يخوض صراعا على جبهتين:

ولاية «العمّ» جو بايدن، رهان يُحسم الآن...!

ولاية «العمّ» جو بايدن، رهان يُحسم الآن...!

-- اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي يفسّر إصرار الرئيس الأمريكي على إخضاع الواقع لإرادته
-- هامش المناورة للأغلبية في الكونجرس في غاية الضعف، في مجلسي الشيوخ والنواب
-- يختلف الجناح الوسطي والجناح اليساري للحزب حول المبالغ المخصصة للخطة
-- إذا استمر عناد الديمقراطيين في رفض أي اختراقات كبيرة، فسيؤدي ذلك إلى تلطيخ رئاسة بايدن
-- الوحدة هي الخيار الوحيد للديمقراطيين إذا كانوا يريدون التشريع، وهي مفقودة في الوقت الحالي


   في السلطة طيلة ثمانية أشهر، ينشط جو بايدن في تنفيذ برنامجه الاقتصادي “إعادة البناء بشكل أفضل”، والوفاء بالتزامات حملته. إن النافذة القصيرة المتاحة له تفسر جزئياً محاولته إخضاع الواقع لإرادته.  ففي غضون ما يزيد قليلاً عن عام، ستُجرى انتخابات التجديد النصفي، والتي يمكن أن تدفع الكونغرس إلى أيدي المعارضة الجمهورية.   خلال هذا الموعد الانتخابي، يصاب المعسكر الرئاسي عمومًا بانتكاسة تكون أحيانًا قاتلة في حال فقدان السيطرة على أحد المجلسين التشريعيين.
ودفع كل من باراك أوباما ودونالد ترامب ثمن ذلك.
 ويمكن للديمقراطيين، الذين لم يتح لهم هامش المناورة هذا لأكثر من عقد من الزمان، في حال حدوث انتكاسة، العودة إلى مقاعد المعارضة لعدة سنوات.    السياق الصعب الذي تجري فيه رئاسة بايدن يجبر الأغلبية على التصرف بسرعة وبقوة: أزمة صحية لا تزال قائمة، حملة تطعيم تكافح من أجل التقدم، ارتفاع مستمر في التفاوت الاجتماعي، وأزمة مناخية متفاقمة.


وأيضًا، أثّر الانسحاب من أفغانستان على شعبية مستأجر البيت الأبيض. وبالتالي، فإن العمل على الساحة الداخلية أمر حتمي للرد على الرهانات الحالية وطي الصفحة الأفغانية.
 يمكن أن يؤدي مشروع البنية التحتية الكبير، والخطة الاجتماعية والمناخية التي يتم التفاوض عليها في الكونجرس، إلى تحولات عميقة في الولايات المتحدة تمنح جو بايدن جرعات من الأوكسجين...
ألا أن العوائق كثيرة والمنحدر زلق.

الوعد بـ  «إعادة
البناء بشكل أفضل»
   كان برنامج إعادة البناء بشكل أفضل، نتيجة مفاوضات مكثفة بين اليسار والاستبلشمنت في نهاية الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، العمود الفقري للعمل السياسي لجو بايدن منذ توليه منصبه في يناير الماضي. وينقسم إلى ثلاثة مكونات رئيسية: الأولى، خطة الإنقاذ الأمريكية، التي أقرت في فبراير الماضي كردّ على المدى القصير على العواقب الاقتصادية للأزمة الصحية.
   تقدر قيمتها بـ 1.900 مليار دولار، وقد ساعدت في إعادة إطلاق الاقتصاد الأمريكي، وتوفير شبكة أمان للطبقات الشعبية والمتوسطة التي تعاني من اختناق الفواتير وأحيانًا غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية.

 وتم تقديم شيك لكل أمريكي يكسب أقل من 75000 دولار في السنة بمبلغ 1400 دولار. وتمكنت العائلات من الاستفادة من المساعدة المالية التي تتراوح من 3000 دولار إلى 3600 دولار لكل طفل، وشهد العاطلون عن العمل زيادة منحهم بمقدار 300 دولار إضافي في الأسبوع طيلة ستة أشهر، وتم دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتصل قيمتها إلى 130 مليار دولار، ودعم المجموعات المدرسية لإعادة فتح الفصول الدراسية بسرعة.

   ويركز الجزء الثاني من برنامج جو بايدن، خطة الوظائف الأمريكية، بشكل أساسي على المناخ وتحديث البنى التحتية الأمريكية مثل الطرق والجسور وخطوط السكك الحديدية وخطوط الأنابيب.
 تم العثور على حل وسط بين الحزبين ليتم تبنّيه من قبل الكونجرس.
صار أقل طموحًا بكثير مما وعد به خلال الحملة الانتخابية، إلا أنه سيسمح للرئيس الوفاء بوعده “الجمع بين الديمقراطيين والجمهوريين” في مشروع قيد المناقشة لأكثر من عشر سنوات.

   أخيرًا، تهدف خطة العائلات الأمريكية، المرحلة الثالثة من إعادة البناء بشكل أفضل، إلى وضع عدد معين من التدابير الاجتماعية المخصصة للأسر ذات الدخل الضعيف، مثل الجزء المجاني من التعليم، واستدامة العلاوات العائلية، والمساعدة في رعاية الأطفال، وتمديد التغطية الصحية ميديكير، إلخ.
خطة لا تزال قيد التفاوض، ولم تحصل على أي دعم جمهوري، وسيتعين التصويت عليها من قبل جميع الديمقراطيين المنتخبين من خلال الالتفاف على عرقلة المعارضة، عبر إجراءات المصالحة المتعلقة بالميزانية.

معركة سياسية
معقدة جارية
   إن هامش المناورة للأغلبية في الكونجرس ضعيف للغاية، سواء كان ذلك في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب.
 والوحدة هي الخيار الوحيد للديمقراطيين إذا كانوا يريدون التشريع، وهي مفقودة في الوقت الحالي.
يختلف الجناح الوسطي والجناح اليساري للحزب حول المبالغ المخصصة لخطة الوظائف الأمريكية، وخطة العائلات الأمريكية (يتنزلان في مشروع البنية التحتية الكبير والخطة الاجتماعية والمناخية المذكورة في المقدمة).
   الأولى، نتيجة حل وسط بين الديمقراطيين والجمهوريين، لا تفي بوعد الحملة الانتخابية. لا تتضمن أي تدابير بيئية تقريبًا ومبلغها، 550 مليارًا في الإنفاق الجديد، أقل بثلاث إلى أربع مرات من الاقتراح الأولي. وبسبب هذا التفاوض السلبي، اشترط يسار الحزب دعمه لها بالموافقة على خطة العائلات الأمريكية وإجراءات المناخ.

   بوضوح، أن التقدميين سيصوتون لصالح الحزمة التشريعية، وليس فقط للتسوية بين الحزبين.
 ولا يريد بيرني ساندرز والسكندريا أوكاســيو كورتيز، من قـــــادة اليســـــار، الوقـــــــوع في شرك الوســطيين، غير المستعدين لدعـــــــم الخطــــــة الثانيـــــــة البالغــــــة 3.500 مليـــــــار، والتي ستتطلب كل أصوات الديمقراطيين. ومن خلال الربط بين الاثنين، فإنهما يأملان في إجبار الذين أيدوا بشدة اتفاق الحزبين وليّ ذراعهم.

   ومع ذلك، أشار السناتور جو مانشين والسيناتور كريستين سينيما مقدّما، إلى رفضهما التصويت على حزمة تقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 4000 مليار دولار، بحجة أنها ستخلق تضخمًا وتزيد الديون. هذه الحجة الأخيرة ليست ذات صلة، حيث يُقترح زيادة الضرائب على الشركات والأسر الأكثر ثراءً لتمويلها. وبشكل غير رسمي، ينصبّ اهتمامهما بشكل أساسي على إعادة انتخابهما، ودعم القطاع الخاص لتمويل حملتهما.
   تم إصدار أول اقتراح مضاد من قبل مانشين: 550 مليارًا للأولى و1500 مليار للثانية. “غير مقبول”، بالنسبة إلى بيرني ساندرز، الذي أوضح أنه قد خفض شروطه.

 ان الوضع أكثر تعقيدًا مما يبدو، نظرًا لوجود اختلافات بين الأغلبية الديمقراطية في الفرعين التشريعيين للكونغرس.
   وبالتالي، يبدو من المستحيل حل المعادلة طالما أن الديمقراطي بالاسم فقط، اللقب الذي يطلق على الديمقراطيين المحافظين، سيستمر في قصف الحل الوسط الأول الذي اقترحه الجناح التقدمي، والذي مع ذلك يرضي البيت الأبيض والرأي العام.
   إذا استمر هذا العناد في رفض تحقيق أي تقدم كبير، فإن ذلك سيعاقب الأمريكيين المتواضعين ومكافحة تغير المناخ، كما أنه سيلوث رئاسة جو بايدن.
   يمكن للديمقراطيين أن يدفعوا الثمن خلال المحطات الانتخابية المقبلة، لذا فإن الساعات والأيام القادمة ستكون حاسمة.