رئيس الدولة ورئيس الوزراء البريطاني يبحثان هاتفياً التطورات الإقليمية
بيع فرقاطات، تقارب استراتيجي:
هذا هو شهر العسل بين باريس وأثينا...!
-- رغم التقارب مع فرنسا، فإن اليونان ليست على وشك الاستغناء عن الأخ الأكبر الأمريكي
-- يشارك رئيس الوزراء اليوناني تمامًا الطموح الفرنسي في تحقيق استقلالية استراتيجية اوروبية
حلفاء منذ مائتي عام، ازداد تقارب فرنسا واليونان رسوخا جراء التوترات مع تركيا والرؤية المشتركة بشأن مستقبل أوروبا.
بالنسبة له، لا مناص ولا مفرّ... جاء لافتتاح معرض باريس -أثينا في متحف اللوفر، في 27 سبتمبر، لإحياء ذكرى 200 عام من حرب استقلال اليونان الحديثة، انحنى كيرياكوس ميتسوتاكيس أمام المشاهد الضخمة لمذبحة خيوس، التي رسمها يوجين ديلاكروا، عام 1824 للتنديد بقمع الجيش العثماني لليونانيين. وأشاد رئيس الوزراء اليوناني بـ “الصورة الأكثر رمزية لتعبئة الرأي العام الفرنسي للقضية اليونانية”، مؤكدا أن فرنسا دعمت الانتفاضة منذ بدايتها. وإلى جانبه، تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون، مبتسما، عن “قصة حب” ابدية بين بلديهما.
لكن في الدبلوماسية، كما بين الزوجين، لا يوجد حب بلا دليل. وفي الأشهر الأخيرة، ضاعف الزعيمان الأدلة والحجج. في اليوم الذي تلا الافتتاح، عقدا قران مصالحهما من خلال التوقيع على اتفاقية بيع باريس لثلاث فرقاطات حديثة إلى أثينا مقابل 3 مليارات يورو، مع بند “المساعدة المتبادلة”. باختصار: إذا تعرضت إحدى الدولتين للهجوم على أراضيها، فستكون قادرة على الاعتماد على التزام الطرف الآخر. في الواقع، تعيش فرنسا واليونان شهر عسل حقيقي منذ وصول كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى السلطة صيف عام 2019. “إنه ليبرالي، مع نهج تكنوقراطي إلى حد ما، ولا يؤمن بالانقسام يمين-يسار، تماما مثل ماكرون، مما يفسر التناغم السريع بينهما”، يلاحظ لوكاس تسوكاليس، رئيس المؤسسة اليونانية لأوروبا والسياسة الخارجية.
مسيرة عائلة ميتسوتاكيس، هي تذكير بالروابط القديمة بين فرنسا واليونان. عاش هذا الفرنكوفوني طفولته المبكرة في باريس، حيث وجد والده كونستانتينوس ميتسوتاكيس (رئيس الوزراء من 1990 إلى 1993) ملاذًا، مثل جزء كبير من معارضي ديكتاتورية الكولونيلات (1967-1974). علاوة على ذلك، على متن طائرة الرئيس فاليري جيسكار ديستان، عاد رئيس الحكومة السابق، كونستانتينوس كارامانليس، منتصرًا إلى البلاد عام 1974. ووضع فاليري جيسكار ديستان كل ثقله من اجل دخول اليونان الى المجموعة الاوروبية عام 1981، موضحا أننا “لا نغلق الباب أمام أفلاطون». في الآونة الأخيرة، عام 2015، عندما فكرت عدة دول، منها ألمانيا، في إخراج اليونان المفلسة من منطقة اليورو، استخدم الرئيس فرانسوا هولاند حق النقض ضد ذلك.
اوكوس سرّعت الاتفاق
يفتح اتفاق 28 سبتمبر صفحة جديدة في هذا التحالف الطويل. إنه في غاية الاهمية للإليزيه كونه يأتي للتعويض عن إذلال 15 سبتمبر. في ذلك اليوم، ألغت أستراليا عقد الغواصات بقيمة 56 مليار يورو مع فرنسا لصالح شراكة استراتيجية “معادية للصين” مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أطلق عليها اسم اوكوس. “هذا الاتفاق المفاجئ، الرمز لانعطاف الأخ الأكبر الأمريكي تجاه المحيط الهادئ، قد سرّع التقارب الفرنسي اليوناني”، يعتبر بيريكليس زورزوفيليس، رئيس المعهد اليوناني لتحليل الدفاع والأمن.
ناقش ماكرون وميتسوتاكيس الموضوع بعد يومين في أثينا على هامش قمة حول المناخ. ويبدو انهما خلال رحلة بالسيارة، قبل زيارة الأكروبوليس، “أبرما” الاتفاقية، التي تم توقيعها بعد أحد عشر يومًا.
مجرد ردّ جميل... “كانت فرنسا إلى جانبنا خلال الفترة الصعبة من صيف 2020”، يكرر ميتسوتاكيس مرارًا وتكرارًا. وكانت البحرية التركية حينها قد انتهكت المياه الإقليمية اليونانية للتنقيب عن الغاز. وردت اليونان بتعبئة جيشها إلى مستوى غير مسبوق منذ غزو أنقرة لقبرص عام 1974. وبينما اكتفت برلين وواشنطن بالدعوة إلى وقف التصعيد بين هذين العضوين في الناتو، انحازت باريس إلى اليونان، وأرسلت الى الموقع حاملة طائرات هليكوبتر وفرقاطة وطائرتي رافال.
«باستثناء فرنسا، وجدت أثينا أن الدول الأوروبية الأخرى لم تؤيدها صراحة كما هو مأمول”، يلاحظ إيلي بيرو، الباحث في جامعة بروكسل الحرة. لهذا تستحق مكافأة: في هذه العملية، قررت أثينا تحديث جيش أضعف بسبب عقد من التقشف في الميزانية، واشترت 18 طائرة من طراز رافال مقابل 2.5 مليار يورو -وقد زاد هذا الرقم مؤخرًا إلى 24 طائرة.
وفي هذا الصدد، يمكن لماكرون أن يشكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “التقارب بين فرنسا واليونان حفزته مضاعفة النشاط التركي في البحر المتوسط عام 2019”، حسب بيير هاروش، الباحث الأمني الأوروبي في معهد البحوث الاستراتيجية التابع للمدرسة العسكرية. كما ان باريس كانت هدفا أيضًا، في 10 يونيو 2020: تم “استهداف” فرقاطة كوربيه من قبل سفينة حربية تركية لأنها أرادت تفتيش سفينة شحن تنتهك الحظر المفروض على صادرات الأسلحة إلى ليبيا.
لكن “تهديد أردوغان” ليس نقطة التقارب الوحيدة بين ميتسوتاكيس وماكرون. “يشارك رئيس الوزراء اليوناني تمامًا الطموح الفرنسي تحقيق استقلالية استراتيجية قاريّة، كما يقول أحد مستشاريه الأمنيين، النائب تاسوس تشاتزيفاسيليو. والاتفاق هو حجر أول لأوروبا الدفاع، الذي ستقدمه باريس خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي عام 2022. «
ومع ذلك، لم يكن من الممكن توقيعها دون موافقة واشنطن، التي تم إبلاغها سرًا بالصفقة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. لا تنوي أثينا وضع كل بيضها في سلة واحدة، وتفكر في شراء طائرات اف-35 الأمريكية بعد رافال. وتأمل أن تجدد بحلول نهاية العام اتفاقية الدفاع التي تربطها بالولايات المتحدة منذ ثلاثين عاما. “هذا يوفر وجودًا عسكريًا للولايات المتحدة على الأراضي اليونانية، ويعتبر بمثابة تأمين في حال حدوث أزمة كبرى في المنطقة، وخصوصا، التصعيد مع تركيا”، يوضح لوكاس تسوكاليس. فرغم التقارب مع فرنسا، فإن اليونان ليست على وشك الاستغناء عن الأخ الأكبر الامريكي.
