معاهدة كويرينال، رمز التقارب:

محور باريس -روما يفرض نفسه على المشهد الأوروبي

محور باريس -روما يفرض نفسه على المشهد الأوروبي

-- يحتوي نص الاتفاقية على التزامات قوية تجاه أوروبا والدفاع
-- الثنائي الفرنسي الإيطالي ليس بديلا عن الفرنسي الألماني
-- تستعد باريس وروما لمعاهدة تعاون يمكن توقيعها في نوفمبر


بينما تنعزل ألمانيا الوقت الذي يتطلبه تشكيل حكومتها، يرغب إيمانويل ماكرون وماريو دراجي في مزيد بلورة أفكارهما بشأن اليورو والدفاع. وبعد الأزمة الدبلوماسية لعام 2019، سيوقّع الرجلان معاهدة ثنائية كبرى لهيكلة التعاون بين البلدين.

   في 2 سبتمبر، تناول إيمانويل ماكرون وماريو دراجي العشاء في مرسيليا في مطعم “بيتي نيس” في جو دافئ جدا. بقي الرجلان على الطاولة حتى منتصف الليل، عند احتفال ماريو دراجي بعيد ميلاده الرابع والسبعين. كان ذاك المساء مثالاً جيدًا على التقارب الفرنسي الإيطالي المذهل الذي حدث منذ وصول الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي إلى قصر تشيغي في فبراير الماضي.

    مصالحة استرعت الانتباه على المستوى الأوروبي، ومرحب بها بعد الأزمة الدبلوماسية الخطيرة التي سبّبها قادة الحكومة الشعبوية في مطلع عام 2019. “تراجعت العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1945، واستدعت باريس سفيرها”، يتذكر إنريكو ليتا، سكرتير الحزب الديمقراطي الإيطالي، ورئيس الحكومة من 2013 إلى 2014.

 كان ذلك بعد زيارة نائب رئيس الحكومة، لويجي دي مايو، للسترات الصفراء في فرنسا.
   وبينما تبقى ألمانيا في الخلف حتى تشكيل حكومتها الجديدة، يعتزم إيمانويل ماكرون وماريو دراجي، المرتبطان باحترام متبادل كبير وقديم، دفع أفكارهما قبل أسبوعين من انعقاد قمة مهمة في بروكسل. يريد الثنائي، الملقب ب بـ “دراكرون”، التأثير على إصلاح ميثاق النمو والاستقرار، الذي يعتبره الرجلان متقادمًا وغير متوافق مع احتياجات الاستثمار الجديدة في أوروبا. ولا يزال ماريو دراجي، الذي نجح عام 2012 في كبح التكهنات ضد منطقة اليورو من خلال مقولته الشهيرة “مهما كان الثمن”، يتمتع بمكانة هائلة.

معاهدة ثنائية طموحة
    بعد الانسحاب المتسرع للولايات المتحدة من أفغانستان، دعا الزعيمان بصوت واحد إلى تنظيم منسق لتدفقات الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، ويناضلان من أجل إحراز تقدم في الدفاع الأوروبي المستقل.
   ولئن لم يتم حل الاحتكاكات القديمة بالكامل، فقد خفت على الأقل، حيث تتعاون باريس وروما الآن بشأن قضية المهاجرين الذين يعبرون حدودهما المشتركة، بدلاً من تبادل التهم والشتائم. وفي ليبيا، حيث يوجد لإيطاليا مصالح نفطية، توقفت فرنسا عن اللعب والعزف المنفرد، وهو ما كان يثير سخط روما.
   إن التوافق الودي متاح أيضًا على المستوى الحكومي. يزور برونو لو مير بانتظام إلى روما -تتولى إيطاليا رئاسة مجموعة العشرين هذا العام.
 وفي بيرسي، تأكيد على الرغبة الفرنسية في “الدفع من أجل شراكات صناعية فرنسية إيطالية، على سبيل المثال، في قطاع الفضاء”. قام لويجي دي مايو، الذي أصبح وزيراً للخارجية، بتدارك سلوكه واصلاحه. ولجعل هذه “اللحظة” الفرنسية الإيطالية مستدامة، تعمل باريس وروما على معاهدة ثنائية رئيسية.

