لم يتم إجراء أي استشارة دولية:

متى سنرى استراتيجية عالمية ضد كوفيد...؟

متى سنرى استراتيجية عالمية ضد كوفيد...؟

• تضامن الدول الغنية مع الدول ذات الموارد المحدودة، ضعيف إن لم يكن مشوبًا بالتعالي
• لا يمكن السماح باستمرار الرؤية الاستعمارية للمساعدات الدولية
• تحلم جميع الدول الغربية بـ  صفر كوفيد بالتطعيم الشامل للسكان... لكنه مجرد حلم
• تصطدم حرية حركة البضائع والأشخاص بحقيقة أنها تروج أيضًا لحالة سارس-كوف- 2
• الانطواء على الذات ومحاولة حل الوباء على مستوى الدولة القومية لا يمكن أن ينجحا


الوباء: من اليونانية القديمة πᾶν / pãn كل، و δῆμος / دوموس الناس.
  من الناحية اللغوية، تعني الجائحة كل الناس أو "الجميع" أو شيء ينتشر في أو من خلال جميع الناس، بغض النظر عن الحواجز القانونية التي تفصل بينهم. وكما تشرح الفيلسوفة جوديث بتلر في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة "تايم": "يربط الوباء بين جميع الناس من خلال إمكانات العدوى والشفاء والمعاناة والأمل والمناعة والموت. لا توجد حدود تمنع الفيروس من السفر إذا ما سافر البشر؛ كما ان الانتماء إلى فئة اجتماعية لا يضمن المناعة المطلقة ".

   في الوقت الذي تسلط فيه جائحة كوفيد-19 الضوء على التفاوت الاجتماعي أو الاقتصادي أو الصحي أو العرقي، فإنها تجبرنا أيضًا على التفكير في أنفسنا باعتبارنا جميعًا على نفس القارب، كما أننا جميعًا ضعفاء.

   ومع ذلك، وحتى إذا قمنا بدمج حقيقة أن حالة كوفيد واحدة على الجانب الآخر من العالم يمكن أن تؤثر علينا في حياتنا اليومية، فإننا نواجه صعوبة جنونية (ومتناقضة) في التفكير في هذا الوباء على أنه نصيبنا المشترك كأفراد مترابطين وكجزء من كلّ مشترك.
حتى الآن، لم يتم إجراء أي استشارة دولية للتفكير في خيارات استراتيجية عالمية للخروج من هذه الأزمة الصحية. لا يوجد اجتماع لمجلس الأمن الدولي (الذي حدث في وقت أزمة الإيبولا). وفشلت منظمة الصحة العالمية، التي ربما غرقت في تطوير ألف توصية بشأن كوفيد-19، في أداء هذا الدور الذي لم تطالب به أي دولة من الدول الأعضاء البالغ عددها 194 دولة.

   لم ترغب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، منحها دورًا محددًا في مجال الصحة أيضًا، لأن ذلك يظل حكراً على صلاحيتها الوطنية. ومن الواضح أنهم لم يطلبوا منها إعادة اختراع نفسها من أجل تصور تعاون استراتيجي حقيقي -باستثناء الحالة الملحوظة لترخيص وتوزيع اللقاحات في نهاية عام 2020. الكل انكفأ قوميا، وأصبح حبيس أفكاره المحلية، وغالبًا ما تكون ضيقة لحل مشكلة عالمية، لقد فوّتنا في قارب الكونية.
   من هنا نرى، أن تضامن الدول الغنية مع الدول ذات الموارد المحدودة ضعيف، إن لم يكن مشوبًا بالتعالي. عندما ننظر إلى ما وراء حدودنا، لإجراء مقارنات ومحاولة إظهار تفوقنا –حتى لو سقطنا في التلاعب، كما هو الحال عندما قدم رئيس وزراء فرنسا جان كاستكس رسمًا بيانيًا مقارنًا للدول الأوروبية دون تضمين فرنسا (التي كانت ستكون في ترتيب سيء) خلال مؤتمره الصحفي في 22 أبريل.

