ندوة الثقافة والعلوم تناقش رواية «العمى» لجوزيه ساراماغو

ندوة الثقافة والعلوم تناقش رواية «العمى» لجوزيه ساراماغو

ناقش صالون القراءة في ندوة الثقافة والعلوم رواية «العمى» للكاتب البرتغالي خوزيه ساراماجو، وحضر النقاش عائشة سلطان عضو مجلس إدارة الندوة رئيس اللجنة الثقافة ود. مريم الهاشمي أستاذة النقد والأدب العربي في كليات التقنية والكاتبة فتحية النمر والمهندسة هالة عادل وجمهور من المهتمين.
افتتحت النقاش عائشة سلطان عضو مجلس الإدارة، رئيس اللجنة الثقافية قائلة إن رواية العمى للكاتب البرتغالي خوزيه ساراماجو من أهم الروايات التي صدرت في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وتصنف من روايات الدستوبيا السوداء المعاصرة لأنها وإن تناولت مشكلة العمى، إلا أن الترميز في الرواية يؤكد أن العمى قد يكون فكرياً وإنسانياً وغياباً للقيم، وأسقط الكاتب في روايته موقفه الفكري السياسي في منطلقه للرواية وخاصة أن لديه موقف من الديمقراطيات الغربية والحكومات وغيرها، فهو ينتمي للحزب الشيوعي، وعند ترشيح إحدى رواياته لجائزة نوبل رفضت الحكومة البرتغالية ترشيح الرواية خوفاً من التيارات الدينية، فاتخذ موقفاً وغادر البرتغال هو وزوجته.

وتساءلت عائشة سلطان لماذا اختيرت رواية الأعمى لجائزة نوبل؟
وأضافت المهندسة هالة عادل أن لدى ساراماجو مقولة تعرفه وهي: «لديَّ حلم أن أصبح كاتباً» وقد قالها الروائي البرتغالي وهو في عمر التاسعة عشرة، وانتظر حتى أصبح في الخامسة والخمسين من عمره لكي ينضج حلمه، ويصدق بأن لديه شيئاً يستحق أن يقوله فعلاً.
وذكرت أن ساراماجو  كاتب أدبي ومسرحي وصحفي، ولد في 16 نوفمبر 1922 بمنطقة اريناغا (وسط البرتغال) لعائلة من فقراء المزارعين بدأ حياته صانع أقفال ثم صحافيا ومترجما قبل أن يكرس وقته كليا للأدب. توفي في 18 يونيو  2010. وصف ساراماجو بأنه « أعظم الروائيين الموجودين على قيد الحياة»، هو أول برتغاليّ ينال جائزة نوبل للآداب عن روايته «العمى» العام 1998.

وأكدت عادل أن أهمية تجربة ساراماجو تكمن فيما قدمه للوسط الأدبي العالمي من كتب أثرت المكتبة الأدبية العالمية وانتشرت رواياته في شتى بقاع العالم، وترجمت إلى أكثر من 25 لغة و من أهم رواياته: انقطاعات الموت، كل الأسماء، والآخر مثلي، وقابين، ومسيرة الفيل، كتاب الرسم والخط والتي كشفت عن آرائه الفلسفية والفكرية.
وفي رواية الأعمى يقول ساراماجو «قل للأعمى أنت حر افتح له الباب الذي كان يفصله عن العالم قل له ثانية اذهب أنت حر لن يذهب... سيبقى في مكانه وسط المدينة» هنا مربط الفرس الأعمى ونقصد هنا عمى البصيرة عمى الثقافة الجهل الذي يشل صاحبه فلا يقوى على الحراك حتى لو فتحت له الأبواب والنوافذ لن يحرك ساكناً، جمال الرواية هي انتماؤها إلى كل الأمكنة وكل الأزمنة وكل الشعوب. فهي بلا علامات لا تشير إلى فئة ما حتى الأسماء جاءت مجهولة.

