رئيس الدولة يمنح الرئيس الأميركي «وسام زايد» تقديراً لجهوده في تعزيز علاقات البلدين
تحولت العلاقات بينهما إلى مواجهة
معركة أستراليا لحماية نفسها من الصين...!
-- اعتبرت جلوبال تايمز، المقربة من الحكومة الصينية، أن أستراليا «قطعة علكة ملتصقة بأحذية الصين»
-- يهتم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بشكل خاص بالثروة المعدنية والإنتاج الزراعي الأسترالي
-- أعلنت الصين في 6 مايو قرارها تعليق المحادثات الاقتصادية التي كانت جارية مع أستراليا
-- عند قادة الصين، يثير موقف أستراليا غضبًا مختلطًا بعدم الفهم
منذ عامين، تحولت العلاقات بين أستراليا والصين إلى مواجهة. ومع ذلك، يذهب ما يقرب من 40 بالمائة من الصادرات الأسترالية إلى الصين. ويهتم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بشكل خاص بالثروة المعدنية والإنتاج الزراعي الأسترالي. كما ترغب الصين في زيادة وجودها في بلدان جنوب المحيط الهادئ. الا ان قادة كانبيرا لا يريدون سيطرة الصين المتزايدة على اقتصادهم. مخاوف الجزيرة -القارة -حيث يعيش ما يزيد قليلاً عن 25 مليون أسترالي -هو أن تصبح الحديقة الخلفية للصين التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، وتقع على بعد 4000 كيلومتر. تسعى الولايات المتحدة، وهي دولة أنجلو ساكسونية أخرى، إلى تقليص القوة الصاعدة للصين. وأطلق دونالد ترامب، في هذا المجال، سياسة عنيفة، ويسير جو بايدن عمليًا في نفس الاتجاه. لكن بالنسبة لأستراليا، لا يتعلق الأمر بتقليل المنافسة المحتملة من الصين. الهدف هو إبقائها على مسافة، ومنعها من الاستيلاء على قطاعات كاملة من الاقتصاد الأسترالي. وعلى هذا البرنامج، أعيد انتخاب سكوت موريسون، زعيم الحزب الليبرالي الأسترالي في مايو 2019.
تهم وانتقام
عام 2017، بدأت حكومة كانبيرا في وضع حاجز أمام ما بدا أنه محاولات بكين للتأثير. ثمانون في المائة من التبرعات التي تلقتها الأحزاب السياسية الأسترالية جاءت من جمهورية الصين الشعبية. كما أصدر البرلمان سلسلة من القوانين التي تحظر دخول الأموال القادمة من الخارج إلى السياسة. بالإضافة إلى ذلك، تم اتهام المسؤولين الأستراليين المنتخبين بالرشوة لتلقي أموال صينية.
بعد عام، في 2018، عندما أطلقت دعوات لتقديم عطاءات لإنشاء شبكة الجيل الخامس، استبعدت الحكومة الأسترالية، لأسباب تتعلق بـ “الأمن القومي”، مشاركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني. احتجت بكين بقوة. ثم في سبتمبر 2019، وقع حادث: كان البرلمان الأسترالي ضحية لهجوم إلكتروني. وبسرعة كبيرة، بدا للأجهزة الخاصة والمخابرات أنه انطلق من الصين.
كل هذا يعني أن العلاقة بين بكين وكانبيرا ليست في أفضل حالاتها عندما ظهر وباء كوفيد-19 في ووهان، الصين، في أوائل عام 2020. في أبريل، سيكون رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، أول رئيس حكومة في العالم يطلب من منظمة الصحة العالمية بدء تحقيق دولي في أصل هذا الوباء.
من هنا، اتخذت الحكومة الصينية قرارًا بشأن سلسلة من الأعمال الانتقامية. بدأت بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة من أستراليا. بالنسبة للخمور، فاقت الزيادة 200 بالمائة والشعير أو اللحم البقري 80 بالمائة. بالإضافة إلى ذلك، سيتم حظر دخول السفن القادمة من أستراليا للموانئ الصينية. وفي شنتشن على وجه الخصوص، خضعت سفن الشحن وسفن الحاويات الأخرى، التي تنقل الفحم أو الغلال، الى الحظر قبل الاضطرار إلى العودة إلى أستراليا دون تسليم بضائعها. ومع ذلك، لم يتم فرض عقوبات على الواردات الضخمة من الحديد الأسترالي، حيث إن الصناعة الصينية في أمسّ الحاجة إليها.
