هل غيّرت 11 سبتمبر فعلاً هيكلية القوة الأمريكية؟

هل غيّرت 11 سبتمبر فعلاً هيكلية القوة الأمريكية؟


في تحليل يعاكس الكثير إن لم يكن غالبية وجهات نظر المراقبين، ينفي عالم الاجتماع والأستاذ المشارك في جامعة سيدني سلفاتور بابونس أن تكون هجمات 11 سبتمبر قد غيرت أي شيء في مسار التاريخ الحديث.
وكتب بابونس في موقع “1945” أن الهجمات أزهقت بشكل مأسوي حياة حوالي 3 آلاف أمريكي إضافة إلى تسببها بكلفة مادية هائلة تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات. وهي أنتجت أيضاً تغييراً مؤقتاً في الحكم الأفغاني وتغييراً دائماً في الحكم العراقي.والآن، يقفل قباطنة الطائرات قمرات القيادة. لو اتبعوا فقط هذا الحس السليم منذ 20 عاماً لما كانت الهجمات قد حدثت قط. وتساءل الكاتب: “من كان يعلم قبل هذا اليوم المصيري أن مقصورات القيادة في الطائرات كانت أقل أماناً من حمامات الطائرات؟” لقد اتضح أن كل ما ينبغي فعله لتفادي مأساة رهيبة تهز العالم هو اتباع إجراءات أمنية منطقية.

قول مأثور
على الصعيد العملي، يستشهد بابونس بقول مأثور تُرجع المواقع الإلكترونية أصله إلى محرر صحيفة الفيغارو الفرنسية سنة 1849: “كلما تغيرت الأمور، ظلت كما هي”. لقد جلبت هجمات 11 سبتمبر الغضب الكامل للإمبراطورية الأمريكية على القاعدة وحماتها في أفغانستان، وبشكل محق. لكنها لم تشكل إيذاناً ببدء حقبة يفرض فيها اللاعبون من غير الدول تهديدات ممنهجة على السلام العالمي. كذلك، لا يأخذ الإرهابيون المتسلحون بقدرات نووية مدن العالم كرهينة. ولم تمزق العناصر المارقة الدول ذات الحكم الفاعل من خلال الحروب اللاتماثلية. على العكس من ذلك، حتى الدول ذات الحكم المعطل إلى حد كبير مثل نيجيريا وباكستان استطاعت الصمود والبقاء موحدة تحت هجمات العديد من التيارات المتطرفة.

كم مرة سمع العالم بنهاية أمريكا؟
يوضح بابونس أن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي تمحور حول الولايات المتحدة صمد بحزم على الرغم من هجمات 11 سبتمبر ومن الانسحاب الفاشل للولايات المتحدة من أفغانستان بعد عشرين عاماً. أولئك الذين يقرأون في مطار كابول نهاية التأثير الأمريكي، سبق لهم أن قرأوها أيضاً في سيطرة الشيوعيين على الحكم في الصين سنة 1949 وإطلاق مركبة سبوتنيك سنة 1957، وأزمة خليج الخنازير سنة 1961، وتعويم الدولار (1971) وسقوط سايغون (1975)، وأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران (1979-1981)، وتفجير بيروت (1983)، والانسحاب من الصومال (1993) ومجازر سريبرينيشتا (1995)، وأزمة عدم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق (2003)، وعدم احترام الخط الأحمر في سوريا سنة 2013 وعمليات التخلي المفترضة والمتعددة عن الأكراد (مع بوش الأب، كلينتون، بوش الابن، أوباما، ترامب، بايدن).

على هامش التاريخ
ينفي بابونس أي علاقة بين صعود الصين وهجمات 11 سبتمبر باستثناء تلك التي ترتبط بهيكليات القوى غير الشخصية. لقد جعلت العولمة من الصين “مجتمعاً مزدهراً بشكل متوسط” كما يحب المسؤولون الصينيون القول. إن مجتمعاً مزدرهاً نوعاً ما مؤلفاً من 1.4 مليار نسمة هو تهديد إقليمي لمجموعة من تكتلات القوى. إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، ومع افتراض أنها ستلعب أوراق القوة بطريقة صحيحة، فقد تطرد الصين البحرية الأمريكية من بحر الصين الجنوبي. وبالنظر إلى أن ذلك البحر واقع على بعد 5 آلاف ميل بحري غربي هاواي وألفي ميل شرقي جزيرة غوام، لا يمكن اعتبار هذا الأمر تهديداً للبر الأمريكي ناهيكم عن كونه تهديداً للسلام العالمي. يرى الكاتب أن عسكرة الصين لبحر الصين الجنوبي غير شرعي ومهدد لجيرانها الذين قد يسعون إلى الحصول على الدعم الأمريكي. كذلك، إن استيلاء طالبان على أفغانستان يهدد بزعزعة استقرار باكستان وبالغضب في إيران وبدفع تركمانستان وطاجيكستان أكثر نحو روسيا. إن كلا الحدثين هامشيان في تسوية ما بعد 1945.

سيكون عليهم الانتظار... مجدداً
حتى فيروس كورونا غير قادر على تأدية دور جدي في إعادة رسم هيكلية القوة العالمية. واجهت الولايات المتحدة أصغر حجم انكماش بين الاقتصادات المتطورة في 2020 وهي على طريق العودة إلى تسجيل أقوى توسع في أي اقتصاد متطور سنة 2021 وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. لذلك، سيكون على الضمور الأمريكي الانتظار مجدداً. لقد كانت هجمات 11 سبتمبر كارثة يمكن تفاديها في سلسلة طويلة من الكوارث التي أمكن تفاديها هي الأخرى.وكذلك الأمر بالنسبة إلى الانسحاب الفوضوي من كابول والذي كان يمكن تجنبه لو لم تبالغ إدارة بايدن في تقدير ديمومة الحكومة الأفغانية بعد رحيلها، ولو احتفظت بقاعدة باغرام الجوية كوثيقة تأمين. لقد تركت سبعة عقود من المآسي غير الحتمية خسائر فادحة على أرواح وأموال ومعنويات الأمريكيين. لكنها لم تترك تغييراً كبيراً في هيكلية القوة الأمريكية. بحسب بابونس، لا يمكن إنكار أن هجمات 11 سبتمبر غيرت حياة ملايين الشعوب، للأسوأ في غالبية الأحوال. لكن بالنسبة إلى نطاق التاريخ الأوسع، “هي لم تغير شيئاً».