الولايات المتحدة -الصين:

محاولة للانفراج في علاقات العملاقين البركانية...!

محاولة للانفراج في علاقات العملاقين البركانية...!

- احتفظ الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حد كبير بجوهر الخط المتشدد لسلفه دونالد ترامب بشأن الصين
- من النزاعات التجارية، امتد التنافس إلى المجالات السياسية والأيديولوجية والعسكرية والتكنولوجية
- يدرس مستأجر البيت الأبيض حاليًا تخفيف بعض التعريفات التي فرضها سلفه دونالد ترامب على البضائع الصينية
- أطلقت مجموعة الدول السبع شراكة عالمية في البنية التحتية لمنافسة مشروع الحزام والطريق الصيني


    السبت 9 يوليو، كشف رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكين ونظيره الصيني وانغ يي، عن مناقشات “بناءة” في نهاية اجتماع طويل، على غير العادة، إثر اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في بالي. إشارة مشجعة بعد سنوات من العلاقات المضطربة التي ساءت بشكل مطرد في الأشهر الأخيرة، مع تايوان كنقطة ارتكاز رئيسية.
   «على الرغم من تعقد علاقتنا، يمكنني القول ببعض الثقة، أن وفدينا وجدا ان مناقشات اليوم مفيدة وصريحة وبناءة”، صرّح أنتوني بلينكين بعد خمس ساعات من المحادثات مع وانغ يي. ومع ذلك، أشار وزير الخارجية الأمريكي إلى الضغط العسكري المتزايد الذي تمارسه بكين على تايوان: “لقد أعربت عن مخاوف الولايات المتحدة العميقة بشأن خطاب بكين الاستفزازي المتزايد وأنشطتها تجاه تايوان، والأهمية الحيوية للحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان».

من جهته، اعتبر وزير الخارجية الصيني الاجتماع “مرضيا”. “لقد توصل الجانبان، على أساس المعاملة بالمثل والمنفعة المتبادلة، إلى توافق لتأمين تحقيق مجموعة العمل الصينية الأمريكية المشتركة المزيد من النتائج. ومع ذلك، حث أنطوني بلينكين الصين على النأي بنفسها عن موسكو وإدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، وهو أمر لم تفعله بكين منذ دخول موسكو الحرب ضد كييف في 24 فبراير. وقال كبير الدبلوماسيين في واشنطن، “هذا هو حقا الوقت الذي نحتاج فيه للوقوف جميعا، كما فعلت دول مجموعة العشرين، لإدانة العدوان».
    يشار الى ان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قاطع الجمعة 8 يوليو، الاجتماع مع نظرائه في مجموعة العشرين، بعد تعرضه لسيل من الانتقادات بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا. “كان هناك إجماع قوي ترك روسيا معزولة، كما حدث مرات عديدة منذ بداية هذه الحرب، قال أنتوني بلينكين، في الواقع، غادر وزير الخارجية لافروف الاجتماع في وقت أبكر مما كان متوقعا، ربما لأن تلك الرسالة كانت صاخبة وواضحة».

   من جانبه، اعتبر وانغ يي، أنه من الضروري أن تحافظ الصين على “تبادلات طبيعية” مع الولايات المتحدة. وقال أنتوني بلينكين مرة أخرى خلال مؤتمر صحفي بعد هذه المحادثات: “لقد شاركت مرة أخرى عضو مجلس الدولة “وانغ يي” قلقنا بشأن انحياز الصين إلى روسيا”. وأضاف أنه لا يعتقد أن الصين بقيت على الحياد في هذا الملف، على الرغم من التصريحات الصينية التي تبدو أنها تؤشر الى عكس ذلك.
   «كنا منفتحين للغاية بشأن خلافاتنا “...” لكن هذا الاجتماع كان أيضًا بناءً لأنه على الرغم من صراحتنا، كانت النغمة احترافية للغاية”، أوضح مسؤول أمريكي. واضاف “لكن أيا من الجانبين لم يظهر فعلا استعدادا لتقديم تنازلات».

«منطقة خطرة»
   واعتبر وانغ يي، إن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين حاليا في منطقة خطرة، لأنها تخاطر “بالسقوط في خندق في أي وقت”، لا سيما أن “العديد من الناس يرون أن الولايات المتحدة تعاني من زيادة في رهاب السينوفوبيا”. بالإضافة إلى ذلك، كرر الوزير، أنه يبقى من الضروري أن تكون أمريكا حذرة فيما تقوله عن تايوان، وتتجنب إرسال إشارات خطأ “للقوى المؤيدة للاستقلال في تايوان».