عند القادة الصينيين، يثير الموقف الأسترالي غضبًا مختلطًا بعدم الفهم. ألم تسمح الدول الغربية للصين بالسيطرة على العديد من قطاعات الاقتصاد الدولي؟ فيما يتعلق بالتجارة، ألم تشرع الصين في غزو الكوكب من خلال التطبيق الأفضل لمبادئ التجارة الحرة كما تم تطويرها في الغرب منذ القرن التاسع عشر؟ علاوة على ذلك، هنأت أقوى الدول على هذا الكوكب نفسها عام 2001 على انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. صحيح أن معظم الاقتصاديين الغربيين اعتقدوا أن هذه العضوية ستساعد في تغيير تنظيم السلطة في الصين، ومع ذلك، لم تتطور البلاد نحو الليبرالية الاقتصادية وأقل من ذلك السياسية، ولا يزال النظام الشيوعي الصيني قائما.
تعليق عدة اتفاقيات
في كل الاحوال، إن الحكومة الأسترالية مصممة على صد أي مشروع استثماري صيني على أراضيها. في 20 أبريل 2021، استخدم حق النقض ضد اتفاقية تخطط بموجبها ولاية فيكتوريا لتكون جزءً من “طرق الحرير الجديدة” في الصين. الاتفاقية التي تعتبر “غير متوافقة مع السياسة الخارجية الأسترالية”، ألغتها ماريز باين، وزيرة الخارجية الأسترالية. ووصفت السفارة الصينية في كانبيرا، في بيان، الإلغاء بأنه “غير معقول واستفزازي”، مضيفة أنه “يظهر أن الحكومة الأسترالية ليست مخلصة في تحسين العلاقات».
في نهاية عام 2020، أرسلت وزارة الخارجية الصينية إلى العديد من وسائل الإعلام الأسترالية، وثيقة تلخص ما لا تعترف به في قرارات أستراليا. ويشمل حظر هواوي من المشاركة في مناقصات الجيل الخامس، وقوانين تحظر مشاريع الاستثمار الصينية. كما تعرضت الحكومة الأسترالية لانتقادات شديدة لإدانتها استيلاء الصين على هونغ كونغ أو إدارة قضية الأويغور في شينجيانغ. وسارعت الصحافة الأسترالية بسؤال سكوت موريسون بشأن هذه الوثيقة، ورد رئيس الوزراء بأن هذا لا يكفي لمنع أستراليا من “وضع قواعدها الخاصة وفقًا لمصلحتها الوطنية».
وبسرعة كبيرة، سيصاحب تدهور العلاقات بين بكين وكانبيرا، من الجانب الصيني، أعمال انتقامية فردية. في يناير 2019، تم القبض على يانغ جون أثناء سفره إلى بكين. كان عمره حينها 54 عامًا، وحصل على الجنسية الأسترالية عام 2002. وتحت الاسم المستعار، يانغ هنغ جون، كتب روايات بوليسية جعلته معروفًا في العالم الأنجلو ساكسوني. اتهمه القضاء الصيني بالتجسس ونفى ذلك “100 بالمائة”. ومن سجنه، تمكن من الكشف عن تعرضه للتعذيب، وسارعت وزارة الخارجية الصينية إلى نفي هذا الاتهام.
في نهاية مايو 2021، تمت محاكمة يانغ جون. وبحجة أن المحاكمة تتعلق بـ “أسرار الدولة”، مُنع السفير الأسترالي لدى الصين من دخول المحكمة. وفي كانبيرا، وصفت ماريز باين هذا الحظر بأنه “تعسفي وغير شفاف”. وفي 28 مايو، قالت: “بالنظر إلى غياب تفاصيل بشأن التهم والتحقيق (...)، نعتقد أن هذا مثال على الاعتقال التعسفي لمواطن أسترالي”. ويبدو أن صدور الحكم على يانغ جون قد تم تأجيله.
