رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
ما هو خطر العمليات السرية في الحروب؟
شهدَ العالم واحدة من أبرز عمليات الاستخبارات في التاريخ، مع تخريب إسرائيل أجهزة إرسال تستخدمها جماعة حزب الله وفجَّرتها بشكلٍ متزامن، ما أسفر عن قتلى بالعشرات ومصابين بالآلاف.
ووعد الحزب بالانتقام، غير أنّ الطبيعة المعقدة للهجوم وتأثيراته على اتصالاته وقيادته وامعنوياته، زعزعت الجماعة الإرهابية إلى حدٍ كبير. وفي خضم الاتهامات والتهديدات والشك الذي تفشى بعد العملية، يغيب عن الأذهان أن إسرائيل لم تعلن رسمياً مسؤوليتها عن الحادث، لأنه يندرج تحت فئة خاصة وسرية من فنون الحنكة السياسية تُعرف بالعمليات السريّة.
العمليات السرية..الراعي الخفي
وفي هذا الإطار، قال جيف روغ، باحث أول في معهد الأمن العالمي والقومي بجامعة جنوب فلوريدا، في تحليله بموقع “ناشونال إنترست” إن العمليات السريَّة يُفترض أن يبقى فيها دور الراعي خفيّاً أو غير معترف به. ويتيح هذا النوع من العمليات “إنكاراً معقولاً”، مما يسمح للحكومات بنفي معرفتها أو مشاركتها في العمليات السرية. وعادةً ما تلجأ الدول للعمليات السريَّة في الحالات التي تعجز فيها عن تحقيق أهدافها بوسائل علنية أو عندما يكون خطر تحمل مسؤولية العملية جسيماً جداً. والعمليات السرية ذات قيمة خاصة عندما تُنفِّذ الدول عمليات قد تُعدُّ في حالات أخرى أعمال حرب، كالهجمات القاتلة داخل حدود دولة ذات سيادة.
وتلي هذه العملية السرية الأخيرة بعد استهداف رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو (تموز) الماضي. ووفقاً للتقارير، قُتل هنية وحراسه الشخصيون بجهاز تفجيري مخفي في غرفته بفندق مُؤمَّن تأميناً شديداً تديره قوات الحرس الثوري الإيراني. وسرعان ما وُجِّهَت أصابع الاتهام إلى إسرائيل، التي تتمتع بتاريخ حافل بعمليات الاغتيال. وإذ تعرضت إيران لحرجٍ شديد بسبب فشلها الاستخباراتي الكبير، فقد وعدت بالانتقام. ورغم توقعات الخبراء بأنها ستضرب إسرائيل مباشرةً خلال أيام، يبدو أن إيران تراجعت عن ذلك. وألمحت إلى أن انتقامها سيكون “مختلفاً” وليس بالضرورة عملية عسكرية كبيرة يخشى الجميع أن تفضي إلى حرب إقليمية.
وكل ذلك بعد أن زعمت إسرائيل أنها قتلت كثيراً من ضباط الحرس الثوري الإيراني، الذين تورطوا في عمليات سرية، في ضربة استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل (نيسان) الماضي. وردَّت إيران بإطلاق وابلٍ كبير من الطائرات المُسيرة والصواريخ والقذائف على إسرائيل ألحقت أضراراً طفيفة بفضل جهود الولايات المتحدة وإسرائيل وكثير من الدول العربية. وكان ذلك أول هجوم عسكري مباشِر في ما كان في السابق حرباً خفية تخوضها إيران وإسرائيل منذ عقود.
وأضاف الباحث، وهو عضو في مجلس إدارة المجلة الدولية للاستخبارات والاستخبارات المضادة وجمعية تاريخ الاستخبارات، كان من المثير للسخرية وغير العقلاني أن تستجيب إيران مباشرةً لهجوم إسرائيلي غير معترف به باستخدام قوة عسكرية علنية.
وعلى أي حال، حققت إيران إلى حدٍ كبير مكانتها الحالية من القوة في الشرق الأوسط بالعمل السري عبر وكلائها. ورغم أن إيران عانت من خسائر نتيجة لعمليات اغتيال استهدافية وانفجارات غامضة استهدفت منشآتها النووية والعسكرية، ونُسِبَ بعضها إلى إسرائيل، فقد تجنبت الأضرار الفادحة الناتجة عن حرب مع إسرائيل بالضبط لأنها استعانت بالعمليات السريَّة.
