رئيس الدولة ونائباه يهنئون المحتفلين بعيد الميلاد في دولة الإمارات والعالم
العلاقات الصينية الروسية :
مواقف غامضة ...و شكوك قديمة قائمة
مثلت الزيارة الرسمية التي بدأها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو يوم الاثنين 20 مارس ضرورة كبرى بالنسبة لفلاديمير بوتين إذ يُعَول الرئيس الروسي، المعزول جيوسياسيًا من قِبل الغرب ، والذي يسلط عليه الأمريكيون والأوروبيون عقوبات كبرى، ويتلقى، حتى و إن حقق بعض الانتصارات ، الضربات الموجعة على الجبهة العسكرية الأوكرانية ، أكثر من أي وقت مضى على آسيا، ولا سيما على "صديقه" الرئيسي ،و نظيره الصيني.
غموض صيني
و في الواقع تعتبر الزيارة، من حيث توقيتها، أكثر أهمية بالنسبة لفلاديمير بوتين حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية ، منذ أيام قليلة ، مذكرة توقيف بحقه ، متهمة إياه بارتكاب جريمة حرب لـ "الترحيل غير القانوني" للأطفال الأوكرانيين. و هو خبر مر بصمت على وسائل الإعلام الصينية. وكرد وتحدي للغرب ، توجه رئيس الكرملين يوم الأحد 19 مارس إلى ماريوبول، وهي مدينة ذات رمزية شديدة في الصراع بين أوكرانيا وروسيا. كانت المدينة الساحلية محاصرة و قد قُصفت لأسابيع طويلة من قبل القوات الروسية في بداية "العملية العسكرية الخاصة" للكرملين وسقطت أخيرًا في مايو بين أيدي القوات الروسية .هذه الزيارة المفاجئة ، وهي أول رحلة لفلاديمير بوتين إلى منطقة احتلتها موسكو ، هي قبل كل شيء زيارة رمز للتذكير بتصميم الكرملين ، ليس فقط للأوروبيين والأمريكيين ، ولكن أيضًا للصينيين. لم تقم بكين بإدانة الهجوم الروسي و هي أيضا لا تدعمه صراحة ، وكان شي جين بينغ غامضًا أكثر من مرة ، حول هذه المسالة مُعربًا ، في سبتمبر 2022 ، عن " انشغالاته ". من جانبها، رحبت موسكو بحماس متباين بـ "الاقتراح الصيني لتسوية سياسية للأزمة الأوكرانية" ، الذي نُشر في 24 فبراير. المقترح الصيني عبارة عن مجموعة من الإجراءات الغامضة للغاية ، لكنها أصرت على التأكيد على احترام السيادة والسلامة الإقليمية.
شكوك روسية
لقد سبق أن إلتقى فلاديمير بوتين وشي جين بينغ ، اللذان يشتركان في الكراهية نفسها للولايات المتحدة وكلاهما يمثلان قوة موازنة للنفوذ الغربي ، حوالي أربعين مرة لذلك كان يحق للرئيس الروسي أن يتحدث عن علاقات جد خاصة مع نظيره الصيني .
خلال مؤتمره الصحفي التقليدي في نهاية العام في ديسمبر 2021 ، تحدث فلاديمير بوتين عن "إندفاعاته الشخصية" في علاقته مع شي جين بينغ. وفي فبراير 2022 ، قبيل إطلاق "عمليته العسكرية الخاصة" في أوكرانيا ، سافر إلى بكين لتوقيع بيان مشترك طويل يضم أكثر من 5000 كلمة وأعلن " عن صداقة غير محدودة . في مواجهته مع الغرب ، أصبحت العلاقة مع شي جين بينغ حاسمة بالنسبة لفلاديمير بوتين من جهة الدعم السياسي المُقدم له ، و ما تمثله الصين من سوق للمحروقات ،و مصدر التمويل حيث تستعد روسيا لبيع خمسين مليار مترا مكعبا من الغاز الروسي ، المخصص حتى الآن للدول الغربية ، إلى الصين. لكن في دوائر الأعمال الروسية، تظل الشكوك القديمة بين البلدين ،و الموروثة من السنوات الشيوعية ، قائمة. وبعيدًا عن مشاريع الطاقة ، فإن التقارب الاقتصادي بين البلدين ليس كبيرا في الواقع. وبغض النظر عن ذلك ، فإن رجال الأعمال الروس لا يعبرون عن ارتياحهم من هذا التقارب إذ يفضلون التعامل مع الأوروبيين على الصينيين. و مع ذلك فإن روسيا تعتمد، دبلوماسياً على تجاوز هذه الفترة الصعبة كثيراً على الصين. إلا أنه لا يبدو حتى الآن أن هذه الأخيرة قد سلمت أسلحة مباشرة إلى موسكو ، كما أنها لم تصدر على نطاق واسع قطع الغيار أو أشباه الموصلات التي تخضع للعقوبات الغربية هناك. و يمثل هذا الامر ا مصدر قلق حقيقي للصناعة المدنية والعسكرية الروسية ، لأن الشركات الصينية ، بحكم الأمر الواقع ، تحترم العقوبات الغربية , مع ذلك يظل هنالك في الدوائر المقربة من الكرملين، أمل في التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع بشأن شحنات الأسلحة الصينية ، ربما مقابل نقل التقنيات النووية الروسية ، التي تحتاجها بكين لتطوير بنيتها التحتية المدنية.