من جهة اخرى، في أغسطس 2020، سُجنت تشنغ لي، أسترالية من أصل صيني. كانت مذيعة في القناة الإنجليزية سي جي تي إن، التلفزيون الصيني العام. ويشتبه في انها “سرّبت أسرار الدولة للخارج”. وبعد وقت قصير من اعتقالها، تمّ استجواب صحفيين أستراليين اثنين من قبل الشرطة، وخوفًا من أن يتم القبض عليهما بدورهما، اختارا مغادرة الصين على عجل.
في بداية عام 2021، بدأت العدالة الأسترالية تحقيقًا في “حملة نفوذ كانت الصين قد نظمتها في أستراليا”. سلسلة من المداهمات شنتها الشرطة على منازل العديد من الصحفيين الصينيين المقيمين في سيدني وملبورن. وهذا ما استنكرته، مرة أخرى، بشدة وزارة الخارجية الصينية. بينما -يبدو أن هذا مرتبط بكل هذه الأحداث -أعلنت وزارة الاقتصاد الصينية في 6 مايو قرارها بتعليق المناقشات الاقتصادية التي كانت جارية مع أستراليا. وكانت هيئة التخطيط الصينية، اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، قد قالت في وقت سابق، إن أستراليا “لا تعامل الشركات الصينية بإنصاف».
أستراليا تعزز
دفاعاتها العسكرية
على مدار عامين، رافقت الصحافة الصينية كل هذه الأحداث بانتقاد شديد لأستراليا. واعتبرت جلوبال تايمز، المقربة من الحكومة الصينية، أن هذا البلد “علكة عالقة في حذاء الصين”. ووصفت صحف أخرى أستراليا بأنها “دمية في خدمة الولايات المتحدة”. ثم دعا تشاو ليجيان، أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، أستراليا إلى “التفكير بعمق في الصين بدلاً من اتخاذ إجراءات خاطئة بشأن المسائل التي تهم المصالح الصينية الأكثر حيوية».
دفع مناخ العلاقات الصينية الأسترالية بكين إلى التوصية بعدم تسجيل الطلاب الصينيين في الجامعات الأسترالية. يدرس حاليًا حوالي 140 ألف شاب صيني في أستراليا، أي 30 بالمائة من الطلاب الأجانب في البلاد. هذا الرقم لا يستهان به لتمويل التعليم العالي الأسترالي. لكن بشكل عام، هناك الهجرة الصينية التي زادت خلال العشرين عامًا الماضية. فقد استقر ستمائة وخمسة عشر ألف صيني في أستراليا عام 1998. وفي عام 2016، كان عددهم 1،213،903، أي أكثر بقليل من الضعف، بمزج الذين استقروا مؤخرًا في أستراليا والذين ولدوا هناك، ويمثلون إجمالا 5 بالمائة من سكان البلد. وتحاول الصين جاهدة الحفاظ على تواصل مع هؤلاء السكان المهاجرين.
في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لا تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع الهند لتكون قادرة على تطوير اقتصادها هناك. ويمكن أن تظهر أستراليا كأرض شاسعة أكثر ملاءمة، خاصة أن مجموعة سكانية مهمة ذات ثقافة صينية تعيش هناك، غير ان صمود القادة الأستراليين يمنع أي تأثير صيني.
في المنطقة، من المؤكد أن بكين أكثر راحة مع نيوزيلندا. لا شك أن أراضيها ليست شاسعة مثل أراضي أستراليا، الا ان التجارة الصينية مع أوكلاند تتطور بنسب قوية. في يناير الماضي، اقترح داميان أوكونور، وزير التجارة النيوزيلندي، أن تعامل أستراليا الصين “بمزيد من الدبلوماسية”. في كانبيرا، تعتبر نيوزيلندا “ساذجة” للغاية تجاه الصين.
من ناحية أخرى، تعمل الحكومة الأسترالية حاليًا على تعزيز القدرات العسكرية للبلاد. سيتم تخصيص أكثر من 1.4 مليار يورو لتحديث الدفاع. من ذلك شراء خمسة وسبعين دبابة قتال رئيسية من طراز أبرامز ام 1 أ 2، وطائرات هليكوبتر هجومية من الولايات المتحدة. من جهة اخرى، تم طلب 12 غواصة تعمل بالطاقة التقليدية من فرنسا. وستقوم مجموعة نافال بتصنيعها وتسليمها مقابل 56 مليار يورو. لكنها متهمة في أستراليا بالتأخير والرغبة في تجاوز الميزانيات المعلنة... اتهامات يرفضها الصناعي.
في 15 يونيو الجاري، حضر رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، المدعو إلى قمة مجموعة السبع التي عقدت في الفترة من 11 إلى 13 يونيو في كورنوال، لتناول العشاء مع إيمانويل ماكرون. واستقبله هذا الأخير في الإليزيه بهذه الكلمات: “أريد أن أخبركم بالتزامنا الكامل والشامل، التزام الصناعيين (...) والتزام الحكومة الفرنسية بأكملها، لتلبية الطموحات المشتركة، وإذا أمكن الذهاب أبعد وبشكل أسرع، لأنني أعلم أنكم مهتمون».
وللتوضيح لمضيفه أنه يستطيع الاعتماد على دعم فرنسا، تابع إيمانويل ماكرون بالقول: “أعرف كم أنتم في المواقع الامامية للتوترات التي قد توجد في المنطقة، والتهديدات، والترهيب أحيانًا. وأنا أريد أن أحيطكم علما، مرة أخرى، بمدى وقوفنا إلى جانبكم”، مشيرًا إلى أنه نظرًا للمناطق البحرية الكبيرة لأقاليم ما وراء البحار مثل بولينيزيا أو كاليدونيا الجديدة، فإن فرنسا لاعب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأنها “ترفض بشدة أي إجراء قسري ذي طبيعة اقتصادية يُتخذ ضد أستراليا في انتهاك صارخ للقانون الدولي”، في إشارة واضحة إلى سلوك الصين.
شكر سكوت موريسون إيمانويل ماكرون على الدعم الفرنسي في هذه “الأوقات الصعبة في المحيطين الهندي والهادئ”. لكن رئيس الوزراء الأسترالي قال مرارًا وتكرارًا، إن على جميع الدول الغربية الحذر من موقف الصين. وهو ما يُكمل على الأرجح تعقيد مهمة البيروقراطية الصينية، التي تسعى قبل كل شيء إلى منع أستراليا من وضع حدود لها. بالنسبة لبكين، يتعلق الأمر بان لا تنتشر الممانعة الأسترالية تجاه الصين حول العالم. وبالتالي، فإن الصينيين عليهم الاختيار بين احتمالين: إما تجاهل سلوك حكومة كانبيرا، أو على العكس من ذلك، أن يفعلوا كل شيء حتى لا ينتشر النموذج الذي ترسمه.
-- يهتم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بشكل خاص بالثروة المعدنية والإنتاج الزراعي الأسترالي
-- أعلنت الصين في 6 مايو قرارها تعليق المحادثات الاقتصادية التي كانت جارية مع أستراليا
-- عند قادة الصين، يثير موقف أستراليا غضبًا مختلطًا بعدم الفهم
منذ عامين، تحولت العلاقات بين أستراليا والصين إلى مواجهة. ومع ذلك، يذهب ما يقرب من 40 بالمائة من الصادرات الأسترالية إلى الصين. ويهتم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بشكل خاص بالثروة المعدنية والإنتاج الزراعي الأسترالي. كما ترغب الصين في زيادة وجودها في بلدان جنوب المحيط الهادئ. الا ان قادة كانبيرا لا يريدون سيطرة الصين المتزايدة على اقتصادهم. مخاوف الجزيرة -القارة -حيث يعيش ما يزيد قليلاً عن 25 مليون أسترالي -هو أن تصبح الحديقة الخلفية للصين التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، وتقع على بعد 4000 كيلومتر. تسعى الولايات المتحدة، وهي دولة أنجلو ساكسونية أخرى، إلى تقليص القوة الصاعدة للصين. وأطلق دونالد ترامب، في هذا المجال، سياسة عنيفة، ويسير جو بايدن عمليًا في نفس الاتجاه. لكن بالنسبة لأستراليا، لا يتعلق الأمر بتقليل المنافسة المحتملة من الصين. الهدف هو إبقائها على مسافة، ومنعها من الاستيلاء على قطاعات كاملة من الاقتصاد الأسترالي. وعلى هذا البرنامج، أعيد انتخاب سكوت موريسون، زعيم الحزب الليبرالي الأسترالي في مايو 2019.
تهم وانتقام
عام 2017، بدأت حكومة كانبيرا في وضع حاجز أمام ما بدا أنه محاولات بكين للتأثير. ثمانون في المائة من التبرعات التي تلقتها الأحزاب السياسية الأسترالية جاءت من جمهورية الصين الشعبية. كما أصدر البرلمان سلسلة من القوانين التي تحظر دخول الأموال القادمة من الخارج إلى السياسة. بالإضافة إلى ذلك، تم اتهام المسؤولين الأستراليين المنتخبين بالرشوة لتلقي أموال صينية.
بعد عام، في 2018، عندما أطلقت دعوات لتقديم عطاءات لإنشاء شبكة الجيل الخامس، استبعدت الحكومة الأسترالية، لأسباب تتعلق بـ “الأمن القومي”، مشاركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني. احتجت بكين بقوة. ثم في سبتمبر 2019، وقع حادث: كان البرلمان الأسترالي ضحية لهجوم إلكتروني. وبسرعة كبيرة، بدا للأجهزة الخاصة والمخابرات أنه انطلق من الصين.
كل هذا يعني أن العلاقة بين بكين وكانبيرا ليست في أفضل حالاتها عندما ظهر وباء كوفيد-19 في ووهان، الصين، في أوائل عام 2020. في أبريل، سيكون رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، أول رئيس حكومة في العالم يطلب من منظمة الصحة العالمية بدء تحقيق دولي في أصل هذا الوباء.
من هنا، اتخذت الحكومة الصينية قرارًا بشأن سلسلة من الأعمال الانتقامية. بدأت بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة من أستراليا. بالنسبة للخمور، فاقت الزيادة 200 بالمائة والشعير أو اللحم البقري 80 بالمائة. بالإضافة إلى ذلك، سيتم حظر دخول السفن القادمة من أستراليا للموانئ الصينية. وفي شنتشن على وجه الخصوص، خضعت سفن الشحن وسفن الحاويات الأخرى، التي تنقل الفحم أو الغلال، الى الحظر قبل الاضطرار إلى العودة إلى أستراليا دون تسليم بضائعها. ومع ذلك، لم يتم فرض عقوبات على الواردات الضخمة من الحديد الأسترالي، حيث إن الصناعة الصينية في أمسّ الحاجة إليها.
عند القادة الصينيين، يثير الموقف الأسترالي غضبًا مختلطًا بعدم الفهم. ألم تسمح الدول الغربية للصين بالسيطرة على العديد من قطاعات الاقتصاد الدولي؟ فيما يتعلق بالتجارة، ألم تشرع الصين في غزو الكوكب من خلال التطبيق الأفضل لمبادئ التجارة الحرة كما تم تطويرها في الغرب منذ القرن التاسع عشر؟ علاوة على ذلك، هنأت أقوى الدول على هذا الكوكب نفسها عام 2001 على انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. صحيح أن معظم الاقتصاديين الغربيين اعتقدوا أن هذه العضوية ستساعد في تغيير تنظيم السلطة في الصين، ومع ذلك، لم تتطور البلاد نحو الليبرالية الاقتصادية وأقل من ذلك السياسية، ولا يزال النظام الشيوعي الصيني قائما.
تعليق عدة اتفاقيات
في كل الاحوال، إن الحكومة الأسترالية مصممة على صد أي مشروع استثماري صيني على أراضيها. في 20 أبريل 2021، استخدم حق النقض ضد اتفاقية تخطط بموجبها ولاية فيكتوريا لتكون جزءً من “طرق الحرير الجديدة” في الصين. الاتفاقية التي تعتبر “غير متوافقة مع السياسة الخارجية الأسترالية”، ألغتها ماريز باين، وزيرة الخارجية الأسترالية. ووصفت السفارة الصينية في كانبيرا، في بيان، الإلغاء بأنه “غير معقول واستفزازي”، مضيفة أنه “يظهر أن الحكومة الأسترالية ليست مخلصة في تحسين العلاقات».
في نهاية عام 2020، أرسلت وزارة الخارجية الصينية إلى العديد من وسائل الإعلام الأسترالية، وثيقة تلخص ما لا تعترف به في قرارات أستراليا. ويشمل حظر هواوي من المشاركة في مناقصات الجيل الخامس، وقوانين تحظر مشاريع الاستثمار الصينية. كما تعرضت الحكومة الأسترالية لانتقادات شديدة لإدانتها استيلاء الصين على هونغ كونغ أو إدارة قضية الأويغور في شينجيانغ. وسارعت الصحافة الأسترالية بسؤال سكوت موريسون بشأن هذه الوثيقة، ورد رئيس الوزراء بأن هذا لا يكفي لمنع أستراليا من “وضع قواعدها الخاصة وفقًا لمصلحتها الوطنية».
