رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده
يواجه مسائل وجودية:
مستقبل الاتحاد الأوروبي يُلعب شرقا...!
-- الدرس الذي يجب تعلمه هـو أنــه من أجـل إحراز تقـدم، تحتاج أوروبــا إلى الصبر الاسـتراتيجي
-- فرض الغزو تغييرًا على الجميع له تداعيات عميقة على موقف الأوروبيين تجاه دورهم في العالم
-- كان على أوروبا الغربية التي عقدت السلام مع تاريخها أن تتعلم شيئًا من انفجار يوغوسلافيا السابقة
-- في التعامل مع عواقب سقوط الجدار، تجاهل الغرب الأوروبي التاريخ والجغرافيا
-- سيظل التوازن بين الشرق والغرب في إدارة الاتحاد الأوروبي، سؤالًا وجوديًا رئيسيًا
المشاكل التي يواجهها الاتحاد الأوروبي مع بولندا والمجر ودول شرقية أخرى، والصعوبات في تنظيم علاقات مثمرة مع الدول المرشحة الأخرى، والآن العواقب المأساوية للحرب في أوكرانيا، ينظر اليها الكثيرون بحق على أنها مسائل وجودية، بمعنى أنها تتجاوز تضارب المصالح العادي للتأثير على طبيعة البناء المشترك.
الصبر الاستراتيجي
لنسجّل ان هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا. من سمات أي بناء سياسي كبير أن يواجه مشاكل وجودية.
الولايات المتحدة، التي كان عليها أن تخوض حربًا أهلية، تعرف شيئًا عن ذلك. وُلد الاتحاد الأوروبي قبل سبعين عامًا فقط، وقد نما الاتحاد “مجموعة آنذاك” من 6 إلى 28 عضوًا “الآن 27” في أقل من أربعين عامًا دون توضيح طبيعته وغرضه. لذلك لا غرابة في أن يكون للاندماج مشاكل وجودية أخرى.
أولاً مع فرنسا الديغولية، ثم مع بريطانيا مارجريت تاتشر، وأخيراً مع جدل الشمال والجنوب في إدارة اليورو. لطالما وجدت هذه الأزمات إجابة في التسويات البراغماتية، التي فشلت في حالة بريطانيا في تجنّب القطيعة النهائية.
وفي حالات أخرى، لم تتفادى الحلول الوسط الانفصال فحسب، بل سمحت للاندماج بإحراز تقدم لم يكن متوقعًا في ذلك الوقت. الدرس الذي يجب تعلمه هو أنه من أجل إحراز تقدم، تحتاج أوروبا إلى الصبر الاستراتيجي.
ماذا يخبرنا هذا عن المشاكل التي يطرحها التوسّع شرقا؟ أولا، نحن بحاجة إلى تحليل الأخطاء التي ارتكبت. في هذه الحالة المحددة، كان الخطأ الأول، والأساسي في كثير من النواحي، هو إدارة هذا التوسّع المثير من الناحية الكمية بنفس الطريقة مثل سابقيه.
من حيث الجوهر، اعتقدنا أن كل ما هو مطلوب هو المساعدة الكافية والتدابير الانتقالية لتسهيل دخول أبناء العمّ إلى الاتحاد الأوروبي الذين كانوا أفقر قليلاً ومتخلفين، لكنهم في الأساس يرغبون فقط “أن يصبحوا مثلنا”. هذا لا يعني، كما يزعم البعض، أن التوسع شرقا كان سابقًا لأوانه “حدث بعد ما يقرب من عشرين عامًا من سقوط جدار برلين!”، أو حتى خطأ. النتيجة الاقتصادية إيجابية بشكل أساسي، سواء للأعضاء الجدد أو القدامى. لكن التقييم مختلف من وجهة نظر سياسية.
في التعامل مع عواقب سقوط الجدار، تجاهلنا نحن الأوروبيين “الغربيين” التاريخ والجغرافيا. جزئياً بسبب الغطرسة، وجزئياً لأننا منغمسون في الشؤون الداخلية الملحة، نظرنا إلى الشرق بطريقة عرضية ومشتتة في كثير من الأحيان. الشعوب التي ولدت عملية التكامل الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خرجت من تاريخ طويل، غالبًا ما كان دراماتيكيًا، وقادها إلى ترسيخ هوية وطنية وإجماع حول المؤسسات الديمقراطية.
بعد أن اكتسبنا بشكل مأساوي الوعي بأن القومية هي مرض الهويات الوطنية غير الآمنة، سمحنا لظروف أن تنضج، والتي يمكن أن تسمح لنا بتجاوزها وتقاسم جزء من سيادتنا. كان الغرب في انسجام تام: لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدًا، بكل لغات اوروبا! وبما لا يثير الدهشة، أصبح الاتحاد الأوروبي البطل الرئيسي للنظام الليبرالي متعدد الأطراف.