-- يشارك رئيس الوزراء اليوناني تمامًا الطموح الفرنسي في تحقيق استقلالية استراتيجية اوروبية
حلفاء منذ مائتي عام، ازداد تقارب فرنسا واليونان رسوخا جراء التوترات مع تركيا والرؤية المشتركة بشأن مستقبل أوروبا.
بالنسبة له، لا مناص ولا مفرّ... جاء لافتتاح معرض باريس -أثينا في متحف اللوفر، في 27 سبتمبر، لإحياء ذكرى 200 عام من حرب استقلال اليونان الحديثة، انحنى كيرياكوس ميتسوتاكيس أمام المشاهد الضخمة لمذبحة خيوس، التي رسمها يوجين ديلاكروا، عام 1824 للتنديد بقمع الجيش العثماني لليونانيين. وأشاد رئيس الوزراء اليوناني بـ “الصورة الأكثر رمزية لتعبئة الرأي العام الفرنسي للقضية اليونانية”، مؤكدا أن فرنسا دعمت الانتفاضة منذ بدايتها. وإلى جانبه، تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون، مبتسما، عن “قصة حب” ابدية بين بلديهما.
لكن في الدبلوماسية، كما بين الزوجين، لا يوجد حب بلا دليل. وفي الأشهر الأخيرة، ضاعف الزعيمان الأدلة والحجج. في اليوم الذي تلا الافتتاح، عقدا قران مصالحهما من خلال التوقيع على اتفاقية بيع باريس لثلاث فرقاطات حديثة إلى أثينا مقابل 3 مليارات يورو، مع بند “المساعدة المتبادلة”. باختصار: إذا تعرضت إحدى الدولتين للهجوم على أراضيها، فستكون قادرة على الاعتماد على التزام الطرف الآخر. في الواقع، تعيش فرنسا واليونان شهر عسل حقيقي منذ وصول كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى السلطة صيف عام 2019. “إنه ليبرالي، مع نهج تكنوقراطي إلى حد ما، ولا يؤمن بالانقسام يمين-يسار، تماما مثل ماكرون، مما يفسر التناغم السريع بينهما”، يلاحظ لوكاس تسوكاليس، رئيس المؤسسة اليونانية لأوروبا والسياسة الخارجية.
مسيرة عائلة ميتسوتاكيس، هي تذكير بالروابط القديمة بين فرنسا واليونان. عاش هذا الفرنكوفوني طفولته المبكرة في باريس، حيث وجد والده كونستانتينوس ميتسوتاكيس (رئيس الوزراء من 1990 إلى 1993) ملاذًا، مثل جزء كبير من معارضي ديكتاتورية الكولونيلات (1967-1974). علاوة على ذلك، على متن طائرة الرئيس فاليري جيسكار ديستان، عاد رئيس الحكومة السابق، كونستانتينوس كارامانليس، منتصرًا إلى البلاد عام 1974. ووضع فاليري جيسكار ديستان كل ثقله من اجل دخول اليونان الى المجموعة الاوروبية عام 1981، موضحا أننا “لا نغلق الباب أمام أفلاطون». في الآونة الأخيرة، عام 2015، عندما فكرت عدة دول، منها ألمانيا، في إخراج اليونان المفلسة من منطقة اليورو، استخدم الرئيس فرانسوا هولاند حق النقض ضد ذلك.
اوكوس سرّعت الاتفاق
يفتح اتفاق 28 سبتمبر صفحة جديدة في هذا التحالف الطويل. إنه في غاية الاهمية للإليزيه كونه يأتي للتعويض عن إذلال 15 سبتمبر. في ذلك اليوم، ألغت أستراليا عقد الغواصات بقيمة 56 مليار يورو مع فرنسا لصالح شراكة استراتيجية “معادية للصين” مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أطلق عليها اسم اوكوس. “هذا الاتفاق المفاجئ، الرمز لانعطاف الأخ الأكبر الأمريكي تجاه المحيط الهادئ، قد سرّع التقارب الفرنسي اليوناني”، يعتبر بيريكليس زورزوفيليس، رئيس المعهد اليوناني لتحليل الدفاع والأمن.
