هكذا تعيد قوى الطبيعة تشكيل الشرق الأوسط الجديد

هكذا تعيد قوى الطبيعة تشكيل الشرق الأوسط الجديد

قال توماس فريدمان إن العالم بصدد الانتقال من شرق أوسط شكلته القوى العظمى، إلى شرق أوسط تشكله قوى الطبيعة، وهو ما سيضطر الزعماء إلى زيادة التركيز على بناء المرونة البيئية لاكتساب الشرعية، بدل اكتسابها بمقاومة الأعداء القريبين والبعيدين. وكتب فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز” أن هذه النقلة النوعية من المقاومة إلى المرونة، لا تزال في بدايتها، حيث بدأت المنطقة تصبح أشد حرارة، وأكثر اكتظاظاً بالسكان، ومتعطشة للمياه لدرجة تمنعها من الحفاظ على جودة الحياة.
وعن دور الطبيعة في تشكيل المنطقة، قال فريدمان: “في الشرق الأوسط، لن يُحكم على القادة من خلال مقاومتهم لبعضهم أو مواجهتهم القوى العظمى، بل من خلال المرونة التي يبنونها لشعوبهم ودولهم في زمنٍ يتخلص فيه العالم تدريجياً من الوقود الأحفوري، وفي زمنٍ يتضخم فيه عدد سكان الدول العربية الإسلامية تحت سن الثلاثين، وفي زمنٍ يتفاقم فيه تغير المناخ».

أفغانستان: أسوأ جفاف
وأصدرت الأمم المتحدة أخيراً تقريراً قال إن أفغانستان تعرضت لأسوأ موجة جفاف منذ أكثر من 30 عاماً، فدمرت المزارع، ورفعت أسعار الموارد الغذائية، ووضعت نحو 18.8 مليون أفغاني، أي ما يقرب من نصف السكان، في مواجهة انعدام الأمن الغذائي. ويقول فريدمان: “الدور عليكم يا طالبان، أنتم الذين أفسدتم الأمر، وعليكم إصلاحه». وإلى جانب الضغوط الناجمة عن جائحة كورونا، شهدت إيران في الصيف الماضي شغباً قاتلاً بسبب المياه في جنوب غرب البلاد الذي تعرض للجفاف، ومن المتوقع أن يصبح مناخها أكثر حرارة وجفافاً.
أما مصر، فتحاول مواجهة ارتفاع مستوى مياه البحر المتوسط، الذي يدفع مياه البحر المالحة إلى أنظمة الري في دلتا النيل. كما يخشى أن تدخل مصر وإثيوبيا في حرب، بسبب السد الذي أقامته إثيوبيا عند منبع النيل، وحبس المياه عن مصر.

إسرائيل والأردن
ووقعت إسرائيل للتو اتفاقية لمضاعفة كمية المياه العذبة التي تمد بها الأردن، إحدى أكثر دول العالم جفافاً. وتسبب رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو في عاصفة بعد زعمه غير المستند إلى الحقائق أن خليفته، نفتالي بينيت، تعرض للخداع “ففي حين يعطي الماء للملك عبد الله، لمن يُعطي عبد الله النفط في الأثناء؟ إنه يعطيه لإيران!».
وقال فريدمان: “هذه المرة الأولى التي أرى فيها نتانياهو يندد بأحد منافسيه ليس لأنه يعطي الكثير من الأرض، بل الكثير من الماء. يا لها من علامة على الزمن الذي نعيشه».
وأضاف “ربما يأتي يوم، وقد يكون قريباً جداً، تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى العودة إلى دبلوماسيتها النشطة في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، ليس على أساس الأرض مقابل السلام، بل على أساس أشعة الشمس والمياه، مقابل السلام».
وطرحت منظمة “إيكو بيس الشرق الأوسط”، التحالف الذي يضم خبراء بيئيين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين، أخيراً استراتيجية “الصفقة الخضراء الزرقاء».

دبلوماسية البيئة
وحسب مدير المنظمة، جدعون برومبرغ، فإنه في وجود مناطق صحراوية شاسعة في الأردن، تتمتع البلاد بميزة نسبية تمكّنها من إنتاج كميات كبيرة من الكهرباء الرخيصة، عن طريق الطاقة الشمسية بما يلبي حاجة المملكة، ولبيعها للشبكات الإسرائيلية والفلسطينية “لتوليد الكهرباء لمحطات تحلية المياه التي يمكن أن توفر للأطراف الثلاثة كميات وفيرة من المياه العذبة».
هذا النوع من الدبلوماسية القائمة على النظام البيئي، يمكن أن يوفر طريقة مستدامة لتعيد الولايات المتحدة الانخراط في الطبيعة الأم في الشرق الأوسط، إذ يوجد ارتباط بيئي بين جميع الأطراف هناك، لكن العلاقات التكافلية فيما بينها ضارّة بدل أن تكون صحية.
ويمكن أن تصبح أمريكا الوسيط الموثوق، الذي يصوغ علاقات تكافلية سليمة، ليس باعتبارها بديلاً عن “الأرض مقابل السلام” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن باعتبارها مقدمة ضرورية لبناء الثقة.