رئيس الدولة والرئيس التركي يؤكدان ضرورة تكثيف الجهود لخفض التصعيد والعودة إلى الحوار
واشنطن تفتقر إلى إرادة سياسية في التعامل مع إيران
كتب السير جون جينكينغز في موقع “آراب نيوز” عن العلاقات الأمريكية الإيرانية، لافتاً إل تقليد فن الحكم البراغماتي، في أوروبا والولايات المتحدة، الذي تحدث عنه المؤرخ اليوناني ثيوسيدس في القرن الخامس قبل الميلاد، الذي شكل تأريخه للحرب بين أثينا وأسبرطة، مسألة حيوية لفهم الممارسة الإكراهية للقوة. الفكرة القائلة إن الإدارة الأمريكية التي أوضحت بجلاء أنها تريد التخلي عن نزاعات الشرق الأوسط هي نفسها التي تريد إعادة إيران إلى القفص، فكرة خيالية. وطهران تعلم ذلكوبموجب هذا التقليد، كان الأقوياء يفعلون ما يشاؤون بينما يعاني الضعفاء ما يجب أن يعانوه. وكان هدف ثيوسيدس إزالة كل وهم قائم على أن العالم مكان لطيف.
وفي أواخر القرن الخامس عشر، وأوائل القرن السادس عشر، ألف نيكولو ميكيافللي، الذي تعرف على السياسات القاتلة للدول المدن الإيطالية، كتاب “الأمير” الذي بات دليل كل الذين يريدون الازدهار والنجاح أو ببساطة البقاء على قيد الحياة في عصر الشك المتبادل، واستشراء وباء العنف.
وبعد قرنٍ ونصف قرن، وصف الإنجليزي توماس هوبس في رائعته “ليفياثان” الوسائل الوحيدة التي تسمح لسلطة مركزية قوية بتدعيم النظام القانوني، الذي بدوره يضمن الأمن الضروري لكل مجتمع ناجح أو كل مجموعة دول. كل هؤلاء الكتاب كانوا جديين. لكن أياً منهم لم تكن له أوهام عن الطبيعة البشرية أو ممارسة السلطة. لقد عاشوا الكثير من الحروب الأهلية والنزاعات الدولية المتوحشة. وهم على صعيد فردي يقدرون السلام والانسجام والمحبة الأخوية.
لكنهم تعلموا من خلال التجربة القاسية، أن لا الأمل ولا الأمنيات، كافيان. قبل أيام، قال روبرت مالي المبعوث الأمريكي الخاص بالشؤون الإيرانية والمكلف بملف إعادة التفاوض على اتفاق نووي جديد، في مؤتمر الحوار بالمنامة، إن الكثير من الاختلالات التي تعانيها المنطقة، ناجم عن استبعاد إيران من الهياكل الأمنية والسياسية الإقليمية. إن هذا القول يعتبر صدى لملاحظات أدلى بها سياسيون من إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، التي خدم فيها مالي، وتعبر عن الحاجة إلى التكيف مع إيران. وكل ذلك يوضح غموض العالم المعاصر، إذ كيف تحولت الولايات المتحدة وحلفاءها الذين بنوا بنجاح النظام العالمي عقب الحرب العالمية الثانية بعد 1945، على أساس الاستخدام الحازم للقوة ضد الأعداء والحوافز للأصدقاء، تحولوا إلى وديعين بحلول 2004.
ويمكن العودة في هذا الإطار إلى التسعينات، والفشل الكامل لعملية أوسلو، والمأزق في الصومال، والتردد الأمريكي الأولي، والعجز الكامل للإتحاد الأوروبي، في فرض وقف للحرب في البلقان. لكانت خطة العمل الشاملة المشتركة اتفاقاً منقوصاً إلى حد بعيد. إنها في الأساس قائمة على شراء الوقت 15 عاماً في الإجمالي، وكانت هناك مهل محددة لعناصر مختلفة. إن الوقت عملة تحب إيران إنفاقها. ولديها الكثير منها. لكن ذلك ليس متوفراً. ومع ذلك، ثمة القليل من الأفكار عما يمكن فعله، إذا حاولت إيران ستغلال الوقت لمصلحتها. ولا توجد وسيلة لمعرفة إذا كانت إيران ستواظب على طموحاتها التي تمسكت بها منذ عقود، أو إذا كانت ستقدم على نحوٍ مفاجئ أو تدريجي على اختبار نسختها من فوائد التكيف معها. كل شيء ينبئ بأن ذلك مجرد تمنيات.
ما أن وُقعت خطة العمل الشاملة المشتركة، حتى ضاعفت إيران دعمها للحوثيين في اليمن، ولحزب الله في لبنان، وسوريا، وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، وتواصل العمل وتطوير أجهزة التحكم في صواريخها وتصدرها إلى العراق ولبنان. كما أنها طورت فعلاً قدرات سيبرانية، وطائرات دون طيار، كما أن النظام يواصل قمع شعبه عندما يتجرأ على المطالبة بمستقبل يختلف عن الذي قرره لهم المرشد الأعلى.
صحيح أن المسؤولين الأمريكيين، وبينهم مالي- يقولون إن هناك خطة “ب” وأن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قال لمستمعيه في المنامة، إن الولايات المتحدة لن تتخلى عن التزاماتها في المنطقة، لكن ماذا يعني ذلك فعلياً؟ إن المسألة ليست في عدد القوات. إنها الإرادة السياسية. ولا علامة على أن هذه الإرادة موجودة، إلا نظرياً. إن الفكرة القائلة إن الإدارة الأمريكية التي أوضحت بجلاء أنها تريد التخلي عن نزاعات الشرق الأوسط هي نفسها التي تريد إعادة إيران إلى القفص، فكرة خيالية. وطهران تعلم ذلك.