   إن الولايات المتحدة تسعى إلى بذل كل ما في وسعها لمنع أي سوء تقدير قد يؤدي عن غير قصد إلى صراع، صرح دانيال كريستينبرينك، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون شرق آسيا للصحفيين قبل الاجتماع. وفي الوقت الذي يسعى فيه الغرب الى عزل روسيا بعد غزو أوكرانيا، ويعاني الاقتصاد العالمي حالة ارتباك متزايدة، اتخذت بكين وواشنطن بوضوح إجراءات احترازية لمنع تصاعد الخلافات التي لا حصر لها إلى صراع لا يمكن التغلب عليه.
   ومع ذلك، تظل التوترات في الواقع حاضرة، ويبدو التغلب عليها مهمة شاقة، لأن مجالات المواجهة متعددة. واذا ما استثنينا قضية تايوان، احتفظ الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حد كبير بجوهر الخط المتشدد لسلفه دونالد ترامب بشأن الصين، بل وضخّمه. فمن النزاعات التجارية، امتد التنافس إلى المجالات السياسية والأيديولوجية والعسكرية والتكنولوجية.

   في الآونة الأخيرة، أشار جو بايدن إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى لبدء حرب باردة جديدة. لكنه في الوقت نفسه ، يواصل انتقاداته، لا سيما من خلال اتهام بكين بارتكاب “إبادة جماعية” ضد الأويغور، ومعظمهم من المسلمين، في شينجيانغ غربي الصين. ويدرس مستأجر البيت الأبيض حاليًا تخفيف بعض التعريفات التي فرضها سلفه دونالد ترامب على البضائع الصينية. ويمكن لهذه الخطوة أن تقلل التضخم، الذي أصبح عقبة سياسية رئيسية في الولايات المتحدة. لكن في الكونجرس، هناك العديد من الأصوات التي تدعو إلى الحزم.

   بالنسبة للصين، فإن التنافس مع أمريكا لا يخلو من عواقب على الاقتصاد الوطني الذي يمر بمنطقة اضطرابات حادة منذ عدة أشهر. ويشهد نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني انخفاضًا حادًا ومن غير المرجح أن يتجاوز 4 بالمائة عام 2022، وهي أسوأ نتيجة منذ ثلاثة عقود. وهذا ما يفسر إلى حد كبير الخطاب الصيني الرسمي بشأن روسيا والذي يركز على تصوير صين راغبة في البقاء على الحياد في الحرب الأوكرانية. لكن في الواقع، يبدو أن الإشارات الأخيرة تشهد على عكس ذلك. وفي هذه الحالة، اختارت القيادة الصينية بوضوح معسكرها: دعم روسيا. علاوة على ذلك، إذا كانت واشنطن تحاول تغيير لهجتها فيما يتعلق بالصين، فمن الواضح أن الحزم لا يزال قائما. وينطبق الشيء نفسه على هونغ كونغ، التي يبقى وضعها يثير تعليقات قاسية من الإدارة الأمريكية.

   فقد حذّر القنصل الأمريكي في المستعمرة البريطانية السابقة، الاثنين 11 يوليو، سلطات المدينة: إن الاستخدام “القاسي والمخيف” لقانون الأمن القومي الذي فرضته بكين في يونيو 2020 يهدد مكانة هونغ كونغ كمركز مالي دولي. وندد هانسكوم سميث بالمصطلحات الغامضة عمداً في هذا القانون والتي تولّد “الخوف والإكراه”، مشيرا الى ان “الوطنية الحقيقية تكتسب من خلال كسب ولاء أناس أحرار، بدلاً من التشريع لما هو أم لا، الوطنية والولاء للسلطة».

غضب بكين
   على الصعيد الدولي، كان للنظام الصيني للوهلة الأولى كل الأسباب التي تجعله يبتهج سرًا بوفاة رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي في 8 يوليو. فقد ظل الزعيم مؤثرًا جدًا على المشهد السياسي الياباني وتميّز بدعمه المعلن لتايوان وانتقاده القاسي لبكين.
    لكن إحدى النتائج السياسية لهذا الاغتيال في ظروف لا تزال غامضة، ستكون الانتصار المدوي لتشكيلته، الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، في انتخابات مجلس الشيوخ يوم الأحد، 10 يوليو.

   في الواقع، فاز الحزب الليبرالي الديمقراطي بما يزيد قليلاً عن ثلثي الأصوات، مما يسمح له بالنظر في مراجعة الدستور الياباني، الذي فرضه الأمريكيون عام 1948 بعد استسلام اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنع اليابان من التدخل عسكريًا في مسرح أجنبي.
   فاز الائتلاف الذي شكله الحزب الليبرالي الديمقراطي وحليفه كوميتو بـ 76 من 125 مقعدا موضوع الرهان يوم الأحد، مقابل 69 قبل الانتخابات، ويسيطر الآن على 146 من أصل 248 مقعدا في مجلس الشيوخ، وفقا للنتائج النهائية.
   ومع ذلك، كان الطموح الذي رعاه شينزو آبي، هو مراجعة الدستور من أجل السماح لليابان على وجه التحديد بلعب دور جيوسياسي أكثر حزماً في آسيا، وعلى وجه الخصوص، في سياق صعود الصين في هذه المنطقة. وعشية جنازة شينزو آبي في طوكيو، أقسم رئيس الوزراء الحالي فوميو كيشيدا على مواصلة سياسة الرئيس السابق للحكومة اليابانية في هذا الملف.

   أقيمت الجنازة يوم الثلاثاء 12 يوليو أسريا. وحضر الموكب أنتوني بلينكين ووزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين التي قالت: “يسود اليوم شعور عميق بالحزن بعد وفاته، رئيس الوزراء آبي هو زعيم ذو رؤية، وقد عزز مكانة اليابان... أعلم أن إرثه سوف يستمر”. أما وزير الخارجية الأمريكي، الذي التقى نظيره الياباني: “أشارك زملاءنا اليابانيين شعورًا بالخسارة، شعورًا بالصدمة ينتابنا جميعًا. لكن أولاً وقبل كل شيء، جئت بناءً على طلب الرئيس “جو بايدن” لأننا أصدقاء أكثر من حلفاء، وعندما يتألم صديق، يأتي أصدقاؤه لدعمه».
    قام مسؤولون أجانب آخرون بالرحلة، منهم رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، والأهم من ذلك: أرسلت تايوان، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اليابان، نائب رئيسها ويليام لاي، وهو أعلى زعيم تايواني يزور اليابان منذ عام 1972، وهو تاريخ القطيعة بين طوكيو وتايبيه، والاعتراف المتزامن من قبل الحكومة اليابانية بـ الصين الشعبية.

   وأوضحت السلطات التايوانية أن هذه الزيارة تكتسي طابعا “خاصا”. ومع ذلك، فإن الرمزية قوية. ولم تتردد وسائل الإعلام اليابانية في الإشارة إلى أن مستوى هذا الوفد أوضح رغبة طوكيو وتايبيه في الإبلاغ علنًا عن تقارب ما. في المقابل، امتنع مكتب الرئيسة التايوانية تاسي إينغ وين عن التعليق على زيارة نائب الرئيس لاي، لكنه قال إنه وشينزو آبي كانا صديقين “لسنوات عديدة”. وقال كو كو-ون، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية التايوانية لشرق آسيا، إن زيارة نائب رئيس تايوان إلى طوكيو، تمثل “خطوة دبلوماسية كبيرة إلى الأمام».   وتأخذ هذه الزيارة بعدا خاصا من حقيقة أن لاي يظهر الآن كمرشح محتمل لرئاسة تايوان عندما تنتهي فترة ولاية تساي إنغ ون الحالية عام 2024، لأن الدستور يحظر عليها ولاية ثالثة. ووضعت هذه الاخيرة باقة من الزهور البيضاء يوم الثلاثاء أسفل صورة لشينزو آبي في مبنى التمثيلية اليابانية في تايبيه.  نجحت زيارة لاي في إثارة غضب بكين، وقالت وزارة الخارجية الصينية، الثلاثاء، إن السفارة الصينية في طوكيو نقلت “احتجاجا قويا” إلى الحكومة اليابانية. وقال وانغ وينبين، أحد المتحدثين باسم الوزارة، “بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق آبي، استغلت السلطات التايوانية هذه الفرصة للانخراط في توظيف سياسي... من المستحيل أن يحقق هذا النوع من الإشارات أي شيء».