هل تدعم الصين غزواً روسياً لأوكرانيا؟

هل تدعم الصين غزواً روسياً لأوكرانيا؟


أكد الصحفي الصيني مو تشونشان أن بكين ستتسبب في ضرر كبير لسمعتها، على الصعيد الدولي أو أمام الشعب الصيني، إذا دعمت الغزو الروسي لأوكرانيا. وكتب تشونشان، في تحليل لمجلة “ذا دبلومات” الأمريكية، أن الولايات المتحدة تشعر بقلقٍ بالغ من تفاعلات روسيا والصين في مواجهة الأزمة الأوكرانية، مبديا تفهمه لهذا القلق، لكنه، في الوقت نفسه، يعتبر أن بعض المسؤولين الأمريكيين يُخطئون في الحكم على العلاقات الصينية الروسية والسياسة الخارجية الأوسع للصين.

وقال إن الصين وروسيا ليستا حليفتين عسكريتين، وبعبارة أخرى، عندما يكون أحد الجانبين في حرب، لا يتحمل الطرف الآخر أي التزام بالمساعدة، وهذا يختلف تماماً عن التحالفات العسكرية بين الولايات المتحدة وبلدان حلف شمال الأطلسي. وبالتالي، حتى لو خاضت روسيا وأوكرانيا الحرب، فإن الصين غير ملزمة بدعم روسيا، حيث أن الصين لم تدعم روسيا علانيةً في أزمة شبه جزيرة القرم منذ 7 أعوام أيضاً. وفي 4 فبراير-شباط، أصدرت الصين وروسيا بيانًا مشتركًا ذكرت فيه بكين دعمها لروسيا. ولكن تشونشان يوضح أن الدعم الصيني لروسيا ركز على الإصرار على أن الغرب مطالب بتقديم ضمانات تعالج مخاوف موسكو الأمنية، ومعارضة التهديدات لأمن روسيا من ناتو، والدول الغربية الأخرى. وأضاف أن الصين تواجه أيضاً ضغوطاً وتهديدات أمنية من الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لذلك فليس من المستغرب أن تدعم بكين روسيا في مواجهة ضغوط مماثلة. ومع ذلك، رأى أن هذا الموقف يختلف عن موافقة الصين على غزوٍ روسي لأوكرانيا.

وقال إن موقف الصين من روسيا يعادل دعمها لكوريا الشمالية، أو إيران في مطالبهما برفع العقوبات الأمريكية عنها، وبالتالي، لا يعني دعم الصين لهما أن بكين ستدعم كوريا الشمالية في حرب بشبه الجزيرة الكورية، أو ضرب إيران لإسرائيل. وأشار الكاتب إلى أن الصين حافظت على علاقات ودية مع روسيا وأوكرانيا لفترة طويلة، وهي سياسة أساسية ومتوازنة. وخلال أزمة أوكرانيا، لم تنتقد الصين أوكرانيا أبداً، بل أدانت فقط الولايات المتحدة وحلف ناتو، وتُدرك أوكرانيا ذلك جيداً. وإذا كانت الصين ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، فلماذا لم تنتقد بكين روسيا كما فعل الغرب؟ أوضح الكاتب أن هناك سببين رئيسين لهذا الأمر، أولهما أن انتقاد الصين العلني لروسيا سيضر بالعلاقة بين البلدين في ضوء الصداقة الصينية الروسية. وفي هذا الوقت، فإن على بكين إظهار التضامن، بدل تأكيد الاختلافات، لأن هذه مسألة تهم المكانة والمهارات الدبلوماسية، وبالتالي ستعبر الصين عن موقفها الحقيقي خلف الأبواب المغلقة.

أما السبب الثاني، فرجح أن روسيا، أكدت للصين سراً أنها لن تشن غزواً مباشراً ضد أوكرانيا، ما من شأنه أن يفسّر سبب اتهام الصين للولايات المتحدة وحلف ناتو بالمبالغة في الأزمة، ولهذا أبدت بكين عدم اكتراثها بينما سحب الغرب دبلوماسييه ومواطنيه من أوكرانيا. وبالإضافة إلى التعامل المشترك مع الضغط الغربي، رأى الكاتب أن هناك منطقاً أساسياً في تطوير العلاقات الصينية الروسية، أي أن البلدين الجارين يجب أن يكونا ودودين، وأن هذه الصداقة ستفيد الجانبين.

وأشار الكاتب إلى أن بعض مسؤولي البنتاغون يفكرون فقط في مسألة التعاون الصيني الروسي من منظور الدول التي تواجه الضغط الغربي بشكل متبادل، دون اعتبار ذلك حالة من الفطرة السليمة الدولية والمهارات الدبلوماسية الصينية. وفي العام الماضي، أجرت الصين والولايات المتحدة اتصالات رفيعة المستوى أشارت جميعها إلى ضرورة تجنب البلدين سوء الحكم على بعضهما. ولكن تفسير البنتاغون لدعم الصين روسيا هو نوع من سوء الحكم الذي لا بد من تجنبه. وأوضح أن الخطر سيكون أكبر إذا أثَّر سوء تفسير مماثل في قضية تمس العلاقات الصينية الأمريكية مباشرةً. وإذ أشار إلى أن البعض في الصين يعتقد أن الحكومة الصينية تدعم بالفعل روسيا في حرب محتملة، إلا أنه أكد أن معظم هؤلاء من الشباب والقوميين ذوي الخبرة القليلة، ويتمثل منطقهم في أن الحرب في أوروبا الشرقية ستقلّص دعم الولايات المتحدة لتايوان، ويمكن للصين استغلال هذه الفرصة لاستعادتها.

لذلك، عندما سمع القوميون أن بوتين سيتفاوض أكثر مع الغرب، ويمكن أن يسحب بعض القوات من التدريبات العسكرية، شعروا بخيبة أمل كبيرة، وكانوا يعتقدون أن الصين خسرت فرصة جيدة لحل قضية تايوان.
ورغم أنها ساذجة، لكنها فكرة موجودة بالفعل في المجتمع الصيني. وقال تشونشان إن هؤلاء القوميين، مثل بعض المسؤولين الأمريكيين، أخطأوا تماماً في تقدير حرية الصين في التصرف في قضية تايوان.
وأوضح أنه على غرار تعذر تدخل روسيا في قضية تايوان بينما تخوض نزاعاً مع أوكرانيا، فإن الصين لن تنظر في العلاقة بين روسيا وأوكرانيا لحل قضية تايوان.
وأوضح أنه إذا أصر بوتين على غزو أوكرانيا يوماً، فلن تستطيع الصين إيقاف ذلك، وإذا أرسلت الصين يوماً قوات ضد تايوان، فلن يتمكن بوتين من منع ذلك أيضاً.

سمعة الصين
ورأى الكاتب أن الصين ستفكر أكثر في الأخلاق والسمعة في أزمة أوكرانيا، وذلك إلى حد كبير من أجل مراعاة الرأي العام ومواقف الشعب الصيني، ولا يبدو أن المعلّقين الأمريكيين يدركون أهمية أياً من هذه العوامل في السياسة الخارجية للصين.
لكن ماذا سيحدث إذا دعمت الصين الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا؟
قال الكاتب إنه في المقام الأول، ستكون الصين في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، خاصة أنها تعمل على تشكيل صورة دولية جديدة للعدالة منذ عقود. وكانت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي هي السياسة الخارجية للصين في الخمسينيات من القرن الماضي، وفي عهد شي جين بينغ، لا تزال الصين تتبنى هذه المبادئ باعتبارها أساساً للتبادلات الدولية.
ويكمن جوهر المبادئ الخمسة في الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة وسلامة أراضيها وعدم الاعتداء المتبادل.
وأضاف أنه إذا دعمت الصين غزو روسياً لأوكرانيا، فسيكون ذلك انتهاكاً للأساس المتين لسياستها الخارجية القائمة منذ 70 عاماً. وستفقد الصين مكانتها الأخلاقية الدولية الرفيعة، فضلاً عن الإضرار بسمعتها وصورتها الدولية، ما ا سيجعل من الصعب على الصين الترويج لسياسة حسن الجوار والصداقة والمبادئ الخمسة.
وفي بعض الأحيان، قد تكون للمصالح الوطنية العاجلة الأسبقية على المبادئ، لكن الصين ليس لديها مصالح قاهرة على المحك في أوكرانيا، وبالتأكيد ليست كافية لجعل بكين مستعدة للتخلي عن سياستها الخارجية.
وقال الكاتب إن الشعب الصيني يتفق على أن على بكين الحفاظ على العدالة في الساحة الدولية، وإذا أيدت الصين علناً العدوان الروسي على أوكرانيا، فقد يصعب على الشعب الصيني فهم التغيير المفاجئ. ونتيجة لذلك، ستؤدي مثل هذه الخطوة إلى خسارة الحكومة الصينية بعض الدعم الشعبي الداخلي.
وأضاف الكاتب “منذ وقت غير بعيد، أشارت مؤسسة أبحاث أمريكية إلى أن في الصين أغلبية صامتة لا تحبّذ سياسة الحكومة الصينية، وفي رأيي أن هؤلاء ليسوا جميعاً مناهضين للحكومة أو فوضويين، ولكنهم معارضون أكثر صمتاً يقاطعون بمهارة الأجواء القومية المفرطة في مجتمع اليوم».
وقال الكاتب إن على الحكومة الصينية أن تعرف هذا أيضاً، وعند وضع السياسات، ستأخذ في الاعتبار مواقف أكبر عدد ممكن من مواكنيها، وتلبي مصالح أكبر عدد ممكن من الشعب، لتمهيد الطريق للإدارة الاجتماعية المحلية.

تذكير بـ “قرن الإهانة»
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فمن الأهمية بمكان معرفة أن آراء معظم الصينيين متفاوتة في روسيا، وبعضها سلبي تماماً. ففي نهاية المطاف، كانت روسيا واحدة من القوى الأوروبية التي تعدت على الصين خلال “قرن الإهانة».
ويتذكر صينيون كثيرون التوسُّع الإقليمي الروسي في الصين منذ أكثر من 100 عام. وبالفعل، علّق العديد على صفحة السفارة الروسية في الصين على موقع “ويبو”، مطالبين روسيا بإعادة مدينة هايشنواي، فلاديفوستوك بالروسية إلى الصين.
ومع تعمق الأزمة في أوكرانيا، يتهم عديد من مستخدمي الإنترنت الصينيين روسيا بأنها “دولة معتدية».
وفي هذا السياق، رأى الكاتب أنه إذا دعمت الحكومة الصينية روسيا في غزو أوكرانيا، فإن ذلك سيدفع الكثير من الصينيين للتشكيك في عدالة حكومتهم وشرعيتها، وهو أمر يضر بالحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
وختم تشونشان قائلاً: “يدرك الدبلوماسيون الروس جيداً وجهة نظر الرأي العام الصيني من هذه التوترات، وهم يتعاملون معها بهدوء ويركزون فقط على الصداقة الصينية الروسية، وهذا يوضح أن  الصين وروسيا تركتا بعض المرونة ومساحة للمناورة، وتتفهم بكين وموسكو أن مواقفهما لن تكون متطابقة دائماً”، مضيفاً “حان الوقت لتدرك واشنطن هذه النقطة أيضاً».