الانسحاب سيبدأ في الأول من مايو

ما مصير الذين ستتخلى عنهم أمريكا في أفغانستان...؟

ما مصير الذين ستتخلى عنهم أمريكا في أفغانستان...؟

-- لا وجود لحل عسكري محتمل للحرب في أفغانستان، وهناك حاجة إلى اتفاق سياسي
-- المطلوب ضخ جرعة من الأخلاق في النهاية المحرجة لحرب استمرت لفترة طويلة
-- مهمات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب يمكن أن تستمر، رغم سحب القوات
-- يريد جو بايدن التركيز على التحديات القادمة، ويرفض أن تكون الحرب مبادرة متعددة الأجيال
-- ستتضاءل قدرة الأمريكان على جمع المعلومات أو التصرف في مواجهة ظهور جديد للتهديدات


أعلن جو بايدن انسحاب القوات بعد عشرين عاما من الحرب التي لم تؤد إلى شيء.
جزء من السكان الأفغان سيدفعون حياتهم وحريتهم مقابل انسحاب القوات هذا، مهما بدا مبررًا.
   من ناحية، فإن قرار الرئيس جو بايدن بسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر هو قرار منطقي تمامًا. لقد تم إرسالهم إلى هناك قبل عشرين عامًا لاجتثاث القاعدة التي قتلت 3 الاف أمريكي في الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون. تم تحقيق هذا الهدف قبل عشر سنوات. ومنذئذ، حاول الجيش الأمريكي مساعدة حكومة البلاد في بناء مجتمع مدني وجيش بهدف إبقاء طالبان بعيدة. لم تنجح أي من هاتين العمليتين، بل استمرتا طويلا وحان وقت العودة إلى البيت.
  من ناحية أخرى، يبدو توقيت هذا الانسحاب، الذي أُعلن في خطاب متلفز الأربعاء 14 أبريل، مثيرًا للفضول. لقد مضى وقت طويل منذ أن انسحب الجنود الأمريكيون ولم يعد يلعبون دورًا نشطًا في القتال. على الأكثر، بلغ عددهم 98 الفا، وفي عشرين سنة مات منهم 2488..
واليوم، لا يوجد سوى 3500 جندي أمريكي في أفغانستان -منهم 1000 ينتمون إلى القوات الخاصة -ولم تسجل حالة وفاة واحدة منذ عام.

   قد يتساءل البعض
 لماذا استعجال المغادرة؟
   إليكم السبب: مع اقتراب نهاية ولاية ترامب، وقع المفاوضون الأمريكيون اتفاقًا مع طالبان، يلتزمون فيه بسحب جميع القوات من أفغانستان بحلول الأول من مايو 2021 -مقابل تخلي طالبان عن أي تعاون مستقبلي مع القاعدة. (لقد أثبت تنظيم الدولة الإسلامية وجوده مؤخرًا في أفغانستان، لكن طالبان مثل القاعدة يرفضانه بشدة). وإذا لم يرحل الجنود الأمريكيون بحلول ذلك الوقت، فإن طالبان ستهاجمهم عسكريًا وستضطر الولايات المتحدة للعودة إلى العمل، وهذا هو آخر شيء يريده بايدن والجميع تقريبًا.

