محاضرة حول «التغير الرقمي وآثاره على المجتمع» في النادي الثقافي العربي
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة مساء أمس الأول أمسية ثقافية بعنوان (التغير الرقمي وآثاره على المجتمع) ألقتها الدكتورة آمال عبد المولى استشارية الصحة النفسية بجامعة عين شمس، والأستاذة المساعدة السابقة بكلية التربية بجامعة الجوف بالسعودية، ومديرة مركز الفردوس لتأهيل أصحاب الهمم بالشارقة، وأدارها دير الأمسية خليفة الشيمي مسؤول الأنشطة الفنية في النادي.
واستهلت د. آمال مصطفى حديثها بالقول إن مجتمعات اليوم قد أصبحت مخترقة رقميا، وإن الرقمية دخلت في كل شيء في حياة الإنسان، وقد أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي والفضاء الأزرق شغلا شاغلا لكل فرد من أفراد المجتمع، من كبيره إلى صغيره، فالولد الصغير يفتح عينيه على موبايل أمه ويتعلق به، ويصبح إحدى وسائل تسليته وهو لا يزال رضيعا، والمراهقون والرجال والنساء البالغون والعاملون في كل مكان أصبحوا يدمنون الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد نجم عن هذا الواقع، أن ضعف التواصل بين الأفراد وتخللت الروابط الاجتماعية، بل تخلخلت روابط الأسرة ذاتها، حيث فقدت تلك الجلسات الحميمة والحوارات الشيقة التي كانت تشهدها في عدة فترات من اليوم، فأصبح كل شخص يعيش في جزيرة وحده، منتقلا من الفضاء الواقعي الذي يوجد فيه جسده إلى فضاء افتراضي يعيش فيه بين أناس آخرين، ويقيم فيه تواصلا من أشخاص افتراضيين، مما يؤثر على حياته الواقعية، وعلاقته بالذين يعيشون فعليا معه، ويؤثر كذلك على قناعاته ورؤيته للحياة والوجود وقناعاته العقلية والروحية وطرائق تصرفه، وقد يكون ذلك التأثير مخالفا تماما لأخلاق مجتمعه، مما يحدث اختلالات نفسية واجتماعية، إذا كثرت واتسعت تنذر بتدمير المجتمع، وهو ما نشاهد كثيرا من آثاره السلبية اليوم في مجتمعاتنا العربية.
وركزت المحاضرة في حديثها على المراهق وعلاقته بوسائل التواصل الاجتماعي مشيرة إلى أن فترة المراهقة هي أخطر فترات حياة الإنسان، فهي التي فيها يبدأ التغير ويبدأ تكون شخصية الإنسان، ويصبح فيها حساسا شديد التأثر بما حوله وما يتلقاه من المصادر الخارجية، ويمكن فيها أن تنقلب قناعات الفرد وحياته رأسا على عقب، وذلك فإن انفتاحه المطلق على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى الفضاء الرقمي يجعله عرضة لتلك المؤثرات التي لا حدود لها، والتي هي من القوة والتأثير بحيث يصعب عليه الطفل وهو في تلك السن الحرجة أن يميز بين الصحيح منها والفاسد، وبين الجيد والرديء، والنافع والضار، فينجذب وراءها وتؤثر عليه، وقد تسلبه حياته وأخلاقه ودينه، وقد ترميه في المهالك، وتفتح له أبواب الجريمة أو التطرف أو الانحراف الفكري، وتجعل سلم الأولويات عنده مختلا، واهتمامه بحياته الواقعية وتعليمه ومستقبله ضعيفا بل معدوما في أكثر الأحوال، وعلاقته بأسرته مختلفة، وقد تؤدي به إلى الانعزال والقلق والاكتئاب، وكل ذلك مهلكة وشر عظيم.
وشددت د. آمال على أنه في ظل حقيقة أننا لا نستطيع أن نمنع أبناءنا من التعاطي مع الفضاء الرقمي والإنترنت فإننا ينبغي أن نعرف كيف ندير علاقتهم بهذا الواقع الافتراضي، ونرشدها لكي نصل بهم إلى بر الأمان، ونحافظ على اتزانهم وسلوكهم ومعرفتهم بأولويات حياتهم، واهتمامهم بدراستهم ومستقبلهم وعائلتهم ومجتمعهم، وأن ذلك يكون بالتقليل من الوقت الذي يصرفونه في الفضاء الرقمي، ووضع حدود رقابية على ما يشاهدونه على الإنترنت، وتثقيفهم رقيميا، بحيث يستطيعون تجنب المواقع المشبوهة والروابط الاحتيالية ومواقع الجريمة والفاحشة ووسائل ترويجها على الشبكة، وأن نغرس فيهم الأخلاق ونسعى لأن نوثق علاقتهم بأهلهم ومجتمعهم ونربي فيهم احترام الآخرين والإيمان والخلق الحسن ونشجعهم على القيام بواجبات اجتماعية مفيدة.
وخلصت إلى المحاضرة إلى أن الآباء اليوم لا بد أن يضحوا من أجل تربية أبنائهم، وذلك بأن يخصصوا من وقتهم وقتا كافيا لأبنائهم لتوجيههم ومحاورتهم ومجالستهم وتعليهم ورقابة سلوكهم وترشيده، وكذلك أن يكونوا قدوة لأبنائهم فلا يأتون أمامه بسلوك معيب أو سيء قد يقلده الطفل ويسير عليه.