معاهدة كويرينال
    قطعت هذه المبادرة شوطا كبيرا. كان إيمانويل ماكرون يريد التوقيع عليها في أكتوبر، لكن الجانب الإيطالي أراد إجراء تدقيق دستوري، وقد يتم الاحتفال في نوفمبر. وستضفي معاهدة كويرينال بين فرنسا وإيطاليا، الطابع الرسمي على التعاون بين البلدين، كما فعلت معاهدة إليزيه للعلاقات الفرنسية الألمانية، الموقعة عام 1963 وتعمقت عام 2019 بمعاهدة إيكس -لا-شابيل.
    كما انها معاهدة تحمل اسم القصر الضخم الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، والموجود على أعلى تل في روما، حيث مقر رئيس الجمهورية، الذي يخلف هكذا الملوك والباباوات.
   انها “شكل من أشكال التكريم لعمل سيرجيو ماتاريلا، الذي يحظى باحترام كبير من قبل إيمانويل ماكرون، وفق مارك لازار، مدير مركز التاريخ في مدرسة العلوم السياسية بباريس، المتخصص في إيطاليا.
فالرئيس الفرنسي، ممتن بشكل خاص لرئيس الدولة الإيطالي لقيامه بعمل مستمر، لا سيما عندما كانت رابطة سالفيني وحركة 5 نجوم في الحكومة، للحفاظ على التزام إيطاليا الأوروبي».
   لم يتم التأكد تمامًا بعد من أن هذا هو الاسم النهائي للنص، لأن الأمر متروك لرئيس الحكومة، ماريو دراجي، ليوقّع عليه، وليس لرئيس الجمهورية، والذي سيغادر كويرينال مطلع عام 2022 -ما لم يتم التجديد له مؤقتا.

انطلق عام 2018
   بدأ المشروع في مطلع عام 2018 من قبل إيمانويل ماكرون وباولو جينتيلوني، رئيس الحكومة الايطالية آنذاك (أصبح منذئذ مفوضًا للشؤون الاقتصادية عام 2019)، تم تجميد المشروع عندما تولى الشعبويون الحكومة. وطفى مجددا على السطح الآن، مع تصريحات في غاية القوة بشأن الالتزام الأوروبي للبلدين وحوكمة الاتحاد الأوروبي. ويمكن للمشروع أيضًا إقامة تعاون أكبر في مجال الدفاع، من خلال اجتماعات منتظمة للوزراء، للتعاون في مكافحة الإرهاب والهجمات السيبرانية وتهريب الأسلحة.

تأثير على الفرنسي الألماني
   يثير شهر العسل الفرنسي الإيطالي، والتوقيع على مثل هذا النص، مسألة العلاقات الفرنسية الألمانية، وهي محور أساسي للسياسة الأوروبية.
 هل يمكن لمحور باريس وروما، الذي أعيد إحياؤه، أن يدوس عليها بمجرد مغادرة أنجيلا ميركل؟ لن يكون مفيدا ولا مجديا.
   «الثنائي الفرنسي الإيطالي، ليس بديلا عن الفرنسي الألماني”، يؤكد إنريكو ليتا. في المقابل، يعتبر النائب الاوروبي ساندرو غوزي الوسطي، (كتلة التجديد) ووزير الدولة الإيطالي السابق للشؤون الأوروبية (2014-2018)، انه سيكون ثمينا “مرتكز ثلاثي باريس-برلين-روما، ديناميكي، منفتح على جميع الذين يرغبون الالتزام، في لحظة تمر فيها أوروبا بمرحلة من التحول الكبير، والتي أسميها الداروينية، حيث يجب عليها إظهار قدرتها على التكيّف».

تعاون ثلاثي
   لا يبدو أن برلين تعارض هذه الفكرة. ووفقًا لجوليان رابولد، أستاذ العلوم السياسية في معهد السياسة الأوروبية في برلين، “طالما أنه جليّ لألمانيا أن الثنائي الفرنسي-الألماني يمثل الأولوية، فإن التقارب الفرنسي الإيطالي لا يثير قلقها، وربما يكون فرصة لتطوير مبادرات ثلاثية قوية. كما يمكن أن يفتح أعين برلين على أهمية إشراك شركاء آخرين من الاتحاد الأوروبي.
فمن وجهة نظر ألمانيا، فإن رغبة إيطاليا في المشاركة بشكل أكبر في السيادة الأوروبية أمر مفيد”، خاصة، إذا كسب أولاف شولتز، الاشتراكي الديمقراطي، المستشارية، “سيكون هناك شكل من أشكال التفاهم الطبيعي مع إيمانويل ماكرون وماريو دراجي”، حسب توقعات إنريكو ليتا.
   من الواضح أن الوضع قد يتغير إذا تمت دعوة رئيس الحكومة دراجي ليحل محل سيرجيو ماتاريلا، كرئيس للبلاد. لكن هل ستتم المخاطرة بزعزعة استقرار إيطاليا مرة أخرى، هي التي استعادت للتو صورتها، في وقت تمنح فيه استطلاعات الراي الفاشيين الجدد في حركة فراتيللي ديتاليا، نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية المقبلة المقرر إجراؤها عام 2023؟