رئيس الدولة والرئيس القبرصي يؤكدان أهمية العمل على ترسيخ أسباب السلام والاستقرار الإقليميين
على مفترق عوالم متعدّدة:
هل إن مستقبل حرب أوكرانيا في مولدوفا...؟
-- بعد ثلاثين عامًا من وقف إطلاق النار، لم تجد مولدوفا حلاً سياسيًا للصراع الترانسدنيستري، لكنها تجنبت حربًا مباشرة مع روسيا، على عكس جورجيا وأوكرانيا
-- الحرب الحالية تجعل مولدوفا أقرب إلى الأخبار الدوليــة، وتكشــف العديـد من خصائص البـلد
-- لا تزال الثقافة السياسية في مولدوفا متشبعة بعمق بهذا التراث التاريخي بين رومانيا وروسيا
-- اهتمت الرئيسة الجديدة في حملتها بإظهار رغبتها في إصلاح يقود إلى الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي دون أن تنتقد روسيا
-- إذا كان الحياد يفرض في كثير من الأحيان من خلال وضع جيوسياسي معين، فغالبًا ما ينتهي إلى أن يكون جزءًا من ممارسة وثقافة سياسية
في مقال له، دعا ميشيل غويا إلى إيلاء اهتمام خاص لواحدة من البلدان المجاورة لأوكرانيا: “مولدوفا –هي نفسها في صراع مع روسيا حول مسألة ترانسنيستريا -وهي منطقة خلفية محتملة لحرب عصابات. إنها بصدد التحوّل إلى منطقة رئيسية وستصبح قريبًا محور اهتمام روسي».
عام 2019، وصفنا، مع السناتورة جوزيت دوريو، مولدوفا بأنها “على مفترق طرق عوالم”. ولئن ليس مؤكدا أن هذه المنطقة ستصبح قاعدة خلفية للمقاتلين، فإن الحرب الحالية في الواقع تجعل مولدوفا أقرب إلى الأخبار الدولية، وتكشف العديد من خصائص البلد. وهذه مرتبطة بوجود صراع انفصالي لم يتم حله -ترانسنيستريا -، وبالتوجه الأوروبي لمولدوفا -مع نفوذ روسي حقيقي للغاية -وبوضعها كدولة محايدة منصوص عليه في الدستور، وبردود أفعالها على الحرب.
ما هي ترانسنيستريا، إقليم مولدوفا الانفصالي؟
دولة بحجم بلجيكا، يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين، مولدوفا، جمهورية سابقة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي، تقع بين أوكرانيا ورومانيا.
عند سقوط الاتحاد السوفياتي، شهدت انفصال جزء من أراضيها، ترانسنيستريا، الواقعة على الضفة اليسرى لنهر دنيستر. أدى الصراع بين القوات المولدوفية والجيش الروسي الرابع عشر، بين مارس 1992 ووقف إطلاق النار في يوليو 1992، إلى مقتل حوالي 3500 شخص.
ونتيجة لهذا الصراع، طورت جمهورية دنيستر المولدوفية هياكل شبه دولة، يبلغ عدد سكانها -نصف مليون نسمة -، ومنطقة -حوالي 4000 كيلومتر مربع -وإدارة -رئاسة، وبرلمان، وعملة ... ومع ذلك، فهي غير معترف بها من قبل أي دولة، بما في ذلك روسيا. تقع في المناطق النائية لميناء أوديسا الأوكراني -على بعد أقل من 100 كيلومتر -تمكنت من التطور بفضل “رأسمالية التهريب”، مستفيدة من وضعها كمنطقة خارجة عن القانون لتصدير مختلف المنتجات والسلع. منذ عام 1992، تعثّرت صيغة التفاوض بشأن الصراع في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تشمل روسيا وأوكرانيا ومولدوفا وترانسنيستريا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبالمثل، فإن الوضع مستقر عسكريا للغاية: لا يزال لروسيا الجيش الرابع عشر هناك، بألف رجل، ومستودعات ذخيرة. وترفض موسكو أي شكل من أشكال التنازل فيما يتعلق بوجودها العسكري، حتى لو لم تكن معادية لإيجاد حل للصراع -لكن وفقًا لشروطها الخاصة، تاركة تأثيرًا كبيرًا لترانسنيستريا، التي تسيطر عليها.
في الواقع، منذ كيشيناو، كان الصراع في ترانسنيستريا لفترة طويلة رهانا يعتبر ثانويا على المستوى الانتخابي، حيث يواجه السكان بشكل يومي الفساد والفقر، في حين أن احتمالات استعادة السيطرة على ترانسنيستريا بالقوة صفر.
وكعلامة على شكل من أشكال القبول بالوضع من الجانبين: نادي شريف تيراسبول، المعروف لعشاق كرة القدم منذ الخريف الحالي بتغلبه على ريال مدريد على أرضه -في 28 سبتمبر 2021 -يلعب في… بطولة مولدوفا! ويعد ملعب تيراسبول أيضًا الأكثر إثارة للإعجاب في مولدوفا، وهو واجهة لكل من ترانسنيستريا ومجموعة شريف، وهي شركة احتكارية تمتلك قنوات التوزيع الرئيسية للكيان الانفصالي. على النقيض من ذلك، يلعب نادي شاختار دونيتسك للملياردير الأوكراني رينات أحمدوف في البطولة الأوكرانية، لكن بعد حرب 2014، يلعب في لفيف وخاركيف وكييف، دون أن يتمكن من اللعب مرة أخرى في مدينته.
شيء واحد مؤكد: يولي قادة ترانسدنيستريا اهتمامًا وثيقًا لهذه الحرب، ويدفعون مرة أخرى روسيا للاعتراف باستقلالهم، كما طالبوا عام 2014 دون نجاح حتى الآن. ومع ذلك، يبقى أن نرى ماذا سيحدث في حال سيطرت القوات الروسية على أوديسا ووجدت نفسها على حدود أوكرانيا وترانسنيستريا. في الوقت الحالي لم تصل الجبهة إلى هذه المنطقة.
دولة متجهة نحو أوروبا
مولدوفا، بحدودها الحالية، موجودة منذ عام 1991، عام الاستقلال. تأرجح تاريخها بين قوى مختلفة: أصبحت إمارة مولدوفا، المولودة عام 1359، تابعة للإمبراطورية العثمانية عام 1538. وفي عام 1812 غزت الإمبراطورية الروسية جزءً من إمارة مولدوفا: أجبر غزو نابليون روسيا على الاكتفاء بانتزاع الجزء الشرقي من إمارة مولدوفا، والتي أعادت تسميتها باسم بيسارابيا. ثم تم دمجها في الإمبراطورية الروسية طيلة قرن. الوقت الكافي، على وجه الخصوص، لبدء ألكسندر بوشكين في كتابة تحفته الفنية يوجين أونجين، ولكي يمر السكان اليهود بأوقات عصيبة هناك -مذابح كيشيناو عامي 1903 و1905، كما يشهد روبرت بادينتر في كتابه إدس.
في نهاية الحرب العالمية الأولى، وفي سياق الثورة البلشفية، قررت بيسارابيا الاتحاد مع مملكة رومانيا. قرار منطقي، إذا أحلنا إلى السكان، حيث الأغلبية من الناطقين بالرومانية؛ كما دافع الجغرافي في جامعة السوربون إيمانويل دي مارتون في هذا الاتجاه داخل لجنة الدراسات التي حضّرت لمؤتمر السلام من 1919 إلى 1920، من خلال المشاركة بشكل خاص في لجنة الشؤون الرومانية واليوغوسلافية.
وعلى النقيض من ذلك، نشر الكاتب الفرنسي هنري باربوس، المناهض للعسكرية والشيوعية، كتابًا بعد إقامته في تشيسيناو، بعنوان الجلادون (1926)، اعتبر فيه هذه المنطقة مقتطعة من روسيا دون موافقتها. من جهته، أشار الخبير الجيوسياسي جاك أنسيل، في كتابه “جغرافية الحدود”، إلى أن “المدن كانت روسية في ريف مولدوفي”. لذلك ظلت بيسارابيا رومانية في فترة ما بين الحربين.
ومع ذلك، نصت المادة 4 من البند السري لاتفاق ريبنتروب-مولوتوف المؤرخ 23 أغسطس 1939 على عودة مولدوفا إلى الاتحاد السوفياتي. وفي 26 يونيو 1940، أصدر الاتحاد السوفياتي إنذارًا نهائيًا لرومانيا لاستعادة هذه المنطقة. استردتها رومانيا خلال الحرب من عام 1941 إلى عام 1944، قبل أن تصبح مولدوفا جمهورية سوفياتية مرة أخرى حتى عام 1991.
لا تزال الثقافة السياسية في مولدوفا متشبّعة بعمق بهذا التراث التاريخي بين رومانيا وروسيا، مما دفع الجيوسياسي المولدوفي أوليغ سيريبريان للقول، إن لمولدوفا “أحزاب جيوسياسية” على الأقل بنفس قدر “الأحزاب السياسية”. وبينما تحتفظ روسيا بنفوذ مهم من خلال وجودها في ترانسنيستريا ومحطاتها في غاغوزيا (جنوب البلاد)، تلعب رومانيا أيضًا دورًا في تسهيل التقارب بين مولدوفا ورومانيا.
من هنا، في نوفمبر 2020، خسر الرئيس “الموالي لروسيا” إيغور دودون أمام المرشحة “الموالية لأوروبا”، مايا ساندو، التي حصلت على الأغلبية التشريعية في يوليو 2021. اهتمت الرئيسة الجديدة في حملتها بإظهار رغبتها في إصلاح يقود إلى الانتماء الى الاتحاد الأوروبي دون أن تنتقد روسيا، وعلى عكس خصمها الذي أراد المزيد من “الاصطفاف” في مسائل جيوسياسية.
لا شك أن الحرب الحالية تساهم في نشر القلق بين السكان، الذين دخلوا المنعرج الأوروبي منذ اتفاقية الشراكة لعام 2014: أعادت مولدوفا توجيه بوصلتها تجاريًا بشكل كبير نحو الاتحاد الأوروبي، وتم اتخاذ الإصلاحات الرئيسية لتحقيق هذا الهدف المتمثل في التقارب، رغم وجود معارضة ضد مزيد من التكامل الأوروبي. ويجد هذا التوجه نحو الاتحاد الأوروبي نفسه في إدارة الأزمة الحالية، مع نقاشات رفيعة المستوى مع المحاورين الرئيسيين.
حالة الحياد،
خصوصية مولدوفية
على عكس أوكرانيا أو جورجيا، لم تتقدم مولدوفا رسميًا بطلب عضوية الناتو. وفي التفاعلات المباشرة، غالبًا ما أثارت هذه الخصوصية اهتمامًا شديدًا للقادة الروس خلال اجتماعاتهم مع قادة مولدوفا.
في الواقع، تنص المادة 11 من دستور مولدوفا (1994)، الذي يتكون من فقرتين، على أن جمهورية مولدوفا تعلن حيادها الدائم؛ علاوة على ذلك، لا تسمح بوجود قوات عسكرية من دول أخرى على أراضيها.
يختلف “الحياد الدائم” عن الحياد أثناء النزاع، والذي يتميز بالامتناع عن التصويت (عدم تقديم مساعدة مباشرة أو غير مباشرة لأحد المتحاربين) والحياد (احترام المساواة في المعاملة بين مختلف المتحاربين). و”الحياد الدائم” هنا يعني عدم المشاركة في تحالف عسكري مثل الناتو.
علاوة على ذلك، فإن الفقرة الثانية، هي وسيلة مولدوفا للمطالبة بخروج القوات الروسية من ترانسنيستريا. وكان هذا الطلب موضوع قرار في الأمم المتحدة يونيو 2018 لـ “حث روسيا على استكمال انسحاب مجموعتها العملياتية من القوات وأسلحتها من أراضي جمهورية مولدوفا بطريقة منظمة، دون شروط ودون مزيد من التأخير”. وإذا كان الحياد يُفرض في كثير من الأحيان من خلال وضع جيوسياسي معين، فغالبًا ما ينتهي إلى أن يكون جزءً من الممارسات والثقافة السياسية.
وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن لمولدوفا أن تتحرك من خلال مشاركة عسكرية في الصراع في حال هجوم من جانب أحد جيرانها، الذي اعترفت بوحدة أراضيه وسيادته. ومع انتقاده للحرب الروسية، اختار نيكو بوبيسكو، وزير خارجية مولدوفا في 28 فبراير عدم الانضمام إلى العقوبات المفروضة على موسكو، على غرار جورجيا. يمكن أن نتخيل أن الرئيستين، مايا ساندو وسالومي زورابيشفيلي، أثارتا هذه النقاط خلال مناقشاتهما مع إيمانويل ماكرون، مع الطموح في تجنب إعطاء ذرائع لتمديد هذا الصراع.
مولدوفا ومواجهة
الحرب في أوكرانيا
في هذه الحرب، هناك ثلاثة أهداف هي أولويات مولدوفية: استقبال اللاجئين الأوكرانيين على أراضيها، وتفادي زعزعة استقرار البلاد، والحفاظ على التماسك الوطني.
الهدف الأول ينبع من عواقب الحرب: سلك العديد من الأوكرانيين طريق المنفى منذ الأيام الأولى، وبشكل رئيسي إلى بولندا ومولدوفا ورومانيا وسلوفاكيا وغيرها. بالنسبة لمولدوفا، فإن الأمر يتعلق باستقبال عدد كبير من اللاجئين مقارنة بعدد سكانها: وصل 70 ألف لاجئ في أربعة أيام إلى مركزي بالانكا وأوكنيتا. ويفترض هذا جهدًا خاصًا لبلد يعدّ من أقل البلدان السياحية في العالم، وواحدًا من أفقر الدول في أوروبا. على سبيل المثال، يمثل هؤلاء الـ 70000 لاجئ ما يقرب من 3 بالمائة من إجمالي السكان خارج ترانسنيستريا. تم وضع رقم مجاني في الموقع لدعم عمليات الاستقبال، مع تعبئة خدمات الدولة المختلفة للسيطرة على المخاطر المتعلقة بإدارة تدفقات الهجرة. وظهرت موجة تضامن حقيقية للغاية خلال الأيام الأولى.
للتعامل مع خطر زعزعة الاستقرار، اتخذت الحكومة المولدوفية قرارًا بأن يتبنى البرلمان حالة الطوارئ طيلة ستين اعتبارًا من 24 فبراير. ويسمح هذا لدوريات إنفاذ القانون والشرطة بتكثيف أنشطتها لتجنب المظاهرات المحتملة التي يمكن أن تتصاعد. بالإضافة إلى ذلك، تقرر إغلاق المجال الجوي، ولن يتم تفعيل مطار ماركوليستي. ورغم هذا القرار، تحاول السلطات أن تكون مطمئنة قدر الإمكان في السياق الحالي، بحجة أنه لا يوجد خطر كبير على مواطني مولدوفا، وأنه يمكن إيجاد حلول في حالة الضغط على البنية التحتية للغاز والكهرباء. أخيرًا، يجب أن تحافظ مولدوفا على التماسك الوطني، في سياق يجد فيه المتحدثون بالرومانية أنفسهم إلى جانب المتحدثين بالروسية من أصل أوكراني أو روسي، بالإضافة إلى الجاجوز، الذين هم بشكل عام موالون لروسيا.
في 26 فبراير، أغلقت السلطات المولدوفية بوابتي سبوتنيك والجاجوز نيوز، معتبرة أنهما تتحملان مسؤولية خاصة عن التحريض على الحرب والخلافات الأهلية. وهذا لم يمنع بوادر التضامن مع أوكرانيا: بالإضافة إلى المظاهرة أمام السفارة الروسية، شهد الفندق الوطني في كيشيناو، بجوار أكاديمية العلوم في مولدوفا، الذي أعيد طلاؤه بألوان أوكرانيا، ظهور شعار “لا للحرب” باللغة الروسية.
بعد ثلاثين عامًا من وقف إطلاق النار، لم تجد مولدوفا بالتأكيد حلاً سياسيًا للصراع الترانسدنيستري، لكنها تجنبت منذئذ حربًا مباشرة مع روسيا، على عكس جورجيا وأوكرانيا، مع الاستمرار في مسعى تحقيق هدف التكامل الأوروبي. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا التوازن الهش يمكن أن يستمر في الأسابيع المقبلة، في وقت تعاني فيه الجارة الأوكرانية من حرب على أراضيها...
*الأمين العام لـ مركز البحوث في معهد العلوم السياسية، وأستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية في باريس، باحث مشارك في المركز الجغراسياسي للمدرسة العليا للتجارة.
-- الحرب الحالية تجعل مولدوفا أقرب إلى الأخبار الدوليــة، وتكشــف العديـد من خصائص البـلد
-- لا تزال الثقافة السياسية في مولدوفا متشبعة بعمق بهذا التراث التاريخي بين رومانيا وروسيا
-- اهتمت الرئيسة الجديدة في حملتها بإظهار رغبتها في إصلاح يقود إلى الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي دون أن تنتقد روسيا
-- إذا كان الحياد يفرض في كثير من الأحيان من خلال وضع جيوسياسي معين، فغالبًا ما ينتهي إلى أن يكون جزءًا من ممارسة وثقافة سياسية
في مقال له، دعا ميشيل غويا إلى إيلاء اهتمام خاص لواحدة من البلدان المجاورة لأوكرانيا: “مولدوفا –هي نفسها في صراع مع روسيا حول مسألة ترانسنيستريا -وهي منطقة خلفية محتملة لحرب عصابات. إنها بصدد التحوّل إلى منطقة رئيسية وستصبح قريبًا محور اهتمام روسي».
عام 2019، وصفنا، مع السناتورة جوزيت دوريو، مولدوفا بأنها “على مفترق طرق عوالم”. ولئن ليس مؤكدا أن هذه المنطقة ستصبح قاعدة خلفية للمقاتلين، فإن الحرب الحالية في الواقع تجعل مولدوفا أقرب إلى الأخبار الدولية، وتكشف العديد من خصائص البلد. وهذه مرتبطة بوجود صراع انفصالي لم يتم حله -ترانسنيستريا -، وبالتوجه الأوروبي لمولدوفا -مع نفوذ روسي حقيقي للغاية -وبوضعها كدولة محايدة منصوص عليه في الدستور، وبردود أفعالها على الحرب.
ما هي ترانسنيستريا، إقليم مولدوفا الانفصالي؟
دولة بحجم بلجيكا، يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين، مولدوفا، جمهورية سابقة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي، تقع بين أوكرانيا ورومانيا.
عند سقوط الاتحاد السوفياتي، شهدت انفصال جزء من أراضيها، ترانسنيستريا، الواقعة على الضفة اليسرى لنهر دنيستر. أدى الصراع بين القوات المولدوفية والجيش الروسي الرابع عشر، بين مارس 1992 ووقف إطلاق النار في يوليو 1992، إلى مقتل حوالي 3500 شخص.
ونتيجة لهذا الصراع، طورت جمهورية دنيستر المولدوفية هياكل شبه دولة، يبلغ عدد سكانها -نصف مليون نسمة -، ومنطقة -حوالي 4000 كيلومتر مربع -وإدارة -رئاسة، وبرلمان، وعملة ... ومع ذلك، فهي غير معترف بها من قبل أي دولة، بما في ذلك روسيا. تقع في المناطق النائية لميناء أوديسا الأوكراني -على بعد أقل من 100 كيلومتر -تمكنت من التطور بفضل “رأسمالية التهريب”، مستفيدة من وضعها كمنطقة خارجة عن القانون لتصدير مختلف المنتجات والسلع. منذ عام 1992، تعثّرت صيغة التفاوض بشأن الصراع في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تشمل روسيا وأوكرانيا ومولدوفا وترانسنيستريا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبالمثل، فإن الوضع مستقر عسكريا للغاية: لا يزال لروسيا الجيش الرابع عشر هناك، بألف رجل، ومستودعات ذخيرة. وترفض موسكو أي شكل من أشكال التنازل فيما يتعلق بوجودها العسكري، حتى لو لم تكن معادية لإيجاد حل للصراع -لكن وفقًا لشروطها الخاصة، تاركة تأثيرًا كبيرًا لترانسنيستريا، التي تسيطر عليها.
في الواقع، منذ كيشيناو، كان الصراع في ترانسنيستريا لفترة طويلة رهانا يعتبر ثانويا على المستوى الانتخابي، حيث يواجه السكان بشكل يومي الفساد والفقر، في حين أن احتمالات استعادة السيطرة على ترانسنيستريا بالقوة صفر.
وكعلامة على شكل من أشكال القبول بالوضع من الجانبين: نادي شريف تيراسبول، المعروف لعشاق كرة القدم منذ الخريف الحالي بتغلبه على ريال مدريد على أرضه -في 28 سبتمبر 2021 -يلعب في… بطولة مولدوفا! ويعد ملعب تيراسبول أيضًا الأكثر إثارة للإعجاب في مولدوفا، وهو واجهة لكل من ترانسنيستريا ومجموعة شريف، وهي شركة احتكارية تمتلك قنوات التوزيع الرئيسية للكيان الانفصالي. على النقيض من ذلك، يلعب نادي شاختار دونيتسك للملياردير الأوكراني رينات أحمدوف في البطولة الأوكرانية، لكن بعد حرب 2014، يلعب في لفيف وخاركيف وكييف، دون أن يتمكن من اللعب مرة أخرى في مدينته.
شيء واحد مؤكد: يولي قادة ترانسدنيستريا اهتمامًا وثيقًا لهذه الحرب، ويدفعون مرة أخرى روسيا للاعتراف باستقلالهم، كما طالبوا عام 2014 دون نجاح حتى الآن. ومع ذلك، يبقى أن نرى ماذا سيحدث في حال سيطرت القوات الروسية على أوديسا ووجدت نفسها على حدود أوكرانيا وترانسنيستريا. في الوقت الحالي لم تصل الجبهة إلى هذه المنطقة.
دولة متجهة نحو أوروبا
مولدوفا، بحدودها الحالية، موجودة منذ عام 1991، عام الاستقلال. تأرجح تاريخها بين قوى مختلفة: أصبحت إمارة مولدوفا، المولودة عام 1359، تابعة للإمبراطورية العثمانية عام 1538. وفي عام 1812 غزت الإمبراطورية الروسية جزءً من إمارة مولدوفا: أجبر غزو نابليون روسيا على الاكتفاء بانتزاع الجزء الشرقي من إمارة مولدوفا، والتي أعادت تسميتها باسم بيسارابيا. ثم تم دمجها في الإمبراطورية الروسية طيلة قرن. الوقت الكافي، على وجه الخصوص، لبدء ألكسندر بوشكين في كتابة تحفته الفنية يوجين أونجين، ولكي يمر السكان اليهود بأوقات عصيبة هناك -مذابح كيشيناو عامي 1903 و1905، كما يشهد روبرت بادينتر في كتابه إدس.
في نهاية الحرب العالمية الأولى، وفي سياق الثورة البلشفية، قررت بيسارابيا الاتحاد مع مملكة رومانيا. قرار منطقي، إذا أحلنا إلى السكان، حيث الأغلبية من الناطقين بالرومانية؛ كما دافع الجغرافي في جامعة السوربون إيمانويل دي مارتون في هذا الاتجاه داخل لجنة الدراسات التي حضّرت لمؤتمر السلام من 1919 إلى 1920، من خلال المشاركة بشكل خاص في لجنة الشؤون الرومانية واليوغوسلافية.
وعلى النقيض من ذلك، نشر الكاتب الفرنسي هنري باربوس، المناهض للعسكرية والشيوعية، كتابًا بعد إقامته في تشيسيناو، بعنوان الجلادون (1926)، اعتبر فيه هذه المنطقة مقتطعة من روسيا دون موافقتها. من جهته، أشار الخبير الجيوسياسي جاك أنسيل، في كتابه “جغرافية الحدود”، إلى أن “المدن كانت روسية في ريف مولدوفي”. لذلك ظلت بيسارابيا رومانية في فترة ما بين الحربين.
ومع ذلك، نصت المادة 4 من البند السري لاتفاق ريبنتروب-مولوتوف المؤرخ 23 أغسطس 1939 على عودة مولدوفا إلى الاتحاد السوفياتي. وفي 26 يونيو 1940، أصدر الاتحاد السوفياتي إنذارًا نهائيًا لرومانيا لاستعادة هذه المنطقة. استردتها رومانيا خلال الحرب من عام 1941 إلى عام 1944، قبل أن تصبح مولدوفا جمهورية سوفياتية مرة أخرى حتى عام 1991.
لا تزال الثقافة السياسية في مولدوفا متشبّعة بعمق بهذا التراث التاريخي بين رومانيا وروسيا، مما دفع الجيوسياسي المولدوفي أوليغ سيريبريان للقول، إن لمولدوفا “أحزاب جيوسياسية” على الأقل بنفس قدر “الأحزاب السياسية”. وبينما تحتفظ روسيا بنفوذ مهم من خلال وجودها في ترانسنيستريا ومحطاتها في غاغوزيا (جنوب البلاد)، تلعب رومانيا أيضًا دورًا في تسهيل التقارب بين مولدوفا ورومانيا.
من هنا، في نوفمبر 2020، خسر الرئيس “الموالي لروسيا” إيغور دودون أمام المرشحة “الموالية لأوروبا”، مايا ساندو، التي حصلت على الأغلبية التشريعية في يوليو 2021. اهتمت الرئيسة الجديدة في حملتها بإظهار رغبتها في إصلاح يقود إلى الانتماء الى الاتحاد الأوروبي دون أن تنتقد روسيا، وعلى عكس خصمها الذي أراد المزيد من “الاصطفاف” في مسائل جيوسياسية.
لا شك أن الحرب الحالية تساهم في نشر القلق بين السكان، الذين دخلوا المنعرج الأوروبي منذ اتفاقية الشراكة لعام 2014: أعادت مولدوفا توجيه بوصلتها تجاريًا بشكل كبير نحو الاتحاد الأوروبي، وتم اتخاذ الإصلاحات الرئيسية لتحقيق هذا الهدف المتمثل في التقارب، رغم وجود معارضة ضد مزيد من التكامل الأوروبي. ويجد هذا التوجه نحو الاتحاد الأوروبي نفسه في إدارة الأزمة الحالية، مع نقاشات رفيعة المستوى مع المحاورين الرئيسيين.
حالة الحياد،
خصوصية مولدوفية
على عكس أوكرانيا أو جورجيا، لم تتقدم مولدوفا رسميًا بطلب عضوية الناتو. وفي التفاعلات المباشرة، غالبًا ما أثارت هذه الخصوصية اهتمامًا شديدًا للقادة الروس خلال اجتماعاتهم مع قادة مولدوفا.
في الواقع، تنص المادة 11 من دستور مولدوفا (1994)، الذي يتكون من فقرتين، على أن جمهورية مولدوفا تعلن حيادها الدائم؛ علاوة على ذلك، لا تسمح بوجود قوات عسكرية من دول أخرى على أراضيها.
يختلف “الحياد الدائم” عن الحياد أثناء النزاع، والذي يتميز بالامتناع عن التصويت (عدم تقديم مساعدة مباشرة أو غير مباشرة لأحد المتحاربين) والحياد (احترام المساواة في المعاملة بين مختلف المتحاربين). و”الحياد الدائم” هنا يعني عدم المشاركة في تحالف عسكري مثل الناتو.
علاوة على ذلك، فإن الفقرة الثانية، هي وسيلة مولدوفا للمطالبة بخروج القوات الروسية من ترانسنيستريا. وكان هذا الطلب موضوع قرار في الأمم المتحدة يونيو 2018 لـ “حث روسيا على استكمال انسحاب مجموعتها العملياتية من القوات وأسلحتها من أراضي جمهورية مولدوفا بطريقة منظمة، دون شروط ودون مزيد من التأخير”. وإذا كان الحياد يُفرض في كثير من الأحيان من خلال وضع جيوسياسي معين، فغالبًا ما ينتهي إلى أن يكون جزءً من الممارسات والثقافة السياسية.
وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن لمولدوفا أن تتحرك من خلال مشاركة عسكرية في الصراع في حال هجوم من جانب أحد جيرانها، الذي اعترفت بوحدة أراضيه وسيادته. ومع انتقاده للحرب الروسية، اختار نيكو بوبيسكو، وزير خارجية مولدوفا في 28 فبراير عدم الانضمام إلى العقوبات المفروضة على موسكو، على غرار جورجيا. يمكن أن نتخيل أن الرئيستين، مايا ساندو وسالومي زورابيشفيلي، أثارتا هذه النقاط خلال مناقشاتهما مع إيمانويل ماكرون، مع الطموح في تجنب إعطاء ذرائع لتمديد هذا الصراع.
مولدوفا ومواجهة
الحرب في أوكرانيا
في هذه الحرب، هناك ثلاثة أهداف هي أولويات مولدوفية: استقبال اللاجئين الأوكرانيين على أراضيها، وتفادي زعزعة استقرار البلاد، والحفاظ على التماسك الوطني.
الهدف الأول ينبع من عواقب الحرب: سلك العديد من الأوكرانيين طريق المنفى منذ الأيام الأولى، وبشكل رئيسي إلى بولندا ومولدوفا ورومانيا وسلوفاكيا وغيرها. بالنسبة لمولدوفا، فإن الأمر يتعلق باستقبال عدد كبير من اللاجئين مقارنة بعدد سكانها: وصل 70 ألف لاجئ في أربعة أيام إلى مركزي بالانكا وأوكنيتا. ويفترض هذا جهدًا خاصًا لبلد يعدّ من أقل البلدان السياحية في العالم، وواحدًا من أفقر الدول في أوروبا. على سبيل المثال، يمثل هؤلاء الـ 70000 لاجئ ما يقرب من 3 بالمائة من إجمالي السكان خارج ترانسنيستريا. تم وضع رقم مجاني في الموقع لدعم عمليات الاستقبال، مع تعبئة خدمات الدولة المختلفة للسيطرة على المخاطر المتعلقة بإدارة تدفقات الهجرة. وظهرت موجة تضامن حقيقية للغاية خلال الأيام الأولى.
للتعامل مع خطر زعزعة الاستقرار، اتخذت الحكومة المولدوفية قرارًا بأن يتبنى البرلمان حالة الطوارئ طيلة ستين اعتبارًا من 24 فبراير. ويسمح هذا لدوريات إنفاذ القانون والشرطة بتكثيف أنشطتها لتجنب المظاهرات المحتملة التي يمكن أن تتصاعد. بالإضافة إلى ذلك، تقرر إغلاق المجال الجوي، ولن يتم تفعيل مطار ماركوليستي. ورغم هذا القرار، تحاول السلطات أن تكون مطمئنة قدر الإمكان في السياق الحالي، بحجة أنه لا يوجد خطر كبير على مواطني مولدوفا، وأنه يمكن إيجاد حلول في حالة الضغط على البنية التحتية للغاز والكهرباء. أخيرًا، يجب أن تحافظ مولدوفا على التماسك الوطني، في سياق يجد فيه المتحدثون بالرومانية أنفسهم إلى جانب المتحدثين بالروسية من أصل أوكراني أو روسي، بالإضافة إلى الجاجوز، الذين هم بشكل عام موالون لروسيا.
في 26 فبراير، أغلقت السلطات المولدوفية بوابتي سبوتنيك والجاجوز نيوز، معتبرة أنهما تتحملان مسؤولية خاصة عن التحريض على الحرب والخلافات الأهلية. وهذا لم يمنع بوادر التضامن مع أوكرانيا: بالإضافة إلى المظاهرة أمام السفارة الروسية، شهد الفندق الوطني في كيشيناو، بجوار أكاديمية العلوم في مولدوفا، الذي أعيد طلاؤه بألوان أوكرانيا، ظهور شعار “لا للحرب” باللغة الروسية.
بعد ثلاثين عامًا من وقف إطلاق النار، لم تجد مولدوفا بالتأكيد حلاً سياسيًا للصراع الترانسدنيستري، لكنها تجنبت منذئذ حربًا مباشرة مع روسيا، على عكس جورجيا وأوكرانيا، مع الاستمرار في مسعى تحقيق هدف التكامل الأوروبي. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا التوازن الهش يمكن أن يستمر في الأسابيع المقبلة، في وقت تعاني فيه الجارة الأوكرانية من حرب على أراضيها...
*الأمين العام لـ مركز البحوث في معهد العلوم السياسية، وأستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية في باريس، باحث مشارك في المركز الجغراسياسي للمدرسة العليا للتجارة.