مقاطعة الانتخابات العراقية تنذر بتشديد قبضة ميليشيات إيران

مرشحو انتخابات العراق.. موجة اغتيالات ورسائل نارية

مرشحو انتخابات العراق.. موجة اغتيالات ورسائل نارية


عادت الاغتيالات المرتبطة بملف الانتخابات النيابية، إلى واجهة الأحداث في العراق، قبل يوم على موعد الانتخابات النهائي، وسط مطالبات بتعزيز الوضع الأمني، خاصة وأن البلاد مقبلة على مرحلة حاسمة وهي تشكيل الحكومة المقبلة. وأنهى العراق، التصويت الخاص بفئة العسكريين والنازحين ونزلاء السجون أمس الأول الجمعة بنسبة تصويت بلغت 69 بالمئة دون تسجيل خروقات انتخابية. غير أن عودة الاغتيالات شكّلت مثار قلق للمرشحين، خاصة وأنها جاءت قبل يوم على الموعد النهائي للانتخابات. وهاجم مسلحان مجهولان مساء أمس الأول الجمعة المرشح سدير الخفاجي، في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد. وبحسب مصدر أمني تحدث لـ”سكاي نيوز عربية” فإن “المرشح سدير الخفاجي، تعرض إلى محاولة اغتيال، عندما هاجمه المسلحان، اللذان كانا يستقلان دراجة نارية». وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “العملية حصلت أثناء مغادرة الخفاجي، منزل الشيخ أوس الخفاجي قائد فصيل مسلح في منطقة الكرادة داخل قرب مرقد السيد إدريس». ولم تتسبب محاولة الاغتيال بسقوط ضحايا، لكن هناك بعض الخسائر المادية. والمرشح الخفاجي، هو عن حركة الوفاء العراقية برئاسة النائب الحالي عدنان الزرفي.

رسائل نارية
وأثارت هذه العملية مخاوف كتل سياسية، وأحزاب وشخصيات، من تصاعد حملات الاغتيالات ضد المرشحين والناشطين، مع قرب الموعد الحاسم، ودخول البلاد “الصمت الانتخابي”، أو تصفية حسابات شخصية ما بعد الانتخابات.
ويقول مراقبون عراقيون، إن تلك الاغتيالات لا تهدف دائماً إلى إقصاء أشخاص من المشهد الانتخابي، بل يتجه بعضها إلى إرسال رسائل تخويفية، إلى الأحزاب الأخرى، بضرورة الانصياع لبعض الجهات المتنفذة والمتورطة بتلك الاغتيالات، خاصة مع دخول البلاد، أجواء تشكيل الحكومة المقبلة.
وجاءت تلك العملية، بعد أقل من 24 ساعة على نجاة المرشح عن حركة تصحيح عبدالرحمن الدليمي من محاولة اغتيال في مدينة بيجي بمحافظة صلاح الدين. وأظهرت مقاطع مرئية، بثها نشطاء، المرشح الدليمي، وهو يلقي كلمة خلال تجمع انتخابي في منطقته بحضور جماهيري حاشد أول أول أمس الخميس عندما ألقى مجهولون قنبلة صوتية من وراء جدار المنزل تجاهه، لكنها لم تصل إليه، وسقطت فوق المنزل الذي كان يقف قربه. وأودت هذه العملية بحياة طفل، وتسببت بإصابة 5 آخرين، كانوا في موقع الحادث، فيما اتهم الدليمي، وفق وسائل إعلام، أطرافا لم يسمّها بالتورط في الحادثة بسبب التنافس الانتخابي في المدينة.

لجنة أمنية عليا
وشكلت الحكومة العراقية، لجنة أمنية عليا مهمتها تأمين الانتخابات، بالتعاون مع القوات الأخرى، تحسباً لأي طارئ. واستخدمت تلك اللجنة طائرات إف 16 لتأمين أجواء البلاد، مع انطلاق التصويت الخاص. ويرى المحلل الأمني، حميد العبيدي، أن “عمليات الاغتيال تحمل رسائل سياسية واضحة سواءً تجاه المرشحين أنفسهم، أو تجاه كتلهم السياسية، خاصة وأن البلاد، مقبلة على مرحلة جديدة، ومخاض عسير، وهو تشكيل الحكومة المقبلة». وأضاف العبيدي في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن لغة الاغتيالات، وإن كانت سائدة منذ زمن طويل، لكنها ظهرت على فترات متباعدة خلال الانتخابات النيابية، فضلاً عن أساليب تهديد وابتزاز، وحرق لوسائل الدعاية الانتخابية». ولفت إلى أن “اللجوء إلى هذا الأسلوب، يأتي بسبب امتلاك بعض الأحزاب فرق موت، متخصصة بعمليات الاغتيال، أو ميليشيات مسلحة».  وكانت حكومة مصطفى الكاظمي قد تعهدت، مراراً، بتوفير أجواء آمنة ونزيهة لإجراء الانتخابات المبكرة بعيداً عن “سطوة السلاح المنفلت». وتجرى الانتخابات بإشراف نحو 1800 مراقب دولي وأوروبي وعربي، وفق بيانات سابقة لمفوضية الانتخابات العراقية. ووفق أرقام مفوضية الانتخابات المعلنة في 31 يوليو الماضي، فإن 3249 مرشحا يمثلون 21 تحالفا و109 أحزاب، إلى جانب مستقلين، سيخوضون سباق الانتخابات للفوز بـ 329 مقعدا في البرلمان العراقي.

