هناك ضغط لإظهار قوة ردع ذات صدقية في إسلام آباد

ما هو سؤال «المليون دولار» في المواجهات بين باكستان وإيران؟

ما هو سؤال «المليون دولار» في المواجهات بين باكستان وإيران؟

شكّل الهجوم الصاروخي الجريء لإيران على مواقع جماعة متشددة مزعومة في باكستان المجاورة، الثلاثاء، تطوراً جديداً متفجراً في الاضطراب المتصاعد، الذي يُغلّف الشرق الأوسط منذ تفجر الحرب في غزة، ويمتد شرقاً نحو منطقة جيوسياسية متقلبة في جنوب آسيا.
وتعبيراً عن الغضب حيال ما بدا أنه انتهاك لترابها الوطني، من خلال استهداف مدنيين، ردت باكستان، أمس الخميس، بقصفها ما قالت إنها مواقع لمتمردين باكستانيين داخل الأراضي الإيرانية، ما يمهد الأرضية بحسب مجلة «نيوزويك» لمزيد من التصعيد لتوترات مختمرة بين جمهوريتين «شقيقتين»، إحداهما تملك أسلحة نووية.
وسبق أن تعثرت وساطات، خصوصاً من قبل الصين، التي تقيم علاقات إيجابية مع البلدين. ولكن ما الذي سيحدث بين إيران وباكستان في الوقت الذي يبحران في هذا الصدام غير المسبوق، على هامش أزمات أخرى ملحة؟.
 
سؤال المليون دولار
قال رئيس شركة فيزير للاستشارات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، التي تتخذ نيويورك مقراً لها، عارف رفيق: «هذا هو سؤال المليون دولار.. لا يسعى أي من البلدين إلى خوض حرب على حدودهما المشتركة. فهما يواجهان تهديدات ذات حجم استراتيجي أكبر في أماكن أخرى.. هكذا فإن كلاً من إيران وباكستان لديهما مصلحة في إيجاد سقف لهذا النزاع المصغر وطريق نحو خفض التصعيد.. لكن السؤال هو كيف».
الجواب في رأيه يكمن في طريقة تعامل البلدين مع الحوافز الرئيسية التي دفعتهما إلى شن الهجمات، وهو تصاعد الضغط المحلي من أجل تأكيد نفسيهما في مواجهة سلسلة من المشاكل المتزايدة في الداخل.
وبالنسبة لإيران، فإن هذا يشمل مقتل البريغادير جنرال سيد رضي موسوي في فيلق القدس في ضربة جوية قرب دمشق أواخر ديسمبر -كانون الأول، نسبت على نطاق واسع إلى إسرائيل، فضلاً عن مقتل عناصر من الشرطة في مركزهم في وقت لاحق من الشهر نفسه، في هجوم تبنته جماعة «جيش العدل» قرب الحدود مع باكستان، إلى هجوم تبناه تنظيم «داعش» الإرهابي في كرمان في وقت سابق من هذا الشهر، هو الأكثر دموية منذ قيام الجمهورية الإسلامية في 1979.
 
مطالبات برد قوي
وقال مدير دراسات الخليج في مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في طهران جواد هيرانيا لنيوزويك :»طالب مؤيدو الجمهورية الإسلامية الإيرانية برد قوي على هذه الممارسات من طريق عقد تجمعات مختلفة وبحملة على شبكات التواصل الاجتماعي».
وأضاف أن الهدف الثاني الرئيسي لشن الضربات الصاروخية ضد أماكن في العراق وسوريا وباكستان، كان خارجياً، موضحاً أن هذه الهجمات انطوت على رسالة إلى أمريكا وإسرائيل مفادها أن إيران ستتخذ إجراءات رادعة تتناسب مع التهديدات.. ومن جهة ثانية، بعثت طهران بهذه الرسالة إلى بلدان مثل العراق وباكستان وأفغانستان، بأنها لن تسمح بانطلاق تهديدات من هذه الأراضي ضدها».
وأضاف أنه يبقى من غير المؤكد إلى أي حد يمكن لمثل هذه العمليات، بشكلها المتفجر، أن تتعامل مع الهواجس الأمنية المتزايدة لإيران. وأشار إلى أن مخاطر رد الفعل العكسي مرتفعة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار القوة العسكرية لباكستان، وموقعها الاستراتيجي في المنطقة.
ولفت هيرانيا إلى أن «باكستان بلد مسلح نووياً ولديها عداء قديم للهند...إن أي رسالة رادعة من باكستان على هجمات إيران يمكن أن تكون مؤشراً إلى رد فعل إسلام أباد على الهند. إن إيران ليس لديها نفوذ في باكستان كما في العراق.. علاوة على ذلك، فإن الجيش وآخرين ممن يحكمون باكستان، بمن فيهم الحكومة الحالية، لا يتعاطفون مع إيران».
 
التأجيل المتكرر للانتخابات
في الواقع، كانت الهند من بين قلة من الدول التي أعربت عن دعمها لهجوم إيران، مشيرة إلى الاتهامات الهندية القديمة لإسلام آباد بإيواء جماعات متطرفة، وهي اتهامات ينفيها بشدة المسؤولون الباكستانيون، في الوقت الذي لا تزال الدولتان النوويتان تتواجهان في منطقة كشمير المتنازع عليها.
مثل هذه الرسالة زادت فقط من غضب باكستان في شأن الهجوم الإيراني ودفعت إلى الضربات الانتقامية، التي قيل إنها طاولت متمردي «جيش تحرير بلوشستان» و»جبهة تحرير بلوشستان» في محافظة سيستان-بلوشستان بجنوب شرق إيران. و»جيش العدل» و»جيش تحرير بلوشستان» و»جبهة تحرير بلوشستان» هي حركات تشن تمرداً أوسع، يهدف إلى إنشاء دولة مستقلة في منطقة بلوشستان الأوسع، التي تضم أراضي من إيران وباكستان وأفغانستان.
وفضلاً عن القلق الأمني الداخلي والخارجي، فإن باكستان يسودها التوتر بسبب التأجيل المتكرر للانتخابات في وقت يقبع رئيس الوزراء السابق عمران خان الذي يتزعم الحزب الأكبر في البلاد خلف القضبان، في مواجهة سيل من الاتهامات.
وقالت الزميلة الباحثة في معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام أباد أرهاما صديقة لـ»نيوزويك»: «بالطبع، مع اقتراب موعد الانتخابات، فإن الأجواء في باكستان مشحونة للغاية في الوقت الحالي. لذا، نعم، كان هناك ضغط لإظهار قوة ردع ذات صدقية في باكستان، رداً على هذا العمل غير المبرر على الإطلاق من جانب إيران».
وأضافت أنه «على رغم الضغوط الداخلية» التي تتعرض لها طهران أيضاً، فإن الضربة الإيرانية شكلت انتهاكاً خطيراً لسيادة باكستان.. وهذا التصرف من جانب إيران أدى إلى تفاقم التعقيدات المستمرة في الشرق الأوسط الكبير، وحقق نتيجة غير مرغوب فيها، في وقت تسعى كل دولة في المنطقة إلى تجنبها، ألا وهي التصعيد الإقليمي».