وبسرعة كبيرة، سيصاحب تدهور العلاقات بين بكين وكانبيرا، من الجانب الصيني، أعمال انتقامية فردية. في يناير 2019، تم القبض على يانغ جون أثناء سفره إلى بكين. كان عمره حينها 54 عامًا، وحصل على الجنسية الأسترالية عام 2002. وتحت الاسم المستعار، يانغ هنغ جون، كتب روايات بوليسية جعلته معروفًا في العالم الأنجلو ساكسوني. اتهمه القضاء الصيني بالتجسس ونفى ذلك “100 بالمائة”. ومن سجنه، تمكن من الكشف عن تعرضه للتعذيب، وسارعت وزارة الخارجية الصينية إلى نفي هذا الاتهام.
في نهاية مايو 2021، تمت محاكمة يانغ جون. وبحجة أن المحاكمة تتعلق بـ “أسرار الدولة”، مُنع السفير الأسترالي لدى الصين من دخول المحكمة. وفي كانبيرا، وصفت ماريز باين هذا الحظر بأنه “تعسفي وغير شفاف”. وفي 28 مايو، قالت: “بالنظر إلى غياب تفاصيل بشأن التهم والتحقيق (...)، نعتقد أن هذا مثال على الاعتقال التعسفي لمواطن أسترالي”. ويبدو أن صدور الحكم على يانغ جون قد تم تأجيله.
من جهة اخرى، في أغسطس 2020، سُجنت تشنغ لي، أسترالية من أصل صيني. كانت مذيعة في القناة الإنجليزية سي جي تي إن، التلفزيون الصيني العام. ويشتبه في انها “سرّبت أسرار الدولة للخارج”. وبعد وقت قصير من اعتقالها، تمّ استجواب صحفيين أستراليين اثنين من قبل الشرطة، وخوفًا من أن يتم القبض عليهما بدورهما، اختارا مغادرة الصين على عجل.
في بداية عام 2021، بدأت العدالة الأسترالية تحقيقًا في “حملة نفوذ كانت الصين قد نظمتها في أستراليا”. سلسلة من المداهمات شنتها الشرطة على منازل العديد من الصحفيين الصينيين المقيمين في سيدني وملبورن. وهذا ما استنكرته، مرة أخرى، بشدة وزارة الخارجية الصينية. بينما -يبدو أن هذا مرتبط بكل هذه الأحداث -أعلنت وزارة الاقتصاد الصينية في 6 مايو قرارها بتعليق المناقشات الاقتصادية التي كانت جارية مع أستراليا. وكانت هيئة التخطيط الصينية، اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، قد قالت في وقت سابق، إن أستراليا “لا تعامل الشركات الصينية بإنصاف».
أستراليا تعزز
دفاعاتها العسكرية
على مدار عامين، رافقت الصحافة الصينية كل هذه الأحداث بانتقاد شديد لأستراليا. واعتبرت جلوبال تايمز، المقربة من الحكومة الصينية، أن هذا البلد “علكة عالقة في حذاء الصين”. ووصفت صحف أخرى أستراليا بأنها “دمية في خدمة الولايات المتحدة”. ثم دعا تشاو ليجيان، أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، أستراليا إلى “التفكير بعمق في الصين بدلاً من اتخاذ إجراءات خاطئة بشأن المسائل التي تهم المصالح الصينية الأكثر حيوية».
دفع مناخ العلاقات الصينية الأسترالية بكين إلى التوصية بعدم تسجيل الطلاب الصينيين في الجامعات الأسترالية. يدرس حاليًا حوالي 140 ألف شاب صيني في أستراليا، أي 30 بالمائة من الطلاب الأجانب في البلاد. هذا الرقم لا يستهان به لتمويل التعليم العالي الأسترالي. لكن بشكل عام، هناك الهجرة الصينية التي زادت خلال العشرين عامًا الماضية. فقد استقر ستمائة وخمسة عشر ألف صيني في أستراليا عام 1998. وفي عام 2016، كان عددهم 1،213،903، أي أكثر بقليل من الضعف، بمزج الذين استقروا مؤخرًا في أستراليا والذين ولدوا هناك، ويمثلون إجمالا 5 بالمائة من سكان البلد. وتحاول الصين جاهدة الحفاظ على تواصل مع هؤلاء السكان المهاجرين.
