هل تنسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط؟

هل تنسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط؟


منذ الهجمات التي تعرَّضَت لها إسرائيل في السابع من أكتوبر-تشرين الأول الماضي، أمسى الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية شرسة. وفي الوقت الذي تقتصُّ فيه إسرائيل من غزة، بادر الوكلاء المدعومون من إيران في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن ومختلف الميليشيات المتحالفة معها في سوريا والعراق، بتنظيم مجموعة متنوعة من الضربات على القوات والمنشآت الإسرائيلية والأمريكية.

مخاطر انتشار الصراع
وفي هذا الإطار، قال روبرت كلارك كاتب مُساهم في منظمة «أصوات شابة» (Young Voices)، ويعمل حالياً في مجال الشؤون الخارجية والأمن القومي في واشنطن العاصمة في مقال بموقع «ناشيونال إنترست»: «تسلِّط الضربات المستمرة التي تشنها إدارة الرئيس جو بايدن ضد الحوثيين في اليمن الضوء على مخاطر انتشار الصراع وتمدده، ولا سيما أن المسؤولين يبدو أنهم يتأهبون لصراع طويل الأمد». ويضيف الكاتب «رغم التهديد الذي يلوح في الأفق المتمثل في انجرار الولايات المتحدة إلى حرب أخرى طويلة ومكلفة وعقيمة في الشرق الأوسط، لا يزال نحو 3400 جندي أمريكي منتشرين في سوريا والعراق، دون خطة ولا أهداف واضحة». وأمست هذه القوات بسبب عجزها عن الرد أهدافاً يسيرة للميليشيات المتاخمة لها، فمنذ 7 أكتوبر -تشرين الأول الماضي، تعرضت هذه القوات للهجوم 150 مرة. وبحسب الكاتب «فقد آن الأوان لإعادة هؤلاء الرجال والنساء إلى وطنهم وتجنيبهم الأذى».
وتابع أن «غالبية جنودنا المنتشرين في العراق وسوريا هم بقايا مهمة القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، غير أن خلافة داعش المزعومة أُطيح بها عام 2019، ولم يتبقَّ منها سوى جيوب من الجهات الفاعلة غير المُنظَّمَة التي تواصل القتال، وهي جماعات يفضَّل أن تتولى قتالها قوات محلية كالجيش العراقي والشرطة العراقية والأكراد، بالاستعانة بتكتيكات تنطوي على استخدام الطائرات المسيرة أو غير ذلك من العمليات الجوية».
وأضاف «الواقع أنه بالتزامن مع نشر حاملة طائرات في البحر الأبيض المتوسط وقوة بحرية ضخمة في البحر الأحمر، فإن البحرية الأمريكية في وضع قوي يتيح لها قمع أي عودة محتملة لقوات داعش في جميع أنحاء الشرق الأوسط، دون وجود الجنود».

خطر جسيم في العراق
ويبرز العراق تحديداً بصفته منطقة لا يتعرض فيها الوجود البري للقوات الأمريكية إلى خطر وحسب، وإنما تتعرض أيضاً مهمتها غير المعلنة المتمثلة في تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة إلى خطر جسيم.
وأوضح الكاتب أن «إحدى المهام الأساسية للقوات العسكرية الأمريكية في هذا البلد هي تدريب وتجهيز القوات العسكرية وشبه العسكرية العراقية من أجل تعزيز قدرتها على مقاومة القوات المدعومة من إيران، ومن المفارقات أن كثيراً من الوحدات التي دربتها الولايات المتحدة قد نقلت هذه التدريبات العسكرية إلى الميليشيات المدعومة من إيران».
وصوَّت البرلمان العراقي عدة مرات لصالح انسحاب القوات الأمريكية، ودعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى «خروج سريع» للقوات الأمريكية عن طريق التفاوض في وقت سابق من الشهر الجاري.
وبحسب الكاتب «سيكون الشعب الأمريكي على حق، إذ يتساءل عمّا لا نزال نفعله في العراق بعد مرور 20 عاماً وأكثر».
ولفت الكاتب النظر إلى أن سوريا تمثل وضعاً أكثر تعقيداً، إذ يشتبك الجيش السوري والقوات التركية والقوات الديمقراطية السورية الكردية في صراع مع القوات الأمريكية العالقة في المنتصف.

تركيا والأكراد.. صراع مستقبلي
ولا تزال القوات التركية والكردية تتقاتل، ومن الأرجح أن ينجم عن ذلك صراع في المستقبل، وحتى لو كان من المهم للمصالح الأمنية الأمريكية التصدي لهذه النزاعات، فإن هذه الديناميكيات المعقدة تقتضي أعداداً أكثر بكثير من القوات الأمريكية المتمركزة حالياً ويبلغ عددها نحو 900 جندي.
ووفق الكاتب، فإن أقوى مسار لتحقيق الأمن الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه في المنطقة هو أن تسحب الولايات المتحدة قواتها وتتعاون بعد ذلك مع القادة الأكراد للترتيب لاتفاق أمني بين قواتهم والحكومة السورية، ذاك الاتفاق الذي كان قائماً قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية.
وفي نهاية المطاف، يقول الكاتب: «تمثِّل عمليات الانتشار القديمة للقوات الأمريكية في العراق وسوريا آخر بقايا مغامرة دولتنا الفوضوية والمدمرة التي استمرت عقدين من الزمن في الشرق الأوسط، وكان ينبغي لهذه الصراعات الباهظة الكلفة أن تنتهي منذ أمد بعيد».

القوات الأمريكية.. أهداف مغرية
وأضاف أن «إبقاء القوات الأمريكية على الأرض لا يفضي إلا إلى تقديم أهداف مغرية للجهات الفاعلة المحلية المعادية التي تريد توجيه رسالة رخيصة إلى الولايات المتحدة مفادها أنه لا يروق لهم وجودنا».
واختتم الكاتب مقاله بالقول: «إذا كانت عمليات الانتشار هذه جوهرية لأمن أمتنا، فربما كانت المخاطر مُقْنِعَة، لكنها ليست كذلك، لقد حان الوقت لأن يفي الرئيس بايدن بوعده الذي قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية بـ (إنهاء الحروب الأبدية) وإعادة رجالنا ونسائنا إلى أرض الوطن».