لكن هل تريد الصين المخاطرة بتعريض نفسها لعقوبات غربية ثانوية في حالة دعم حليفها الروسي؟ خلال الأيام القليلة الماضية، أوضحت وزارة الخارجية الصينية أن زيارة شي جين بينغ لها ثلاثة أبعاد: "الصداقة والتعاون والسلام". الترتيب هنا مهم حيث تاتي أوكرانيا بعد العلاقات الثنائية الروسية الصينية. وهذا أيضًا ما ينبثق عن مقال وقعه الرئيس الصيني ، نُشر الاثنين 20 مارس في الصحافة الروسية وترجمته وكالة الأنباء الرسمية الصينية الجديدة. يحمل المقال عنوان "المضي قدما لفتح فصل جديد من الصداقة والتعاون والتنمية المشتركة بين الصين وروسيا"
عبارة " التصعيد العام للأزمة الأوكرانية على مدار العام الماضي" - وهو الوصف الذي يبرئ روسيا - لم يتم تناوله إلا في نهاية النص. ويشير شي جين بينغ إلى "موقف الصين الموضوعي والحيادي" ومقترحاته ، ولا سيما احترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. لكن لا "السيادة " أو "وحدة الأراضي" ظهرت في النص. صحيفة جلوبال تايمز القومية الصينية كانت أكثر مباشرة " لا يتحدث الطرفان مع بعضهما البعض ، ليس لأنهما ينتظران وسيطًا ، ولكن لأن أوكرانيا ترفض بدء المحادثات قبل هزيمة روسيا" ، كما توضح هذه الصحيفة، التي نقلت الموقف عن ألكسندر لوكين ، الخبير الروسي. من ناحية أخرى أجرى وزير الخارجية الصيني تشين جانج الجمعة الماضي مكالمة هاتفية مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا ، لكن من غير الواضح ما إذا كان شي جين بينغ سيجتمع مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي بعد زيارته لموسكو.
لا تحالف و لا مواجهة
لا شك أن تطور هذه "الأزمة" يقلق شي جين بينغ ، لكنه لا يكفي للتأثير على العلاقات الثنائية وفقًا للرئيس الصيني الذي يوضح أن هذه الأزمة تستجيب لمعيار ثلاثي: "لا تحالف ولا مواجهة ولا استهداف أي طرف ثالث". معيار أخير لم يُؤخذ في الحسبان كثيرًا في الغرب ، لكنه صاغه جميع الخبراء الصينيين في روسيا في الأسابيع الأخيرة لتوضيح أن الصين لن تسلم أسلحة إلى جارتها وصديقتها. شي جين بينغ كان أكثر غموضا حيث كتب: "من الضروري أن يتعرف المرء على أصدقائه"، في الواقع ، تحترم الشركات الصينية العقوبات الغربية. وهذا يمثل صداعا حقيقيا للصناعة المدنية والعسكرية الروسية.
فيإشارة ليس لأوكرانيا ، ولكن لمحاربة كوفيد 19 قال الرئيس الصيني " كل طرف يتبع سياسة خارجية مستقلة". بالنسبة له ، ستكون هذه الرحلة التاسعة إلى روسيا قبل كل شيء فرصة لزيادة تعزيز العلاقات الثنائية ، "لجعلها أكثر نضجًا ومرونة". وكتب مُضيفا "أتطلع إلى العمل مع الرئيس بوتين للتبني المشترك لرؤية جديدة وخطة جديدة وإجراءات جديدة لنمو الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا. رسميًا ، يبدو أن الشراكة بين البلدين في حالة جيدة. ومع ذلك ، لا يزال الشك قائما.
في مقال نشره اخيرا فينج يوجون ، مدير مركز الدراسات الروسية وأوروبا الوسطى في جامعة فودان بمدينة شنغهاي الصينية، أخذ حريته مؤخرًا في نقد و بشدة لبوتين حيث أكد ان "تحول روسيا المحافظ (...) أيضًا هو نبذٌ للنيوليبرالية الغربية من خلال بناء سردية تعارض الفوضى والاستقرار ، وتسعى إلى إضفاء الشرعية على العودة إلى التقاليد. يوضح هذا أن التيار المحافظ الروسي يفتقر إلى جوهر داخلي مُحَدد سياسيا، بشكل جيدً ،. إنه ليس أكثر من مجرد تموقع سياسي ،و فقاعة استطرادية ومغلف فارغ. يتجلى هذا بشكل خاص في الدبلوماسية الروسية المحافظة "، يجرؤ المؤلف على القول و هو الذي يقوم ، علاوة على ذلك ، باستطراد طويل عن تأثير التيار المحافظ الروسي على اليمين الفرنسي.
في يوم الخميس 16 مارس ، نشرت صحيفة تشاينا ديلي مقالا مُطولا من خمس صفحات ، مكرسًا لانجازات شي جين بينغ خلال السنوات العشر الماضية. في هذا العرض الصحفي المُطول لم يرد ذكر لا روسيا ولا فلاديمير بوتين.