   حتى اليوم، لا ننظر إلى البرازيل أو الهند إلا على أنهما خزانات للسلالات المتحوّرة، بينما يجب أن نتعلم منها الدرس التالي: السماح للسارس-كوف-2 بالانتشار له تأثير في إنشاء سلالات متحورة.
   ان المتغير البرازيلي أو الهندي الذي، على الأراضي الفرنسية، تمكن من الانتشار في المجتمع من خلال الأشخاص العائدين من البلدان الخطيرة.
   كيف وصلنا إلى هذا المستوى من الإنكار؟ لماذا يبدو من المستحيل بالنسبة لنا رؤية أنه حتى لو تمكنا من القضاء على الفيروس في أراضينا، فإن اللوحات القليلة التي سنضعها في الهيكل، لن تكون كافية لسد فتحات السفينة التي تغمرها المياه؟

المجتمع فرداني، الطب أبوي
   من الواضح أن الطريقة التي يتعامل بها الغرب مع الوباء تكشف بشكل كبير عن سماته الأنثروبولوجية العميقة والتحيزات المرتبطة بسياساته الحالية.
أولاً، تصطدم حرية حركة البضائع والأشخاص بحقيقة أنها تروج أيضًا لحالة سارس-كوف-2.
   ثانياً، مجتمعنا، بوعي أو بغير وعي، فرداني للغاية. حين نتحدث عن الحريات الفردية وحرمانها -خاصة عندما يتعلق الأمر بالقيود الصحية -فإننا نربطها فقط بالفرد معزولا، وليس بالفرد الذي هو جزء من كل. بعبارة أخرى، نحن لا نربط الحريات الفردية بالمسؤولية الفردية. وبمجرد أن نواجه فيروسًا ينتقل من فرد إلى آخر، تكون المسؤولية الفردية طرفا بالضرورة للمساعدة في مكافحة الوباء: لا يمكننا التفكير في حرية ارتداء الكمّامة أو عدمه، أو حرية الاغلاق / الحجر الصحي، إلخ... دون ربطها بمسؤولية عدم إصابة الآخرين ...

   يوجد أيضًا في معظم البلدان الغربية، وهذا منذ كلود برنار في فرنسا، تقليد للتفكير في الطب من زاوية علاجية ووقائية بشكل هامشي. وهذا بلا شك، أحد العوامل التي تفسر اختيار سياسة "العيش مع"، حيث لا يتم وضع الحجر إلا عندما تصبح طاقة استيعاب المستشفيات منتهية، وبشكل عام، حيث تكون أعراض غياب الرؤية طويلة المدى، لأن الفوائد الناتجة عن الوقاية لا تتراكم الا بعد فترة طويلة.
   بالتوازي، يظل طبّنا أبويًا نسبيًا، ونحافظ على عادة الخضوع لتدابير صحية جماعية بدلاً من أن نكون استباقيين فيما يتعلق بصحتنا. ويصبح الدفاع الثابت عن الحرية الفردية (غير المرتبطة بالمسؤولية الفردية) أمرًا لا يمكن الدفاع عنه في أوقات الجائحة.

   ان استراتيجية "العيش مع" أو ما هو أسوأ، استراتيجية دون ضوابط التي عرفناها منذ ديسمبر، تقول لنا "أنتم وشأنكم". ومع ذلك، ليس لدينا الأدوات النظرية ولا الوسائل المادية للقيام بذلك.
   النتيجة: يواجه الفرنسيون عمومًا صعوبة في فهم ودمج انتقال العدوى عن طريق الهباء الجوي، والتشتت المفرط للفيروس، وليس لديهم المفاتيح لاتخاذ خيار مستنير بين الاستراتيجيات المختلفة "التعايش مع" (التخفيف)، "التوسع الضعيف للفيروس" (إزالة) أو الاستئصال على المستوى العالمي. ولا الطبقة السياسية أيضًا، بسبب نقص التكوين، لأنه منذ فترة طويلة، كانت القضايا الصحية تعتبر معقدة، ونادرًا ما تتم مناقشتها في ساحات الديمقراطية.

