رئيس الدولة يؤكد توجه الامارات الإستراتيجي لتعزيز شراكاتها التنموية مع دول القارة الإفريقية
من هلسنكي إلى الحرب الأوكرانية... دروس منسية
يرى الكاتب نيكولاي ن. بيترو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة رود آيلاند، ومؤلف كتاب «مأساة أوكرانيا» أنّ الطريق نحو سلام دائم في أوكرانيا لا يمر فقط عبر ضمانات أمنية لكييف، بل لا بد أن يشمل أيضاً روسيا. وقال الكاتب إن تجاهل هذه الحقيقة هو السبب الرئيس وراء إخفاق الجهود الدبلوماسية الأخيرة، ومنها اجتماع واشنطن الذي فشل في تحقيق اختراق حقيقي.
وشدد الكاتب على أن السلام لا يمكن أن يُبنى على سياسة العزل والمعاقبة، بل على شمول جميع الأطراف في منظومة أمنية أوروبية متكاملة.
وأضاف الكاتب في مقاله بعنوان «روسيا بحاجة إلى ضمانات أمنية لتحقيق السلام في أوكرانيا» بموقع Responsible Statecraft أن الاجتماع الأخير في واشنطن عكس قصوراً بنيوياً في التفكير الغربي تجاه الأزمة، حيث انصبّ التركيز على تعزيز أمن أوكرانيا وحدها، في حين جرى تجاهل المطالب الأمنية الروسية.
وتابع أن هذه المقاربة القصيرة النظر عززت شعور موسكو بأنها محاصرة، وأبقت جذور الأزمة من دون معالجة.
ومضى الكاتب يقول بأن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحافي المشترك كشفت هذه الفجوة بوضوح.
فقد أيد بوتين رأياً سابقاً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الحرب كان يمكن تفاديها لو كان في البيت الأبيض، وهو ما فُسِّر على أنه إشارة إلى أن نهج ترامب في التعامل مع الناتو مختلف جذرياً عن نهج بايدن.
الناتو: بين المثالية
الغربية والهواجس الروسية
أوضح الكاتب أن الغرب ينظر إلى الناتو باعتباره مظلة دفاعية مطلقة الخير، بل ويُضفي عليه أحياناً صفة المرجعية الأخلاقية العليا للديمقراطية الغربية. وأضاف أن هذا التصور المثالي يغفل حقيقة أن الناتو تحالف عسكري في جوهره، وأن توسعه المتواصل يمثل بالنسبة لروسيا تهديداً وجودياً. وتابع الكاتب قائلاً إن موسكو طالما رأت في استبعادها من الحلف، ورفض طلباتها السابقة للانضمام مؤشراً على نوايا عدائية. ومن المؤكد، بحسب الكاتب، أن أي دولة في العالم كانت ستنظر إلى تحوّل جذري كهذا في بيئتها الأمنية باعتباره خطراً لا يمكن تجاهله.
الأسباب الجذرية للنزاع
قال الكاتب إن بوتين حين يطالب بالتصدي للأسباب الجذرية للنزاع، فإنه لا يقصد فقط قائمة المظالم أو الخلافات السياسية، بل يشير إلى ما يعتبره نزعة غربية متأصلة في التفوق الأخلاقي، تجعل الحوار المتكافئ مهمة صعبة، موضحاً أن تجاوز هذه النزعة شرط ضروري للوصول إلى سلام حقيقي ودائم. وأضاف الكاتب أن الحل يكمن في بناء منظومة أمنية أوروبية شاملة تضم روسيا وأوكرانيا معاً، لا في الاستمرار في سياسات الاحتواء وبناء الجدران.
دروس من التاريخ: بين هلسنكي وكوبا
تابع الكاتب أن فكرة إنشاء إطار أمني أوروبي ليست جديدة، فقد طُرحت في قمّتي إسطنبول (1999) وأستانا (2010)، بل وكانت جوهر رؤية غورباتشوف في أواخر الثمانينات. لكن قرار الرئيس الأميركي بيل كلينتون توسيع الناتو واستبعاد روسيا من الانضمام كان، وفق الكاتب، الشرارة التي منعت إنهاء الحرب الباردة فعلياً ومهّدت للحرب الراهنة.
وأشار الكاتب إلى أن الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين أبلغ كلينتون بوضوح أن توسع الناتو لن يكون مشكلة إذا كانت روسيا أول دولة تنضم إليه بعد التوسع. غير أن الغرب تجاهل ذلك، فظلّت سياسة الاحتواء تحكم مقاربته حتى اليوم.
وأوضح الكاتب أن الغرب نسي درساً أساسياً من الحرب الباردة: فالشيوعية لم تنهَر بفعل الردع والاحتواء، بل بفضل الانفراج والتقارب، وتجسّد ذلك في مسار هلسنكي. ومع ذلك، لم يدرك الأميركيون هذه الحقيقة إلا بعد أزمة الصواريخ الكوبية، ما يثير التساؤل: هل يحتاج العالم إلى أزمة مشابهة كي يقتنع بضرورة التعايش؟
نحو إطار أمني شامل: خيار عملي لا مثالي
قال الكاتب إن البعض قد يرى في طرح إطار أمني يضم روسيا وأوكرانيا معاً ضرباً من الخيال، لكنه في الحقيقة الخيار العملي الوحيد القادر على إنهاء الحرب وضمان استقرار طويل الأمد للقارة الأوروبية.
وأضاف الكاتب أن التردد الأوروبي في مناقشة هذه الفكرة علناً يعكس استمرار هيمنة عقلية الحرب الباردة.
هواجس روسيا الأمنية
وخلص نيكولاي بيترو إلى أن أي مسار نحو السلام الدائم في أوكرانيا لن ينجح ما لم يأخذ في الاعتبار هواجس روسيا الأمنية. فالأمن غير القابل للتجزئة هو السبيل الوحيد لتفادي إعادة إنتاج أزمات جديدة، لأن بناء منظومة أوروبية شاملة لا تُقصي موسكو بل تدمجها في هيكلية الأمن المشترك قد يبدو مهمة شاقة، لكنه الشرط الضروري لتجاوز الصراع، وإنقاذ القارة من حرب طويلة الأمد.