الهجوم على مبنى الكابيتول هيل:

هكذا أدى خطاب ترامب الشعبوي إلى تمرد قواته...!

هكذا أدى خطاب ترامب الشعبوي إلى تمرد قواته...!

-- عرف الملياردير كيف يستفيد من الشعور بالإقصاء الاقتصادي أو الاجتماعي، وانعدام الثقة في المؤسسات
-- لا تزال شعبيته بين ناخبيه تقارب 80 بالمائة، وحوالي واحد من كل خمسة جمهوريين يؤيد مثيري الشغب
-- العلاقة العاطفية القوية التي يحافظ عليها ترامب مع أنصاره يتم إخراجها بمهارة
-- كان الهجوم بمثابة تأليه لرئاسة ترامب وتجسيد مثالي لعلامته التجارية: انتهاك الأعراف وتدنيس المؤسسات
-- القوة التي ينتسب إليها ترامب ترسم سردية أسطورية شديدة المحافظة وجنسانية ترضي قاعدته، وخاصة الإنجيليّة
-- شعب ترامب، هو شعب ضحية وسائل الإعلام والأخبار المزيفة ونظام غير عادل


   بطريقة ما، كان الهجوم على الكابيتول هيل بمثابة تأليه لرئاسة ترامب وتجسيد مثالي لعلامته التجارية: انتهاك الأعراف وتدنيس المؤسسات. كما أنه، منطقيًا، تتويج لأربع سنوات من الخطاب الحزبي العنيف. بالطبع، يعتبر دونالد ترامب من أعراض الشعبوية، إن لم يكن أكثر، مثله مثل روس بيرو وبات بوكانان وسارة بالين وحركة حزب الشاي، ولكن، على عكسهم، سيكون قد وصل إلى أعلى مراتب السلطة، وساهم بشكل كبير في انتشارها.    إلى جانب سلطته المؤسسية، يتمتع الرئيس الأمريكي، الممثــــل الوحيــــــد الذي ينتخب من قبل جميع المواطنين، بقـــوة خطابيــة (تسمى أحيانًا “المنبر الهائل”)، وظهــــــور إعـــــــلامي يجعله “القائــــد الأعلى لــــــرواة” الســــردية الوطنية.

ويوضح خطابه في 6 يناير تمامًا ما يمكن وصفه بأنه رواية شعبوية التزم بها غالبية مؤيديه لأكثر من أربع سنوات حتى الآن. ومن الضروري فهم الآلية، والتعرف على خصائصها، من أجل تجنب، هنا أو في أي مكان آخر، كارثة أسوأ.

حشد أصبح
«الشعب» الحصري
   إذا كانت الشعبوية مفهوما سياسيا معقدا ومتنازعا عليه، إلا أنه لا يزال من الممكن تحديدها من خلال خصائص معينة. بالطبع، يتضمن الأمر أولاً تعبيرًا ديماغوجيًا يتقنه دونالد ترامب بامتياز: “أنتم الأقوى، أنتم الأذكى، أنتم أقوى من أي شخص آخر”، أكد لجمهوره في 6 يناير. كما تم تسليط الضوء على حب الوطن وكبرياء الشعب: “الحب العميق والدائم لأمريكا “...”هذا البلد العظيم “الذي” نفتخر به بشدة”... لكن الإطراء الشعبي بحد ذاته لا يعرّف الشعبوية.
   وكما يوضح أستاذ العلوم السياسية يان فيرنر مولر، فإن ما يميز الشعبوية هو، قبل كل شيء، تعريف مقيد للغاية للشعب يستبعد بعض المواطنين. خلال خطاب تنصيبه، قابل الرئيس ترامب “الناس المنسيين” بالنخبة الفاسدة.
  وعندما خاطب أتباعه في 6 يناير، قال لهم: أنتم الشعب الحقيقي، أنتم الشعب الذي بنى هذه الأمة، لستم الشعب الذي دمر أمتنا. «

هوس بحجم الجماهير
  إن “الشعب الأمريكي” الذي يتحدث عنه ترامب هم الذين “لم يعودوا يؤمنون بالأخبار الزائفة الفاسدة”. وإذا كان الشعب عبارة عن بناء خطابي، فهو يتجسد في “الوطنيين الرائعين الموجودين هنا اليوم”، وخاصة، في “حجم الحشد” الذي “يذهب إلى النصب التذكاري في واشنطن”. فبالنسبة للرئيس، هذه القوة هي علامة على الفضيلة الأخلاقية: “كما يظهر هذا الحشد الضخم، لدينا الحقيقة والعدالة إلى جانبنا».
   ومن هنا جاء هوس ترامب برؤية حجم الجماهير. ولهذا السبب، عام 2017، بعد يوم من تنصيبه، اضطر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض إلى استخدام “حقائق بديلة” لمحاولة إقناع وسائل الإعلام.

