هل ورط بوتين ترامب في وعده بلقاء زيلينسكي؟
على عكس ما تبدو عليه الأمور، فإن جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعقد قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم تبلغ مرحلة نهائية. فقد اصطدمت المرحلة الحساسة من التحضيرات بخلافات عميقة في وجهات النظر بين البيت الأبيض والكرملين.
ويؤكد مقربون من إدارة ترامب لـ»إرم نيوز» أن الفريق الأمني الروسي لم يتطرق إطلاقًا لقمة مرتقبة بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي، وذلك لأن الروس فضلوا الدقة في تعابيرهم العلنية على إبداء أي تسرع في التجاوب مع المقترحات الأمريكية.
وقد تحدث المسؤولون الروس عن لقـــــــاءات على المســـــــتوى الرفيع دون أن يذكروا في أي مناسبة ســـــــابقة لقـــــاء مباشــــرا مع الرئيس زيلينسكي، ووراء ذلك مجموعة من الأسباب المعقدة.
العلاقة الشخصية
والعقبات السياسية
ويقول العارفون، ليس سرًّا أن بوتين لا يرغب في التعامل المباشر مع نظيره الأوكراني إلا في مرحلة التوقيع النهائي على اتفاق. ففي المراحل التي تسبق ذلك، يفضل بوتين التعامل مع الولايات المتحدة كوسيط، وتحديدًا مع الرئيس ترامب.
وهناك سبب آخر مرتبط بحجم العداء بين الرجلين، حيث حاولت أجهزة الكرملين الأمنية في مناسبات عديدة اغتيال زيلينسكي.
كما راهنت موسكو في وقت من الأوقات على رفض التفاوض معه؛ لأن فترة ولايته الرئاسية قد انتهت، وهو موقف تبنّاه ترامب شخصيًّا في مرحلة معينة. يضاف إلى ذلك التحفظ الروسي من استقلالية قرار زيلينسكي، حيث ترى فيه موسكو أداة يستخدمها القادة الأوروبيون ضدها، وبالتالي لا يمكن لها التعامل معه باحترام.
هذه الأسباب جعلت من الصعب على البيت الأبيض حتى الآن إحراز أي تقدم في مساعي ترتيب القمة الثنائية أو حتى الثلاثية في مكان لا يزال هو الآخر لم يحدد بعد.
لقد كان هناك اتفاق مبدئي مع بوتين على لقاء زيلينسكي، لكن الاختلاف في وجهات النظر الأمريكية أن اللقاء سيكون جزءًا من المفاوضات، بينما كانت وجهة النظر الروسية توافق على مبدأ اللقاء النهائي لترسيم اتفاق يتم العمل عليه في المرحلة الأولى.
وقد تغير الموقف لاحقًا عندما قبل الكرملين بلقاء منفرد بين بوتين وزيلينسكي؛ لأن ذلك سيسهل على بوتين تحقيق رغبته في التعامل بحرية مع نظيره الأوكراني قبل انضمام ترامب إلى الجلسة الثنائية في مرحلة لاحقة.
العقدة الكبرى
في طريق الترتيبات
ووفق المراقبين، لا يزال الموقف الأوروبي يشكل العقدة الكبرى في طريق هذه الترتيبات؛ فالقادة الأوروبيون ينظرون بعين الشك إلى نوايا بوتين الحقيقية، وهو ما أعلنوه صراحة خلال قمة الأطلسي في واشنطن.
ومن جانبها، التقطت موسكو الرسالة جيدا وذهبت إلى اتهام الأوروبيين بالتشويش على المساعي الأمريكية للتوصل إلى اتفاق، وهو ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين قال، إن القادة الأوروبيين يحاولون دفع ترامب إلى تغيير وجهة نظره وتغيير مواقفــــــه من موســـــكو، وأن ذلك لن يســـــــــاعد على تحقيق أي تقدم.
وتشكل هذه النقطة عقبة حقيقية أمام جهود الرئيس ترامب في التوصل إلى ترتيبات نهائية للقمة المرتقبة وإمكانية رسم معالم اتفاق، خصوصًا مع إصرار الأوروبيين على الحضور إلى واشنطن لدعم الرئيس الأوكراني وعدم تركه وحيدًا في مواجهة ضغوط ترامب، وثانيًا ومن خلال المقترح الفرنسي بالإصرار على حضور الاتحاد الأوروبي القمة المرتقبة؛ لأن قادة أوروبا لا يريدون لترامب أن يقرر مصيرها بعيدًا عنها أو بدلًا عنها.
ويكشف المقربون من ترامب عن وجود بون شاسع بين المشاعر التي يتعامل بها الأوروبيون مع روسيا والمساعي التي يخوضها الرئيس ترامب؛ فترامب يتعامل مع الموقف على أنه قابل للحل بصرف النظر عن حجم التنازلات التي يجب كل طرف أن يقدمها، بينما يرى الأوروبيون أنهم بصدد التعامل مع خصم سياسي عنيد ليس لديه نية صادقة في التوصل إلى سلام أو بناء علاقة ود واحترام معهم، وأن ما يراه ترامب أمرًا ممكنًا يراه الأوروبيون أمرًا معقدًا جدًّا عندما يتعلق الأمر بحقيقة الموقف عند بوتين.
أهداف بوتين
أبعد من أوكرانيا
ويقول المقربون، إن هناك تقديرًا أوروبيًّا واضحًا بأن بوتين لا يريد سلامًا مع أوكرانيا ولا مع أوروبا، وأن لديه أهدافًا أبعد من أوكرانيا وحتى من أوروبا في مسعاه الحالي.
ويرى الأوروبيون أن بوتين كان يرغب في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والعودة إلى المسرح الدولي مجددًا، وكسر الحصار الأوروبي المفروض عليه. وقد تحقق له ذلك في ألاسكا، والآن هناك مساع لرفع الحظر عنه حتى يتمكن من حضور القمة الثنائية او الثلاثية وذلك لأنه لا يزال مطلوبًا لدى المحكمة الجنائية الدولية
ويقول مصدر مطلع على محادثات فريق ترامب مع القادة الغربيين سواء الذين زاروا واشنطن الاثنين الماضي أو الذين تحدث إليهم ترامب ومعاونوه عبر الهاتف بعد قمة ألاسكا لـ»إرم نيوز»، إن بوتين لم يكن يرغب في تحقيق سلام حقيقي.
ويرى القادة الأوروبيون أن بوتين لا يريد الالتزام بوقف إطلاق النار؛ لأن ذلك سيغير المعطيات على الأرض، فهو يريد أن يجعل من الضغط المتواصل على القوات الأوكرانية ومكاسبه العسكرية على الأرض محمية، ولذلك هو يريد من عامل الوقت الذي تمنحه الدبلوماسية مزيدًا من المكاسب الشخصية له ولقواته داخل أوكرانيا.
ووفقًا لهؤلاء المسؤولين، فإن قمة بين زيلينسكي وبوتين، حتى وإن بدت ممكنة في التصريحات، لا تزال بعيدة بسبب انعدام ثقة الأوروبيين الكامل في أي التزام يعلنه بوتين، خاصة عند تواصله ولقائه بالرئيس ترامب.