هل تواصل ألمانيا سياسة التطبيع مع روسيا بعد ميركل؟
حول الإتجاهات المحتملة لسياسة ألمانيا الخارجية بعد أن تترك المستشارة أنغيلا ميركل منصبها في سبتمبر(أيلول) المقبل، كتب ماتيو فوماغالي في موقع مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أن العلاقة بين برلين وموسكو(والإتحاد السوفياتي قبل ذلك) كانت ذات أهمية حاسمة بالنسبة إلى الأمن الأوروبي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي العقود الأخيرة، غلبت على موقف برلين حيال موسكو سياسة التطبيع التي أطلقها المستشار الراحل فيلي برانت عام 1969، والتي صممت لتعزيز التغيير، من طريق التقارب. وبنيت هذه العلاقة على الإنخراط – بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة- منذ انتهاء الحرب الباردة، مروراً بتفكك الإتحاد السوفياتي وإعادة توحيد ألمانيا، التي سهلها الإتحاد.
وعلى رغم أنه لم يتم التخلي عن سياسة التطبيع، تغير الكثير في الأعوام الأخيرة. وكان ذلك قبل أزمة 2014 في ما يتعلق بضم روسيا للقرم ودعمها لحرب هجينة في شرق أوكرانيا. وفي الواقع، كان الأمر يتعلق بإعادة مراجعة مسألة “القيم في مقابل المصالح” بالنسبة إلى السياسة الخارجية الألمانية. وتطغى هنا العلاقات الشخصية وتتراجع الثقة المتبادلة. وبات الرأي العام الألماني أكثر انتقاداً لروسيا. وتآكلت سياسة التطبيع تدريجياً.
التحدي مضاعف
وسيكون التحدي الرئيسي أمام أي شخص يتولى السلطة بعد 16 عاماً من حكم ميركل، مضاعفاً، مع الحسم في ما يجب فعله على صعيد السياسة الخارجية وكيف يمكن مواءمته مع الأولويات المختلف عليها مع الشركاء الأوروبيين وخصوصاً مع الولايات المتحدة.
فمع أن العلاقات الألمانية-الروسية مهمة، لكن أهمتيها تندرج أيضاً في سياق “متعدد المسارح” عالمياً. وبينما تحافظ برلين على علاقتها بموسكو، فإنها بحاجة إلى التعامل أيضاً مع أوكرانيا وبيلاروسيا. وعلى رغم الشكوك التي تشعر بها دول أوروبية حيال روسيا، فإنها تتعامل تجارياً مع الصين وتحافظ على روابط قوية مع واشنطن، في الوقت الذي تتعامل فيه روسيا والصين والولايات المتحدة مع بعضها.
وهكذا، فإن ميركل تستعد لمغادرة المشهد في نهاية وداع طويل، سيغير الكثير في العلاقة الألمانية-الروسية. فمن أين يمكن أن يأتي التغيير؟
محلياً، أي تعديل محتمل في السياسة الخارجية الألمانية من المحتمل أن يصدر عن القيادة السياسية أو المجمتعات المعرفية أو من الصناعيين أو التجار أو الرأي العام.
مصالح تجارية
ولا تزال الشركات الصناعية والتجارية عموماً في ألمانيا متعاطفة مع روسيا. ومن غير المحتمل أن تتخلى الشركات الألمانية عن مصالحها التجارية مع موسكو من أجل إعادة توجيه للسياسة الخارجية، لا سيما أن التعاون الإقتصادي مع الصين بات تحت رقابة دقيقة. ووسائل الإعلام والأكاديميين ومراكز الأبحاث كلها منقسمة. ويتراوح الرأي العام بين التناقض والإنتقاد حيال روسيا، التي يعتبر خنقها وقمعها للمعارضين وتعزيز نظام الإستبداد بواسطة اقتصاد قائم على النفط والغاز، منفراً للرأي العام الألماني من روسيا. وهذا سيترك اتجاه العلاقة مشروطاً، على الأقل في الوقت الحاضر، بالنسبة إلى القيادة الجديدة.ورأى الكاتب إلى أن فوزاً يحققه مرشح الإتحاد الديموقراطي المسيحي أرمين لاشيت سيضمن بعض الإستمرارية على رغم أن ألمانيا لن تكون على الأرجح هي نفسها. وتعكس التصريحات السابقة للاشين موقفاً متفهماً حيال روسيا، ورأياً أكثر براغماتية للعلاقة الألمانية-الصينية. ومن شأن دور أكبر للخضر أن يفتح الباب أمام سيناريوات جديدة.
وفي الخلاصة، إن السياسة الألمانية المحلية هي في تغير مستمر، ستنبثق من هذا الاتجاه. لكن ذلك يشكل جزءاً واحداً من معادلة تحدد بالطبع رسم السياسة الخارجية الألمانية للسنوات المقبلة.