ميسي وعقدة مارادونا الإيجابية

ميسي وعقدة مارادونا الإيجابية

انهالت الألقاب على منتخب الأرجنتين الأول لكرة القدم بفضل قيادة نجمه ليونيل ميسي، فبعد طول صيام عن التتويج أهدى بلاده أغلى بطولتين في سنواته الأخيرة مع كرة القدم، مونديال كأس العالم وأمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا)، إضافة لكأس "لافيناليسيما" بين بطلي أمريكا الجنوبية وأوروبا على حساب إيطاليا.

وتكررت مشاهد الحزن واليأس على ميسي بقميص "التانغو" حينما خسر 3 نهائيات متتالية (نهائي كأس العالم 2014 في البرازيل أمام ألمانيا، ومرتين بركلات الترجيح أمام تشيلي في نهائي كوبا أمريكا في نسختي 2015 و2016). وأدى هذا الإحباط إلى هجوم عنيف من قبل الجماهير والصحافة المحلية على "البرغوث" الذي كان وقتها يقود ناديه السابق برشلونة للألقاب الواحد تلو الآخر ويكتسح المنافسين على الجوائز الفردية كأفضل لاعب في العالم، رغم تتويجه مع بلاده بلقب مونديال الشباب في 2005 وذهبية أوليمبياد بكين 2008، لكنه كان دائماً ما يتعطل في المحطة الأخيرة مع المنتخب الأول.

كما كانت هزائم الأرجنتين المتتالية تحدث تحت مرأى ومسمع من الأسطورة دييغو مارادونا، الذي كان يذهب لمؤازرة بلاده في كل حدث، والذي سبق ودرب ميسي نفسه أثناء توليه مسؤولية مدرب منتخب بلاده في جنوب أفريقيا 2010. ووصل مستوى الحزن واليأس إلى ذروته إلى إعلان "البرغوث" وضع حد لمسيرته الدولية عن عمر 29 عاماً بعد خسارة بلاده أمام تشيلي بركلات الترجيح في 2016 وإهداره لركلة ترجيحية في المباراة النهائية قائلاً وقتها "هذا صعب. هذا ليس الوقت المناسب للتحليل. في غرفة اللاعبين أدركت أن هذه هي النهاية بالنسبة لي مع المنتخب الوطني لكنها ليست نهايتي". وجاء قرار ميسي آنذاك بمثابة صدمة هائلة لبقية زملائه ولوسائل الإعلام الأرجنتينية التي تراجعت عن انتقادها له ودعته للتراجع عن قراره، ليقرر العدول عنه بالفعل "حباً في الوطن"، ليصبح من حينها القائد الفعلي للمنتخب، حيث شدد على أن هناك "حاجة لإصلاح الكثير في كرة القدم الأرجنتينية، ولكنني أفضل القيام بذلك من الداخل وليس توجيه النقد من الخارج".

التخلص من عقدة مارادونا:
حضور مارادونا ربما مثّل عقدة لميسي الذي كان يعي مدى استحواذه على عقول وقلوب الأرجنتينيين، لكن الرحيل المفاجيء للأسطورة في 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2020، هز كرة القدم في بلاد "التانغو" وغير من فكر ميسي وربما دفعه ليعزز من دوره القيادي داخل المنتخب، الذي أصبح يتشبث به كلية لتحقيق الإنجازات المرجوة.
فميسي شعر بعد الحزن الكبير على رحيل دييغو بأنه أصبح الشخص الوحيد على قيد الحياة الذي أصبحت الجماهير الأرجنتينية تعقد عليه كل الآمال في إعادة البسمة الكروية مجدداً، ليخوض تحدياً جديداً من نوعه، لم يعتد عليه كقائد له كلمة وتأثير على الفريق، ليظهر ذلك في كلماته التحفيزية، على عكس السابق.

البطل يخرج من رحم المعاناة:
وبالكاد بعد عام واحد من فقدان الأسطورة، تعرض ميسي لثاني ضربة وهي اضطراره للرحيل عن صفوف برشلونة في صيف 2021 بسبب قواعد اللعب المالي النظيف، ليضطر باكياً إلى البحث عن ناد آخر بعيد عن جدارن "البلاوغرانا" الذي ترعرع في صفوفه منذ أن كان ناشئاً ليحقق معه كل الإنجازات الممكنة، ليتلقى ضربة في مقتل، لينتظر العالم ماذا سيفعل ميسي بعد هذه الصدمة.
ولكن كانت النتائج عكس المتوقعة، فميسي تحرر من القيود النفسية التي كان يفرضها حضور مارادونا وضغط الجماهير الأرجنتينية عليه، وكذلك تلك التي كانت تفرضها جماهير برشلونة والرأي العام حول إلحاق المسؤولية به عن أي إخفاق للنادي، ليلعب من دون قيود مع باريس سان جيرمان ويضع كل تركيزه على قيادة منتخب بلاده للأحلام المؤجلة.
نيستور بيكرمان، ألفيو باسيلي، دييغو مارادونا، سرخيو باتيستا، أليخاندرو سابيلا، خيراردو مارتينو، إدغاردو باوزا، خورخي سامباولي وأخيراً ليونيل سكالوني، كل هؤلاء عمل ميسي تحت إمرتهم في الأرجنتين، لينجح الأخير، صاحب الـ44 عاماً والذي يقود "الألبيسيليستي" منذ 2018، في تحقيق حلم "البرغوث" بقيادة المنتخب الأول للألقاب بعد عقود من الغياب، وتحديداً منذ لقب كوبا أمريكا 1993.

وجاء اللقب الأول أخيراً وهو الفوز بكوبا أمريكا في معقل البرازيل وعلى حساب صاحبة الأرض بهدف نظيف في نسخة كان مقرراً إقامتها في البداية في كولومبيا ثم الأرجنتين قبل أن يتم سحبها من كلا الملفين وتسند إلى البرازيل، وسط انتقادات من اللاعبين بسبب انتشار وباء كورونا آنذاك، الذين هنأوا ميسي ورفاقه على اللقب بقيادة نيمار، ليرفع "البرغوث" أخيراً أول لقب له مع المنتخب الأول في يوليو-تموز 2021.
وبعد انتهاء اللعنة، لم تستغرق الأرجنتين وقتاً طويلاً للتتوج بثاني ألقابها مع ميسي وهي كأس "لافيناليسيما" أمام بطلة أوروبا، إيطاليا، بالفوز عليها 3-0 في يونيو-تموز 2022 في المباراة التي أقيمت على ملعب ويمبلي بإنجلترا.

وبعدها أصبح حلم التتويج بلقب المونديال أمراً شرعيا لنجوم "التانغو" الذين التفوا حول ميسي بعدما بلغ من العمر 35 عاماً وأكدوا استعدادهم للتضحية بكل ما يملكون من أجل أن يرفع الكأس الغالية، لينجوا سعياً لذلك في خوض سلسلة من 36 مباراة دون هزيمة للأرجنتين وصولاً إلى المونديال.
ورغم البداية غير المتوقعة في المونديال بالسقوط أمام السعودية في فخ الهزيمة 1-2، إلا أن الأرجنتين عادت لتؤكد امتلاكها لروح البطل وتفوز بعدها على كل من المكسيك وبولندا في دور المجموعات، ثم تقضي أستراليا من ثمن النهائي وهولندا من ربع النهائي وكرواتيا من نصف النهائي، مروراً بالنهائي المثير للغاية على فرنسا بركلات الترجيح بعد التعادل إيجابياً 3-3 في الوقتين الأصلي والإضافي.