هل تتحول الضربات بين باكستان وإيران إلى صراع طويل؟

هل تتحول الضربات بين باكستان وإيران إلى صراع طويل؟

وضعت ضربة جوية إيرانية على معسكرات تدريب للمتشددين في باكستان المسؤولين في إسلام أباد في مواجهة قرار صعب، قبل أن يقرروا الرد، وزيادة احتمالات تمدد الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط. وقالت وزارة الخارجية الباكستانية إن الجيش نفذ “ضربات عسكرية دقيقة” ضد ما أسمتها مخابئ الإرهابيين في جنوب شرق إيران. وقالت الوزارة في بيان إن عددا من المسلحين قتلوا. وأفاد مسؤول أمني باكستاني كبير، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إن إسلام أباد ضربت سبعة مواقع على الأقل يستخدمها الانفصاليون البلوش على بعد حوالي 30 ميلاً داخل الحدود. وقال المسؤول إن طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار تابعة للقوات الجوية استخدمت في الضربات الانتقامية الباكستانية.
 
وكتب سلمان مسعود في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن العلاقات بين باكستان وجارتها إيران، بلغت مستوى آخر من التدني بعد الهجوم الإيراني على منطقة بلوشستان المضطربة، مع إعلان إسلام آباد سقوط ضحايا مدنيين، بينهم أطفال، والتحذير من أن هذا الانتهاك لسيادتها قد تنجم عنه عواقب وخيمة. والأربعاء، طردت باكستان السفير الإيراني، واستدعت سفيرها من طهران. وبعيداً عن الاحتجاجات الديبلوماسية والتحذيرات، لم يكن من الواضح فوراً، ما إذا كانت باكستان التي تترنح تحت عبء أزمتين سياسية واقتصادية وتتجه إلى انتخابات تشريعية الشهر المقبل، هي في موقع يمكنها من الرد عسكرياً أو الدخول في صراع طويل الأمد مع إيران.
 
ولكن سيد محمد علي، المحلل الأمني المقيم في إسلام آباد، قال في مقابلة: «كان الرد المحسوب وفي الوقت المناسب ضرورياً لتبديد الفهم الإيراني الخاطئ بأن الهجوم العسكري المفاجئ غير المبرر على باكستان لن يؤدي إلى رد قوي ولكن محسوب وسريع». وأضاف أن كلا الجانبين لديه حوافز قوية للسماح بتهدئة التوترات الآن، بعد أن ردت باكستان، «لأن البلدين لن يكسبا أي شيء من أي تبادل عسكري أو تصعيد آخر». وامتلكت إيران الجرأة منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول)، مستخدمة قوات وكيلة ضد إسرائيل وحلفائها وتصعيد المخاطرة بامكان اندلاع نزاع إقليمي. والثلاثاء، استخدمت إيران قواتها الخاصة لمهاجمة باكستان والعراق، في رد على ما قالت إنها هجمات إرهابية داخل إيران، مما فاقم من التوترات في المنطقة.
وقبل الرد الباكستاني، قال السفير الباكستاني السابق حسين حقاني الذي يدرس الديبلوماسية الآن: «إذا ما ردت باكستان، فإنها تجازف بالانجرار إلى نزاعات الشرق الأوسط التي تفادتها حتى الآن.. وإذا لم ترد، ستظهر وكأنها ضعيفة مجدداً، وهذا ما ستكون له انعكاسات على هيبة القوات المسلحة».
 
 موقف دقيق
وأشار محمد أشفقي أرين، المارشال السابق في سلاح الجو الباكستاني، إلى أن باكستان هي في موقف دقيق، مع وجود حكومة تصريف أعمال حتى إجراء الانتخابات. ولاحظ أنه مع الضربة الإيرانية داخل الأراضي الباكستانية، تكون باكستان في مواجهة علاقات مضطربة مع 3 دول من جيرانها. وبينما الهند هي خصم قديم، فإن العلاقات مع أفغانستان ساءت في الأشهر الأخيرة، مع اتهام المسؤولين الباكستانيين لطالبان أفغانستان بتوفير الملاذ لجماعات متشددة، بينها حليفتها طالبان باكستان، وهي اتهامات نفتها الحركة الأفغانية. كما أن السياسة التي طبقتها باكستان مؤخراً في ما يتعلق بطرد الأجانب، ومعظمهم من الأفغان، قد أضفت مزيداً من التعقيد على العلاقات.
 
وعلى مدى سنوات، تبادلت إيران وباكستان الاتهامات بإيواء متشددين على طول الحدود الممتدة على مسافة 559 ميلاً.
وتشير طهران إلى جيش العدل، الجماعة المتشددة التي تعمل في جنوب شرق إيران وعلى الحدود الباكستانية-الإيرانية، وتقول إن هذه الجماعة تشن هجمات داخل الأراضي الإيرانية. وتأسست هذه الجماعة عام 2012 على أنقاض جماعة جند الله المتشددة، التي تضاءلت عقب اعتقال إيران قائدها عبد الملك ريجي في 2010 واعدامه. وفي 15 ديسمبر(كانون الأول)، هاجم جيش العدل مركزاً للشرطة في جنوب شرق إيران، وقتل 11 ضابطاً. 
 
وبعيد الهجوم، سارع المسؤولون الإيرانيون إلى القاء اللوم على إجراءات الرقابة الباكستانية الضعيفة على الحدود، وزعموا ان المتشددين عبروا الحدود من باكستان لتنفيذ الهجوم.
 
بلوشستان
وبدورها، تتهم باكستان إيران بدعم انفصاليين من بلوشستان المنطقة الواقعة في جنوب غرب باكستان الغنية بالنفط وثروات طبيعية أخرى، وهي محور تمرد منذ عقود. ويشير المسؤولون الباكستانيون أيضاً إلى اعتقال ضابط بحري هندي عام 2016 في بلوشستان كدليل على أن عمليات التجسس الهندية تلقى دعماً من إيران عبر دعم التمرد البلوشي. ولم تكن ضربة الثلاثاء المرة الأولى التي تقصف فيها القوات الإيرانية داخل باكستان، لكن الهجوم كان الأكثر عمقاً داخل الأراضي الباكستانية. وفي عام 2021، استعادت إيران جنديين كانا رهينتين لدى جيش العدل داخل الأراضي الباكستانية. وفي 2017، أسقط سلاح الجو الباكستاني مسيّرة إيرانية.
وأتت الضربة الإيرانية الأخيرة، وسط توترات سياسية متزايدة في باكستان قبل الانتخابات المقررة في 8 فبراير (شباط)، بدا وكأن توقيتها يستغل تلك التوترات، وفق ما يرى محللون.