شعب ضحية
   إن شعب ترامب، هو أيضًا شعب من الضحايا. إنه ضحية وسائل الإعلام والأخبار المزيفة، التي، على سبيل المثال، ترفض تشغيل الكاميرات (مما سيظهر مدى ضخامة هذه الكاميرا) لأنهم لا يريدون “إظهار ما يحدث حقًا”. هؤلاء الناس، هم أيضا ضحايا نظام غير عادل. قُدّمت خسارة الانتخابات على أنها “مزورة”، ووصفت عدة مرات بالخزي والعار، وأسوأ مما يحدث في “دول العالم الثالث».
   كما يربط ترامب بين البلد “الذي لم يعد يتحمّل”، و”نحن” الذين “لن نقبل بذلك بعد الآن”. لأنه، مع ترامب، يتم تعريف الشعب من خلال التعلق بشخصية الضحية، ومن ثم استخدام ضمير الفاعل “نحن”: “إنه أمر لا يصدق، هذا الذي نخضع له!”، صرخ مرة أخرى.
   دور الضحية هذا، الذي يؤكد براءة الشعب ونقائه، هو عنصر أساسي في الخطاب الشعبوي: فهو يبني تحيزًا معرفيًا ييسّر قبول أكاذيب دونالد ترامب العديدة، ويجعل من المبرّر أخلاقياً القيام بأي عمل مستقبلا، حتى لو كان غير قانوني. “عندما تقبضون على شخص متلبسًا بفعل احتيال”، يؤكد الرئيس، “يُسمح لكم باتباع قواعد مختلفة تمامًا”. وهكذا يعطي صكّا على بياض للإجراءات غير القانونية التي ستحدث لاحقا.

عدو داخلي
   يتضح خطاب الضحية هذا أيضًا من خلال بناء شخصية العدو الذي، على عكس كل من سبقوه، لم يعد اجنبيا وانما مجموعة من الأمريكيين الآخرين.
   في خطاب 6 يناير، يتشكّل هذا العدو أولاً من وسائل الإعلام التي “تقمع الكلمة” و”الفكر” نفسه، والتي توصف بأنها “عدوة الشعب”. ويؤكد دونالد ترامب أنها “أكبر مشكلة لدينا في هذا البلد».
  إن عبارة “عدو الشعب” ليست جديدة: تعود أصولها إلى الجمهورية الرومانية، واستخدمت خلال الثورة الفرنسية. لكن هناك مفارقة ما في استخدام ترامب لمصطلح ساهم في شيوعه ورواجه، بشكل خاص، الاتحاد السوفياتي. وهو يؤكد أن الوضع في الولايات المتحدة يمكن مقارنته بـ “ما يحدث في دولة شيوعية».
  وهذه النظرة إلى “الصحافة المعادية”، تعكس وجهة نظر ريتشارد نيكسون، كما يشير مقال حديث بقلم رونيل أندرسن جونز وليزا جرو صن، غير ان ترامب أكثر حدة في هجماته العلنية.    ومع ذلك، لا يقتصر الأعداء الذين تحدث عنهم بإسهاب في خطابه، على الصحافة: فهو يهاجم عمالقة الويب (“التكنولوجيا الكبرى”) الذين “زوروا الانتخابات”، والديمقراطيين، وهذا “اليسار الراديكالي” الذي “سيدمر بلادنا”، ومن الجمهوريين، مثل ميتش مكونيل أو بيل بار، الذين خانوه، أو حتى المحكمة العليا التي “تؤذي بلادنا».

رهان وجودي
   في قلب الخطاب الشعبوي، تكمن ديمومة الأزمة. ان تعداد العديد من الأعداء يقود إلى منطق متحجر: “بلادنا محاصرة”. ويصبح القاموس الحربي أكثر فاعلية حيث يتم تعزيز الشحنة العاطفية من خلال استحضار الضحايا الأبرياء: “إنهم يريدون أيضًا أدلجة أطفالكم في المدرسة من خلال تعليمهم أشياء خاطئة.
إنهم يريدون أدلجة أطفالكم. وكل هذا جزء من الهجوم العالمي على ديمقراطيتنا ويجب أن يقف الشعب الأمريكي في النهاية ويقول ‘لا»!>.     هذا التهديد بأدلجة عقول الأطفال، يؤكد صحة السياسة المؤيدة للمدارس للخاصة التي وضعتها وزيرة التعليم في إدارة ترامب، بيتسي ديفوس. وقد يكون أيضًا صدى لأطروحات كيو انون التآمرية التي تصور دونالد ترامب على أنه بطل معركة ضد “الدولة العميقة” وعصابة من السياسيين الديمقراطيين والمشاهير الذين يسيئون للأطفال.    لكن بشكل عام، الرهان هو وجود الأمة ذاته: “إذا لم تقاتلوا مثل الشياطين”، يحذر الرئيس، “لن يكون لديكم بلد بعد الآن».