ساراماجو هنا يعري المجتمع ويسلط الضوء على الانفلات والضعف والفساد والدكتاتورية التي قلبت المعايير الإنسانية جعلت العمى يسيطر على البشر في رسالة واضحة من الكاتب لجعل العمى أبيض وكان الصحوة من سواد الفساد حين ما كانوا يرون، حيث أن العمى هنا بتعريفه الفلسفي هو عمى الفكر و الثقافة هو الجهل، الغذاء وطريقة تقسيمه هو إشارة وكناية عن الحقوق حيث إنه يشير هنا لعدم وجود نظام موحد عادل لتقسيم الحقوق بين طبقات المجتمع بالتساوي وهناك زعزعة و حالة من الفوضى بالنسبة للمبنى ووضعه من حيث النظافة أظن أنها إشارة الى طبيعة المجتمع في الخارج وكأن الكاتب يكشف لنا ما يفتقده المجتمع.
وذكرت عادل أن فكرة الرواية ليست جديدة أول من استخدمها هربرت ويلز في رواية وادي العميان ولكن الرمزية هنا الأعمق و هي محور هذه الرواية. كذلك لفتتها جملة قالها الطبيب: إن استعدت نظري ثانيةً، فسوف أُدقق النظر في أعين الآخرين، وكأنني أنظر في أرواحهم.
 
وعن الرواية ذكرت الكاتبة فتحية النمر أن المؤلف أسهب في وصف التفاصيل، وكان يصف حالة العمى بشكل أقرب للحقيقة، كذلك تحدثت الرواية بضمير الغائب حتى لا يقع الكاتب في فخ الشخصنة لشخصيات الرواية، وحتى يكون أكثر إقناعاً للقارئ وهو يتطرق للتفاصيل، وقد كان الراوي على مدار السرد فيلسوفاً وعالم نفس وطبيبا وعالم طبيعة... لقد كان كاتباً موسوعياً.
وأكدت النمر أن كل صفحة من الرواية تشير إلى خلاصات تجارب ومفاتيح حياتية لا يحظى بها إلا من كانت غايته معرفة الحقائق وتحليل الظواهر، وأن طول السرد يلمح إلى أنه مهما كانت الظروف الحياتية المحيطة بالإنسان صعبة ومأساوية، ومهما اختفت وتعذرت الامتيازات التي اعتادها، تظل هناك حاجة واحدة لا يمكن نسيانها وهي الحاجات الفسيولوجية مثل (الأكل والشرب والحاجات الشخصية ولا يمكن إغضاء الطرف عن السلوكيات وحتى المحظور منها).

وأضافت النمر أن لغة الرواية متدفقة وسلسلة وجميلة وفيها شعرية واضحة إلا أنها مقننة، لأن السرد وباقي عناصر الجنس الروائي من الأحداث والشخصيات والزمان والمكان كانت هي الغالبة على الشعر، علماً بأن الشاعر أصدر مجموعة شعرية بعد روايته الأولى وتوقفه عن الكتابة لمدة عشرين عاماً.
وبالنسبة للشخصيات فكانت متنوعة ومختلفة البيئات والأجيال وفي هذا تجلى ثراء السرد وفي عوالم حقيقية وعميقة.
وختمت النمر بأن الرواية أتعبتها في القراءة وأجهدتها إنسانياً ولولا التشويق وطريقة المعالجة وأسلوب الكاتب المحترف لما أكملتها.
 
وعلقت د.. مريم الهاشمي بأن عملية القراءة وتفاعل القارئ مع النص تخدم المؤلف في التعبير عن رغباته ودوافع وتخدم القارئ الذي يوائم ويكيف النص حتى يحقق متعته الخاصة.
ومن المشهد الأول في العمل استطاع ساراماغو أن يسيطر على انتباه القارئ كليا، وكأنها أصلا عمل مرئي أكثر منه كتابي، تتيح للقارئ أن يتصور الأمكنة والأشكال ونبرة الصوت ولون الدماء ونتانة الرائحة...
وكأن ساراماغو يمارس نوعا من التنفيس الداخلي عن طريق الكتابة، ويواتر أحداثا في دائرة مغلقة نكاد نجزم لنا أنها لا يمكن أن تنتهي، ولو أراد لاستمر بها لأكثر من عدد صفحاتها التي قاربت الأربعمائة...

وجدتها مخيفة........ اكتسح فيها البياض وتوشح الكآبة، وكلنا كان يتصور قبل هذه الرواية أن البياض هو رمز للسلام والأمان والطمأنينة...
العمى رواية تدخل القارئ في دوامات كثيرة، وتلقي به أمام تساؤلات واستفهامات يصعب عليه أحيانا أن يجد لها مخرجا :
-إلى أي درك يمكن للبشرية أن تنزلق ؟
-إلى أي مدى يمكن للإنسان أن يتصارع والبقاء ؟
-بدائية الإنسان التي تكبح في داخله وتتحين الفرصة لتكشر عن الذات الحقيقية .

-ماذا لو فقدنا الإحساس بالزمن ؟
-ماذا لو فُقد البصر حقيقة ؟!!
وفي ذات الوقت تحمل في طياتها ما كان يريد حقيقة، وهي فكرة الحرية، وكلنا يدرك أن هذه الرواية صدرت بعد روايته التي منعت وهي رواية ( الإنجيل يرويه المسيح )... وذكرها صريحة في مشهد من المشاهد..( العمى هو أن تعيش في عالم انعدم فيه كل أمل ).
ويقف النقد متأملا هذا العمل، هل يدرجها تحت الرمزية أم النفسية أم الواقعية أم الاجتماعية أم الواقعية السحرية !!
 ليصل إلى بساطة حقيقة حضورها جميعا، وهو ما أعطى هذا العمل تلك الميزة المتفردة... إلا أننا نجدها أكثر في البعد النفسي لها، فالتحليل النفسي أو النقد النفساني هي مظلة تندرج تحتها عدة مسارات هامة، منها فاعلية الاستشفاء والعلاج، وتختلط مفاهيم الجسد والعاطفة والعقل والتجربة الشخصية ومن ثم تشتبك مثل هذه المفاهيم الشخصية بالإطار الثقافي والاجتماعي. فلا تقتصر نظرية علم النفس على خصوصية شخصية محددة بل هي تحاول دائما ربط الخصوصية بعواملها الإنسانية والمادية والزمانية ومن ثم ربطها بالإطار الأسري والاجتماعي والثقافي والحضاري. والنقد النفسي مرتكز على القاعدة الفرويدية ( اللاوعي ) كمركز الاهتمام، وفكرة اللاوعي تقوم على مقولة أن المرء يبني واقعه في علاقة أساسية مع رغباته المكبوتة ومخاوفه، ولهذا فإن كل تعبير ( سلوكا أو لغة أو خيالا ) هو مجموعة علاقات معقدة تتوسط وتتدخل في كل ما يعتقد المرء أنه يفعله أو يقوله أو يحلم به.

ويمكن أن نجد ذلك بعمق أكبر من خلال الشخصيات، فمثلا المرأة ذات النظارة السوداء أول فعل تحاول أن تفعله بعد حريتها من المنفى هو البحث عن والديها، وهي التي انسلخت من القيم واتجهت لمسلك قد لا يُشرف والديها، وحين وجودها في المنفى نجد اهتمامها بالصبي الصغير الذي كان دائم البكاء، ولكنها الرغبة النفسية بأن لا تتجرد من دفء العائلة كليا، وأن لا تهوى إلى درك وهي وحيدة أم أنها رغبة دفينة وحلم صعبُ تحقيقه في تكوين عائلة.!!
وهنا نعامل الشخوص في العمل الفني على أنهم أشخاص حقيقيون لهم دوافعم الخفية وتواريخ طفولتهم المتميزة وعقولهم الواعية وغير الواعية، ولذا تنحصر موضوعات التحليل النفسي في النزعات الإجرامية والعصاب والذهان والسادية وتعذيب الذات، والانحراف الجنسي.

