أرمينيا / أذربيجان

هكذا همّشت روسيا دور فرنسا وأمريكا في القوقاز

هكذا همّشت روسيا دور فرنسا وأمريكا في القوقاز

‏   كشف الصراع في ناغورنو كاراباخ عن غياب النفوذ الأمريكي والفرنسي في المنطقة. هل ‏يمكن للقادة الأوروبيين والرئيس الأمريكي الحد من سيطرة روسيا بتكثيف المفاوضات ‏الدبلوماسية؟
‏    سيريل بريت الأستاذ‎ ‎المحاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وأستاذ للعلوم ‏السياسية السابق في جامعة موسكو، يسلط الضوء في أتلانتيكو عن زوايا هذا الملف:‏
‏   *كشف الصراع في ناغورنو كاراباخ الذي اندلع العام الماضي عن ‏غياب نفوذ البيت الأبيض والإليزيه الكامل في المنطقة. لقد تردّدا في ‏الانخراط في عملية الوساطة، وتركا الأمر لروسيا لتكون قوّة السلام. ‏كيف سمحت أوروبا والولايات المتحدة للمنطقة بالانزلاق إلى قبضة ‏روسيا؟
‏     سيريل بريت: لدى الأوروبيين والأمريكيين أسباب قوية لتحمّل مسؤوليات كبيرة في ‏منطقة جنوب القوقاز. ففي هذه المنطقة المكونة من الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ‏السابقة (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان)، سبق أن طوّروا استثماراتهم الاقتصادية والعسكرية ‏والسياسية والمالية منذ نهاية الاتحاد السوفياتي واستقلال هذه الدول.‏
‏    على الصعيد العسكري والسياسي، تولى الأمريكيون والفرنسيون رئاسة مجموعة ‏مينسك التي تشكلت لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان في 1991-1992. بالإضافة إلى أن ‏العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي طرف في هذه المجموعة، مثل السويد ‏وإيطاليا وهولندا والبرتغال. وقد كان على الغرب أن يشارك بشكل أكبر في وقف إطلاق النار ‏وإجراءات إعادة تأمين الصراع العام الماضي.‏
‏   وعلى المستوى الإداري والقانوني، أطلق الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عقد، برامج ‏تعاون ومنح لهذه الدول كجزء من سياسة الجوار. وأخيرًا، تطالب جورجيا، وبدرجة أقل، ‏الدولتان الأخريان في المنطقة، ترسيخهما في الفضاء الثقافي الأوروبي والغربي، ولا سيما ‏من أجل تصفية الماضي الإمبريالي الروسي في المنطقة‎.‎
‏   ومع ذلك، بعد الاستثمار في المنطقة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انتفى ‏اهتمام الأمريكيين بالمنطقة، وقصّروا عملهم على إثارة رغبة حلف الناتو في جورجيا دون ‏أن يتمكنوا من تكريسه‎.‎
‏   هذه هي الطريقة التي استأنفت بها روسيا –في حدود -دورها في المنطقة: فهي إلى جانب ‏تركيا مسؤولة عن ضمان وقف إطلاق النار وإجراءات إعادة تأمين منطقة ناغورنو كاراباخ ‏المتنازع عليها.‏
‏   سرعان ما تم ملء الفراغ النسبي الذي تركه الغرب، وأكدت موسكو ذاتها على أنها ‏الوحيدة القادرة على إرسال وحدات عسكرية لضمان وقف إطلاق النار. ان العلاقات التقليدية ‏التي أقيمت مع النخب الأرمنية والأذربيجانية قوية: فهم يتحدثون الروسية دائمًا، ويتشكلون ‏أحيانًا في موسكو في مؤسسات مدنية أو عسكرية‎.‎
‏   ورغم النشاط الملحوظ للشبكة الدبلوماسية الفرنسية، فقد أضاع الأوروبيون فرصة ‏لتعزيز السلام في حديقتهم الخلفية‎.‎
‏   *هل هناك رغبة من جانب الكرملين في إعـــــــادة تأكيد هيمنته على ‏منطقة يعتبرها إحدى مناطق نفوذه؟
وكيف يتجلى هذا؟
‏   سيريل بريت: أعاد الاتحاد الروسي تأكيد دوره في المنطقة منذ عقد (الحرب ضد ‏جورجيا عام 2008) لأسباب عديدة، بعضها في غاية القوّة‎.‎
‏   أولاً، القوقاز ككل ذا مصلحة أمنية مباشرة لروسيا. على الجانب الشمالي، “رعايا” ‏الاتحاد الروسي (أراضيها الفدرالية)، داغستان، الشيشان، إلخ. وتتم مراقبتها عن كثب ‏بسبب وجود الحركات الانفصالية والمتطرفة.‏
‏    ثانيًا، ترى روسيا أن دورها في القوقاز متنازع عليه ليس فقط من قبل الغرب ولكن، ‏خصوصا وبشكل أعمق، من قبل القوى المتوسعة تركيا وإيران والصين.‏
‏   لقد دعمت تركيا أذربيجان بعدة طرق في صراعها مع أرمينيا، كما أن إيران المجاورة لها ‏دور كبير في شؤون بحر قزوين، أما بالنسبة للصين، فهي تعبّد طرق الحرير عبر القوقاز، ‏وأقامت شراكات اقتصادية كبيرة في أذربيجان وجورجيا‎.‎
‏   بعبارة أخرى، كان رد فعل موسكو العام الماضي أكثر تركيزًا على التأثيرات التركية ‏والإيرانية والصينية منه على الوجود الغربي المتراجع‎.‎
‏    وجود عسكري، واستثمارات اقتصادية، وتطوير الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ترى ‏روسيا نفسها مضطرة إلى استعادة هذه المنطقة الضرورية لنفوذها في الشرق الأوسط‎.‎
‏   *هل ما زال ممكنا أن يمنع الغرب سقوط المنطقة تحت المظلة ‏الروسية بتصعيد لعبته الدبلوماسية؟
‏   سيريل بريت: لقد فات الوقت الآن، خاصة على المستوى العسكري. إن اهتمام ‏الفاعلين في المنطقة بالوجود العسكري الغربي يزداد انحسارا وتقلّصا. فقد أدركت جورجيا، ‏المرشحة الوحيدة لعضوية الناتو، أن هذا الاحتمال لن يكون سوى مصدر إحباط. أما بالنسبة ‏للاستثمارات الاقتصادية، فهي لا تزال محدودة في الجانب الأوروبي لأن الانقطاع الإقليمي ‏مع الاتحاد وصغر حجم الأسواق المحلية لا يشجع. ومع ذلك، فإن الاتحاد لديه الوسائل ‏لإعادة بناء نفوذه القانوني والإداري وبالتالي السياسي على المدى الطويل مع سياسة ‏الجوار‎.‎
‏   يعتبر في كثير من الأحيان بقعة عمياء في الجغرافيا السياسية الأوروبية، سيسمح القوقاز ‏للأوروبيين بتأكيد أنفسهم في هذه المنطقة على مفترق طرق جميع الصفائح التكتونية ‏للجغرافيا السياسية الأوروبية الآسيوية.‏
عن أتلانتيكو