الخلافة لا تضمن استقرار البلاد:

هل هو انقلاب عسكري مقنّع في تشاد...؟

هل هو انقلاب عسكري مقنّع في تشاد...؟

• موت الراعي يغرق تشاد في مستقبل غامض، حيث ركز المارشال كل السلطات حول شخصه
• الجميع يقول إن محمد هو ابن إدريس ديبي، لكنه في الواقع ليس ابنه البيولوجي
• الجنرال الشاب الذي دُفع على رأس البلاد، يتقدم على حقل ألغام
• محمد إدريس ديبي، يشهد تحديًا لشرعيته حتى من قبل أفراد عائلته
• لا يمكن استبعاد البعد العرقي عند تحليل الوضع السياسي وتوازن القوى


كان في زمان ما، رئيس دولة يواجه تمردًا مسلحًا كان يتقدم نحو عاصمة بلاده في محاولة للإطاحة به. قرر ساعتها الذهاب إلى الجبهة لمواجهته، وأثناء قتال عنيف، أصيب وتوفي بعد ساعات قليلة. تبدو وكأنها قصة من زمن بعيد عندما كان قادة الدول، ولا سيما الملوك، محاربين ايضا، ومع ذلك فهو المصير المأساوي الذي عاشه إدريس ديبي إيتنو في 19 أبريل... على الأقل بحسب الرواية الرسمية.

توفي الرئيس التشادي، 68 عامًا، من بينهم ثلاثون في السلطة، متأثراً بجراحه أثناء قيادة قواته في القتال ضد جبهة التناوب والوفاق في تشاد. يقود هذه المجموعة السياسية العسكرية المتمردة محمد مهدي علي، اللاجئ السياسي منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا في فرنسا، والناشط السابق في الحزب الاشتراكي الفرنسي.

دكتاتور وشريك رئيسي
وتعليقًا على الظروف غير العادية لوفاة رئيس الدولة، قال رولان مارشال، الأستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس والمتخصص في تشاد: "إن ما حدث يشبهه... فهو في نفس الوقت شجاع جدا وغافل قليلا". خلال حياته، تفاخر إدريس ديبي، وهو جندي محترف تكوّن في فرنسا، بأنه أحد القادة الوحيدين في العالم الذين ذهبوا للقتال مع جيشهم على الخطوط الأمامية. وسبق ان تميّز في السنوات الأخيرة من خلال قيادته للعمليات العسكرية على الأرض لتعقب الجماعات الإرهابية في منطقة بحيرة تشاد.
ولمكافأة "شجاعته"، رفعته الجمعية الوطنية التشادية عام 2020 إلى رتبة مشير، وهي أعلى رتبة عسكرية في البلاد. تكريس رمزي لهذا الجندي الذي وصل إلى السلطة بالقوة عام 1990، بعد انقلاب على الرئيس السابق حسين حبري.

يُنظر إلى إدريس ديبي على أنه ديكتاتور من قبل خصومه، وكشريك رئيسي من قبل المجتمع الدولي (بما في ذلك فرنسا) في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وكان قد تمت إعادة انتخابه قبل وفاته بفترة وجيزة لولاية سادسة بدرجة سوفياتية: 79 فاصل 32 بالمائة من الأصوات.
خلال سعيه للحصول على ولاية سادسة، رتبت جبهة التناوب والوفاق في تشاد صفوفها لخوض المعركة، عازمة على إسقاط الرئيس التشادي. ولئن تم ذلك، فإن الموت الوحشي لـ "الراعي" – كما يلقب ديبي نفسه -يغرق تشاد في مستقبل غامض للغاية، حيث ركز المارشال كل السلطات حول شخصه.

استقرار البلاد
في 20 أبريل، أعلن الجيش حل الحكومة والبرلمان لإنشاء مجلس عسكري انتقالي برئاسة محمد إدريس ديبي، أحد أبناء الرئيس الراحل. وسيكون الجنرال، 37 عامًا، مسؤولاً عن قيادة البلاد طيلة ثمانية عشر شهرًا، حتى يتم تنظيم الانتخابات. ووفقًا لبعض الشائعات، كان المارشال قد بايعه وهو على فراش الموت.

 ومن المفارقات، في الدستور التشادي المعتمد عام 2018، إدريس ديبي، الذي لم يفكر حقًا في خلافته، كان قد حدد 40 عامًا كحد أدنى لسن الرئاسة. نجاح مسرّة، شاب يبلغ من العمر 38 عامًا، تخرج من معهد العلوم السياسية في باريس، والذي كان من أشد خصومه، ندد في ذلك الوقت بشرط استبعاده من السباق الرئاسي. وهذا إجراء دستوري لا ينطبق على نجل ديبي، الذي تم تأكيده في مهامه بفضل ميثاق انتقالي نُشر الأربعاء 21 أبريل على الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية.

