من إيران إلى فنزويلا .. ماذا يحدث لو سقطت أوكرانيا؟

من إيران إلى فنزويلا .. ماذا يحدث لو سقطت أوكرانيا؟


في أقصر يوم في العام، وبعد 10 أشهر من بدء الحرب، تَرَكَ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أخيراً بلده قاصداً واشنطن ليشكر الأمريكيين على دعمهم له، فذهب إلى الكونغرس الأمريكي حيث سلَّمَ نائب الرئيس الأمريكي ورئيسة مجلس النواب العلم الأوكراني ممهوراً بتوقيع المدافعين عن مدينة باخموت.
وفي هذا الإطار، قالت الكاتبة الصحفية الأمريكية آن أبلباوم في مقال بمجلة “أتلانتيك”: “لم تكن نجاة زيلينسكي حتمية. ولم يكن استمرار وجود أوكرانيا بوصفها دولةً ذات سيادة حتميّاً أيضاً. ففي عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، أشار بعض الخبراء الأمريكيين بعدم تقديم دعم عسكري لأوكرانيا على أساس أن الحرب ستنتهي بسرعة البرق. ولكن، ماذا لو فاز الروس؟ وماذا لو كان هناك رئيس آخر في البيت الأبيض؟ وماذا لو انتُخبَ رئيس آخر في أوكرانيا؟ لنتخيل معاً للحظة عالماً يخلو من الأوكرانيين الشجعان أو الأسلحة الأمريكية والأوروبية أو الوحدة والدعم المقدمين من الدول الدموقراطية حول العالم.

ماذا لو تم تنفيذ الخطة الروسية
وأضافت الكاتبة: لو نُفِّذت الخطة الروسية كما وُضِعَت بحذافيرها، لوقعت كييف تحت الأسر في غضون بضعة أيام. ولاستولى على أوكرانيا المتواطئون الذين وقع اختيارهم بالفعل على شققٍ يسكنونها في كييف. ولكان الجيش الروسي حارب فلول الجيش الأوكراني في مدينة تلو الأخرى وإقليم يلي الآخر حتى يحتل الدولة بأسرها.
وأردفت: لو حدث كل ذلك وفقاً للخطة الموضوعة، لكانت أوكرانيا الآن تعجُّ بمعسكرات الاعتقال وغرف التعذيب والسجون المؤقتة التي اكتُشِفت في بوشا وإيزيوم وخيرسون وجميع الأراضي الأخرى التي احتلتها روسيا مؤقتاً وحررها الجيش الأوكرانيّ. ولكان جيل كامل من الكُتّاب والفنانين والسياسيين والصحافيين والقادة المدنيين الآن يواريه الثرى في مقابر جماعية، ولنُزِعَت الكتب الأوكرانية من المدارس والمكتبات، ولطُمست اللغة الأوكرانية من الوجود. وتابعت: ولو حدث ذلك لتعرض مئات الآلاف من الأطفال الأوكرانيين للاختطاف والترحيل إلى روسيا أو للاتجار بهم في بقاع أبعد من العالم، ولوصل الجنود الروس، بدعمٍ من نصرهم المذهل، إلى حدود بولندا، ولأقاموا مراكز قيادية جديدة وحفروا خنادق جديدة، ولعاشَ ملايين اللاجئين الأوكرانيين في معسكرات في شتى أنحاء أوروبا، دون أمل في العودة إلى ديارهم، ولكان طوفان التعاطف والمشاعر الجياشة التي استُقبلوا بها هدأ منذ أمدٍ بعيد، ولاندلعت ثورات تنادي برحيلهم. ولكان اقتصاد مولدوفا انهار بالكامل، ولربما خطَّطَت الحكومة الموالية لروسيا في مولدوفا إلى دمج دولتها في الاتحاد الروسي-البيلاروسي-الأوكراني الوليد الذي أشادَ به أحد أنصار الاتحاد السوفيتي في 26 فبراير(شباط) الماضي.

ملالي إيران
وزادت: لو حدث ذلك، لكان ملالي إيران، الذين ابتهجوا بفوز روسيا وهزيمة أوكرانيا، أعلنوا بكل جرأة عن أنهم امتلكوا أخيراً أسلحة نووية. ولكانت البلدان الدكتاتورية حول العالم، من فنزويلا حتى زيمبابوي وميانمار، عزَّزت أركان نُظمها الحاكمة وصعّدت وتيرة اضطهاد معارضيها، بعد أن اطمأنت إلى أن القوانين القديمة – كاتفاقيات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية وقوانين الحرب ومُحرمات تغيير الحدود السياسية بالقوة – لم تَعُد ساريّة.
ولأن زيلينسكي بقي في كييف، مُعلناً عن حاجته إلى “الذخائر لا إلى وسيلة للفرار”، ولأن الجنود الأوكرانيين صدّوا الهجوم الأول للروس على عاصمتهم، ولأن المجتمع الأوكراني تكاتف لدعم جيشه، ولأن الأوكرانيين على جميع المستويات كانوا مبدعين في توظيفهم لمواردهم المحدودة، ولأن المدنيين الأوكرانيين كانوا على استعداد لتحمُّل الصعاب الجسيمة، لا نعيش الآن هذا الواقع البديل البشع.
ولأن الرئيس جو بايدن وأعضاء الكونغرس الأمريكي استلهموا شجاعة الأوكرانيين خلال الأسابيع الأولى للحرب، فقد قاوموا إغراء نزعة “أمريكا أولاً” الانعزالية، ونبذوا الطائفة النزّاعة إلى الحُكم المُطلق التي تُهيمن حاليّاً على قطاع كبير من اليمين الأمريكي. كما قاومَ قادة أوروبا — باستثناء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أحد الأيديولوجيين الرئيسيين لتلك الطائفة نفسها — حملات التضليل والابتزاز الروسية المستهدفة بعناية ووافقوا على دعم أوكرانيا بالمساعدات العسكرية والإنسانية.

توحيد المجتمع الدولي
شاهد الناس في جميع أنحاء العالم الأوكرانيين وهم يتصدون للدكتاتورية الوحشية، وتبرعوا بوقتهم وأموالهم لمدِّ يد العون لهم. ولم تقع المذابح وعمليات الإعدام والعنف الجماعي الذي خطط له الروس في معظم أنحاء أوكرانيا. ولم يتداع العالم الديمقراطي بل تعزَّزَت أركانه.
وقال الرئيس الأوكراني في زيارته لواشنطن: “لقد نجحنا في توحيد المجتمع الدولي لحماية الحرية والقانون الدولي”. جاء زيلينسكي إلى واشنطن ليتقدم بخالص الشكر للأمريكيين نيابةً عن أوكرانيا. لكن في حقيقة الأمر، حري بنا نحن أن نشكره، وفق الكاتبة.