   أخيرًا، لا يمكننا أن ننكر أن دولًا مثل فرنسا أو المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، لا تزال تعيش على أسطورة الاعتماد على رقعة الشطرنج العالمية والتأثير على أجندتها.   تستمر فرنسا في التفكير في نفسها على أنها أرض التنوير، وتظهر بعض الغطرسة. وكثيرا ما نسمع "لن نتعلم من دول مثل فيتنام في مثل هذه الأزمة!" ، أو حتى "لسنا جزيرة ضائعة وسط المحيط الهادئ" ... وهذا، رغم أنه لم يعد لدينا العديد من الصناعات وحتى شركاتنا الصناعية الرئيسية لا تنتج لقاحًا ضد كوفيد-19 (فقط تعبئة الجرعات على الأراضي الفرنسية)، مما يجعل فرنسا تعتمد بشكل واضح على الدول المنتجة التي تحملت المخاطر اللازمة في الوقت المناسب.

وداعا للمنافسة، وداعا للرؤية الاستعمارية للمساعدات الدولية
في نفس الوقت، في كل مكان من العالم تقريبًا، نشهد انكفاء قوميًا وشعبويًا كبيرًا لجزء كبير من السكان. ومن الواضح أن هذا الانطواء على الذات، ومحاولة حل الوباء على مستوى الدولة القومية لا يمكن أن ينجحا. لا يمكنك إخماد حريق إذا قمت برش الماء على جزء منه فقط.
    لا يسعنا اليوم اعتبار مكافحة الوباء على أنها منافسة بين الدول الأوروبية، ولا يمكننا السماح باستمرار الرؤية الاستعمارية للمساعدات الدولية. يجب علينا -رغم الفرامل الأيديولوجية التي لدينا -إعادة دمج الصين وروسيا أكثر في التفكير العالمي، خاصة وأنهما ينتجان اللقاحات. وإذا طلبنا تقاسم نفس القيم مسبقًا، فيمكننا أن ننسى مسار العمل المتعدد الاطراف.

   هذا هو الحال إلى حد ما مع مبادرة كوفاكس، وهي نادي سخي من المانحين والمصنعين والحكومات بقيادة الدول الغربية (وليس من قبل منظمة الصحة العالمية)، والتي ترفض في الوقت الحالي الانفتاح على اللقاحات الروسية أو الصينية، بينما تتساقط الواحدة تلو الأخرى اللقاحات الغربية، التي اختيرت في البداية للتوزيع على البلدان ضعيفة الدخل.
   وإذا اعتبرنا لقاح استرا زينيكا مخصصًا فقط للذين تزيد أعمارهم عن 55 أو 60 عامًا في دول إفريقيا جنوب الصحراء، فسيتم تغطية 5 بالمائة فقط من السكان من خلاله. اذن كيف يمكننا أن نقترح للشباب الأفارقة لقاحات يرفضها الفرنسيون أو الألمان أنفسهم لهذه الفئات العمرية؟

التعايش مع، استراتيجية قصيرة المدى
هناك ثلاث استراتيجيات للتصدي لهذا الوباء (للتذكير، استراتيجية "التعايش مع" (التخفيف)، واستراتيجية "تقليص انتشار الفيروس" (ازالة)، واستراتيجية "صفر كوفيد" (القضاء). إن غمّاماتنا، وعنادنا الذي يلامس الأيديولوجيا، وخاصة عدم استعدادنا، قادنا، في كل مكان تقريبًا في الغرب، إلى اللجوء إلى الاستراتيجية التي كانت تذكرة الدخول اليها هي الأرخص، وهي استراتيجية "العيش مع".

  أتاحت هذه الاستراتيجية قصيرة المدى الأمل في أن تأتي أيام أفضل بأقل جهد ممكن. ولكن مع عدم ظهور أيام أفضل، ازدادت ظلمة السماء، ومع وصول العواصف، كان لابد من استخدام الحجر كسلاح أخير في عدة مناسبات. لأنه في نهاية الحجر الصحي الأول، كان بإمكان صانعي القرار، في كل مكان في أوروبا، السعي إلى فعل ما فعله الصينيون والنيوزيلنديون والأستراليون في نهاية موجاتهم... كان بإمكانهم أن يقرروا السيطرة على الوضع، وأن يقولوا لشعوبهم "لن يتكرر ذلك أبدًا!"

