لوموند تكشف خفايا «ثورة القصر» في الغابون
بعد ساعات قليلة من الإطاحة بعلي بونغو أونديمبا، الذي حكمت عائلته الغابون لمدة خمسة وخمسين عاماً، عين الجيش يوم أمس الأول الأربعاء 30 أغسطس(آب)، رجلاً من الدائرة الداخلية لتولي مسؤولية الفترة الانتقالية. وقال جندي لقناة غابون 24 بحضور عشرات الضباط والجنرالات، إن “مبرايس عين بالإجماع رئيساً للمرحلة الانتقالية»
وعلى عكس الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تقول صحيفة “لوموند” إن مبرر الانقلاي لا يمكن أن يكون أمنياً، في هذا البلد الغني بالنفط والمعادن والذي لم يشهد حرباً قط. وفي المقابل، كان لدى الجنود حجة قوية، وهي الانتخابات العامة التي تم تنظيمها في 26 أغسطس (آب) “والتي تم إلغاء نتائجها المبتورة”، كما أشار الجيش في أول بيان له.
تلاعب وقمع
وعند وصوله إلى السلطة في عام 2009، بعد أربعة أشهر من وفاة والده عمر بونغو أونديمبا، الذي كان شخصية محورية في العلاقات الفرنسية الأفريقية لأكثر من ثلاثين عاماً، لم يتمكن علي بونغو قط من المطالبة بإجراء انتخابات منتظمة. ولكي يفوز في عام 2009 على أندريه مبا أوبام، وفي عام 2016 ضد جان بينغ، كان عليه أن يلجأ إلى التلاعب، وهو ما تم توثيقه على نطاق واسع منذ ذلك الحين، وإلى القمع.
ولكن بعد التصويت الذي جرى يوم السبت، والذي كانت الغابون خلاله معزولة عن العالم، من دون شبكة إنترنت، ومن دون مراقبين أو صحافيين أجانب، بدا انقلاب النتائج لصالحها واضحاً للغاية. وأكدت المعارضة وكذلك جميع المراقبين المستقلين الذين تم الاتصال بهم حدوث “موجة عارمة” لصالح ألبرت أوندو أوسا، الذي حصل رسميًا على 30.77% من الأصوات، لكن نتيجته الحقيقية، وفقًا لمحاورينا، هي أقرب إلى 70%. ومنذ ذلك الحين، بدا الانقلاب العسكري في أعين الكثير من الشعب الغابوني بمثابة تحرير.
وفي ليبرفيل، العاصمة، كما هو الحال في العديد من البلدات، خرج الآلاف من الغابونيين إلى الشوارع، ولف بعضهم جسمه بالعلم الوطني، بينما غنى آخرون النشيد الوطني الغابوني، للتعبير عن فرحتهم لسقوط السلطة القائمة.
وقال أحد سكان منطقة بلين أوريتي، حيث بدا السكان غير مهتمين كثيراً بحظر التجول الذي تم تخفيضه من السابعة مساء إلى السادسة مساء: “يقولون إننا تحررنا أخيراً من هذا النظام الذي يخنقنا منذ خمسة وخمسين عاماً».
رجل متزن ورصين
ووفقا لعدة مصادر، حاول الجنرال أوليغي نغيما، حتى قبل تنصيبه في مهامه الجديدة، طمأنة العديد من زعماء أفريقيا الوسطى والسفير الفرنسي في ليبرفيل إلى نواياه.
ونقلت “لوموند” عن مصدر مطلع قوله: “إنه رجل متزن ورصين. أخبرني أن الجيش لم يعد يريد أن يُستخدم لقتل الشعب الغابوني بعد كل انتخابات. وانقلاباته لا تتبع نفس المنطق الذي اتبعته الانقلابات في منطقة الساحل. ليس وارداً بالنسبة إليه أن يطلب من الفرنسيين المغادرة».
وأضاف المصدر أنه يمكن أن يكون للجذور العرقية دور في الانقلاب. كان الضابط البالغ من العمر 48 عاماً والذي يتحدر من إتينة فانغ لناحية والده وتكه لجهة والدته، وهي قريبة الرئيس الراحل علي بونغو، قد أوضح أن “الجيش لم يعد قادراً على استبعاد الغالبية السيوسيولوجية للغابون».
ويشار إلى أن أندريه مبا أوبام، المرشح الذي لم ينجح في انتخابات عام 2009، وألبرت أوندو أوسا، الذي ترشح هذا العام، ينتميان إلى إتنية فانغ.
لكن العديد من المصادر الأخرى كانت بحسب “لوموند” أكثر حذراً بشأن دوافع المجلس العسكري الجديد، مشيرة إلى أن نغيما أقيل المرة الأولى على يد علي بونغو ، ثم عاد إلى منصبه في القصر عام 2019، حيث تم تعيينه لأول مرة رئيساً للمديرية العامة للخدمات الخاصة، وهي استخبارات الحرس الجمهوري، ليحل محل فريديريك بونغو، الأخ غير الشقيق للرئيس.
أحد أبناء النظام
ولفت دبلوماسي من أفريقيا الوسطى إلى أن الضابط المتدرب خصوصاً في الأكاديمية العسكرية الملكية في مكناس بالمغرب هو “أحد أبناء النظام”. ويواصل المصدر نفسه أن “الهدف من هذا الانقلاب هو حصر الأضرار ومواكبة وتيرة السكان”. ولو خرج الناس إلى الشوارع، لاضطر الجنرال نغيما وجميع مسؤولي النظام إلى المغادرة.
وتنقل “لوموند” عن أحد المطلعين على أسرار السلطة الغابونية قوله إن هذا الانقلاب له طابع انتفاضة القصر”، موضحاً أن نغيما كان منذ أشهر في صراع مع زوجة رئيس الدولة المخلوع، سيلفيا، وابنهما نور الدين بونغو فالنتين الذي يكتسب قوة منذ إصابة علي بونغو أونديمبا بسكتة دماغية. وقال: “لقد اعتبر (نغيما) نفسه دائماً مخلصاً للرئيس، لا لزوجته وابنه اللذين حكما الغابون بالوكالة”، مضيفاً أن الولاية الثالثة التي سعى إليها علي بونغو لم يكن لها أي غرض آخر سوى إعداد ابنه لخلافته.