الحفاظ على
المساعدات الإنسانية
    في الشهر الماضي، في أول مؤتمر صحفي له كرئيس، قال بايدن إنه سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل من الناحية اللوجستية، سحب جميع القوات في مثل هذا الإطار الزمني القصير. وقال في إعلان، إن الانسحاب “سيبدأ” في الأول من مايو. من الواضح أن بايدن يأمل -وربما تمكن من ترتيب الامر-أن ترى طالبان في ذلك حسن نية، وأنها لن تهاجم الأمريكيين أثناء انسحابهم. وكما هو الحال مع العديد من الآمال الأخرى، مع طالبان لا توجد ضمانات.
    ومع ذلك، هناك مشكلة أكبر، على الأقل من وجهة النظر الأفغانية. نفذت القوات الأمريكية، رغم تواجدها الخفيف نسبيًا في السنوات الأخيرة، مهام لمكافحة الإرهاب على الحدود بين أفغانستان وباكستان، ومنعوا طالبان من الاستيلاء على الدولة بأكملها، وقاموا بحماية حقوق الفتيات والنساء، اللاتي ستتحولن إلى عبودية مروعة، كما كان الحال خلال فترة حكم طالبان القصيرة قبل الغزو الأمريكي، إذا ما غادرت القوات الغربية. (قوات الناتو، وعددها أعلى قليلاً، ستتبع خطى الجنود الأمريكيين وتغادر البلاد).
   في 14 أبريل، أوضح بايدن أنه تشاور مع مسؤولي الجيش والمخابرات قبل اتخاذ قراره، لكنه لم يقل ما إذا كانوا يوافقون عليه -ومن الواضح أن العديد منهم لم يوافقوا على الإطلاق.
   قبل ساعات من خطابه، أدلى مديرو وكالات المخابرات الأمريكية بشهاداتهم أمام لجنة في مجلس الشيوخ بشأن التهديدات الرئيسية التي تواجه الأمة. لم تكن أي جماعة إرهابية مقرها في أفغانستان من بين الأسماء الأولى في القائمة، ولكن عندما سئل عن عواقب انسحاب القوات الأمريكية، أجاب وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية، أنه بدون وجود جنود على عين المكان، فإن قدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات أو التصرف في مواجهة ظهور جديد للتهديدات “سيتضاءل، إنها حقيقة”. وأومأ أفريل هينز، مدير المخابرات الوطنية برأسه، مصرّحا إن مجتمع الاستخبارات ككل قد توصل إلى نفس النتيجة.
    وفي حديثه، قال بايدن، “سنواصل دعم حقوق الفتيات والنساء الأفغانيات من خلال الحفاظ على المساعدات الإنسانية المستمرة. سندعو الدول الأخرى في المنطقة إلى زيادة مساعدتها. لن نبتعد عن التهديد الإرهابي، سنقوم بإعادة تنظيم قدرات مكافحة الإرهاب، وهي أوراق مهمة في المنطقة، لضمان تجنب عودة ظهور الإرهابيين. سيتعين على طالبان أن تقدم لنا تقريرًا عن عدم وجود أي تهديد إرهابي ضد الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية «.
  وتابع: “سيقول البعض إن هذا لا يمكن تحقيقه بدون الجيش ... وهذا أفضل طريقة لإبقاء الجنود في أفغانستان إلى أجل غير مسمى”. بايدن محق في هذه النقطة، لكن منتقديه ليسوا مخطئين تمامًا أيضًا. وأضاف الرئيس الأمريكي أن “دبلوماسيتنا لا تتوقف على قدرتنا العسكرية على الأرض”، لكن الأحذية العسكرية لا تضر بالدبلوماسية عندما تكون الأرض المعنية منطقة حرب.

الانتصارات لم
 تحدث قط
    ويقول وليام ماكرافين، الأدميرال المتقاعد والرئيس السابق لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية، التي نظمت الهجوم على مخبأ أسامة بن لادن في باكستان، في مقابلة مع ديفينس وان، إن مهمات الاستخبارات ومكافحة الإرهاب يمكن أن تستمر، رغم سحب القوات.
   «إذا أعطيتني الموارد، يمكنني أن أجد طريقة للقيام بذلك”، يشرح ماكرافين، مضيفًا أنه أثار الموضوع مع مسؤولين مقربين من بايدن. “الآن هل سنحتاج إلى أشخاص على الأرض؟ نعم بالتأكيد. سنحتاج على الأقل إلى وجود صغير في باغرام قاعدة القوات الجوية الأمريكية في أفغانستان ..
 ومن الواضح أننا سنحتاج إلى وجود صغير في العاصمة، وسنحتاج إلى موارد للاستخبارات. أعتقد أن الإدارة ستنجح في معرفة كيفية إدارة ذلك».   ربما، ولكن بالنظر إلى المعاهدة التي تم التفاوض عليها مع طالبان، وفي ضوء إعلان بايدن الانسحاب بحلول سبتمبر، ليس من الواضح كيف.
   قدّم بايدن حججًا مقنعة أخرى في ملاحظاته. منذ اغتيال بن لادن، انتشرت الميليشيات الإسلامية في العديد من البلدان، وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. لذلك، فإن الاحتفاظ بآلاف الجنود في بلد واحد، على حساب مليارات الدولارات، لم يعد منطقيًا. بعض الجنود الأمريكيين المنتشرين في أفغانستان لم يكونوا قد ولدوا عندما نظم بن لادن هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. ولبعضهم أقارب تمركزوا في أفغانستان. وأشار بايدن إلى أن هذه الحرب لم يكن القصد منها “أن تكون مبادرة متعددة الأجيال».
    وأوضح بعض القادة العسكريين الأمريكيين، أنه لم يكن هناك أبدًا حل عسكري محتمل للحرب في أفغانستان، وأن هناك حاجة إلى اتفاق سياسي، لكنهم حذروا من أنه لبدء المحادثات الدبلوماسية، من الأفضل انتظار ان تكون القوات (الامريكية والاطلسية والأفغانية) قد نجحت في خلق “ظروف مواتية” من خلال كسب معارك كافية لمنح الدبلوماسيين الغربيين وزناً أكبر على طاولة المفاوضات. هذه الانتصارات لم تحدث قط، ولم تكن الظروف مواتية. لذا، سأل بايدن، “ما هو الوقت المناسب للخروج؟ في غضون عام؟ سنتين؟ عشر سنوات؟».
   لطالما كان بايدن متشككًا في استراتيجية تصعيد وتمديد المهام في أفغانستان. عندما قاد الرئيس باراك أوباما النقاش حول إرسال المزيد من القوات وتبني استراتيجية مكافحة التمرد (أو “بناء الدولة”)، عارض نائب الرئيس بايدن ذلك بانتظام. وغالبًا ما كان المسؤول الوحيد الذي يطالب بحضور أخف واستراتيجية أقل طموحًا. في وقت لاحق، اعترف أوباما بأن نائبه كان محقّا، وخفّض عدد الجنود إلى المستوى الذي أوصى به الأخير.
   لكن أوباما ترك 5500 رجل في أفغانستان لمساعدة الجيش الأفغاني وتنفيذ مهام لمكافحة الإرهاب بالقرب من الحدود الباكستانية. ترامب، الذي أراد انسحابًا كاملاً الى ان اثنوه مستشاريه، قلص هذا الوجود إلى بضعة آلاف. اليوم، بايدن، الذي لا يرى أي جدوى من الاستمرار إلى أجل غير مسمى، يسحبهم جميعًا.
شيء من الأخلاق
    وقال بايدن، إن الاعتبار النهائي هو أن أفغانستان ليست بهذه الأهمية بالنسبة لنا. وأوضح “نحن بحاجة إلى التركيز على التحديات المقبلة”. ويشمل ذلك إحباط العمليات الإرهابية التي انتشرت خارج أفغانستان، ومكافحة الوباء، وتعزيز التحالفات في مجال الأمن السيبراني، وتحسين القدرة التنافسية الأمريكية في مواجهة الطموحات الصينية.
   هناك شيء واحد يجب على بايدن التفكير فيه بجدية بالغة: إذا لم تعد أفغانستان مهمة جدًا بالنسبة لنا أو لجزء كبير من العالم، إلا أنها مهمة للأفغان، الذين وضع الكثير منهم حياتهم على المحك لمساعدة ضباط وجنود ودبلوماسيون أمريكيون للقتال فيما اصبحت، في أوجها، حربًا أمريكية بقدر ما هي صراعًا أفغانيًا. إذا رحل الأمريكيون واستعادت طالبان السيطرة، فمن المرجح أن يتم اعتقال أو قتل العديد من هؤلاء الأفغان وعائلاتهم.
   في ذي اتلنتيك، يذكّر جورج باكر أنه عندما انتهت حرب فيتنام فجأة، عارض بايدن، السناتور آنذاك، إرسال الأموال لإخراج الآلاف من البلاد، واستقبال، على الأراضي الأمريكية، الآلاف من المواطنين الفيتناميين الجنوبيين الذين ساعدوا الجنود الأمريكيين أثناء الحرب. بالنظر إلى الماضي، وفي نظر الكثيرين في ذلك الوقت، كان هذا الموقف حقيرا (اتخذ الرئيس جيرالد فورد والعديد من المسؤولين الآخرين جانبًا مختلفًا وتم إجلاء 135 ألف فيتنامي).
  الحد الأدنى، هو ألا يرتكب الرئيس بايدن نفس الخطأ مرتين. انها إحدى الطرق لضخ القليل من الأخلاق في نهاية محرجة للغاية لحرب استمرت فترة طويلة، والتي لم يقنع هدفها الكثير من الناس لأكثر من عشر سنوات، وذلك بمدّ اليد إلى أولئك الذين ساعدونا.