أزمة دبلوماسية بين المغرب وتونس

منتدى تيكاد- 8: الشرخ المغاربي يزداد اتساعا...!

منتدى تيكاد- 8: الشرخ المغاربي يزداد اتساعا...!


   أسدل الستار أمس على وقائع منتدى تيكاد-8 الذي احتضنته تونس. وبعيدا عن نتائجه وكمّ الوعود التي حفل بها، فان من “أبرز إنجازاته” اشتعال فتيل سياسي جديد في منطقة المغرب العربي، فتيل قد يتصاعد دخانه إذا لم يتم الإسراع الى محاصرة تداعياته.
  وإذا كان من السابق لأوانه تقييم مخرجات هذا اللقاء الياباني الافريقي، ومعرفة مدى نجاحه في ترسيخ العلاقات الثنائية ومزيد تطويرها، وخاصة ترجمة الوعود المعلنة الى واقع، فان الثابت والأكيد هو ان المغرب العربي، المشلول والمعتلّ أصلا، قد خرج أكبر المتضررين من هذا المنتدى الدولي.
 
غضب المغرب
   لقد دخلت العلاقات المغربية -التونسية نفقا يخشى كثيرون من تداعياته على المنطقة المغاربية بعد أن قررت المملكة وتونس الاستدعاء الفوري لسفيريهما من أجل التشاور، على خلفية استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي، بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الأفريقي “تيكاد».
   وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان ثان لها، “إنّ البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية التونسية لتبرير التصرف العدائي وغير الودي للسلطات التونسية تجاه القضية الوطنية الأولى والمصالح العليا للمملكة المغربية، ينطوي على العديد من التأويلات والمغالطات».
   واعتبرت الخارجية المغربية، أنّ البيان، لم يزل الغموض الذي يكتنف الموقف التونسي، بل ساهم في تعميقه، مشيرة إلى أنّ منتدى “تيكاد” ليس اجتماعا للاتحاد الإفريقي، بل هو إطار للشراكة بين اليابان والدول الإفريقية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية.
   وبيّنت “أنّ المنتدى يندرج ضمن الشراكات الإفريقية، على غرار الشراكات مع الصين والهند وروسيا وتركيا والولايات المتحدة الامريكية، وهي شراكات مفتوحة فقط في وجه الدول الإفريقية التي يعترف بها الشريك، وبناء عليه، فإن قواعد الاتحاد الإفريقي وإطار عمله، التي يحترمها المغرب بشكل تام، لا تسري في هذه الحالة».

   وجاء في البيان “بخصوص دعوة الكيان الانفصالي إلى منتدى تيكاد-8، قد تمّ الاتفاق منذ البداية وبموافقة تونس على أن تقتصر المشاركة على الدول التي تلقت دعوة موقعة من قبل كل من رئيس الوزراء الياباني والرئيس التونسي، وإن مذكرة شفوية رسمية     صادرة عن اليابان في 19 أغسطس 2022 تؤكد بشكل صريح أنّ هذه الدعوة الموقعة بشكل مشترك “هي الوحيدة التي بدونها لن يسمح لأي وفد بالمشاركة في تيكاد-8، وأن “هذه الدعوة غير موجهة للكيان المذكور في المذكرة الشفوية الصادرة بتاريخ 10 أغسطس 2022 “، أيّ الكيان الانفصالي، وفي هذا الإطار، تمّ توجيه 50 دعوة إلى الدول الإفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اليابان، ولذلك لم يكن من حق تونس سنّ مسطرة خاصة بتوجيه الدعوات بشكل أحادي الجانب ومواز وخاص بالكيان الانفصالي، وفي تعارض مع الإرادة الصريحة للشريك الياباني».

   وقالت الخارجية المغربية، “إنّ البيان الصادر عن تونس ينهج نفس التأويل فيما يتعلق بالموقف الإفريقي، الذي ظل على الدوام قائما على المشاركة الشاملة للدول الإفريقية، وليس أعضاء الاتحاد الإفريقي، وهو يستند إلى قرار قمة الاتحاد الإفريقي رقم 762، الذي يوضح أن إطار عمل تيكاد ليس مفتوحا في وجه جميع أعضاء الاتحاد الإفريقي، وأن صيغة المشاركة مؤطرة بنفس القرار ومن خلال ترتيبات مع الشريك».
   وفيما يتعلق بمسألة الحياد وإشارة البيان إلى “احترام قرارات الأمم المتحدة” بشأن قضية الصحراء، فإنّ امتناع تونس المفاجئ وغير المبرر عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2602 الذي اعتمد في أكتوبر الماضي يثير شكوكا حقيقية ومشروعة بشأن دعمها للمسار السياسي ولقرارات الأمم المتحدة.

   وذكر بيان الخارجية المغربية، “أنّ الاستقبال الذي خصّ به رئيس الدولة التونسية زعيم الميليشيا الانفصالية، فإن الإشارة المتعنتة في البيان التونسي إلى “تأمين استقبال لجميع ضيوف تونس على قدم المساواة” مبعث اندهاش كبير، مع العلم أنه لا الحكومة التونسية ولا الشعب التونسي يعترفان بهذا الكيان الوهمي... إنه تصرف ينطوي على عمل عدائي صارخ وغير مبرر، لا يمت بصلة إلى “قواعد حسن الوفادة المتأصلة لدى الشعب التونسي التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطبق على أعداء الإخوة والأصدقاء الذين لطالما وقفوا إلى جانب تونس في الأوقات العصيبة”، وفق نصّ البيان.

   وترى الرباط وفق بيان خارجيتها الأول، أن “تونس ضاعفت أخيراً من المواقف والتصرفات السلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا”، معتبرة أن “تونس قررت خلافاً لرأي اليابان، وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي.
   ووصفت وزارة الخارجية المغربية الاستقبال الذي خصصه رئيس الدولة التونسية لزعيم “جبهة البوليساريو”، التي تم نعتها في البلاغ ذاته بـ”الميليشيا الانفصالية”، بأنه “عمل خطير وغير مسبوق يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي، وقواه الحية».
   وحسب الرباط، “هذا الموقف العدائي يضر بالعلاقات الأخوية التي ربطت البلدين على الدوام، كما لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الروابط القوية والمتينة القائمة بين الشعبين المغربي والتونسي، اللذين يجمعهما تاريخ ومصير مشترك».

   من جهته، وصف الحزب الذي يقود الحكومة المغربية “التجمع الوطني للأحرار” استقبال الرئيس التونسي زعيم جبهة البوليساريو بأنه “فعل عدائي غير مسبوق ضد المغرب ووحدته الترابية، يؤكد بالملموس مسلسل التهور الذي أدخل فيه قيس سعيد تونس عبر اتخاذ قرارات مجانية مفرطة في العداء للدول الصديقة، لن تفيد الشعب التونسي في شيء».
    وأورد الحزب الحاكم في المغرب، ضمن بلاغ له، بأن “النظام التونسي عبر هذه الخطوة المتهورة وغير محسوبة العواقب يصطف اليوم مع أعداء المملكة، وداعمي الميولات الانفصالية في المنطقة، ما من شأنه أن يزيد من هوة الخلافات الإقليمية بشكل خطير، ويؤثر على استقرار المنطقة التي تتوق شعوبها إلى تحقيق الاستقرار».

   يذكر ان العاهل المغربي قد قال في خطابه الأخير، “أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات. لذا، ننتظر من بعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل».

الرد التونسي
   وفي رد فعل سارعت تونس الى استدعاء سفيرها في الرباط من أجل التشاور، وقالت الخارجية التونسية في بلاغ لها، إن “تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع».
   وأوضحت أن الاتحاد الأفريقي عمّم مذكرة يدعو فيها كل أعضاء الاتحاد الأفريقي بمن فيهم زعيم جبهة “بوليساريو” للمشاركة في فعاليات قمة طوكيو الدولية للتنمية في تونس.
   وأعربت الخارجية عن استغرابها الشديد مما ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على تونس ومغالطات بشأن مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في الندوة المذكورة.

   وأضاف البيان أن رئيس المفوضية الأفريقية وجه دعوة فردية مباشرة إلى إبراهيم غالي لحضور القمة.
   وبينت الخارجية التونسية، أنه خلافاً لما ورد في البيان المغربي، فقد “قام الاتحاد الأفريقي في مرحلة أولى بصفته مشاركاً رئيساً في تنظيم ندوة طوكيو الدولية، بتعميم مذكرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الأفريقي بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمشاركة في فعاليات قمة تيكاد-8 بتونس».

   كما وجه رئيس المفوضية الأفريقية، في مرحلة ثانية دعوة فردية مباشرة للجمهورية الصحراوية لحضور القمة، وأن هاتين الدعويين تأتيان تنفيذاً لقرارات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي في اجتماعه المنعقد في زامبيا يومي 14 و15 يوليو 2022 بحضور الوفد المغربي، حيث شدد القرار على ضرورة دعوة كل أعضاء الاتحاد الأفريقي للمشاركة في قمة “تيكاد-8».
   وأشارت إلى أنه “سبق للجمهورية الصحراوية أن شاركت في الدورة السادسة للتيكاد المنعقدة في نيروبي -كينيا سنة 2016، والدورة السابعة المنعقدة في يوكوهاما -اليابان سنة 2019، كما شاركت أيضاً في اجتماعات إقليمية أخرى على غرار القمة الأفريقية -الأوروبية التي عقدت في فبراير 2022 في بروكسل، وذلك بمشاركة المملكة المغربية في جميع هذه القمم».

   وأكدت وزارة الخارجية أنه “بناء على ما سبق من معطيات موثقة لدى الاتحاد الأفريقي فإنه لا وجود لأي تبرير منطقي للبيان المغربي، لا سيما وأن تونس احترمت جميع الإجراءات الترتيبية المتعلقة باحتضان القمة، وفقاً للمرجعيات القانونية الأفريقية ذات الصلة بتنظيم القمم والمؤتمرات واجتماعات الشراكات».

   وأعلنت تونس حرصها على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، رافضة بشكل قطعي ما تضمنه البيان المغربي من “عبارات تتهم بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية».
   وشددت على أنه “انطلاقاً من ثوابت سياستها الخارجية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام خياراتها، فإنها تؤكد أيضاً رفضها التدخل في شؤونها الداخلية وعلى سيادة قرارها الوطني. وعلى هذا الأساس فقد قررت تونس دعوة سفيرها بالرباط حالاً للتشاور».

   موقف الشارع السياسي في تونس اتسم بالانقسام، حيث سعى أنصار الرئيس قيس سعيد الى تبرير هذه الخطوة ومساندتها، في حين اعتبر طيفا واسعا من الحركات السياسية والمثقفين التونسيين “ان الرئيس قيس سعيد ضرب في العمق ثوابت السياسة الخارجية لتونس القائمة على الابتعاد عن سياسة المحاور والاصطفاف».

   واشاروا إلى ان تونس كانت رائدة في ارساء وحدة المغرب العربي وما كان لسياستها الخارجية ان تقع في مشكل كالذي حصل مع المغرب الشقيق لافتين الى ان تونس لم يسبق لها الاصطفاف في مسألة الصحراء الغربية وحساسيتها.
   وحذّر هؤلاء من خطورة “الانحراف عن هذه الثوابت ومن إدخال تونس في منعرجات تزيد من عزلتها وتسبب عداوات مجانية مع أصدقاء تونس وشركائها التاريخيين بما يعرض مصالحها للخطر».