المسيرة الطويلة نحو السلطة المطلقة في الصين

هكذا يكرّس شي جين بينغ نفسه على أنه ماو الجديد...!

هكذا يكرّس شي جين بينغ نفسه على أنه ماو الجديد...!

     يجرّ متره وثمانين بثقة، يتكلم بصوت هادئ ذكوري. كان شي جين بينغ دافئًا ومبهجًا في بداية ولايته، حتى أنه أطلق عليه المدونون لقب “ويني ذا بوه” قبل أن يتم حظر هذا المصطلح من الشبكات الاجتماعية الصينية، وكأنه جريمة المسّ من مقام الرئيس.    خلف أسطورة مبنية بذكاء لرئيس حديث، مشجع لكرة السلة وكرة القدم، قادر حتى على نزع سترته أو الدردشة المفتوحة مع طلاب أمريكيين، كما فعل في رحلته إلى الولايات المتحدة ربيع عام 2012، يتخفّى حيوانًا سياسيًا جديراً بأن يكون الوريث الشرعي للأرستقراطية الشيوعية.
   «شي جين بينغ ليس ثوريًا، يشرح جون راسل، مدير مكتب استخبارات اقتصادية في بكين، إنه رجل التوافق بين الفصائل السياسية المختلفة التي تتقاتل من أجل السلطة. لقد وصل إلى هذا المنصب من خلال اتباع القواعد بحكمة، وإقامة تحالفات استراتيجية مع الفصائل المختلفة، إنه ثمرة نظام «.    يبلغ من العمر 68 عامًا، ولد شي عام 1953 في مقاطعة شنشي. درس الهندسة الكيميائية في جامعة تسينغهوا في بكين. رسميًا، حصل لاحقًا على درجة الدكتوراة في “النظرية الماركسية” من نفس المؤسسة المرموقة.
هذا بالنسبة للسيرة الذاتية الرسمية. وقع شي جين بينغ بشكل خاص في قدر السياسة في سن مبكرة، ويجسد “الأمراء الحمر” أبناء أبطال الثورة الشيوعية.
    في خضم الثورة الثقافية، نجا من “الأشغال الشاقة” من خلال توليه رئاسة لواء ليانغ جياه، في مقاطعة شنشي مسقط رأسه، مهد الشيوعية الصينية. ومع ذلك، فهو يزعم أنه عمل كادحا مثل ملايين الصينيين. وتحدثنا الدعاية الرسمية عن رجل قادر على “حمل أكياس قمح تزن أكثر من 50 كيلوغراماً على كيلومترات من الممرات الجبلية دون تعب”. وفي كل الأحوال، احتفظ بذكرى سيئة من الثورة الثقافية، ومن ثمّ نوع من متلازمة استوكهولم التي ستدفع الشاب شي جين بينغ ليسير على خطى ماو.

أروع سياسي صيني
   الخفايا النادرة لشخصية رجل الصين الأول، ندين بها للدبلوماسيين الأمريكيين. ففي برقية مؤرخة في نوفمبر 2009 وكشفت عنها ويكيليكس، وصف المصدر “الذي كان يعرف شي جين بينغ جيدًا” رجلاً “طموحًا وواثقًا ومركّزًا بشكل استثنائي “...”. لقد ظل يرصد المنصب الأعلى لسنوات عديدة “...”على عكس العديد من الشباب الذين تداركوا الوقت الضائع باللهو بعد الثورة الثقافية، اختار شي البقاء على قيد الحياة في الحمام السياسي العميق وبالتحول إلى أحمر أكثر من الأحمر ذاته».
   في مشهد سياسي مليء بالفروق الدقيقة، يظهر شي جين بينغ كرجل جديد نسبيًا. بالتأكيد، أنه لا يغرد مثل ترامب أو يرقص الفالس مثل الرئيس السابق جيانغ زيمين مع برناديت شيراك عام 1999. في المقابل، يبدو أنه أكثر السياسيين الصينيين روحا مرحة ومرونة، بعد أن تزوج خاصة في زواج ثانٍ مطربة شهيرة، بنغ ليوان، وبالمناسبة هي أيضًا جنرال في الجيش الشعبي.
    تصف البرقيات الأمريكية أيضًا رجلاً براغماتيًا للغاية، مدفوعًا بمزيج من الطموح وإرادة البقاء. إنه يعتقد أن الحزب الشيوعي هو مفتاح الاستقرار الاجتماعي في الصين. ومنذ الأشهر الأولى من ولايته، نسج شي شبكة سياسة طموحة حول موضوع، “الحلم الصيني”، والذي يهدف إلى جعل الصين أول قوة عالمية بحلول عام 2049، وهو تاريخ الذكرى المئوية للجمهورية الشعبية.
    «سنواصل الكفاح من أجل قضية الاشتراكية بألوان الصين، وتحقيق حلم النهضة العظيمة للأمة الصينية”، وعد النواب في اجتماع للبرلمان عام 2013. “من الصعب تحديد حقيقة الحلم الصيني، يشرح أستاذ العلوم السياسية لانكسين شيانغ، أرى ثلاثة نسخ: أولاً استعادة المجد الماضي للصين والدولة، ثم ذكرى الحلم الذي اخترق القرون بصين حديثة وغنية وقوية، رغبة سكنت جميع الأباطرة. واخيرا، أن نجعل الصينيين فخورين وسعداء من أجل الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي... إنه حلم العودة إلى العصر الذهبي ... سواء كان حقيقيًا أم أسطوريًا.

دليل جديد، تطبيق
 مخصص للرئيس
   وتعزيزاً للسيطرة على المجتمع، يقدم الرئيس نفسه على أنه “أب الأمة”. قبضة شي جين بينغ الخانقة على الحزب الشيوعي، يجب أن تضمن له فترة ثالثة كرئيس للبلاد.
   إنه الخط السويّ قبل “إعادة انتخاب” شي جين بينغ. الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي التي بدأت أمس الأول الاثنين، هي آخر تجمّع للقادة الصينيين قبل المؤتمر العشرين المقرر عقده هذا الخريف. وخلال الجلسة الكاملة، سيتعلق الأمر خاصة بمسألة تكوين المكتب السياسي المقبل، وهو أعلى هيئة مسؤولة عن تعيين الرئيس المستقبلي.
    في السلطة منذ عشر سنوات، يفترض أن يتنحى شي جين بينغ العام المقبل، لكنه غيّر الدستور لإلغاء حد الفترتين. وسيفعل رئيس الدولة كل شيء للحصول على فترة ولاية ثالثة على رأس إمبراطورية الوسط... لم يحدث هذا منذ ماو.
   متحصنًا خلف الجدران الحمراء في تشونغنانهاي، مقر إقامة القادة الصينيين بالقرب من المدينة المحرمة، يستعد شي جين بينغ لإعادة انتخابه من خلال تكثيف نشر أفكاره أكثر من المعتاد بين الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و77 عامًا. “كل ما سيفعله من الآن فصاعدًا سيتم مع وضع مؤتمر الحزب في الاعتبار العام المقبل، يوضح ريتشارد ماكجريجور، مراسل فايننشال تايمز السابق في بكين والباحث في معهد لوي في سيدني، المسألة ليست غزو تايوان أو مواجهة الولايات المتحدة في حد ذاتها، ولكن العمل مع دافع خفي وحيد ولايته الثالثة. ومثل أي موعد مهم، فإن من عادات الحزب الشيوعي “غسل الأرواح».
   شهدت بداية العام الدراسي هذا العام وصول كتاب مدرسي جديد في الحقائب المدرسية: “فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية من أجل عصر جديد”. عنوان فضفاض لنصوص موجهة للأطفال من سن 6 سنوات، تمجد مزايا وفضائل “الجد شي”، مجسّمة برسومات بسيطة وهو وسط الأطفال أو الفقراء أو الفلاحين في الريف النائي في الصين.
   إنها المرة الأولى منذ ماو تسي تونغ التي يدخل فيها الفكر الرئاسي المدارس. كما يتضمن البرنامج الجديد شعارات عزيزة على النظام مثل “لا صين جديدة بدون الحزب الشيوعي”، أو “حماية الأمن القومي واجب على كل مواطن».
    وللسيطرة بشكل أفضل على الشباب، حظرت السلطات الدروس الخصوصية، وقيّدت الواجبات المنزلية. يحظر أيضًا ألعاب الفيديو وتصنيف المشاهير على الإنترنت وفقًا لشعبيتهم. ممنوعون، الرجال المخنثون جدًا، ونجوم البوب الذكور الذين يضعون المكياج وشعرهم مصبوغ، لان كل هذا لا يتوافق مع المثل العليا الذكورية للنظام. لقد أصبحت الأوشام، وبرامج تلفزيون الواقع، وحتى الأغاني التي يمكن ترديدها في الكاريوكي، تحت الرقابة الآن.
   و”يعتقد شي جين بينغ أن النجوم الكبار يمكن أن يضروا بطريقة ما بولاء المعجبين الشباب، للدولة وللحزب ولشخصه، يعلق ويلي لام، الأستاذ في جامعة هونغ كونغ الصينية، إنه يتبع خطًا محافظًا للغاية ويرى الثقافة الشعبية على أنها علامة على تسلل الولايات المتحدة. ويريد القضاء على هذه المفاهيم الغربية لعبادة نجوم السينما في الصين، والعودة إلى ما يسمّى بالاشتراكية الأصلية «.

تمجيد الفكر الرئاسي في تطبيق ودروس جامعية
   تتناقض هذه التغييرات مع عقود من الليبرالية، عندما احتضنت الصين في الثمانينات الرأسمالية والنزعة الاستهلاكية والإنترنت. انه “تراجع سياسي كبير، يشرح جان بيير كابيستان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المعمدانية في هونغ كونغ، أنه يتم تقديم شي على أنه الأب لجميع الصينيين، وإعادة تأسيس علاقة ماويّة، وحتى إمبراطورية، بالسلطة والسياسة”. ويضيف: “إننا نشهد اليوم عودة إلى نوع من الطهورية الثورية التي تبدو من عصر آخر، ولكن هدفها أيضًا إعداد شي جين بينغ للمؤتمر المقبل».
   لقد أصبح الفكر الرئاسي، المنصوص عليه الآن في الدستور، موضوعًا في حد ذاته في أكبر الجامعات في البلاد. تطبيق الهاتف المحمول (“دراسة أمة قوية”) يعلّم فكر شي جين بينغ في إصدار 2.0. وحسب وكالة شينخوا الرسمية، التطبيق هو أيضًا الأكثر تنزيلًا في الصين، متقدمًا على دوين، النسخة المحلية من تيك توك.
    وفي إطار إنشاء “الائتمان الاجتماعي”، نظام تصنيف المواطنين الصينيين، يُقال إن الاطلاع المنتظم على الأفكار الرئاسية يسمح بزيادة نقاطه. وبالتالي الحصول على مزايا معينة مثل أسعار تفاضلية على وسائل النقل العام أو سهولة الوصول إلى الاقتراض المصرفي.
   إن “الشاغل الرئيسي لشي جين بينغ هو التأكد من أنه سيبقى في قلب الحزب الشيوعي الصيني، وأنه سيكون الثاني في هيكل آلهة الحزب، بعد ماو مباشرة، يتابع ويلي لام، طموحه الشخصي المفرط، وتكريسه لعبادة الشخصية، ومزايداته، أكسبته العديد من الأعداء بين كبار المسؤولين والكوادر”. لكن في الوقت الحالي، لا يبدو أن أحدًا قادرًا على حجبه ومنعه من أن يكون السيّد الوحيد للإمبراطورية.

عن لو جورنال دي ديمانش