وصفه أقاربه بـ "الهادئ" و "الكتوم"، فقد تولى الجنرال الشاب حتى الآن قيادة الحرس الرئاسي. وعلى عكس والده الذي أجرى جزءً من تكوينه العسكري في فرنسا، فإن محمد ديبي هو نتاج خالص للنظام العسكري التشادي باستثناء فترة قصيرة في المدرسة الثانوية العسكرية في إيكس إن بروفانس.

إنه معروف جيدا في كواليس الجيش التشادي. لقد سبق ان شغل منصب رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي، ومعروف جدا في الأجهزة الأمنية، كما عمل في مكتب والده. ومع ذلك، نحن امام فترة عدم استقرار لأننا اليوم يمكن أن نتحدث عن انقلاب عسكري. إن الدستور ينص على أن رئيس الجمعية الوطنية يجب أن يتولى السلطة"، يوضح لـ "تي في 5 موند"، كيلما ماناتوما، باحث في العلوم السياسية في جامعة باريس-X نانتير.

وفي محاولة لتبرير انقلاب عسكري لا يذكر اسمه، يواصل المقربون من الرئيس الراحل التأكيد على أن إنشاء مجلس عسكري انتقالي كان الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار في البلاد. وأكد رئيس الجمعية الوطنية، الذي كان من المفترض أن يتولى المنصب مؤقتًا في حالة الشغور في السلطة، أنه أعطى الإذن بإنشاء المجلس العسكري الانتقالي.

انقلاب
ومع ذلك، فإن اختيار محمد ديبي لخلافة والده بعيد كل البعد عن ضمان استقرار البلاد. ويخشى بعض المراقبين على وجه الخصوص، حدوث صراع داخل عائلة ديبي، حيث أن للمارشال عديد الأبناء، وبعضهم يعتبرون أنفسهم أكثر شرعية من محمد.
 "الجميع يقول إن محمد هو ابن إدريس ديبي، لكنه في الواقع ليس ابنه البيولوجي. كان ابن صديقه الذي مات في القتال وقرر أن يتبناه. لذلك هناك احتمال ألا يتم قبوله كخليفة شرعي من قبل جميع الأبناء الآخرين، أو حتى من قبل أبناء إخوة ديبي وأبناء عمومته، إذا سعى للبقاء في السلطة لفترة طويلة"، يلاحظ صحفي يعرف تشاد جيدًا. لذلك، على حقل ألغام، يتقدم الجنرال الشاب الذي دُفع على رأس البلاد.
قد يواجه محمد ديبي أيضًا عدم ثقة جزء من النخبة التشادية من جماعة الزغاوة العرقية. فكما هو الحال في العديد من البلدان الأفريقية، في تشاد، لا يمكن استبعاد البعد العرقي عند تحليل الوضع السياسي وتوازن القوى.
ينتمي محمد ديبي، مثل والده، إلى جماعة الزغاوة العرقية، التي يعدّ عدد كبير من أعضائها من بين كبار ضباط الجيش. لكن والدته وزوجته، وهي صحفية تعمل في الصحافة الرئاسية، ينتميان إلى جماعة غوران العرقية. لذلك فإن مجتمع الزغاوة حذر من محمد، ولا يعتبرونه بالضرورة منهم.

الهدوء الذي يسبق العاصفة؟
 "في هذه الفترة، ما بعد ديبي، سيكون إما سلامًا أو حربًا"، يُجمع العديد من الخبراء. التزم متمردو جبهة التناوب والوفاق في تشاد، المتمركزون على بعد 300 كيلومتر من العاصمة، بهدنة منذ إعلان وفاة الرئيس. وبعد التهديد بالهجوم إذا لم يكن هناك عودة إلى النظام الدستوري، قالوا إنهم منفتحون على النقاش. يد ممدودة، رفضها المجلس العسكري مباشرة. وأصر المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي، على أن "الوقت ليس للوساطة ولا للتفاوض مع الخارجين عن القانون".
وبالتالي، يمكن أن يؤدي الخطاب الحربي للمعسكرين إلى اشتباكات عنيفة جديدة، وستكون حصيلتها سيناريوهين: هزيمة التمرد التي ستسمح للمجلس العسكري الانتقالي بالبقاء في السلطة، أو وصول المتمردين إلى العاصمة للإطاحة بالمجلس العسكري.
وفي حال السيناريو الثاني، يمكن للبلاد أن تعتمد على فرنسا، كما اوحى إيمانويل ماكرون، خلال خطاب التأبين الذي ألقاه على "صديقه إدريس ديبي": "لن تسمح فرنسا أبدًا لأي شخص بالتشكيك، ولن تسمح لأحد أبدًا بتهديد، لا اليوم ولا غدا، استقرار وسلامة تشاد".
رئيس الدولة الغربية الوحيد الذي حضر جنازة الرئيس التشادي والتقى بنجل ديبي، يُتّهم ماكرون من قبل المعارضين التشاديين بتأييد الانقلاب العسكري بحكم الأمر الواقع، والرغبة في الحفاظ على نظام ديبي بأي ثمن، حتى بعد وفاته باسم مصالح فرنسا في المنطقة.