حرب إقليمية
وأشار الباحث إلى أنه بعد العملية السرية الأخيرة ضد حزب الله، ينتظر العالم مرة أخرى بترقبٍ، متخوفاً من اندلاع حرب إقليمية دامية. وسيتعين على حزب الله، شأنه شأن إيران، أن يفكر بعنايةٍ في خياراته إذا أراد تجنب حرب ستفضي لا محالة إلى هلاكه وتدمير لبنان. ولكن، بالإضافة إلى أن هجوماً كبيراً وعلنياً رداً على عمل سري سيكون ضد مصالح إيران وحزب الله، فإنه سيمثل أيضاً انتهاكاً خطيراً لعُرْفٍ مؤرِّق ولكنه عملي في العلاقات الدولية.
وكانت العمليات السريّة سمة رئيسة من سمات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. فقد امتد نطاق العمليات السرية من الدعاية والترويج الانتخابي إلى العمليات شبه العسكرية والاغتيالات. وأتاح العمل السري للطرفين المتحاربين التنافس دون اللجوء إلى حربٍ كارثية. وهو يكفل مخرجاً آمناً اليوم أيضاً.
خطر العمليات السرية
وأوضح الباحث أن هناك خطر اً دائماً في العمليات السريَّة. فغالباً ما سيرد طرف على عمليات الطرف الآخر السرية بعمليات خاصة به، مما سيؤدي إلى تصاعد حرب ظِل كتلك التي تجري حالياً في الشرق الأوسط.
فضلاً عن ذلك، جعلت التكنولوجيا والتسريبات والمعلومات المتاحة للجمهور من الصعب إخفاء هوية الطرف الفاعل الذي ينفذ عملية سرية، مما يُسهِّل توجيه اللوم إليه. لكن اللوم لا يعادل الدليل أو الاعتراف بالمسؤولية، ورغم أن هذا الدفاع قد يبدو واهياً، وعلى العالم أن يَزِن عواقب التخلي عن قواعد العمل السري.
بدايةً، التخلي عن العمل السري ليس من مصلحة الولايات المتحدة. فالعمل السري يضرب بجذوره في القانون الأمريكي بعد عقود من النقاش، ويُعدُّ أداة لا غنى عنها في سياسة الأمن القومي الأمريكي. ونفذت الحكومة الأمريكية حملتها الخاصة من الاغتيالات الاستهدافية في دول ليست في حالة حرب معها.والواقع أن إحدى أشهر هذه العمليات - وأقلها سريَّة - كانت عملية قتل أسامة بن لادن. وأدّت الولايات المتحدة دوراً في حروب الظل المستمرة في الشرق الأوسط بالتعاون مع إسرائيل لتنفيذ عمليات سرية تستهدف إيران وحزب الله. وبالنسبة لإدارة بايدن، يُعدُّ العمل السري الإسرائيلي، رغم كونه استفزازيًا، أفضل سياسياً من حرب إقليمية سعت أمريكا بلا كلل إلى الحيلولة دون اندلاعها.
مستقبل العمل السري
وبالنظر إلى ما يتجاوز الشرق الأوسط، هناك قضايا أمنية عالمية أكبر على المحك في مستقبل العمل السري. فحتى لو لم يكفل العمل السري سوى ”الإنكار غير المعقول“ اليوم، فالدول في جميع أنحاء العالم ما تزال تتبنى العمل السري والغموض الذي يخلقه لأنه يُعقِّد ردود أفعال الطرف الآخر. إن الرد العسكري الذي يفضي إلى حرب كبيرة سيكون تطوراً خطيراً بشكلٍ خاص في الحقبة الناشئة من التنافس بين الولايات المتحدة والصين.و”رد الفعل العكسي“ مصطلح قديم لدى المخابرات المركزية الأمريكية يشير إلى العواقب غير المقصودة وغير المرغوب فيها للعمل السري. وأشارت التقارير الأخيرة إلى أن إسرائيل كانت تنتظر تفجير العبوات في حالة نشوب حرب، لكنها قررت شن العملية لأن هناك مؤشرات على أنَّ حزب الله كان على وشك اكتشاف المؤامرة.وقد يشعر حزب الله الآن بأنه مجبر على الرد بطريقة تؤدي إلى حرب إقليمية تجنبتها جميع الأطراف حتى الآن. ويتكهن بعض المعلقين أيضاً بأن العملية قد تكون مُقدمة لحملة عسكرية إسرائيلية أكبر ضد حزب الله قد تكون حتمية على أي حال.