شعوب الشرق، التي تعيش في قوس الأزمة هذا الممتد من بحر البلطيق إلى البحر الأدرياتيكي والبحر الأسود، لها تاريخ مختلف. بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حصلوا على استقلالهم بفضل التفكك العنيف للإمبراطوريات الثلاث الروسية والنمساوية والعثمانية، مع رسم الحدود من قبل المنتصرين، بطريقة مصطنعة في بعض الأحيان. ثم سرعان ما تجاوزتهم مأساة الحرب العالمية الثانية الهائلة، والتي أنتجت فظائعًا ودمارًا أكبر مما حدث في الغرب.
وكأنّ هذا لم يكن كافيًا، فقد أعقب هذه الفترة نصف قرن من الهيمنة الشيوعية والروسية. هناك ما يكفي ليكون لدينا تصور للديمقراطية، للهوية الوطنية، وتقريبًا لتاريخ القرن الماضي، مختلف عن تاريخنا. كما أوضح إيفان كراستيف في الفايننشال تايمز “1 أغسطس 2022”، يظل التحدي الرئيسي لدول أوروبا الشرقية هو “إعادة” بناء هوية وطنية وظيفية. وتوجد هنا المتطلبات الأساسية لمشكلة وجودية للاتحاد الأوروبي أكثر تعقيدًا بكثير من الأزمات التي ذكرتها سابقًا.
بعد انهيار الشيوعية، كان ينبغي أن تتولى ألمانيا مهمة إرشادنا في تحديد سياسة شرقية فعالة. فهي، لأسباب تاريخية لا داعي للتذكير بها، بالنسبة لدول الشرق، بما في ذلك روسيا، الشريك الأكثر أهمية ولكنها أيضًا الشريك الأكثر إشكالية في الغرب؛ علاقة هي مصدر جذب كبير وشك مستمر واتهامات عرضية. تشهد بذلك الطلبات المتأخرة للحصول على “تعويضات” عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية “في بولندا، على سبيل المثال، ولكن أيضًا في اليونان”، التي لا تترجم صراعا كامنا مع ألمانيا بقدر ما تشهد على الحاجة المستمرة للتعويض عن الضعف الذاتي من خلال استعراضات قومية منمقة.
حبيسة حلم أن تكون “محاطًة بالأصدقاء فقط”، وفقًا للتعبير الشهير لهانس-ديتريش جينشر عام 1990، قررت ألمانيا الموحدة لأنجيلا ميركل وضع كل سياستها الشرقية تقريبًا تحت علامة العلاقات الاقتصادية والتجارية، واقترحت نفس النموذج لعموم الاتحاد الأوروبي. من بين الدول الكبرى الأخرى في القارة، اتبعت إيطاليا إلى حد كبير خطى ألمانيا. في المقابل، كانت سياسة فرنسا الشرقية دائمًا مستوحاة تاريخيًا من الرغبة في احتواء ألمانيا. وبعد تخليها عن هذا الهدف، بدا أنها فقدت الاهتمام بأوروبا الشرقية، باستثناء التركيز العرضي وغير الواقعي في بعض الأحيان على روسيا.
مسائل تم التغاضي عنها
المسألة الرئيسية الأولى التي لم يتم تناولها في الوقت المناسب هي تلك الخاصة بالعديد من النزاعات والمطالبات العرقية داخل الحدود المصطنعة أحيانًا والتي نتجت عن الحربين العالميتين. يبدو أننا كدنا ننسى أن أول إجراء للمصالحة الفرنسية الألمانية كان التسوية النهائية للمطالبات المتبادلة بشأن سار. حتى التوترات العرقية والإقليمية في الشرق، التي تم قمعها ولم يتم حلها أبدًا والتي سمح انهيار الشيوعية بظهورها، كانت في بعض الحالات خطيرة ومستمرة. ويكفي إلقاء نظرة على خريطة الأقليات العرقية المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. هذه التوترات ليست كلها بنفس الحدّة، لكنها تساهم في العملية الصعبة لبناء الهوية الوطنية التي يتحدث عنها كراستيف.
كان على أوروبا الغربية التي عقدت السلام أخيرًا مع تاريخها، أن تتعلم شيئًا من انفجار يوغوسلافيا السابقة. وعلى العكس من ذلك، فإن ألمانيا وبقية أوروبا الغربية، التي فهمت أيضًا أن توحيد ألمانيا يجب أن يكون مصحوبًا بالاعتراف النهائي بالحدود البولندية، شرعت في عملية التوسيع كما لو كانت هذه النزاعات ثانوية أو يمكن حلها بعد التوسيع. ويبدو أننا تعلمنا في الأخير، ولكن متأخرًا جدًا، درس البلقان.
المشكلة الثانية التي يمكن توقعها والتي كان ينبغي التعامل معها في الوقت المناسب تتعلق بمفهوم الديمقراطية وسيادة القانون. لقد انفجرت بقوة خاصة في حالة المجر، التي حكمها لفترة طويلة النظام السلطوي لأوربان، وبولندا منذ أن حكمها حزب القانون والعدالة القومي. لا ينبغي التقليل من أهمية هذا الانقسام على الديمقراطية وسيادة القانون. ومع ذلك، من الصعب جدًا التعامل معها بسبب الطبيعة غير الكاملة للبناء الأوروبي.
في اتحاد أوروبي بدون دستور فيدرالي، يكون الالتزام بالقيم الديمقراطية ضمنيًا، ويعتبر أمرًا مفروغًا منه. ويترتب على ذلك أن أدوات التعامل مع انتهاكها في نظام لا يزال يتكون من دول ذات سيادة، ضعيفا، إن لم تكن منعدما؛ في الممارسة العملية، فهي تقتصر على ممارسة الضغط الاقتصادي. في ظل هذه الظروف، من الصعب شرح سبب تدخل الاتحاد الأوروبي بشكل فعال ضد انتهاك قواعد المنافسة ولكن ليس ضد انتهاك المزيد من القيم الأساسية. كل هذا يفسر سبب التزام المفوضية والمجلس الأوروبي بالموازنة باستمرار بين الحزم والبراغماتية. حالة واضحة من “الصبر الاستراتيجي».
كانت إدارة هذا التوازن غير المستقر صعبة للغاية عندما قلب الغزو الروسي لأوكرانيا الطاولة. في الغرب، قوبل انهيار الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفياتي بتفاؤل حذر. وكان يعتقد أن جاذبية نموذجنا وتكثيف العلاقات الاقتصادية من شأنه أن يتسبب في تطور روسيا المتحررة من الأيديولوجية الشيوعية في اتجاه يتوافق مع القيم الغربية، مما يجعل الأمن الأوروبي المستقر ممكنًا.
في الواقع، بدا التطور مشجعًا في البداية. تكثفت العلاقات الاقتصادية مع روسيا وكانت النتيجة مزيد اعتمادنا على الطاقة؛ كما تضاعفت العلاقات السياسية، باتفاق بين روسيا وحلف الناتو ودخولها إلى مجموعة الثماني. مع صعود بوتين إلى السلطة، وعندما اتخذ تطور روسيا مسار النزعة القومية العرقية العدوانية بشكل متزايد خارجيًا والسلطوية داخليًا، فُسِّر هذا على أنه أزمة نمو تتطلب الحذر، ولكن ليس تغييرا جذريا في الاستراتيجية. بالنسبة للجميع وخاصة بالنسبة لفرنسا وإيطاليا وألمانيا، استمر تطبيق الشعار الألماني، التغيير من خلال التجارة. وحتى غزو جورجيا عام 2008، ثم غزو شبه جزيرة القرم ودونباس عام 2014، الذي أجبرنا على الرد بقسوة ما، لم يغيّر الاستراتيجية جذريًا.
وفي مواجهة هذا المظهر من مظاهر الإنكار المرئي، خاصة في ألمانيا، كانت الرسالة القادمة من الشرق وبولندا ودول البلطيق وحتى الدول الاسكندنافية مختلفة اختلافًا جذريًا. لم يُنظر إلى التحول السلطوي والعدواني لروسيا على أنه عامل مؤقت، بل كان يُنظر إليه كخيار استراتيجي واع، ورؤية للعالم، وللمهمة الموكلة لروسيا؛ وجهة نظر لن يكون من السهل تغييرها.
دفعنا الإنكار السائد في الغرب إلى رفض هذه التحليلات برضا عن النفس وغطرسة وغرور: لقد فهمنا المنطق، لكننا نرفض استنتاجاتهم التي اعتُبرت متطرفة. واجبرنا غزو أوكرانيا في 24 فبراير على الاعتراف بأن أبناء عمومتنا المتطرفين كانوا على حق. لقد فرض الغزو تغييرًا على الجميع، لا يؤثر فقط على العلاقات مع روسيا، ولكن له تداعيات عميقة على موقف الأوروبيين تجاه دورهم في العالم، تجاه الدفاع المشترك، تجاه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ناهيك عن سياسة الطاقة وتنويع الإمدادات.
المنعطف الألماني
لقد استجاب الاتحاد الأوروبي لهذه الأزمة بدرجة من الوحدة لم يكن يعتقد الكثيرون أنها ممكنة. أهم تجديد هو المنعطف الألماني الحاسم، الذي تضمنه خطاب أولاف شولتز الأخير في براغ. ستكون عملية تعريف السياسة الألمانية الجديدة بطيئة ومعقدة بالضرورة، ولكن في براغ ربما يكون شولتز قد أرسى الأسس لتجاوز نهائيًا الكابوس المزمن للعديد من الشعوب الشرقية: اتفاق بين الإمبرياليتين الألمانية والروسية.
من المؤكد أن هذا الاختراق هش، بسبب استمرار الميول السلمية القوية في أوروبا، ولأنه ينطوي على خيارات اقتصادية واجتماعية صعبة لجميع الدول الأعضاء عمليًا. ومع ذلك، حتى لو لم يكن الماضي بالضرورة مرشدًا للمستقبل، فهذه حقيقة مفادها أنه منذ بداية الأعمال العدائية، تعزز التضامن الأوروبي والغربي بدلاً من إضعافه. وخطاب إيمانويل ماكرون في الأمم المتحدة دليل جيد على ذلك. وبينما تعكس استطلاعات الرأي التذبذب والانقسام في الرأي العام، فمن المرجح أن هذه الخطوة بالنسبة لمعظم الحكومات لا رجعة فيها، إن لم يكن بالاختيار، فعلى الأقل بحكم الضرورة. ويزيد غياب محطات انتخابية كبرى، في هذا الصدد، من حرية عمل الحكومات. هناك استثناء إيطالي مع حالة عدم اليقين التي ينطوي عليها. ومع ذلك، فإن احتمال أن تكون الأغلبية الجديدة مستعدة للانفصال عن التضامن الغربي ضئيلة.