فالسفاحون مثلا في الرواية نجد أنهم نوع من الجماهير التي لا تعرف إلا العواطف البسيطة المتطرفة، فإما أن تعتبرها حقائق مطلقة أو أخطاء مطلقة. والاستبداد يبدو بحجم التعصب وإذا كان الفرد يقبل الاعتراض والمناقشة فإن الجمهور لا يقبلها يحتملها أبدا، وبما أنها مستعدة دائما للتمرد على السلطة الضعيفة فإنها لا تحني رأسها بخنوع إلا للسلطة القوية، وهي بالتالي غير مهيأة لاحترام النزعة الأخلاقية، وهو ما جليا عند فئة السفاحين.
وإن « العمى» بحد ذاته له الدور العظيم في تشكيل ردود أفعال الفئات المختلفة، وذلك من خلال قوة الكلمات التي هي مرتبطة بالصور التي تثيرها، وإن العمى ساهم في صعوبة تحديد معانيها بشكل كبير وبذلك امتلكت أكبر قدرة على التأثير والفعل. وكان كذلك من وسائل التحريك، وذلك من خلال العدوى، فالعدوى لا تتطلب الحضور المتزامن للأفراد في نقطة واحدة، بل يمكن أن تنتشر على البعد بتأثير من بعض الأحداث التي توجه النفوس في اتجاه محدد، وهي من القوة بحيث إنها تفرض على البشر ليس فقط بعض الآراء وإنما بعض الطرق في الإحساس والشعور.

ومن خلال العمى نقف عند نفسية الجماهير التي يتبين لنا إلى أي مدى يكون تأثير القوانين والمؤسسات ضعيفا على طبيعتها الغرائيزية العنيفة، كما وتبين لنا إلى أي مدى تبدو عاجزة عن تشكيل أي رأي شخصي ماعدا الآراء التي لقنت لها أو أوحيت إليها من قبل الآخرين، وهو ما نجده في مشاهد المنفى بين غرف السفاحين والغرفة الأولى والثانية.
وهكذا يمكن أن نسقط ذلك على كل شخصية من الرواية من خلال سلوكها أو لغتها. إن الوعي يضرب جذوره في البنى العاطفية والجسدية للحياة الجنسية التي يفترض إشباعها أو كبتها، وهو الحاضر كذلك في عمى ساراماغو. ولكن لا يعني هذا أن التحليل النفسي لا يتواءم مع غيره من النظريات النقدية أو أنه يلغيها. بل هو يضيء كثيرا منها خاصة أنه يتعامل مع ويهتم بتمثيل الذات والآخر والجسد والعواطف والعلاقات التي تحكم فعاليات السلوك والخطاب، ويصبح العمل تعبيرا عن رغبة ما ومحاولة إشباعها سواء كانت الرغبة ناتجة عن علاقة المرء بذاته أو بالبيئة أو العالم من حوله. وبذلك يتكون العمل الأدبي من محاولة إشباع رغبات أساسية متخيلة كانت أم وليدة عالم الفانتازيا، ثم يحول الرقيب بين الرغبة وبين إشباعها سواء كان الرقيب هو الوازع الديني أو الأخلاقي أو العرفي الاجتماعي، ولهذا فالرغبة الحبيسة تستقر في مملكة اللاوعي من عقل الفنان أو الأديب.

وعلق الإعلامي نادر  مكانسي بأن في الرواية تفاصيل دقيقة لكل مشهد وكأنها سيناريو جاهز للتصوير، وقد أسند الكاتب بطولة الرواية لامرأتين زوجة الطبيب وصاحبة القداحة التي حرقت الأشرار والذي أطلق سراح الموجودين.
الرواية سوداوية رغم بياض العيون الذي ساد الناس، والإسقاط على واقع أليم موجود في مختلف المدن عندما يكون هناك ظلم وقهر، ويرى أن الكاتب انحاز للمرأة وأعطاها دور البطولة في الرواية.وعلق صلاح قاسم البنا بأن الرواية تاريخية تعكس واقع عاشته البرتغال باعتباره عاش فترة زمنية ما بنن قبل وبعد الحكم الفاشي،
ورموز الرواية جميعها تتجه لهذه الأحداث لأن الجانب التاريخي لم يعط حقه في النقد والرواية تجسد الواقع برمزيته.
 وفي نهاية النقاش عرض فيلم «العمى» المأخوذ عن الرواية ونال إعجاب الحضور.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot