اختبار سياسي في الهند زمن الكوفيد

ماماتا بانيرجي، «نمر بنغالي» يتحدى ناريندرا مودي

ماماتا بانيرجي، «نمر بنغالي» يتحدى ناريندرا مودي

-- المرأة الوحيدة التي تقود ولاية هندية، وترأس السلطة التنفيذية في البنغال الغربية للمرة الثالثة   
-- قادمة من وسط متواضع، اكتسبت هذه العزباء سمعة أنها «مقاتلة» لا تتعب ولا تكل
-- للانتصار عام 2024 وطنيا، سيتعين على ماماتا بانيرجي أن توحّد حولها أحزاب الأقلية


   فشل الحزب الحاكم القوي في اختطاف ولاية البنغال الغربية من رئيسة حكومة تلك الولاية، مما يعزز مكانتها باعتبارها الشخصية المعارضة رقم 1.
   هل وجد ناريندرا مودي أخيرًا خصمًا في حجمه؟ بعد أن ألحقت هزيمة لاذعة بحزب الشعب الهندي، الحزب الحاكم، خلال انتخابات إقليمية، في بداية مايو، تبرز ماماتا بانيرجي، 66 عامًا، كبطلة، للمعارضة الراكدة من البلاد. ففي ولاية البنغال الغربية، التي تحكمها منذ عام 2011، أقامت حصنًا حقيقيًا ضد القوميين الهندوس، بقيادة رئيس الوزراء.

لقد واجهت “ديدي” (“الأخت الكبرى” باللغة البنغالية) من قبل أنصارها، و”نمرة البنغال” من قبل خصومها، بحنكة وحماس الآلة الانتخابية الهائلة لحزب بهاراتيا جاناتا. بعد إصابتها في بداية الحملة، جابت الاجتماعات والتجمعات على كرسي متحرك بقدم في الجبس. “بقدمي الوحيدة الصالحة، سأخرج حزب بهاراتيا جاناتا من اللعبة”، قالت من على منصة في نهاية شهر مارس. مرتدية ساريها الأبيض، وبشعرها الطويل كخشب الأبنوس، أثبتت أنها وفية لحيويتها الأسطورية.

«المحاربة” التي لا تكل
   وجاء الحكم غير قابل للطعن... يهيمن حزبها، مؤتمر ترينامول، بفارق كبير على المجلس المحلي الجديد، حيث حصل على 213 مقعدًا من أصل 292 مقعدًا، في حين يمتلك حزب بهاراتيا جاناتا 77 فقط.  لقد “أنقذت البنغال الهند اليوم”، قالت -منتشية من علو 1.63 متر طول قامتها. انها المرأة الوحيدة التي تقود ولاية هندية، وتفوز بولاية ثالثة على رأس السلطة التنفيذية في ولاية البنغال الغربية، وهي منطقة تفوق كثافتها السكانية ألمانيا.
  «إنه انجاز استثنائي، قلّة من الأحزاب قادرة على مقاومة ضغط حزب بهاراتيا جاناتا بعد أن استخدم كل قوته السياسية والمالية والمؤسسية”، يقول نيلانجان سيركار، الاستاذ المحاضر في جامعة أشوكا. وقد ضاعف رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وملازمه الوفي أميت شاه، الظهور في ذروة عودة انتشار الوباء. و”على مدى الأشهر الستة الماضية، لم تفعل الحكومة شيئًا، لكنها تأتي إلى البنغال كل يوم”، غمزت ديدي مؤخرًا.
   دائمًا ما تكون في المقدمة، اكتسبت هذه العزباء سمعة أنها “مقاتلة” لا تتعب ولا تكل. وخلال مسيرتها السياسية الطويلة، أضربت عن الطعام، وشاركت في احتجاجات لا حصر لها، وتعرضت أيضًا للضرب -أحيانًا من قبل الشرطة، وأحيانًا من قبل خصومها السياسيين، وتقول إنها تحتفظ بندوب جراء ذلك.

من بين المائة الأكثر نفوذاً
    قادمة من وسط متواضع، انضمت ابنة المدرس هذه لأول مرة إلى حزب المؤتمر التاريخي. وفي ولاية البنغال الغربية الواقعة تحت سيطرة الشيوعيين منذ نهاية السبعينات، فرضت نفسها كنجمة صاعدة للمعارضة. عام 1998، أسست حزبها الخاص، مؤتمر ترينامول، وعملت بجد لبناء قاعدة شعبية واسعة. وبعد أربع سنوات، فازت في الانتخابات الإقليمية ضد الماركسيين، وهو أول انجاز باهر لها. عام 2012، صنفتها مجلة تايم من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة على هذا الكوكب، ووصفتها بأنها “مثيرة للانقسام، لكنها مستعدة للعب دور أكبر” في الهند.

   هل حانت ساعتها؟ “بعد هذه الحملة اللاذعة، سيكون طموحها الأساسي هو خلق منصة وطنية لمحاربة ناريندرا مودي”، يؤكد المحلل السياسي أراتي جيرات. في مارس، كتبت رسالة إلى 15 من قادة المعارضة تدعوهم إلى الاتحاد ضد حزب بهاراتيا جاناتا، الذي تتهمه بتقويض الديمقراطية.
    بهذا الانتصار الساحق، تحدت كل التوقعات. فبينما سعى حزب بهاراتيا جاناتا الى تكريس الاستقطاب في الانتخابات حسب خطوط الشرخ المجتمعية بين الهندوس والمسلمين، انتصرت القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي طرحها حزب مؤتمر ترينامول. “يتهم حزب بهاراتيا جاناتا بانتظام بتفضيل الأقوياء وعدم الاهتمام ببسطاء الناس، يعتبر نيلانجان سيركار. ويشهد احتجاج الفلاحين الذي هز البلاد في بداية العام على هذا الخلل المتزايد؛ وقد استغل حزب مؤتمر ترينامول هذا الضعف.»

   وتزداد هذه الاستراتيجية فعالية مع تنامي الغضب ضد رئيس الوزراء. بالنسبة للكثيرين، أدى تراخيه إلى الموجة الثانية المروعة من كوفيد-19 التي تعصف بالبلاد.
 وقد ظهر على الشبكات الاجتماعية، هاشتاغ “مودي استقل”. وقالت الكاتبة أرونداتي روي، في صحيفة الغارديان البريطانية اليومية، غاضبة: “لقد خذلتنا الحكومة”، واصفة الوضع بأنه “جريمة ضد الإنسانية».

   ومع ذلك، سيكون طريق ديدي طويلا لكي تأمل في تعويض مودي يوما ما. ويحذر راهول فيرما، من مركز الأبحاث حول السياسات، من أن “بصمة حزب بهاراتيا جاناتا لا تزال قوية والفجوة مع المعارضة هائلة. ولتسجيل الهدف عام 2024، سيتعين على ماماتا بانيرجي أن توحّد حولها من ستة إلى ثمانية أحزاب من الأقلية في الحد الأدنى”، وإلا سيبقى دورها رمزيًا بحتًا.