من ناحية اخرى، على الرغم من الخصائص المشتركة الموصوفة أعلاه، لا ينبغي لأحد أن يغفل تنوع الأعضاء الجدد، وهو أيضًا جانب يسهل تجاهله في الغرب. ولجعل أصواتهم مسموعة بشكل أفضل داخل الاتحاد الأوروبي، قام بعضهم في الماضي بتشجيع المجموعات، مثل مجموعة فيزيغراد “بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك” ، والتي تم تقليل قاسمها المشترك. إن الحرب في أوكرانيا تضخّم هذه الاختلافات، وكان أحد الآثار هو إحداث شرخ عميق بين هنغاريا أوربان، التي تحافظ على موقف ودي تجاه روسيا، وبولندا “وكل دولة أخرى تقريبًا”. والتأثير الرئيسي الآخر، هو أنه أصبح من الصعب الآن التعامل مع حالات الخلاف الجسيمة الأخرى المذكورة أعلاه والتي لدينا مع بولندا، التي لا تقف فقط في خط المواجهة الاول فيما يتعلق بالمسألة الحيوية المتعلقة بالعلاقات مع روسيا، ولكنها أظهرت كرما كبيرا في استقبال اللاجئين من أوكرانيا.
إن عواقب كل هذا على العلاقات بين الشرق والغرب داخل الاتحاد الأوروبي مهمة للغاية. أولاً، هناك ضغط متزايد لجعل عمل الاتحاد الأوروبي أكثر مرونة، بما في ذلك تمديد تصويت الأغلبية. غالبًا ما كان تطور الاتحاد الأوروبي في العقود الأخيرة نتيجة لعمل الرواد الذين يجرون الآخرين “على سبيل المثال، مع اليورو وشنغن».
في نفس الوقت، تُظهر أزمات مثل البريكسيت وأوكرانيا مدى أهمية وحدة الدول السبع والعشرين التي يجب الحفاظ عليها. يصعب اليوم تصميم سياسة خارجية ودفاعية أساسية مشتركة دون الأخذ بعين الاعتبار مساهمة ومصالح بولندا ودول البلطيق ودول الشمال. إن العدوان الروسي على أوكرانيا لا يثبت فقط أن عضوية الاتحاد الأوروبي أمر حيوي لأمن بلدان الشرق، بل يثبت أيضًا أن اندماجها الكامل وحده هو الذي يمكن أن يضمن بشكل دائم أمن حدودنا الشرقية وأمن الاتحاد الأوروبي ككل. وسيعتمد مستقبل الاتحاد الأوروبي على الجدلية بين هذه المتطلبات المختلفة. ومن هذا المنظور، فإن الهدف الاستراتيجي هو العمل على توسيع الفجوة بين بولندا والمجر، والحفاظ على الحوار مع الأولى وزيادة الضغط على الثانية. ويؤدي كل هذا أيضًا إلى استنتاج أنه من غير الواقعي حاليًا الاعتقاد بأن الديالكتيك بين الديناميكية التي توفرها الطليعة والحفاظ على الوحدة، يمكن أن يؤدي إلى أشكال منظمة ذات هندسة متغيرة أو دوائر متحدة المركز.
تُظهر القراءة المتأنية لخطاب شولتز في براغ، وكذلك خطاب أورسولا فون دير لاين حول حالة الاتحاد، أن الحفاظ على الوحدة دون المساومة على الديناميكية ودون التخلي عن القيم الأساسية، هو أيضًا مصدر قلق كبير لبعض كبار قادة الاتحاد الأوروبي.
إن التوازن بين الشرق والغرب في إدارة الاتحاد الأوروبي، اذن، سيظل سؤالًا وجوديًا رئيسيًا، لا سيما لأنه يحدد التحدي التالي: التوسّع الحتمي الآن للبلقان، والمنظور المقبول رسميًا لانضمام أوكرانيا، مولدوفا، وأخيرا جورجيا. بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي لا يزال هشًا، يعدّ هذا تحديًا أكثر صعوبة من التحديات التي عرفناها حتى الآن.
ومن بين ضحايا غزو أوكرانيا وهم حلّ مشكلة الأمن الأوروبي على الطريقة “الفنلندية” الجديدة. بغض النظر عن كيفية تطور الحرب في أوكرانيا، تلاشى حلم الكثير من الناس في وجود بنية أمنية أوروبية مستقرة تضم روسيا في الوقت الحالي. يبقى هناك فقط احتمال وجود توازن غير مستقر للردع، وحيثما أمكن، الحوار لمنع الأزمات من التصعيد إلى الصراع. بطريقة ما، إعادة إصدار للحرب الباردة، وإن في ظل ظروف مختلفة جدًا.
يشير خطاب شولتز في براغ إلى أن الرسالة كانت مفهومة جيدًا في برلين... نأمل أن يكون الامر كذلك في روما وباريس.
*مدير الدراسات في مدرسة الاقتصاد السياسي جامعة لويس “روما»
-- فرض الغزو تغييرًا على الجميع له تداعيات عميقة على موقف الأوروبيين تجاه دورهم في العالم
-- كان على أوروبا الغربية التي عقدت السلام مع تاريخها أن تتعلم شيئًا من انفجار يوغوسلافيا السابقة
-- في التعامل مع عواقب سقوط الجدار، تجاهل الغرب الأوروبي التاريخ والجغرافيا
-- سيظل التوازن بين الشرق والغرب في إدارة الاتحاد الأوروبي، سؤالًا وجوديًا رئيسيًا
المشاكل التي يواجهها الاتحاد الأوروبي مع بولندا والمجر ودول شرقية أخرى، والصعوبات في تنظيم علاقات مثمرة مع الدول المرشحة الأخرى، والآن العواقب المأساوية للحرب في أوكرانيا، ينظر اليها الكثيرون بحق على أنها مسائل وجودية، بمعنى أنها تتجاوز تضارب المصالح العادي للتأثير على طبيعة البناء المشترك.
الصبر الاستراتيجي
لنسجّل ان هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا. من سمات أي بناء سياسي كبير أن يواجه مشاكل وجودية.
الولايات المتحدة، التي كان عليها أن تخوض حربًا أهلية، تعرف شيئًا عن ذلك. وُلد الاتحاد الأوروبي قبل سبعين عامًا فقط، وقد نما الاتحاد “مجموعة آنذاك” من 6 إلى 28 عضوًا “الآن 27” في أقل من أربعين عامًا دون توضيح طبيعته وغرضه. لذلك لا غرابة في أن يكون للاندماج مشاكل وجودية أخرى.
أولاً مع فرنسا الديغولية، ثم مع بريطانيا مارجريت تاتشر، وأخيراً مع جدل الشمال والجنوب في إدارة اليورو. لطالما وجدت هذه الأزمات إجابة في التسويات البراغماتية، التي فشلت في حالة بريطانيا في تجنّب القطيعة النهائية.
وفي حالات أخرى، لم تتفادى الحلول الوسط الانفصال فحسب، بل سمحت للاندماج بإحراز تقدم لم يكن متوقعًا في ذلك الوقت. الدرس الذي يجب تعلمه هو أنه من أجل إحراز تقدم، تحتاج أوروبا إلى الصبر الاستراتيجي.
ماذا يخبرنا هذا عن المشاكل التي يطرحها التوسّع شرقا؟ أولا، نحن بحاجة إلى تحليل الأخطاء التي ارتكبت. في هذه الحالة المحددة، كان الخطأ الأول، والأساسي في كثير من النواحي، هو إدارة هذا التوسّع المثير من الناحية الكمية بنفس الطريقة مثل سابقيه.
من حيث الجوهر، اعتقدنا أن كل ما هو مطلوب هو المساعدة الكافية والتدابير الانتقالية لتسهيل دخول أبناء العمّ إلى الاتحاد الأوروبي الذين كانوا أفقر قليلاً ومتخلفين، لكنهم في الأساس يرغبون فقط “أن يصبحوا مثلنا”. هذا لا يعني، كما يزعم البعض، أن التوسع شرقا كان سابقًا لأوانه “حدث بعد ما يقرب من عشرين عامًا من سقوط جدار برلين!”، أو حتى خطأ. النتيجة الاقتصادية إيجابية بشكل أساسي، سواء للأعضاء الجدد أو القدامى. لكن التقييم مختلف من وجهة نظر سياسية.
في التعامل مع عواقب سقوط الجدار، تجاهلنا نحن الأوروبيين “الغربيين” التاريخ والجغرافيا. جزئياً بسبب الغطرسة، وجزئياً لأننا منغمسون في الشؤون الداخلية الملحة، نظرنا إلى الشرق بطريقة عرضية ومشتتة في كثير من الأحيان. الشعوب التي ولدت عملية التكامل الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خرجت من تاريخ طويل، غالبًا ما كان دراماتيكيًا، وقادها إلى ترسيخ هوية وطنية وإجماع حول المؤسسات الديمقراطية.
بعد أن اكتسبنا بشكل مأساوي الوعي بأن القومية هي مرض الهويات الوطنية غير الآمنة، سمحنا لظروف أن تنضج، والتي يمكن أن تسمح لنا بتجاوزها وتقاسم جزء من سيادتنا. كان الغرب في انسجام تام: لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدًا، بكل لغات اوروبا! وبما لا يثير الدهشة، أصبح الاتحاد الأوروبي البطل الرئيسي للنظام الليبرالي متعدد الأطراف.
شعوب الشرق، التي تعيش في قوس الأزمة هذا الممتد من بحر البلطيق إلى البحر الأدرياتيكي والبحر الأسود، لها تاريخ مختلف. بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حصلوا على استقلالهم بفضل التفكك العنيف للإمبراطوريات الثلاث الروسية والنمساوية والعثمانية، مع رسم الحدود من قبل المنتصرين، بطريقة مصطنعة في بعض الأحيان. ثم سرعان ما تجاوزتهم مأساة الحرب العالمية الثانية الهائلة، والتي أنتجت فظائعًا ودمارًا أكبر مما حدث في الغرب.
