حذارِ الاتفاق البرغماتي

هل يسقط الغرب في فخ ليونة النظام الإيراني؟

هل يسقط الغرب في فخ ليونة النظام الإيراني؟


لاحظت الباحثة السياسية الإيرانية ماري عبدي أن الإدانات القوية التي وجهتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى النظام الإيراني عقب إعدام بريطاني-إيراني بناء على تهم بالتجسس لم تكن الأولى من نوعها.
فمنذ بدء الجولة الأحدث من الاحتجاجات المناهضة للنظام في سبتمبر (أيلول) 2022، اتخذ العديد من كبار المسؤولين الغربيين مواقف غير مسبوقة ضد النظام وقمعه الوحشي للاحتجاجات.

أكبر رهينة
كتبت عبدي في “معهد الشرق الأوسط” أنه حين تواجه الحكومة الإيرانية ردة فعل كهذه من الغرب تلجأ بشكل متكرر إلى تحركات محددة مثل احتجاز الرهائن. عادة ما يستلزم ذلك توقيف مواطنين غربيين مزدوجي الجنسية بناء على ما تسميه إيران اتهامات أمنية. منذ سبتمبر، أعلنت السلطات السياسية والأمنية في إيران اعتقال عدد من المواطنين الغربيين بمن فيهم مزدوجو الجنسية. في الماضي، برهنت الدول الغربية ومن ضمنها الولايات المتحدة أنها جاهزة للتعامل مع النظام الإيراني حيال هؤلاء السجناء. مع ذلك، ربما أهم “رهينة” تعتمد طهران عليها للتأثير في القوى الغربية هي البرنامج النووي الإيراني.

ادعاءات غير دقيقة
بعد بدء موجة جديدة من الاحتجاجات شدد بعض مسؤولي إدارة بايدن على أن واشنطن لم تعد تعتبر القضية النووية أولويتها تجاه إيران بل التظاهرات المستمرة. لكن هؤلاء المسؤولين أدلوا بتلك التعليقات حين كانت المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية متوقفة أصلاً منذ مارس (آذار) 2022 بفعل مطالب طهران غير المتوقعة. قالت إيران إن النقاش حول ما يسمى بالأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي يجب أن يغلق وهو أمر غير وارد بالنسبة إلى المفاوضين الغربيين. نتيجة لذلك، تابعت عبدي، إن تشديد واشنطن على تعليق المحادثات النووية يثير أسئلة عما إذا كان سيستمر ذلك حتى مع إظهار طهران إشارات مرونة في الموقف النووي.

إيران الخائفة
أصبحت القضية أكثر أهمية حتى منذ بضعة أسابيع بفعل بيانات متفائلة أدلى بها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال اجتماع ثنائي في الأردن. في 20 ديسمبر (كانون الأول)، غرد بوريل: “اتفقنا على ضرورة أن نواصل الإبقاء على الاتصالات مفتوحة واستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة على أساس مفاوضات فيينا.” في اليوم نفسه، غرد أيضاً عبد اللهيان كاتباً أنه “خلال اجتماع بناء، أكد (بوريل) عزمه على استكمال المفاوضات إلى نهايتها.»
تم الإدلاء بهذه التعليقات بالتوازي مع اقتراح بعض الإعلام الإيراني ضرورة مراجعة السياسة الخارجية الإيرانية لتفادي وضع جميع البيض في سلتي روسيا والصين. ازدادت هذه التعليقات حدة عقب زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الرياض أوائل ديسمبر والتي وصفها محللون إيرانيون كثر بأنها طعنة في الظهر.

لعدم المبالغة
بالرغم من كل ذلك، ينبغي عدم المبالغة بأهمية تكهنات الإعلام الإيراني عن الحاجة إلى مراجعة سياسة طهران الخارجية. إن المنصات الإعلامية الداعمة للفكرة هي بمعظمها مقربة من الفصائل التي دعمت التقرب من الغرب لسنوات طويلة، منذ رئاسة حسن روحاني. حالياً، هذا الإعلام لا يعكس أو ليس لديه نفوذ في السياسة الخارجية وفق عبدي.
بشكل مماثل، أثبتت سنوات من المفاوضات النووية أنه يجب عدم الاعتماد كثيراً على بيانات مثل تغريدة عبد اللهيان المتفائلة في 22 ديسمبر حيال آفاق المحادثات. إن البيانات الرسمية لكبار الديبلوماسيين الإيرانيين خلال حديثهم مع نظرائهم الغربيين هي عادة واعدة أكثر من كونها انعكاسات للمواقف الفعلية للنظام الإيراني والمرشد الأعلى علي خامنئي.

توقيت لافت
مع ذلك، تابعت الكاتبة، تمتع توقيت تغريدات عبد اللهيان وبوريل حيال المحادثات الثنائية بأهمية خاصة: هي أتت في وقت زعمت السلطات الإيرانية أنها اجتازت الاحتجاجات في الشارع. أكد المسؤولون الإيرانيون أن الظروف الجديدة عدلت أولويات أعداء النظام الذين أملوا يوماً تغيير النظام لكنهم بحاجة الآن للتوصل إلى اتفاق مع طهران. في 27 ديسمبر، توجه الرئيس ابراهيم رئيسي إلى هؤلاء “الأعداء” قائلاً: “لقد اختبرتم هذا مرات عدة، لذلك لماذا تكررونه؟ لماذا بعد نهاية الاضطراب... أرسلتم رسالة بأنكم جاهزون للتحدث؟ (أنتم) الذين قلتم إنكم كنتم تنتظرون إطاحة؟».
توضح عبدي أنه في الحقيقة، لم تنته احتجاجات الشعب الإيراني والاعتقاد العام هو أن الوضع السياسي في البلاد لن يعود أبداً إلى حقبة ما قبل الاحتجاجات. مع ذلك، من الواضح أن السلطات الإيرانية تعتقد أنها قادرة على استعادة العلاقات بين طهران والغرب إلى سابق عهدها.

إيران تتلاعب بمخاوف الغرب
لقد تمكنت السلطات الإيرانية من إخافة المجتمع الدولي عبر الإشارة إلى أن برنامجها النووي قد يبلغ قريباً نقطة اللاعودة. وصلت ذروة هذا النهج في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) حين بدأت إيران التخصيب في منشأة فوردو بنسبة 60 في المئة. قالت طهران إنها اتخذت هذه الخطوة رداً على قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقد برنامجها النووي.
إن مخاوف المجتمع الدولي حيال برنامج إيران النووي هي التي تجعل الدول الغربية تفعل كل شيء تقريباً للتوصل إلى اتفاق مع طهران. يدرك النظام جداً هذه المخاوف ويعلم كيف يستغلها لصياغة سياسات الغرب. في السابق، استخدمت طهران هذا التكتيك بنجاح للتأثير على مواقف واشنطن بشأن سياساتها الداخلية، واحتجاجات 2009 هي مثل شهير على ذلك، إذ تمكنت إيران من منع المسؤولين الأمريكيين من دعم الانتفاضة عبر إبقائهم آملين بآفاق لاتفاق نووي معها.

حذارِ الاتفاق البرغماتي
قد يواصل بعض المسؤولين في واشنطن الاعتقاد بأنهم قادرون أخيراً على إقناع النظـــــام بإظهــــــار مرونـــــــة حيال برنامجـــــــه النووي من خلــــــــــال عدم اتخـــــــاذ موقف قوي ضد قمـــــــــع الاحتجاجات الإيرانية.
 في الحقيقــــــــة، فرصة النجاح بالنسبة إلى هذا النهج قد لا تكون صفراً.
 لكن حسب تحذير الكاتبة، إن الذين يتطلعون إلى اتفاق براغماتي مع النظام الإيراني بصرف النظر عن سلوكه الداخلي لا يستطيعون تجاهل احتمال مختلف جداً: بسبب أملهــــــــا بكسب تعاون النظام الإيراني، ستعقد الحكومة الأمريكية مجدداً تســـــــوية حول مبادئها من دون دفع إيران إلى اتخاذ أي تنازلات مهمة.