   لكن لا، لم ينتهز الأوروبيون هذه الفرصة لتغيير استراتيجيتهم والتحول إلى وضع "الازالة" أو "صفر كوفيد"، فقد فضلوا دفن رؤوسهم تحت الرمال الساخنة لصيف 2020 وترك حركة مرور الفيروس تفلت من أيديهم حتى الموجة التالية، الخريفية، الأكثر فتكًا من الموجة السابقة. بعد ذلك، تصرفوا دون ضوابط حتى الموجة التالية، موجة ربيع 2021، في توقف وانطلاق مرهقين، لكنه يوهم بأننا كنا نكسب الوقت في انتظار آثار اللقاحات.
  الآن، تحلم جميع الدول الغربية بـ "صفر كوفيد" مع التطعيم الشامل للسكان... لكنه مجرد حلم. لا أحد يعرف جيدًا كيف سنقنع 60 إلى 70 بالمائة من الشباب المتردد بالتطعيم في فرنسا، ولا متى يمكن تطعيم الأطفال وإذا أراد الوالدان ذلك، ولا إذا كانت السلالات المتحورة من البرازيل أو الهند أو أي مكان آخر، ستُفشل كل هذه الجهود، ولكننا نحلم بعالم خالٍ من كوفيد-دون جهد.

   ستعمل العصا السحرية المتمثلة في "التطعيم للجميع قبل نهاية الصيف"، ونقول لأنفسنا "يكفي الانتظار و"العيش مع". يقاتل الصينيون والتايوانيون واليابانيون والكوريون والفيتناميون والتايلانديون ودول المحيط الهادئ، بأسنانهم وأظافرهم، لمنع الفيروس من الدخول أو الانتشار على أراضيهم. لقد شرعوا بثقة في استراتيجية الازالة أو القضاء، بالإضافة إلى التطعيم. لكن فرنسا في هذه الأثناء، بدأت تحلم بخط ماجينو الجديد. إنها تعول على محو فاتورة الوباء بدء من خريف 2021، كما سبق ان عولت على نهاية اللعبة خلال صيف 2020... حالمون هؤلاء الفرنسيين ...

عشر سنوات لتطعيم الكوكب كله
نحتاج اليوم إلى أن تتفق البلدان دون تأخير على التحرك معًا نحو سياسة ازالة متضامنة، لأننا لا نستطيع السماح لأنفسنا بان نترك السلالات المتحورة تتطور. وإذا كنا نحلم بالقضاء على الفيروس في فرنسا، فلنتجرأ على الحلم بالقضاء على مرض الكوفيد في العالم. ليس فقط بدافع إنساني وأخلاقي، ولكن أيضًا لأننا لا نستطيع التفكير بفرنسا في أمان، دون التفكير في أوروبا وحتى في عالم آمن.

   وإذا كانت الضرورة الملحة اليوم، بالإضافة إلى التدابير الصحية المدروسة بشكل مشترك، هي إنتاج لقاحات بكميات كبيرة لتغطية 70 أو 80 بالمائة من سكان العالم، فعلينا أن نشمّر عن سواعدنا ونفكّر في إنتاجها بأسرع ما يمكن، حيثما أمكن ذلك. وفي كل الاحوال، في كل قارة. وهذا يتطلب رفعًا مؤقتًا لبراءات الاختراع، مصحوبًا بنقل التكنولوجيا والمعرفة، ونقل القدرات التي يجب مراعاتها وتخطيطها وتمويلها. ستكون الدول الغنية قد أدركت مصلحتها الذاتية في تمويل نشر اللقاح والتطعيم على مستوى العالم.

   لا يوجد سوى لاعب واحد يمكنه تنسيق مثل هذه العملية، انها منظمة الصحة العالمية، في إطار عمل متعدد الأطراف اممي حقيقة، والذي غالبًا ما يرعب القوى العظمى القديمة، لأن إدارتها أفقية ومنصفة ومشتركة. سيكون لجزر ساموا صوت له نفس وزن صوت فرنسا أو الولايات المتحدة. قد يستغرق تطعيم الكوكب بأسره والتخلص من كوفيد-19 عشر سنوات... ماذا لو بدأنا التفكير في الأمر الآن بدلاً من بعد ثلاث سنوات من الآن؟

*صحافية **مدير معهد الصحة العالمية بكلية الطب بجامعة جنيف