مليشات إيران
على الرغم من أن البرلمان العراقي رضخ لمطالب المحتجين الشباب بإجراء انتخابات مبكرة، تقول مجلة “إيكونوميست” إن معظم العراقيين سيقاطعون الحدث، محذرة من أنه إذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن تشدد الميليشيات الطائفية والعرقية، وخاصة تلك الأقرب إلى إيران، قبضتها أكثر.
وتقول المجلة إن التجارب السابقة للعراقيين في الديمقراطية كانت أقل من بناءة. ففي عام 2018، لم يدل إلا 44% فقط من الناخبين بأصواتهم. والمفارقة أن آخرين عوضوا انخفاض الإقبال، بالتصويت مرات عدة. وبعد أيام من قرار البرلمان بإعادة فرز الأصوات، اشتعلت النيران في مستودع يخزن مليون بطاقة اقتراع. ومذذاك، سعت بغداد إلى جعل التصويت التالي أكثر مصداقية. وزاد عدد الدوائر الانتخابية التي يجب أن تصب في مصلحة المرشحين المستقلين.
وفي هذه الانتخابات، سيكن لدى حوالي 70% من الناخبين بطاقات بيومترية، مما سيقلل التزوير. وسيكون عدد المراقبين الأجانب خمسة أضعاف ما كان عليه عام 2018، بما في ذلك، وللمرة الأولى، وحدة من الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، لا تزال سائدة. ويطالب كثيرون ممن كانوا في طليعة الاحتجاجات الجماهيرية قبل عامين بالمقاطعة. وقال إحدهم: “السياسيون لا يحترموننا، لذلك أنا لا أحترمهم”، مقتنعًا بأن الفصائل العراقية المسلحة لن تتنازل عن السلطة في صناديق الاقتراع.

فساد
ويتمثل القلق الأكثر شيوعاً في أنه حتى لو كانت الانتخابات نفسها أكثر عدلاً، فإن الخلافات بعد ذلك ستؤدي إلى تقاسم الفساد آخر بين الفصائل الرئيسية. ولا يزال من المرجح أن يتم تقاسم الوزارات بين الأحزاب الكبرى، مع التعامل مع عائدات النفط على أنها أرباح نقدية يتم تقاسمها، بما في ذلك مع الميليشيات الحزبية. يعيش الشيعة في وسط وجنوب العراق وهم أكثر من فقدوا الثقة بالسياسة. وانضم الكثيرون منهم قبل عامين لحركات الاحتجاج التي طالبت بانتخابات حرة وتفكيك سيطرة الميليشيات على البلد. ولكن الجماعات المسلحة هذه زادت قوتها منذ ذلك الوقت حيث قتلت المئات بدون خوف من الملاحقة، ولاحقت المحتجين وطردتهم من الشوارع وسحقت جهودهم لتشكيل حركة سياسية عبر قتل وخطف واستفزاز قادتهم والناشطين منهم. كما أن العديد من المرشحين المستقلين الذين يزعمون أنهم يمثلون حركة الاحتجاج يعملون على تشتيت الأصوات، بشكل لن يؤدي إلا لفوز القلة منهم. ويقول ياسر مكي، طبيب الأسنان الذي انضم لحركة الاحتجاج في النجف: “كل مرشح يشعر أنه وحده ملك ساحة الاحتجاج». وتقول “إيكونوميست” إن البعض حاول طلب المساعدة لإنشاء كتلة علمانية، لكن أمريكا على ما يبدو متعبة من محاولات نشر الديمقراطية. ويساعد على تقسيم البلاد تشرذم الطوائف الثلاث التي يتكون منها العراق: السنة والشيعة والأكراد. ويدعم الشيعة عدداً من الأحزاب، الكثير منها مسلح.  وفازت كتلة سائرون التي يتزعمها رجل الدين مقتدى الصدر بمعظم أصوات عام 2018 لكن حملته في قاعدته التقليدية بمدينة الصدر، جنوب بغداد بدت متعبة، وهذا بسبب فشل الحزب باستخدام نفوذه في البرلمان لتحسين ظروف قواعده. وتحاول الجماعات المسلحة وبخاصة المقربة من إيران اختطاف ناخبيه، فقيس الخزعلي، زعيم عصائب الحق الذي انشق عن الصدر، يرقص على أنغام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، أية الله علي خامنئي. وتشارك “كتائب حزب الله” المعروفة بإطلاق صواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد بالانتخابات لأول مرة. وحاولت فصائل شيعية الحصول على دعم إيران لمساعدتها بعدم تقسيم الصوت الشيعي. وتخلص المجلة إلى أن العزاء الوحيد هو خلو الانتخابات من العنف، إلا أن النتيجة رهن بتعلم الشيعة الدرس من السنة الذين خسروا الانتخابات عندما قاطعوها. وتقول المرشحة السنية ندى الجبوري “المقاطعة لا تنجح».