وكأنّ هذا لم يكن كافيًا، فقد أعقب هذه الفترة نصف قرن من الهيمنة الشيوعية والروسية. هناك ما يكفي ليكون لدينا تصور للديمقراطية، للهوية الوطنية، وتقريبًا لتاريخ القرن الماضي، مختلف عن تاريخنا. كما أوضح إيفان كراستيف في الفايننشال تايمز “1 أغسطس 2022”، يظل التحدي الرئيسي لدول أوروبا الشرقية هو “إعادة” بناء هوية وطنية وظيفية. وتوجد هنا المتطلبات الأساسية لمشكلة وجودية للاتحاد الأوروبي أكثر تعقيدًا بكثير من الأزمات التي ذكرتها سابقًا.
بعد انهيار الشيوعية، كان ينبغي أن تتولى ألمانيا مهمة إرشادنا في تحديد سياسة شرقية فعالة. فهي، لأسباب تاريخية لا داعي للتذكير بها، بالنسبة لدول الشرق، بما في ذلك روسيا، الشريك الأكثر أهمية ولكنها أيضًا الشريك الأكثر إشكالية في الغرب؛ علاقة هي مصدر جذب كبير وشك مستمر واتهامات عرضية. تشهد بذلك الطلبات المتأخرة للحصول على “تعويضات” عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية “في بولندا، على سبيل المثال، ولكن أيضًا في اليونان”، التي لا تترجم صراعا كامنا مع ألمانيا بقدر ما تشهد على الحاجة المستمرة للتعويض عن الضعف الذاتي من خلال استعراضات قومية منمقة.
حبيسة حلم أن تكون “محاطًة بالأصدقاء فقط”، وفقًا للتعبير الشهير لهانس-ديتريش جينشر عام 1990، قررت ألمانيا الموحدة لأنجيلا ميركل وضع كل سياستها الشرقية تقريبًا تحت علامة العلاقات الاقتصادية والتجارية، واقترحت نفس النموذج لعموم الاتحاد الأوروبي. من بين الدول الكبرى الأخرى في القارة، اتبعت إيطاليا إلى حد كبير خطى ألمانيا. في المقابل، كانت سياسة فرنسا الشرقية دائمًا مستوحاة تاريخيًا من الرغبة في احتواء ألمانيا. وبعد تخليها عن هذا الهدف، بدا أنها فقدت الاهتمام بأوروبا الشرقية، باستثناء التركيز العرضي وغير الواقعي في بعض الأحيان على روسيا.
مسائل تم التغاضي عنها
المسألة الرئيسية الأولى التي لم يتم تناولها في الوقت المناسب هي تلك الخاصة بالعديد من النزاعات والمطالبات العرقية داخل الحدود المصطنعة أحيانًا والتي نتجت عن الحربين العالميتين. يبدو أننا كدنا ننسى أن أول إجراء للمصالحة الفرنسية الألمانية كان التسوية النهائية للمطالبات المتبادلة بشأن سار. حتى التوترات العرقية والإقليمية في الشرق، التي تم قمعها ولم يتم حلها أبدًا والتي سمح انهيار الشيوعية بظهورها، كانت في بعض الحالات خطيرة ومستمرة. ويكفي إلقاء نظرة على خريطة الأقليات العرقية المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. هذه التوترات ليست كلها بنفس الحدّة، لكنها تساهم في العملية الصعبة لبناء الهوية الوطنية التي يتحدث عنها كراستيف.
كان على أوروبا الغربية التي عقدت السلام أخيرًا مع تاريخها، أن تتعلم شيئًا من انفجار يوغوسلافيا السابقة. وعلى العكس من ذلك، فإن ألمانيا وبقية أوروبا الغربية، التي فهمت أيضًا أن توحيد ألمانيا يجب أن يكون مصحوبًا بالاعتراف النهائي بالحدود البولندية، شرعت في عملية التوسيع كما لو كانت هذه النزاعات ثانوية أو يمكن حلها بعد التوسيع. ويبدو أننا تعلمنا في الأخير، ولكن متأخرًا جدًا، درس البلقان.
المشكلة الثانية التي يمكن توقعها والتي كان ينبغي التعامل معها في الوقت المناسب تتعلق بمفهوم الديمقراطية وسيادة القانون. لقد انفجرت بقوة خاصة في حالة المجر، التي حكمها لفترة طويلة النظام السلطوي لأوربان، وبولندا منذ أن حكمها حزب القانون والعدالة القومي. لا ينبغي التقليل من أهمية هذا الانقسام على الديمقراطية وسيادة القانون. ومع ذلك، من الصعب جدًا التعامل معها بسبب الطبيعة غير الكاملة للبناء الأوروبي.
في اتحاد أوروبي بدون دستور فيدرالي، يكون الالتزام بالقيم الديمقراطية ضمنيًا، ويعتبر أمرًا مفروغًا منه. ويترتب على ذلك أن أدوات التعامل مع انتهاكها في نظام لا يزال يتكون من دول ذات سيادة، ضعيفا، إن لم تكن منعدما؛ في الممارسة العملية، فهي تقتصر على ممارسة الضغط الاقتصادي. في ظل هذه الظروف، من الصعب شرح سبب تدخل الاتحاد الأوروبي بشكل فعال ضد انتهاك قواعد المنافسة ولكن ليس ضد انتهاك المزيد من القيم الأساسية. كل هذا يفسر سبب التزام المفوضية والمجلس الأوروبي بالموازنة باستمرار بين الحزم والبراغماتية. حالة واضحة من “الصبر الاستراتيجي».
كانت إدارة هذا التوازن غير المستقر صعبة للغاية عندما قلب الغزو الروسي لأوكرانيا الطاولة. في الغرب، قوبل انهيار الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفياتي بتفاؤل حذر. وكان يعتقد أن جاذبية نموذجنا وتكثيف العلاقات الاقتصادية من شأنه أن يتسبب في تطور روسيا المتحررة من الأيديولوجية الشيوعية في اتجاه يتوافق مع القيم الغربية، مما يجعل الأمن الأوروبي المستقر ممكنًا.
في الواقع، بدا التطور مشجعًا في البداية. تكثفت العلاقات الاقتصادية مع روسيا وكانت النتيجة مزيد اعتمادنا على الطاقة؛ كما تضاعفت العلاقات السياسية، باتفاق بين روسيا وحلف الناتو ودخولها إلى مجموعة الثماني. مع صعود بوتين إلى السلطة، وعندما اتخذ تطور روسيا مسار النزعة القومية العرقية العدوانية بشكل متزايد خارجيًا والسلطوية داخليًا، فُسِّر هذا على أنه أزمة نمو تتطلب الحذر، ولكن ليس تغييرا جذريا في الاستراتيجية. بالنسبة للجميع وخاصة بالنسبة لفرنسا وإيطاليا وألمانيا، استمر تطبيق الشعار الألماني، التغيير من خلال التجارة. وحتى غزو جورجيا عام 2008، ثم غزو شبه جزيرة القرم ودونباس عام 2014، الذي أجبرنا على الرد بقسوة ما، لم يغيّر الاستراتيجية جذريًا.
وفي مواجهة هذا المظهر من مظاهر الإنكار المرئي، خاصة في ألمانيا، كانت الرسالة القادمة من الشرق وبولندا ودول البلطيق وحتى الدول الاسكندنافية مختلفة اختلافًا جذريًا. لم يُنظر إلى التحول السلطوي والعدواني لروسيا على أنه عامل مؤقت، بل كان يُنظر إليه كخيار استراتيجي واع، ورؤية للعالم، وللمهمة الموكلة لروسيا؛ وجهة نظر لن يكون من السهل تغييرها.
دفعنا الإنكار السائد في الغرب إلى رفض هذه التحليلات برضا عن النفس وغطرسة وغرور: لقد فهمنا المنطق، لكننا نرفض استنتاجاتهم التي اعتُبرت متطرفة. واجبرنا غزو أوكرانيا في 24 فبراير على الاعتراف بأن أبناء عمومتنا المتطرفين كانوا على حق. لقد فرض الغزو تغييرًا على الجميع، لا يؤثر فقط على العلاقات مع روسيا، ولكن له تداعيات عميقة على موقف الأوروبيين تجاه دورهم في العالم، تجاه الدفاع المشترك، تجاه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ناهيك عن سياسة الطاقة وتنويع الإمدادات.
المنعطف الألماني
لقد استجاب الاتحاد الأوروبي لهذه الأزمة بدرجة من الوحدة لم يكن يعتقد الكثيرون أنها ممكنة. أهم تجديد هو المنعطف الألماني الحاسم، الذي تضمنه خطاب أولاف شولتز الأخير في براغ. ستكون عملية تعريف السياسة الألمانية الجديدة بطيئة ومعقدة بالضرورة، ولكن في براغ ربما يكون شولتز قد أرسى الأسس لتجاوز نهائيًا الكابوس المزمن للعديد من الشعوب الشرقية: اتفاق بين الإمبرياليتين الألمانية والروسية.
من المؤكد أن هذا الاختراق هش، بسبب استمرار الميول السلمية القوية في أوروبا، ولأنه ينطوي على خيارات اقتصادية واجتماعية صعبة لجميع الدول الأعضاء عمليًا. ومع ذلك، حتى لو لم يكن الماضي بالضرورة مرشدًا للمستقبل، فهذه حقيقة مفادها أنه منذ بداية الأعمال العدائية، تعزز التضامن الأوروبي والغربي بدلاً من إضعافه. وخطاب إيمانويل ماكرون في الأمم المتحدة دليل جيد على ذلك. وبينما تعكس استطلاعات الرأي التذبذب والانقسام في الرأي العام، فمن المرجح أن هذه الخطوة بالنسبة لمعظم الحكومات لا رجعة فيها، إن لم يكن بالاختيار، فعلى الأقل بحكم الضرورة. ويزيد غياب محطات انتخابية كبرى، في هذا الصدد، من حرية عمل الحكومات. هناك استثناء إيطالي مع حالة عدم اليقين التي ينطوي عليها. ومع ذلك، فإن احتمال أن تكون الأغلبية الجديدة مستعدة للانفصال عن التضامن الغربي ضئيلة.
من ناحية اخرى، على الرغم من الخصائص المشتركة الموصوفة أعلاه، لا ينبغي لأحد أن يغفل تنوع الأعضاء الجدد، وهو أيضًا جانب يسهل تجاهله في الغرب. ولجعل أصواتهم مسموعة بشكل أفضل داخل الاتحاد الأوروبي، قام بعضهم في الماضي بتشجيع المجموعات، مثل مجموعة فيزيغراد “بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك” ، والتي تم تقليل قاسمها المشترك. إن الحرب في أوكرانيا تضخّم هذه الاختلافات، وكان أحد الآثار هو إحداث شرخ عميق بين هنغاريا أوربان، التي تحافظ على موقف ودي تجاه روسيا، وبولندا “وكل دولة أخرى تقريبًا”. والتأثير الرئيسي الآخر، هو أنه أصبح من الصعب الآن التعامل مع حالات الخلاف الجسيمة الأخرى المذكورة أعلاه والتي لدينا مع بولندا، التي لا تقف فقط في خط المواجهة الاول فيما يتعلق بالمسألة الحيوية المتعلقة بالعلاقات مع روسيا، ولكنها أظهرت كرما كبيرا في استقبال اللاجئين من أوكرانيا.
إن عواقب كل هذا على العلاقات بين الشرق والغرب داخل الاتحاد الأوروبي مهمة للغاية. أولاً، هناك ضغط متزايد لجعل عمل الاتحاد الأوروبي أكثر مرونة، بما في ذلك تمديد تصويت الأغلبية. غالبًا ما كان تطور الاتحاد الأوروبي في العقود الأخيرة نتيجة لعمل الرواد الذين يجرون الآخرين “على سبيل المثال، مع اليورو وشنغن».
في نفس الوقت، تُظهر أزمات مثل البريكسيت وأوكرانيا مدى أهمية وحدة الدول السبع والعشرين التي يجب الحفاظ عليها. يصعب اليوم تصميم سياسة خارجية ودفاعية أساسية مشتركة دون الأخذ بعين الاعتبار مساهمة ومصالح بولندا ودول البلطيق ودول الشمال. إن العدوان الروسي على أوكرانيا لا يثبت فقط أن عضوية الاتحاد الأوروبي أمر حيوي لأمن بلدان الشرق، بل يثبت أيضًا أن اندماجها الكامل وحده هو الذي يمكن أن يضمن بشكل دائم أمن حدودنا الشرقية وأمن الاتحاد الأوروبي ككل. وسيعتمد مستقبل الاتحاد الأوروبي على الجدلية بين هذه المتطلبات المختلفة. ومن هذا المنظور، فإن الهدف الاستراتيجي هو العمل على توسيع الفجوة بين بولندا والمجر، والحفاظ على الحوار مع الأولى وزيادة الضغط على الثانية. ويؤدي كل هذا أيضًا إلى استنتاج أنه من غير الواقعي حاليًا الاعتقاد بأن الديالكتيك بين الديناميكية التي توفرها الطليعة والحفاظ على الوحدة، يمكن أن يؤدي إلى أشكال منظمة ذات هندسة متغيرة أو دوائر متحدة المركز.
تُظهر القراءة المتأنية لخطاب شولتز في براغ، وكذلك خطاب أورسولا فون دير لاين حول حالة الاتحاد، أن الحفاظ على الوحدة دون المساومة على الديناميكية ودون التخلي عن القيم الأساسية، هو أيضًا مصدر قلق كبير لبعض كبار قادة الاتحاد الأوروبي.
إن التوازن بين الشرق والغرب في إدارة الاتحاد الأوروبي، اذن، سيظل سؤالًا وجوديًا رئيسيًا، لا سيما لأنه يحدد التحدي التالي: التوسّع الحتمي الآن للبلقان، والمنظور المقبول رسميًا لانضمام أوكرانيا، مولدوفا، وأخيرا جورجيا. بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي لا يزال هشًا، يعدّ هذا تحديًا أكثر صعوبة من التحديات التي عرفناها حتى الآن.
ومن بين ضحايا غزو أوكرانيا وهم حلّ مشكلة الأمن الأوروبي على الطريقة “الفنلندية” الجديدة. بغض النظر عن كيفية تطور الحرب في أوكرانيا، تلاشى حلم الكثير من الناس في وجود بنية أمنية أوروبية مستقرة تضم روسيا في الوقت الحالي. يبقى هناك فقط احتمال وجود توازن غير مستقر للردع، وحيثما أمكن، الحوار لمنع الأزمات من التصعيد إلى الصراع. بطريقة ما، إعادة إصدار للحرب الباردة، وإن في ظل ظروف مختلفة جدًا.
يشير خطاب شولتز في براغ إلى أن الرسالة كانت مفهومة جيدًا في برلين... نأمل أن يكون الامر كذلك في روما وباريس.
*مدير الدراسات في مدرسة الاقتصاد السياسي جامعة لويس “روما»