هل تعلّم بايدن أي شيء في مسيرته عن أفغانستان؟

هل تعلّم بايدن أي شيء  في مسيرته عن أفغانستان؟


لإثبات أن معرفة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالسياسات الأفغانية محدودة جداً، يعود الكاتب السياسي في موقع “1945” مايكل روبين إلى ما قاله بايدن رداً على سؤال صحافي بشأن ما إذا كان يثق بحركة “طالبان”: “هل أثق بـ”طالبان”؟ لا. لكنني أثق بإمكانات الجيش الأفغاني، المدرب بشكل أفضل، المجهز بشكل أفضل، والأكثر كفاءة على مستوى قيادة الحرب».
يرى روبين أن جواب الرئيس الأمريكي قابل للتصديق في أروقة واشنطن ربما، لكنه يعبر عن جهل كامل بديناميات أفغانستان.

مزار شريف
سرد الكاتب كيف تعرف إلى أفغانستان بدءاً من سنة 1997. في ذلك الوقت، كان يدرس اللغة الطاجيكية في أوزبكستان وقرر القيام برحلة سريعة إلى مدينة مزار شريف التي كانت خاضعة لأمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم. سيطرت طالبان على كابول لكن الجبهة الأمامية كانت تبعد 150 كيلومتراً. مزار شريف نفسها كانت هادئة حيث تمكن الكاتب من التجول مع القليل من الأمن وتناول الغداء في مكتب دوستم إلى جانب ديبلوماسيين من القنصلية الإيرانية المحلية. لكن الوضع تغير في يوم واحد: توجهت “طالبان” إلى المدينة وتم نقل روبين إلى بلدة تيرميز الحدودية في أوزبيكستان. لم يكن الإيرانيون الذين تناول الغداء معهم محظوظين مثله لأن الحركة قتلتهم لاحقاً.

براعة عسكرية لطالبان؟
يوضح روبين أن انهيار مزار شريف لم يحصل بسبب براعة “طالبان” العسكرية بل بسبب حيلة سياسية. عقد الجنرال عبد الملك بهلوان، وهو أحد كبار مساعدي دوستم، اتفاقاً سرياً مع “طالبان” لأنه كان غاضباً منه الأمر الذي أدى إلى إعطائها حرية المرور إلى أكبر مدينة في شمال أفغانستان. بالفعل، لم تقاتل “طالبان” كثيراً خلال صعودها الأساسي إلى السلطة. بدأت الحركة تكتسب شهرة محلية سنة 1994. بعدما قام أمراء حرب محليون باختطاف تلميذتين والإساءة إليهما، انتقم طلاب علوم دينية محليون – “طالبان” – من خاطفيهما.
في مجتمع مزقه عنف الحرب الأهلية وأمراء الحرب، بدت صورة النظام والقانون التي روجت لها حركة “طالبان” جذابة. في ذلك الوقت، دعمت وكالة الاستخبارات الباكستانية قلب الدين حكمتيار، وهو أمير حرب إسلاموي بشتوني مضطرب اجتماعياً وصاحب أنوية متفوقة على براعته العسكرية. بعدما رأت الاستخبارات الباكستانية زخم “طالبان” غيرت توجهاتها وقامت بدعم الحركة.
على مدى السنوات القليلة التالية، توغلت “طالبان” في البلاد وعقدت الاتفاقات وضمت إليها خصوماً أفغاناً في وقت وعدت الغربيين بالديبلوماسية. إن استيلاء الحركة على كابول سنة 1996 جاء ضد مشاركتها الحسنة النية المفترضة في الجهود الدولية للتفاوض حول سلام داخلي. مجدداً، تابع روبين، لعبت السياسة والبروباغندا دوراً أعظم بكثير في السيطرة على الأراضي بالمقارنة مع الحرب المباشرة. هذا هو أحد أسباب انهيار “طالبان” سريعاً في مواجهة الحرب التي قادتها الولايات المتحدة أساساً في أكتوبر (تشرين الأول) 2016. فالزخم الذي كان دوماً أهم من تقنيات المعركة انقلب ضدها.

هدف ذاتي
إن قرار بايدن وترامب الانسحاب أحادياً من أفغانستان مرتبط بالسياسات الأمريكية الداخلية لا بالوقائع على الأرض. تكمن المأساة في أن بايدن محق بشأن قدرة الجيش الأفغاني على القتال، لكن في الوقت نفسه، أدت رغبتهما بخلق وهم حول مسار السلام الأفغاني لتغطية انسحابهما، إلى سحب البساط من تحت أقدام الحكومة الأفغانية المنتخبة. في الواقع، وعوضاً عن المغادرة وتركها تتعامل مع “طالبان” بحسب إرادتها، أطلقا النار على حكومة كابول وهما في طريق الخروج. وأضاف روبين أن تعامل الموفد الخاص زلماي خليل زاد مع “طالبان” باحترام أكبر من ذاك الذي تعامل به مع نائب الرئيس الأفغاني ومستشاره للأمن القومي كان هدفاً سجلته واشنطن في مرماها مع تداعيات سياسية عميقة.يؤكد روبين مجدداً أن الزخم هو كل شيء. جميع ما قام به بايدن وترامب صب في صالح تضخيم حركة “طالبان”. أن يقول إنه يثق بإمكانات الجيش الأفغاني، يظهر أنه بعد تمضية عقدين على رأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وثماني سنوات كنائب للرئيس، لا يزال بايدن يرى أفغانستان كشريحة باوربوينت، لكنه لم يتعلم أي شيء على الإطلاق حول تاريخ أفغانستان وثقافتها ودينامياتها السياسية.