في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لا تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع الهند لتكون قادرة على تطوير اقتصادها هناك. ويمكن أن تظهر أستراليا كأرض شاسعة أكثر ملاءمة، خاصة أن مجموعة سكانية مهمة ذات ثقافة صينية تعيش هناك، غير ان صمود القادة الأستراليين يمنع أي تأثير صيني.
في المنطقة، من المؤكد أن بكين أكثر راحة مع نيوزيلندا. لا شك أن أراضيها ليست شاسعة مثل أراضي أستراليا، الا ان التجارة الصينية مع أوكلاند تتطور بنسب قوية. في يناير الماضي، اقترح داميان أوكونور، وزير التجارة النيوزيلندي، أن تعامل أستراليا الصين “بمزيد من الدبلوماسية”. في كانبيرا، تعتبر نيوزيلندا “ساذجة” للغاية تجاه الصين.
من ناحية أخرى، تعمل الحكومة الأسترالية حاليًا على تعزيز القدرات العسكرية للبلاد. سيتم تخصيص أكثر من 1.4 مليار يورو لتحديث الدفاع. من ذلك شراء خمسة وسبعين دبابة قتال رئيسية من طراز أبرامز ام 1 أ 2، وطائرات هليكوبتر هجومية من الولايات المتحدة. من جهة اخرى، تم طلب 12 غواصة تعمل بالطاقة التقليدية من فرنسا. وستقوم مجموعة نافال بتصنيعها وتسليمها مقابل 56 مليار يورو. لكنها متهمة في أستراليا بالتأخير والرغبة في تجاوز الميزانيات المعلنة... اتهامات يرفضها الصناعي.
في 15 يونيو الجاري، حضر رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، المدعو إلى قمة مجموعة السبع التي عقدت في الفترة من 11 إلى 13 يونيو في كورنوال، لتناول العشاء مع إيمانويل ماكرون. واستقبله هذا الأخير في الإليزيه بهذه الكلمات: “أريد أن أخبركم بالتزامنا الكامل والشامل، التزام الصناعيين (...) والتزام الحكومة الفرنسية بأكملها، لتلبية الطموحات المشتركة، وإذا أمكن الذهاب أبعد وبشكل أسرع، لأنني أعلم أنكم مهتمون».
وللتوضيح لمضيفه أنه يستطيع الاعتماد على دعم فرنسا، تابع إيمانويل ماكرون بالقول: “أعرف كم أنتم في المواقع الامامية للتوترات التي قد توجد في المنطقة، والتهديدات، والترهيب أحيانًا. وأنا أريد أن أحيطكم علما، مرة أخرى، بمدى وقوفنا إلى جانبكم”، مشيرًا إلى أنه نظرًا للمناطق البحرية الكبيرة لأقاليم ما وراء البحار مثل بولينيزيا أو كاليدونيا الجديدة، فإن فرنسا لاعب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأنها “ترفض بشدة أي إجراء قسري ذي طبيعة اقتصادية يُتخذ ضد أستراليا في انتهاك صارخ للقانون الدولي”، في إشارة واضحة إلى سلوك الصين.
شكر سكوت موريسون إيمانويل ماكرون على الدعم الفرنسي في هذه “الأوقات الصعبة في المحيطين الهندي والهادئ”. لكن رئيس الوزراء الأسترالي قال مرارًا وتكرارًا، إن على جميع الدول الغربية الحذر من موقف الصين. وهو ما يُكمل على الأرجح تعقيد مهمة البيروقراطية الصينية، التي تسعى قبل كل شيء إلى منع أستراليا من وضع حدود لها. بالنسبة لبكين، يتعلق الأمر بان لا تنتشر الممانعة الأسترالية تجاه الصين حول العالم. وبالتالي، فإن الصينيين عليهم الاختيار بين احتمالين: إما تجاهل سلوك حكومة كانبيرا، أو على العكس من ذلك، أن يفعلوا كل شيء حتى لا ينتشر النموذج الذي ترسمه.