا مرتبطة بالماضي البعيد
-- تستحق المقالات الأخيرة للعسكريين، أن توضـــع فـي ســياق تاريخي أكبـر
-- ربما يقف وراء الظاهرة، الخوف من العجز في مواجهة الأحداث
منذ فترة طويلة، وعلى فترات منتظمة، كانت فكرة الانقلاب العسكري تستوطن النقاش العام الفرنسي. ومن خلال نشر نداءين من عسكريين فرنسيين، أولهما في تاريخ الذكرى الستين لانقلاب الجزائر، كان فريق “فالور اكتويل” التحريري على يقين تقريبًا من النتيجة التي تم الحصول عليها: ضجة وسيل من ردود فعل الطبقة السياسية بأكملها. تغريدات، وتدوينات على الشبكات الاجتماعية، وتعليقات في الجمعية الوطنية أو مجلس الشيوخ ... تضاعفت مظاهر القلق والاستنكار والجزع. من هذين المقالين، لن نكتشف أي جديد. إنهما، على وجه الخصوص، تأكيد لضجر ملموس من انخراط فرنسا في العديد من الساحات منذ سنوات، والتركيز على موضوع “الحرب الأهلية”، التي لن يكونوا هم المبادرون بها في كل الأحوال. من جهة أخرى، فإن استحضار السياسة المحلية ليس بالأمر الجديد. في بعض الجوانب، هؤلاء الضباط، ليسوا أول من يمسك القلم. ففي مسألة رسائل الناخبين، يكفي العودة إلى الصفحة الثانية من الجريدة الصباحية التقليدية الكبرى لليمين في الأعوام 1980-90 لتنسيب الأمور، ففي مواجهة السلطة الاشتراكية (أو “الاشتراكية-الشيوعية”)، كان هناك العديد من التمردات عبر كتابة الرسائل من قبل عسكريين سابقين.
لن نناقش هنا إمكانية حدوث انقلاب عسكري في فرنسا عام 2021. وفي هذا الصدد، نقول شيئًا واحدًا فقط: الظروف السياسية والاجتماعية من ناحية، ووسائل ودوافع الجزء الهائل من القوات المسلحة من ناحية أخرى، تحكمان بوضوح على مثل هذا الحلم بالفشل. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو ترسّخ فكرة الانقلاب في بلد لم يكن ضحية له منذ أكثر من قرنين من الزمان، مع نابليون بونابرت. إنها أيضًا فكرة، أن التجمع الوطني سيكون السبب أو الشريك أو النتيجة.
من بيكر إلى سالان
خطاب الجنرال بولانجيه يقربه من أصول الشعبوية القومية الفرنسية بينما تحيل قبعته العسكرية الى انقلاب لم يحدث أبدًا. جنرال جمهوري، وزير الحرب، مبحرا في طوفان من الأفكار القومية التي تجتاح البلاد، أصبح بولانجيه يتمتع بشعبية كبيرة. جمهوري وعيّنه الجمهوريون في الحكومة، إنه يحظى باستحسان واسع النطاق. أولاً على اليسار، ثم بين البونابرتيين، ثم كل القوميين. رشّح نفسه للانتخاب، وتمّ انتخابه. بيع تمثاله ليزين البيوت. ويحرك الجماهير.
انتخب بانتصار ساحق في باريس، ورفض السير على الاليزيه. يلقّب بـ “الجنرال انتقام”، هرب، بعد أن منح الحكومة الوقت لإعادة تجميع صفوفها. في جميع مراحل الجمهورية الثالثة، عادت فكرة الانقلاب العسكري إلى الظهور بشكل دوري -كتهديد أو حل -في صحافة معينة دون أن تتحقق أبدًا، حتى في زمن الكاغول.
ليس نادرا طرح انقلاب الجنرالات في أبريل 1961 كذكرى مجيدة من قبل أنصار الجزائر الفرنسية السابقين. حدث، كما نعلم، في نهاية الحرب الجزائرية تقريبًا، بقيادة أربعة جنرالات -سالان، جوهود، زيلر، شال –وجرّ ضباطا مثل هيلي دينويكس دي سان مارك. سببه عميق: منذ بداية حرب الهند الصينية، شعر العديد من الضباط بأنهم أجبروا من قبل السياسيين على التخلي عن الميدان. واختلفت الآراء الأساسية للمشاركين في انقلاب الجزائر ودوافعهم. لذلك، لم يكن هناك سوى شعور مشترك وحّدهم طيلة ثلاثة أيام فقط بما ان الانقلاب قد فشل.
في الاثناء، انطلق من جزر الكناري المغربية الإسبانية على وجه الخصوص، حاول الانقلاب الذي قاده الجنرالات مولا وفرانكو بشكل أساسي، الإطاحة بالجمهورية الإسبانية والجبهة الشعبية، أعقب ذلك حرب أهلية دموية. في فرنسا، طالب الاشتراكيون والشيوعيون بـ “البنادق والمدافع لإسبانيا”، ودافع الراديكاليون عن عدم التدخل، بينما وجد اليمين خصالا للانقلابين.
قام بعض المتعاونين المستقبليين بتجربتهم المسلحة الأولى في إسبانيا، مثل جان هيرولد باكويس، الصوت الفرنسي لراديو سرقسطة. ومن الواضح أن انقلاب فرانكو يبقى في الذاكرة لأنه بلد أوروبي حدودي، ولأنه رغم العديد من المزالق، تمكن العديد من الجمهوريين الإسبان من العثور على ملاذ في فرنسا (كان هشًا للغاية حتى 1944-1945).
في مصادر الخيال المعاصر للانقلابات
في فترة ما بعد الحرب، مع اندلاع الحرب الباردة، بدت العديد من الديمقراطيات هشة، وبعضها، مثل اليونان، قد تصبح مهددة عندما تنتخب أغلبية تقدمية. وكان انقلاب الكولونيلات اليونانيين هو الذي طبع يسار الستينات، خاصة أن كوستا غافراس، روى في “زاد” تقدم اليونان نحو الانقلاب.
بالنسبة لليونان، لم يقتصر الجيش على احتلال بعض مراكز السلطة، بل لاحق بشكل منهجي ما يتعارض ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا مع كل ما قرر الجيش “الحفاظ عليه”، أو بالأحرى تكريسه. عرض الشخصية، التي لعبها بيير دوكس، يلخص وحده المهمة التي كلف بها هؤلاء العسكريون المناهضون للشيوعية بشدة والذين ابرموا اتفاقًا، في هذه الحالة، مع عالم الجريمة المنظمة. موسيقى “زاد” من تأليف ميكيس ثيودوراكيس، الذي كان مسجونا في الجزر زمن الفيلم. غمزة: تم تصويره في الجزائر على مسرح انقلاب الجنرالات.
يتذكر البعض الانقلاب ضد أربينز في غواتيمالا عام 1954، لكنه بلا شك -أكثر من أي ذكرى أخرى -ذكرى انقلاب أوغوستو بينوشيه ضد حكومة سلفادور أليندي اليسارية هو الذي ترك بصمته وطبع العقول بقوة. الآلاف من القتلى والتعذيب الممنهج في الملعب الوطني أو في فيلا غريمالدي التي ارتكبها الجيش على الآلاف من المواطنين اليساريين، وأدت عمليات الخطف والاختفاء إلى صدمة اليسار الفرنسي الذي شرع في عملية توحيد اليسار من عام 1972. وستثير كل التيارات اليسارية إلى حد كبير الوضع السياسي في تشيلي قبل وبعد الانقلاب في منشوراتها، مع شبكة تفسيرهم واستحضار خطر مماثل في فرنسا.
في التاريخ نفسه ، شهدت إيطاليا مايو(ها) 68 الزاحف. عام 1956، قرر بيترو نيني الانفصال عن الحزب الشيوعي الإيطالي، الذي لم يعد له حلفاء. ومع ذلك، فإن هذا الأخير يحتل بالتدرج، وبحكم الامر الواقع، مساحة الاشتراكية الديمقراطية التي تفتقر إليها إيطاليا، ولكن لم تظهر مسألة الوصول إلى السلطة مجددا إلا في مطلع السبعينات. بعد عام 1968، فكر إنريكو بيرلينغير في كيفية إشراك حزبه في الحكومة وإضفاء الشرعية عليه لممارسة السلطة.
لقد اختار اليد الممدودة “لتسوية تاريخية” مع الديمقراطية المسيحية بزعامة ألدو مورو. في نفس الوقت، يتحد اليمين المتطرف، ويضع على رأسه أميرالا سابقا، كان في وقت ما ضمن قيادة الناتو، جينو بيرينديلي. ومع تصاعد العنف اليساري المتطرف في البلاد، ورسوخ سنوات الرصاص، تعامل اليمين المتطرف بمهارة مع الإشارة إلى إمكانية حدوث انقلاب وتحريض الديمقراطية المسيحية لكسر الطوق الصحي فيما يتعلق بالحركة الاشتراكية الإيطالية -هذا التحريض موجه لليمين الذي يمثله جوليو اندريوتي. وقد كان اغتيال الالوية الحمراء لألدو مورو هو الذي قرع، في الواقع، ناقوس موت آمال الشيوعي بيرلينجر.
انتهى خيال الانقلاب في أوروبا لعدة عقود طويلة بفشل الانقلاب، السيء الاعداد والمعاكس للمسار الاجتماعي العميق، في مدريد في فبراير 1981 من قبل المقدم تيجيرو. فشل كامل، ليس له سوى عواقب سياسية منها نشاط تيجيرو ضد استخراج رفات فرانكو قبل بضعة أشهر ...
من الواضح أن عمليات التعبئة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في تشيلي واليونان والأرجنتين، واستقبال منفييها الذين اندمجوا في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لفرنسا، وأضافوا اليها جزء من ذاكرتهم الجماعية مدمجة في الذاكرة الفرنسية، هي التي تحيي ذاكرة ما يعنيه الانقلاب العسكري. وهذا أكثر بكثير من ذكرى انقلاب أبريل 1961، التي لم يكن اليسار الفرنسي خلالها ممثلاً، ولا حتى عنصرًا صوريا. على العكس من ذلك، نادرًا ما نتخيل الجيش، كجيش تقدمي كما هو الحال في البرتغال.
منذ عشر سنوات: تصريحات عبثية وأوهام واستقراء
العودة الحقيقية لشبح الانقلاب العسكري تعود مع حركة 2013 ضد مشروع بيل توبيرا. في فرنسا، وفي الأوساط المتشددة المتعارضة، هناك خيال متكرر يتعلق بتمرد القوات المسلحة. ومن المضحك رؤية قناة تلفزيونية تقدم الجنرال برونو داري، العضو السابق في “التظاهرة للجميع” عام 2013، كضابط مشمئز بطبيعته من النصوص التي نشرتها فالور اكتويال.
في حين هو الذي، قبل أقل من عام، تحدث في اجتماع حاشد “للتظاهرة للجميع”، ليحتج على الطبيعة الديمقراطية للتدابير المتخذة خلال الحجر الصحي. ويجب أن نتذكر أيضًا أنه قبل ثماني سنوات، تم اتهام هذا الشخص، مثل آخرين، بنفس النوع من الميول. لقد كان حلم الانقلاب العسكري موضوعا رائجا في ذلك الوقت، وأثار وجود عائلات عسكرية، غالبًا كاثوليكية تقليدية داخل “التظاهرة للجميع”، التكهنات حول تدخل القوات المسلحة في السياسة، وأكدت استطلاعات الرأي هذه المخاوف.
تُظهر لنا المثابرة الشبكية ما هو الانقلاب اليوم بالنظارات التي كان من الممكن أن تكون لنا زمن الكولونيلات اليونانيين أو بينوشيه. ومع ذلك، فإن زعزعة الاستقرار والإطاحة بالحكومات (سواء أكانت شرعية أم لا) تحدث من خلال إعطاء مكان كبير للصورة التلفزيونية طبعا، والتي يتم بثها ونشرها من خلال الشبكات الاجتماعية والإنترنت. قبل ذلك، نعلم أن دور الصورة كان أقل: يتم السطو على بعض الوزارات ومقرات الإذاعة والتلفزيون الحكومي، وتنتهي المسألة.
اليوم، يُنصح بتدبير الأمور من خلال توريط متظاهرين تعرضوا لسوء المعاملة بشكل واضح، وقوات شرطة تقمع تحت أعين الكاميرات، وادانات من الخارج، إلخ. تبدو فكرة الانقلاب العسكري في فرنسا مرتبطة بالماضي البعيد. وفي هذه الحالة، يجب أن نحافظ على العقل: لم ينشر فرانكو أو مولا في إسبانيا ولا بينوشيه وغوستافو لي في إحدى الصحف للإعلان عن نواياهم.
وهكذا، فإن المقالين “في فالور اكتويل”، ليسا انقلابا، ولا مكونات خطيرة للانقلاب، ولا مؤشرًا على انقلاب في المستقبل. في المقابل، فإن خيال أو فكرة الانقلاب تتقدم بشكل واضح، من جميع اتجاهات الطيف السياسي، ولعلها تكشف الخوف من العجز في مواجهة الأحداث، من جانب أولئك الذين يحلمون به، و بالقدر نفسه من الذين لديهم كوابيس منه.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “الى اللقاء غرامشي” (منشورات سارف 2015).
-- إن المقالين ليسا انقلابا، ولا مكونات خطيرة للانقلاب، ولا مؤشرًا على انقلاب في المستقبل
-- تخيّل أو فكرة الانقلاب تتقــــدم بشـــكل واضح، من جميع اتجاهات الطيف الســياسي
-- تبدو فكرة الانقلاب العسكري في فرنسا مرتبطة بالماضي البعيد
-- تستحق المقالات الأخيرة للعسكريين، أن توضـــع فـي ســياق تاريخي أكبـر
-- ربما يقف وراء الظاهرة، الخوف من العجز في مواجهة الأحداث
منذ فترة طويلة، وعلى فترات منتظمة، كانت فكرة الانقلاب العسكري تستوطن النقاش العام الفرنسي. ومن خلال نشر نداءين من عسكريين فرنسيين، أولهما في تاريخ الذكرى الستين لانقلاب الجزائر، كان فريق “فالور اكتويل” التحريري على يقين تقريبًا من النتيجة التي تم الحصول عليها: ضجة وسيل من ردود فعل الطبقة السياسية بأكملها. تغريدات، وتدوينات على الشبكات الاجتماعية، وتعليقات في الجمعية الوطنية أو مجلس الشيوخ ... تضاعفت مظاهر القلق والاستنكار والجزع. من هذين المقالين، لن نكتشف أي جديد. إنهما، على وجه الخصوص، تأكيد لضجر ملموس من انخراط فرنسا في العديد من الساحات منذ سنوات، والتركيز على موضوع “الحرب الأهلية”، التي لن يكونوا هم المبادرون بها في كل الأحوال. من جهة أخرى، فإن استحضار السياسة المحلية ليس بالأمر الجديد. في بعض الجوانب، هؤلاء الضباط، ليسوا أول من يمسك القلم. ففي مسألة رسائل الناخبين، يكفي العودة إلى الصفحة الثانية من الجريدة الصباحية التقليدية الكبرى لليمين في الأعوام 1980-90 لتنسيب الأمور، ففي مواجهة السلطة الاشتراكية (أو “الاشتراكية-الشيوعية”)، كان هناك العديد من التمردات عبر كتابة الرسائل من قبل عسكريين سابقين.
لن نناقش هنا إمكانية حدوث انقلاب عسكري في فرنسا عام 2021. وفي هذا الصدد، نقول شيئًا واحدًا فقط: الظروف السياسية والاجتماعية من ناحية، ووسائل ودوافع الجزء الهائل من القوات المسلحة من ناحية أخرى، تحكمان بوضوح على مثل هذا الحلم بالفشل. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو ترسّخ فكرة الانقلاب في بلد لم يكن ضحية له منذ أكثر من قرنين من الزمان، مع نابليون بونابرت. إنها أيضًا فكرة، أن التجمع الوطني سيكون السبب أو الشريك أو النتيجة.
من بيكر إلى سالان
خطاب الجنرال بولانجيه يقربه من أصول الشعبوية القومية الفرنسية بينما تحيل قبعته العسكرية الى انقلاب لم يحدث أبدًا. جنرال جمهوري، وزير الحرب، مبحرا في طوفان من الأفكار القومية التي تجتاح البلاد، أصبح بولانجيه يتمتع بشعبية كبيرة. جمهوري وعيّنه الجمهوريون في الحكومة، إنه يحظى باستحسان واسع النطاق. أولاً على اليسار، ثم بين البونابرتيين، ثم كل القوميين. رشّح نفسه للانتخاب، وتمّ انتخابه. بيع تمثاله ليزين البيوت. ويحرك الجماهير.
انتخب بانتصار ساحق في باريس، ورفض السير على الاليزيه. يلقّب بـ “الجنرال انتقام”، هرب، بعد أن منح الحكومة الوقت لإعادة تجميع صفوفها. في جميع مراحل الجمهورية الثالثة، عادت فكرة الانقلاب العسكري إلى الظهور بشكل دوري -كتهديد أو حل -في صحافة معينة دون أن تتحقق أبدًا، حتى في زمن الكاغول.
ليس نادرا طرح انقلاب الجنرالات في أبريل 1961 كذكرى مجيدة من قبل أنصار الجزائر الفرنسية السابقين. حدث، كما نعلم، في نهاية الحرب الجزائرية تقريبًا، بقيادة أربعة جنرالات -سالان، جوهود، زيلر، شال –وجرّ ضباطا مثل هيلي دينويكس دي سان مارك. سببه عميق: منذ بداية حرب الهند الصينية، شعر العديد من الضباط بأنهم أجبروا من قبل السياسيين على التخلي عن الميدان. واختلفت الآراء الأساسية للمشاركين في انقلاب الجزائر ودوافعهم. لذلك، لم يكن هناك سوى شعور مشترك وحّدهم طيلة ثلاثة أيام فقط بما ان الانقلاب قد فشل.
في الاثناء، انطلق من جزر الكناري المغربية الإسبانية على وجه الخصوص، حاول الانقلاب الذي قاده الجنرالات مولا وفرانكو بشكل أساسي، الإطاحة بالجمهورية الإسبانية والجبهة الشعبية، أعقب ذلك حرب أهلية دموية. في فرنسا، طالب الاشتراكيون والشيوعيون بـ “البنادق والمدافع لإسبانيا”، ودافع الراديكاليون عن عدم التدخل، بينما وجد اليمين خصالا للانقلابين.
قام بعض المتعاونين المستقبليين بتجربتهم المسلحة الأولى في إسبانيا، مثل جان هيرولد باكويس، الصوت الفرنسي لراديو سرقسطة. ومن الواضح أن انقلاب فرانكو يبقى في الذاكرة لأنه بلد أوروبي حدودي، ولأنه رغم العديد من المزالق، تمكن العديد من الجمهوريين الإسبان من العثور على ملاذ في فرنسا (كان هشًا للغاية حتى 1944-1945).
في مصادر الخيال المعاصر للانقلابات
في فترة ما بعد الحرب، مع اندلاع الحرب الباردة، بدت العديد من الديمقراطيات هشة، وبعضها، مثل اليونان، قد تصبح مهددة عندما تنتخب أغلبية تقدمية. وكان انقلاب الكولونيلات اليونانيين هو الذي طبع يسار الستينات، خاصة أن كوستا غافراس، روى في “زاد” تقدم اليونان نحو الانقلاب.
بالنسبة لليونان، لم يقتصر الجيش على احتلال بعض مراكز السلطة، بل لاحق بشكل منهجي ما يتعارض ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا مع كل ما قرر الجيش “الحفاظ عليه”، أو بالأحرى تكريسه. عرض الشخصية، التي لعبها بيير دوكس، يلخص وحده المهمة التي كلف بها هؤلاء العسكريون المناهضون للشيوعية بشدة والذين ابرموا اتفاقًا، في هذه الحالة، مع عالم الجريمة المنظمة. موسيقى “زاد” من تأليف ميكيس ثيودوراكيس، الذي كان مسجونا في الجزر زمن الفيلم. غمزة: تم تصويره في الجزائر على مسرح انقلاب الجنرالات.
يتذكر البعض الانقلاب ضد أربينز في غواتيمالا عام 1954، لكنه بلا شك -أكثر من أي ذكرى أخرى -ذكرى انقلاب أوغوستو بينوشيه ضد حكومة سلفادور أليندي اليسارية هو الذي ترك بصمته وطبع العقول بقوة. الآلاف من القتلى والتعذيب الممنهج في الملعب الوطني أو في فيلا غريمالدي التي ارتكبها الجيش على الآلاف من المواطنين اليساريين، وأدت عمليات الخطف والاختفاء إلى صدمة اليسار الفرنسي الذي شرع في عملية توحيد اليسار من عام 1972. وستثير كل التيارات اليسارية إلى حد كبير الوضع السياسي في تشيلي قبل وبعد الانقلاب في منشوراتها، مع شبكة تفسيرهم واستحضار خطر مماثل في فرنسا.
في التاريخ نفسه ، شهدت إيطاليا مايو(ها) 68 الزاحف. عام 1956، قرر بيترو نيني الانفصال عن الحزب الشيوعي الإيطالي، الذي لم يعد له حلفاء. ومع ذلك، فإن هذا الأخير يحتل بالتدرج، وبحكم الامر الواقع، مساحة الاشتراكية الديمقراطية التي تفتقر إليها إيطاليا، ولكن لم تظهر مسألة الوصول إلى السلطة مجددا إلا في مطلع السبعينات. بعد عام 1968، فكر إنريكو بيرلينغير في كيفية إشراك حزبه في الحكومة وإضفاء الشرعية عليه لممارسة السلطة.
لقد اختار اليد الممدودة “لتسوية تاريخية” مع الديمقراطية المسيحية بزعامة ألدو مورو. في نفس الوقت، يتحد اليمين المتطرف، ويضع على رأسه أميرالا سابقا، كان في وقت ما ضمن قيادة الناتو، جينو بيرينديلي. ومع تصاعد العنف اليساري المتطرف في البلاد، ورسوخ سنوات الرصاص، تعامل اليمين المتطرف بمهارة مع الإشارة إلى إمكانية حدوث انقلاب وتحريض الديمقراطية المسيحية لكسر الطوق الصحي فيما يتعلق بالحركة الاشتراكية الإيطالية -هذا التحريض موجه لليمين الذي يمثله جوليو اندريوتي. وقد كان اغتيال الالوية الحمراء لألدو مورو هو الذي قرع، في الواقع، ناقوس موت آمال الشيوعي بيرلينجر.
انتهى خيال الانقلاب في أوروبا لعدة عقود طويلة بفشل الانقلاب، السيء الاعداد والمعاكس للمسار الاجتماعي العميق، في مدريد في فبراير 1981 من قبل المقدم تيجيرو. فشل كامل، ليس له سوى عواقب سياسية منها نشاط تيجيرو ضد استخراج رفات فرانكو قبل بضعة أشهر ...
من الواضح أن عمليات التعبئة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في تشيلي واليونان والأرجنتين، واستقبال منفييها الذين اندمجوا في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لفرنسا، وأضافوا اليها جزء من ذاكرتهم الجماعية مدمجة في الذاكرة الفرنسية، هي التي تحيي ذاكرة ما يعنيه الانقلاب العسكري. وهذا أكثر بكثير من ذكرى انقلاب أبريل 1961، التي لم يكن اليسار الفرنسي خلالها ممثلاً، ولا حتى عنصرًا صوريا. على العكس من ذلك، نادرًا ما نتخيل الجيش، كجيش تقدمي كما هو الحال في البرتغال.
منذ عشر سنوات: تصريحات عبثية وأوهام واستقراء
العودة الحقيقية لشبح الانقلاب العسكري تعود مع حركة 2013 ضد مشروع بيل توبيرا. في فرنسا، وفي الأوساط المتشددة المتعارضة، هناك خيال متكرر يتعلق بتمرد القوات المسلحة. ومن المضحك رؤية قناة تلفزيونية تقدم الجنرال برونو داري، العضو السابق في “التظاهرة للجميع” عام 2013، كضابط مشمئز بطبيعته من النصوص التي نشرتها فالور اكتويال.
في حين هو الذي، قبل أقل من عام، تحدث في اجتماع حاشد “للتظاهرة للجميع”، ليحتج على الطبيعة الديمقراطية للتدابير المتخذة خلال الحجر الصحي. ويجب أن نتذكر أيضًا أنه قبل ثماني سنوات، تم اتهام هذا الشخص، مثل آخرين، بنفس النوع من الميول. لقد كان حلم الانقلاب العسكري موضوعا رائجا في ذلك الوقت، وأثار وجود عائلات عسكرية، غالبًا كاثوليكية تقليدية داخل “التظاهرة للجميع”، التكهنات حول تدخل القوات المسلحة في السياسة، وأكدت استطلاعات الرأي هذه المخاوف.
تُظهر لنا المثابرة الشبكية ما هو الانقلاب اليوم بالنظارات التي كان من الممكن أن تكون لنا زمن الكولونيلات اليونانيين أو بينوشيه. ومع ذلك، فإن زعزعة الاستقرار والإطاحة بالحكومات (سواء أكانت شرعية أم لا) تحدث من خلال إعطاء مكان كبير للصورة التلفزيونية طبعا، والتي يتم بثها ونشرها من خلال الشبكات الاجتماعية والإنترنت. قبل ذلك، نعلم أن دور الصورة كان أقل: يتم السطو على بعض الوزارات ومقرات الإذاعة والتلفزيون الحكومي، وتنتهي المسألة.
اليوم، يُنصح بتدبير الأمور من خلال توريط متظاهرين تعرضوا لسوء المعاملة بشكل واضح، وقوات شرطة تقمع تحت أعين الكاميرات، وادانات من الخارج، إلخ. تبدو فكرة الانقلاب العسكري في فرنسا مرتبطة بالماضي البعيد. وفي هذه الحالة، يجب أن نحافظ على العقل: لم ينشر فرانكو أو مولا في إسبانيا ولا بينوشيه وغوستافو لي في إحدى الصحف للإعلان عن نواياهم.
وهكذا، فإن المقالين “في فالور اكتويل”، ليسا انقلابا، ولا مكونات خطيرة للانقلاب، ولا مؤشرًا على انقلاب في المستقبل. في المقابل، فإن خيال أو فكرة الانقلاب تتقدم بشكل واضح، من جميع اتجاهات الطيف السياسي، ولعلها تكشف الخوف من العجز في مواجهة الأحداث، من جانب أولئك الذين يحلمون به، و بالقدر نفسه من الذين لديهم كوابيس منه.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “الى اللقاء غرامشي” (منشورات سارف 2015).