ناقش ماكرون وميتسوتاكيس الموضوع بعد يومين في أثينا على هامش قمة حول المناخ. ويبدو انهما خلال رحلة بالسيارة، قبل زيارة الأكروبوليس، “أبرما” الاتفاقية، التي تم توقيعها بعد أحد عشر يومًا.
مجرد ردّ جميل... “كانت فرنسا إلى جانبنا خلال الفترة الصعبة من صيف 2020”، يكرر ميتسوتاكيس مرارًا وتكرارًا. وكانت البحرية التركية حينها قد انتهكت المياه الإقليمية اليونانية للتنقيب عن الغاز. وردت اليونان بتعبئة جيشها إلى مستوى غير مسبوق منذ غزو أنقرة لقبرص عام 1974. وبينما اكتفت برلين وواشنطن بالدعوة إلى وقف التصعيد بين هذين العضوين في الناتو، انحازت باريس إلى اليونان، وأرسلت الى الموقع حاملة طائرات هليكوبتر وفرقاطة وطائرتي رافال.
«باستثناء فرنسا، وجدت أثينا أن الدول الأوروبية الأخرى لم تؤيدها صراحة كما هو مأمول”، يلاحظ إيلي بيرو، الباحث في جامعة بروكسل الحرة. لهذا تستحق مكافأة: في هذه العملية، قررت أثينا تحديث جيش أضعف بسبب عقد من التقشف في الميزانية، واشترت 18 طائرة من طراز رافال مقابل 2.5 مليار يورو -وقد زاد هذا الرقم مؤخرًا إلى 24 طائرة.
وفي هذا الصدد، يمكن لماكرون أن يشكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “التقارب بين فرنسا واليونان حفزته مضاعفة النشاط التركي في البحر المتوسط عام 2019”، حسب بيير هاروش، الباحث الأمني الأوروبي في معهد البحوث الاستراتيجية التابع للمدرسة العسكرية. كما ان باريس كانت هدفا أيضًا، في 10 يونيو 2020: تم “استهداف” فرقاطة كوربيه من قبل سفينة حربية تركية لأنها أرادت تفتيش سفينة شحن تنتهك الحظر المفروض على صادرات الأسلحة إلى ليبيا.
لكن “تهديد أردوغان” ليس نقطة التقارب الوحيدة بين ميتسوتاكيس وماكرون. “يشارك رئيس الوزراء اليوناني تمامًا الطموح الفرنسي تحقيق استقلالية استراتيجية قاريّة، كما يقول أحد مستشاريه الأمنيين، النائب تاسوس تشاتزيفاسيليو. والاتفاق هو حجر أول لأوروبا الدفاع، الذي ستقدمه باريس خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي عام 2022. «
ومع ذلك، لم يكن من الممكن توقيعها دون موافقة واشنطن، التي تم إبلاغها سرًا بالصفقة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. لا تنوي أثينا وضع كل بيضها في سلة واحدة، وتفكر في شراء طائرات اف-35 الأمريكية بعد رافال. وتأمل أن تجدد بحلول نهاية العام اتفاقية الدفاع التي تربطها بالولايات المتحدة منذ ثلاثين عاما. “هذا يوفر وجودًا عسكريًا للولايات المتحدة على الأراضي اليونانية، ويعتبر بمثابة تأمين في حال حدوث أزمة كبرى في المنطقة، وخصوصا، التصعيد مع تركيا”، يوضح لوكاس تسوكاليس. فرغم التقارب مع فرنسا، فإن اليونان ليست على وشك الاستغناء عن الأخ الأكبر الامريكي.