العمل البطولي: القوة
 الفاضلة مقابل الضعف المخزي
    وعلى عكس أسلافه الذين سردوا أسطورة البطل الأمريكي الذي تحدّ قوته الفضيلة وتقيّدها، يقدم دونالد ترامب سردية حيث القوة فقط هي التي تهم، وحيث تصبح في حد ذاتها فضيلة، ويصبح الشعب بطوليّا بإظهار قوته: “عليكم أن تظهروا القوة، ويجب أن تكونوا اقوياء”، يكرر. ويوصف المسؤولون المنتخبون الذين وعدوا بمعارضة التصديق على التصويت بأنهم “محاربون».
   «قبول خدع وأكاذيب “...” الأسابيع القليلة الماضية”، هو في الحقيقة قبول “التخويف”، وبالتالي الضعف. وبعد تكرار هذا التعبير عدة مرات، أعلن أنه يخطط لاستخدام مصطلح “الجمهوريون الضعفاء” من الآن فصاعدًا.
   هذه القوة التي يدعي ترامب أنه ينتسب اليها، ترسم سردية أسطورية شديدة المحافظة وجنسانية تُرضي قاعدته، وخاصة، الإنجيليّة: قوة الذكور مقابل ضعف الإناث، وهي تجد تجسّدها الاقصى في المنظمة الفاشية الجديدة “برود بويز».
   في نهاية خطابه، عندما شجع أنصاره على الذهاب إلى الكابيتول هيل، قال بوضوح شديد أنه علينا “مساعدة جمهوريينا -الضعفاء، لأن الاقوياء لا يحتاجون إلى مساعدتنا -سنحاول منحهم هذا النوع من الكبرياء والجرأة التي يحتاجون إليها لاستعادة بلدنا».

الحفاظ على عبادة الزعيم من خلال العاطفة
   إن العلاقة العاطفية القوية التي يحافظ عليها دونالد ترامب مع أنصاره يتم إخراجها بمهارة “سنذهب وسأكون معكم”، وكأنهم سيطمئنون من خلال حضور لن يحتاج حتى إلى أن يُجسّم. في خطابه، شكرهم على “حبهم الاستثنائي”، وفي المقابل هتف الحشد عدة مرات “نحن نحب ترامب».    وللحفاظ على هذه الرابطة، قال لهم، لاحقًا، في الفيديو الذي يطلب فيه من مؤيديه العودة إلى ديارهم، “أنا أعرف ألمكم... أعلم أنكم تتألمون”. ثم، باستخدام كلمة “نحن” الملكية للغاية، قال لهم مرة أخرى: “نحن نحبكم... أنتم مميّزون جدًا.»

ماذا تبقّى:
ديمقراطية ضعيفة؟
    بعيدًا عن الأسباب الأيديولوجية أو الاقتصادية، عرف دونالد ترامب كيف يستفيد من الاستياء والشعور بالإقصاء الاقتصادي أو الاجتماعي، والتجريد من الثقافة والهوية، وانعدام الثقة في المؤسسات الذي يشعر به بعض الأمريكيين، ليقدم لهم سردية تجعلهم يعيدون اكتشاف الشعور بالقوة.
   وهذا ما يفسر، في جانب، انه رغم ما حدث في الكابيتول هيل، لا تزال نسبة شعبيته 40 بالمائة. ورغم انخفاض شعبيته بين ناخبيه، إلا أنها لا تزال تقارب 80 بالمائة، بينما يؤيد حوالي واحد من كل خمسة جمهوريين (22 بالمائة وفقًا لرويترز-إيبسوس، أي ما يقرب من 15 مليون أمريكي) مثيري الشغب. وخصوصا، لا تزال أغلبية قوية منهم تصدّق ما قاله الرئيس منذ شهور: أن الانتخابات تم تزويرها، وبالتالي، فإن جو بايدن غير شرعي.
   بين بدء إجراءات الإقالة التي تستهدف دونالد ترامب، والتهديد بمزيد من الهجمات من جانب مؤيديه ضد المؤسسات الأمريكية، في واشنطن وفي العديد من الولايات، قد تكون الأيام المقبلة حاسمة بالنسبة للديمقراطية الأمريكية.



 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot