الصحافة الفرنسية لاتزال تُبدي اهتمامها بنتائج الانتخابات

هل يظهر أتاتورك جديد في بلاد الأناضول؟

هل يظهر أتاتورك جديد في بلاد الأناضول؟

لا زالت الصحافة الفرنسية تُبدي اهتمامها بنتائج الانتخابات المحلية، التي جرت يوم 31 مارس (آذار) في تركيا، مُعبّرة عن دهشتها من الفوز الواسع الذي حققته المُعارضة، ومُسلّطة الضوء على تبعات ذلك على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العام 2027 وتأثيرها على العلاقات الأوروبية التركية.
مجلة "ماريان" اعتبرت أنّه للمرّة الأولى منذ ربع قرن تقريباً، يخرج حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المُعارضة التركية، مُنتصراً، مُتسائلة "هل هي نهضة حقيقية أم مؤقتة للكمالية التي أصبحت في حالة احتضار منذ ظهور حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم؟" لتُجيب عن ذلك بالقول "هناك شيء واحد مؤكد، وهو أنّ الديمقراطية مستمرة في تركيا. بشرى سارة للأتراك وجيرانهم الأوروبيين".
ووصف الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي ستيفان أوبوارد، ما حدث يوم الأحد الماضي يـِ"معجزة في تركيا.. لقد تمّ إحياء مصطفى كمال أتاتورك، الذي حاول الرئيس رجب طيب أردوغان أن يحلّ محلّه في قلوب الأتراك لمدة عشرين عاماً، أو بتعبير أدق عاد حزبه، حزب الشعب الجمهوري، بعد سنوات عديدة من طيّ النسيان للظهور بشكل لافت جداً". ويُشار إلى عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي يُمثّل حزب الشعب العلماني، على أنّه مُنافس شرس في أيّ انتخابات رئاسية قادمة، إذ بدا بعد إعادة انتخابه لولاية جديدة على رأس أكبر المدن التركية، كزعيم للمُعارضة في بلاد الأناضول.

أبو الأتراك
والأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو أن الحزب الكمالي لم يحصل طوال عقدين من الزمن إلا على 25% من الأصوات، سواء خلال الانتخابات المحلية أو الوطنية. لكنّه اليوم تفوّق على أصوات التحالف الحاكم، وبالنسبة لهذا الحزب التاريخي الذي أنشأه والد الأمة التركية قبل قرن من الزمان، يبدو أن الولادة الجديدة قد حدثت هذه المرّة.
ورغم مرور نحو 86 عاماً على رحيل مصطفى كمال أتاتورك، إلا إنّه ما زال يحظى بمكانة كبيرة لدى الأتراك، ويرى كثيرون أنّه قدّم الكثير من الإنجازات لبلاده، وأهمها توحيد الشعب التركي والحفاظ على هويته، وإبعاده عن التطرّف والتشدد.
وقد أطلق عليه اسم أتاتورك (أبو الأتراك) وذلك للبصمة الواضحة التي تركها عسكرياً وسياسياً، وبناء نظام جمهورية تركيا الحديثة. ولكن في المقابل هناك فريق حالي لا يحب أتاتورك، ويرى أنه سبب سقوط الدولة العثمانية، وعمل على إبعاد الدين عن شؤون الدولة والحياة العامة والمجتمع وحصره في دور العبادة.

مُعجزة ديموقراطية
ولم تكن النتائج الجيدة التي حصل عليها حزب الشعب الجمهوري مرتبطة فقط بجدارة سياساته ومرشحيه، إذ حصل على دعم نسبة كبيرة من مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي (اليسار الكردي)، وهو ثالث أكبر الأحزاب في تركيا.
وعلاوة على ذلك، بالإضافة إلى إسطنبول وأنقرة وإزمير، التي ظلت في الحظيرة الكمالية، تعرّض حزب العدالة لانتكاسة في رابع أكبر مدينة في البلاد، بورصة، الموالية حتى ذلك الحين للحكومة، فضلاً عن عشرات البلديات الأخرى كذلك.
ورأى أوبوارد عضو هيئة تحرير مجلة "ماريان" أنّ عجز الحكومة التركية عن كبح التضخم الذي ضرب تركيا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات أدّى إلى نتائج عكسية. وتساءل فيما إذا كانت المعجزة الديمقراطية ستستمر مع مرور الوقت.

انتكاسة وتحذير
من جهتها وصفت يومية "اللو موند" الفرنسية في افتتاحيتها ما حدث في الانتخابات البلدية في تركيا بأنّه أسوأ انتكاسة لأردوغان منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، وذلك على الرغم من إعادة انتخابه العام الماضي رئيساً للبلاد بنسبة ضئيلة، مُعتبرة أنّ الانتصار الواضح للغاية الذي حققته المُعارضة العلمانية التركية في الانتخابات المحلية يُشكّل تنصّلاً لاذعاً من الحزب الحاكم وسياسته الاقتصادية.
وتفوّق حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري العلماني، على حزب العدالة والتنمية الحاكم في عدد الأصوات، حيث بلغ مجموع أصواته نحو 38%، مقارنة بـِ 35% لحزب العدالة والتنمية. ولا تحتفظ المعارضة بمجالس بلدية إسطنبول وأنقرة فحسب، بل إنها فرضت نفسها في عدد كبير من المدن والقرى الأخرى التي لم تتمكن من احتلالها حتى ذلك الحين، بما في ذلك معاقل حزب العدالة والتنمية التقليدية، بينما ظفر الأكراد بالعديد من البلديات في جنوب شرق تركيا.
ويرى معظم المحللين أنّ الوضع الاقتصادي السيئّ للغاية في البلاد، والتضخم الذي وصل مُعدّله إلى 80% في نهاية عام 2022 وظلّ عند 68% في فبراير (شباط) الماضي، وارتفاع تكاليف المعيشة هو ما يُفسّر إلى حدّ كبير حكم الناخبين في الانتخابات المحلية. ولا شك أنّ هذه العوامل شجعت الأتراك غير الراضين عن حزب العدالة والتنمية على البقاء في منازلهم، كما تُشير لذلك نسب انخفاض المُشاركة. ويبدو كذلك أنّ بعض مؤيدي حزب العدالة تحوّل أيضاً إلى حزب إسلامي صغير جديد (السعادة)، كان مُتحالفاً سابقاً مع الحزب الحاكم.
واختتمت "اللو موند" افتتاحيتها بالقول، إنّه نظراً لأنّ الرئيس التركي يتمتع بموهبة وخبرة رائعة في التكيف، فلا ينبغي أن يستغرق وقتاً طويلاً حتى يستجمع قواه. لكن وبعد عقدين من الزمن في السلطة، وفي أجواء نهاية حكمه، فقد أفقده هذا التحذير رونقه.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot