القوى العظمى تهيمن على موارد القارة الهائلة
نيوزويك: حرب أمريكا على الإرهاب تدفع أفريقيا إلى الفوضى
قالت كريستين أوديرا، ناشطة وخبيرة كينية في مجال السلام والأمن، إن القارة الأفريقية باتت مسرحاً كئيباً للإرهاب المتصاعد والعنف، والاحتجاجات المناهضة للفقر وخيبة الأمل. وأشار تقرير حديث صادر عن إحدى مؤسسات البنتاغون البحثية إلى ارتفاع الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية في أفريقيا بنسبة مذهلة، منذ بداية الحملة الأمريكية لمكافحة الإرهاب حول العالم. وتشمل هذه القفزة زيادة بنسبة 20% في أعمال العنف المرتبط بالإسلام السياسي في العام الماضي.
وأضافت الكاتبة في مقالها بموقع «نيوزويك» تشكّل هذه المقاييس القاتمة تذكيراً مخيفاً بأن أفريقيا أصبحت مركزاً عالمياً للنشاط الأصولي، مع توحيد الإرهابيين المحليين والدوليين قواهم في مواجهة الحملات المتفرقة التي تشنها أمريكا على الشرق الأوسط.
ومع ذلك، وبعد مرور 23 عاماً على أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، لم يعد لدى أمريكا الرغبة في معالجة الكوارث، التي نشأت في أعقاب المشكلة التي خلقتها.
وتابعت الكاتبة أن إهمال الولايات المتحدة وبقية دول الغرب لقارة تمزقها الانقسامات والتطرف والانهيار الاقتصادي والمناخي يتجاهل العواقب الكارثية، التي يمكن أن تنتشر في بقية أنحاء العالم.
وجنباً إلى جنب مع الخلايا الإرهابية لداعش وتنظيم القاعدة الإرهابيين، زرعت روسيا والصين المزيد من الأذرع في القارة، من خلال إقامة قواعد عسكرية وتجنيد مرتزقة متهمين بارتكاب بعض أفظع انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، لا سيما ضد المرأة الأفريقية.
هيمنة على الموارد الأفريقية
وأشارت الكاتبة إلى أن هذه القوى العظمى تهيمن على موارد أفريقيا الهائلة، وتستخدم شبابها لشن الحروب. وقالت إن قبضتهم الخانقة المتزايدة على القارة التي مزقها الإرهاب يمكن أن تنزلق بسهولة نحو صراع عالمي شامل.
والشهر الماضي فقط، حث الزعماء الأفارقة في قمة مفوضية الاتحاد الأفريقي زعماء العالم على اتخاذ إجراءات في القارة قبل فوات الأوان. لكن فكرة أمريكا في المساعدة على إصلاح «حربها الأبدية» يغلب عليها، كما هو متوقع، الطابع العسكري. وشهد الشهر الماضي أيضاً إطلاق عملية بقيادة الولايات المتحدة تحت اسم «الاتفاق المبرر» في كينيا، ضمت ألف عسكري من 23 دولة «لزيادة استعداد الشركاء لمهام حفظ السلام والاستجابة للأزمات والمساعدة الإنسانية».
إلا أن «الإصلاح» الذي يقدمه الغرب في صورة المزيد من العسكريين ليس هو العلاج المنشود لإسعاف القارة المنقسمة، حسب الكاتبة.
الثقة في الديمقراطية تتراجع
تظهر الأرقام الصادرة عن مؤسسة «أفروباروميتر»، وهي شبكة أبحاث أفريقية غير حزبية، أن معظم الأفارقة يعتقدون أن الجيش يجب أن يبقى بعيداً عن السياسة، ويعتقد 7 من كل 10 أن «الديمقراطية أفضل من أي نوع من أنواع الحكومات». ومع ذلك، فإن الثقة في الديمقراطية تتقوض بسبب الفساد المتفشي في جميع أنحاء أفريقيا، حيث يعتقد 60% أن الفساد قد زاد وأن المسؤولين يفشلون في السيطرة على انتشاره. وأكدت الكاتبة أنه يتعين على الغرب أن يعمل مع الحركات الأفريقية القادرة على تعبئة زعماء المجتمع المدني لملء هوة انعدام الثقة، التي تؤدي إلى الانقلابات، وترسل الملايين إلى أحضان الجماعات الإرهابية. ويمكن لقيادات المجتمع المدني أن تُحْدِث فرقاً كبيراً. ففي نهاية المطاف، أمضت المنظمات الدينية سنوات طويلة في ملء الفراغ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي خلفته حرب أمريكا ضد الإرهاب.
ويذكر تقرير للبنك الدولي أن المنظمات الدينية قدمت 50% من الخدمات الصحية والتعليمية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا عام 2000، وكانت تتوسع بسرعة لتنفيذ برامج تتصدى للصراعات على الأرض.
وفي مالي، تعمل منظمة «ثينك بيس» على الحد من الصراعات بين المجتمعات المحلية من خلال إشراك قادة المجتمع، وتمكين الفئات الضعيفة. وفي كينيا، يجمع المجلس المشترك بين الأديان في كينيا عدداً لا يحصى من الجماعات الدينية، في جهد متضافر لتحدي وتفكيك أسس الأيديولوجيات المتطرفة. وفي جميع أنحاء القارة، حققت أكبر منظمة إسلامية غير حكومية في العالم، «رابطة العالم الإسلامي»، نجاحات باستخدام «ميثاق مكة» الرائد لكسر دائرة العنف الإسلامي حتى قبل أن تبدأ.
تجفيف منابع الإرهاب
وقال الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الدكتور محمد العيسى: «نحن بحاجة إلى القضاء على التشدد الديني والتطرف الذي يعد مدخلاً للإرهاب». وهذا هو بالضبط ما يهدف الميثاق الذي أقرته 1200 شخصية إسلامية بارزة من 139 دولة في عام 2019 إلى تحقيقه. وأشارت الكاتبة إلى أن رابطة العالم الإسلامي تطبق بنشاط رؤيتها المتسامحة للإسلام على برامج بناء القدرات المصممة لمعالجة وتجفيف منابع الإرهاب.
ولكن بالإضافة إلى الاعتراف بالمبادرات التي تقودها أفريقيا والتي تهدف إلى بناء السلام وحل الصراعات ودعمها، ترى الكاتبة أنه يتعين على الغرب أيضاً أن يعمل على صياغة شراكات اقتصادية قوية بالقدر الكافي لتخفيف النفوذ المتنامي لروسيا والصين.
الأهم من ذلك، برأي الكاتبة، وأياً كان من يُنتخب في وقت لاحق من هذا العام في انتخابات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فلا بد أن يكون متيقظاً تماماً لمدى الكارثة التي خلفتها الحرب الأمريكية على الإرهاب بالنسبة لأفريقيا.
دعوات إلى تنمية أفريقيا
وشددت الكاتبة على ضرورة دفع زعماء الغرب إلى تسريع وتيرة الخطط الرامية إلى إعادة التوازن إلى الأمن العالمي وتنمية أفريقيا من خلال ضخ الأموال بالطرق الصحيحة، وبالتعاون مع الشبكات المدنية المتاحة بسهولة والتي تقدم بديلاً للقوى السياسية الفاسدة. وإذا لم يقم العالم، وخاصة الغرب، بإعادة النظر في طريقته لبناء السلام، فإن أفريقيا، التي ستصبح قريباً موطناً لنحو 25% من سكان الكوكب، سيكون محكوماً عليها بخسارة ملايين أخرى بسبب التطرف والإرهاب، حسب الكاتبة.