خطاب الرئيس الصيني في الذكرى المئوية

هل ما زال الحزب الشيوعي الصيني ... شيوعيًا؟

هل ما زال الحزب الشيوعي الصيني ... شيوعيًا؟

-- تخلت الصين عن حدود الشيوعية من أجل التمتع بشكل أفضل بتجاوزات الرأسمالية
-- تخللت خطاب الرئيس الصيني إشارات إلى الماركسية اللينينية، التي تظل البوصلة الأيديولوجية
-- العودة إلى الجذور الحمراء، يجب أن تسمح، أولاً، للحزب الشيوعي الصيني بالبقاء في السلطة


أعلن شي جين بينغ في 5 مايو 2018، بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميلاد كارل ماركس، أنه واجب مقدس على جميع الشيوعيين الصينيين أن يطوروا الماركسية باستمرار. ويوم الخميس، كرمه السكرتير الأول للحزب الشيوعي الصيني بمناسبة الذكرى المئوية للحزب.

مرتديا باعتزاز الزي الثوري الصيني، الملقب بـ “زي ماو”، غازل رئيس جمهورية الصين الشعبية حشدًا متحمسًا: “الاشتراكية فقط هي التي يمكن أن تنقذ الصين، فقط الاشتراكية ذات الخصائص الصينية كانت قادرة على تطوير الصين”. المقْرَأ الذي كان يتحدث من خلاله، والمزيّن بمطرقة ومنجل، يذكّر حوالي 70 ألف صيني ممن يستمعون في خشوع إلى خطابه في ميدان تيان آن مين، “أنّ هذه الاشتراكية ذات الخصائص الصينية” تبقى تحت التأثير القوي للماركسية اللينينية.  

إن البرمجية الأيديولوجية للحزب الشيوعي الصيني، الذي تم تأسيسه عام 1921 من قبل مجموعة من المثقفين الصينيين ومستوحى من الثورة البلشفية، لم تظهر عليها التجاعيد بعد. إنها على الأقل متجذرة بعمق في أذهان أعضائه البالغ عددهم 90 مليونًا، وتم تكوينهم من خلال القراءة الإلزامية للنصوص الأساسية. على سبيل المثال، تم تحديد أنهم ممنوعون تمامًا من الاعتقاد في دين يعتبر غير متوافق مع “العقيدة” الشيوعية. فمنذ عام 1949، عندما تم تأسيس جمهورية الصين الشعبية، كان الحزب ينتقد الأديان دائمًا، حيث يُنظر إليها على أنها قوة مضادة غير شرعية. وفي هذه النقطة، كما في كثير من النقاط الأخرى، اعتمد الحزب الشيوعي الصيني بشدة على مقاربة الاتحاد السوفياتي.

«في عهد شي جين بينغ، أصبحت إعادة الصياغة الأيديولوجية عملية مركزية للعمل الحزبي، والأساليب المستخدمة في كثير من الحالات تشبه تلك المستخدمة خلال حقبة ماو”، تذكّر في كتابها الأخير “احمر فاقع، المثل الاعلى الشيوعي الصيني”، أليس إيكمان، الخبيرة الشهيرة في شؤون الصين.
لقد فاجأت المواقف التي اتخذها الزعيم الصيني الحالي مسؤولي الحزب في بعض الأحيان. ففي المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2017، دعا إلى “كشط العظم لإزالة السم” من أجل تقوية النقاء الأيديولوجي للحزب، قبل ان يستعير من ماو مقولته، مؤكدا أن “الصين دولة اشتراكية ذات ديكتاتورية ديمقراطية شعبية بقيادة الطبقة العاملة وعلى أساس تحالف العمال والفلاحين «.

تناقض
هذه العودة إلى “الجذور الحمراء”، يجب أن تسمح، أولاً وقبل كل شيء، للحزب الشيوعي الصيني بالبقاء في السلطة. ووفقًا للمقابلات التي أجرتها أليس إيكمان مع دبلوماسيين صينيين ومسؤولين حزبيين، فإن حقبة الانفتاح التي قادها دنغ شياو بينغ من عام 1978، أظهرت لهم أن الرأسمالية لم تكن الطريق الصحيح التي عليهم اتباعها.
 “لا تزال الصين في مرحلة الاشتراكية ... وستظل كذلك عام 2050، لأن الرأسمالية ليست الطريق الصحيح. ان الشيوعية مثل اعلى، والاشتراكية هي الشكل الواقعي للحكم الذي يجب أن يتجه نحو هذا المثل الأعلى”، أكد لها مسؤول حزبي في يونيو 2018.

ومع ذلك، “ظهر تناقض قوي في الثمانينات بين أيديولوجية الحزب والواقع الاقتصادي للبلاد. وإعادة التأطير الأيديولوجي التي نلاحظها منذ وصول شي جين بينغ إلى السلطة، تهدف فقط إلى إعطاء الحزب مصادر جديدة للشرعية”، يقول أنطوان بونداز، الباحث في مؤسسة البحوث الاستراتيجية.
ترجع المعجزة الاقتصادية الصينية إلى حد كبير إلى التحرير القسري للاقتصاد.

 منذ رئاسة دنغ شياو بينغ، انتقلت الصين من اقتصاد مخطط مركزي إلى اقتصاد السوق. وشجع مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني الشركات الصينية على الاستثمار بكثافـــــة في الخــــارج، وقد برزت هذه السياسة في السنوات الأخيرة مع مشروع طرق الحرير الجديدة. باختصار، تخلت الصين عن حدود الشيوعية من أجل التمتع بشكل أفضل بتجاوزات الرأسمالية. وبالتالي، فإن الأيديولوجية الشيوعية هي بمثابة دعامة لـ “سور الفولاذ العظيم” الذي بناه 1.4 مليار صيني والذي ذكره شي جين بينغ في خطابه... لكن أساسات البناية تبقى هشة...