•• الفجر –خيرة الشيباني
-- مستقبل لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء الحالي، ومسيرة العقل المفكر للرئيس، وانغ هونينغ، السياسية، محلّ سؤال
-- حثّ النظــام علــى الانجــاب لســـد العجــز الديموغرافي المقلق في البلاد يسجل فشلا ذريعا
-- يواجــه الحـزب حالــة اقتصاديــة غيــر ملائمة، وتوتر متزايد مع الولايات المتحدة
-- في الصين، يظل الجيش الدعامة الأساسية للنظام وقد أنقذه أكثر من مرة من الانهيار
-- أحد أكبر الأحزاب السياسية في العالم (الثاني بعد حزب بهاراتيا جاناتا في الهند) بأكثر من 90 مليون عضو
في يوليو 2021، سيحتفل الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه. حدث تاريخي ورمزي، ولكن قبل كل شيء فرصة للرئيس شي جين بينغ لإعادة تأكيد قوة الحزب والاستعداد لإعادة انتخابه المحتملة.
أداة دعائية، هل لا يزال الاحتفال بالذكرى المئوية يعزّز تأثير الحزب الشيوعي الصيني؟ قراءة اللحظة مع إيمانويل لينكوت، الأستاذ بكلية الآداب في المعهد الكاثوليكي بباريس، والمتخصص في التاريخ السياسي والثقافي للصين المعاصرة، والباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
*ماذا يرمز الاحتفال بمرور 100 عام على الحزب الشيوعي الصيني للحزب الحاكم؟
- إنه الاحتفال بأحد أكبر الأحزاب السياسية في العالم (الثاني بعد حزب بهاراتيا جاناتا في الهند) بأكثر من 90 مليون عضو. رحّالة لفترة طويلة وفي السريّة تحت الأرض، التصق منذ عام 1949 وإعلان جمهورية الصين الشعبية بهياكل الدولة. إنه يتوافق في هذا مع نوع من النظام الذي وصفته المفكرة حنا أرندت، بأنه نظام شمولي.
مرتبطًا بالإيديولوجية الماركسية، فهو لينيني في تنظيمه، أي مبهم وسري. من ناحية أخرى، في تاريخ العالم الشيوعي، ولد الحزب الشيوعي الصيني بعد أشهر قليلة من مؤتمر تور. حيث ظهرت خلافات كبيرة حول قيادة الثورة وتسييرها، وقسّمت خطوط الشرخ الأولى الحزب الشيوعي الصيني إلى عدة تيارات وقناعات. كانت الغالبية مؤيدة للسوفيات، وسيتم القضاء عليهم في النهاية مع الحركة التروتسكية بعد فشل الجبهة المتحدة وانتصار ماو تسي تونغ داخل الحزب الشيوعي الصيني.
في هذا، وغالبًا ما يتم نسيانه، كانت الصين، مثل ألمانيا، في عشرينات القرن الماضي، المسرحين الرئيسيين لصراع التيارات الأيديولوجية الرئيسية المختلفة حينها. يمثل أنصار الديمقراطية الأقلية، وما يهم الجمهور قبل كل شيء هو إعادة توحيد بلد مزقته الحرب الأهلية ثم الحرب بينها وبين اليابانيين.
الكومينتانغ بزعامة شيانغ كاي شيك، ثم الحزب الشيوعي الصيني، سينتهي بهما الأمر على التوالي لتجسيد هذه الوحدة. ولا يزال هذا هو الحال إلى حد كبير اليوم رغم علامات الانشقاقات والمعارضة المتزايدة. الأويغور والتبتيون والمغول ومتمردو هونغ كونغ، يعارضون السلطة، وجزء لا يستهان به من الشباب، في موقف المقاومة السلبية، يتبنى عن عمد وجهة نظر معاكسة لتوجيهات النظام التي تدعوه للتشمير عن سواعده، والاشتراك في المشاريع الوطنية.
إن حثّ النظام على الانجاب لسد العجز الديموغرافي المقلق في البلاد (نتيجة طبيعية لما نعرفه: الصين تواجه خطر الشيخوخة قبل أن تصبح غنية) لقي فشلا ذريعا. وهذه ليست المشكلة الوحيدة: أزمة كوفيد -19 جعلت شريحة كاملة من السكان تعاني في بلد، لنذكّر، لا توجد فيه منح بطالة. لذلك، يواجه الحزب الشيوعي الصيني حالة اقتصادية غير ملائمة، مع توتر متزايد في عملية لي الذراع الجارية مع الولايات المتحدة.
إن توتر الحزب الشيوعي الصيني وأعضائه واضح وجليّ، لأنه بالإضافة إلى هذه الذكرى السنوية التي سيتم الاحتفال بها في الأول من يوليو، موعدان آخران مهمان للغاية منتظران، أحدهما في خريف هذا العام والآخر عام 2022: اللجنة المركزية، ثم المؤتمر.
ان مستقبل لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء الحالي، من ناحية، والذي يُعرف بخلافاته العميقة مع شي جين بينغ، والمرحلة القادمة في مسيرة وانغ هونينغ السياسية من ناحية أخرى، والذي بالإضافة إلى حقيقة أنه العقل المفكر للرئيس -يدين له النظام بكل شعاراته وخاصة شعار “الحلم الصيني”-أقنع الأخير بكل تأكيد بالانخراط في لعبة ليّ الذراع مع الأمريكيين ضد رأي عدد كبير جدا من كبار الشخصيات، في الميزان.
*كيف تساهم “السياحة الحمراء” الناتجة عن هذا الاحتفال في استراتيجية إعادة انتخاب شي جين بينغ المحتملة؟ هل ستتم هذه الأخيرة بسلاسة؟
- لنذكّر أن السياحة التذكارية المعروفة باسم “السياحة الحمراء”، وهي مهمة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هي سياحة بناء، لأن محورها وهيكلها الأماكن الرمزية التي عاش فيها ماو تسي تونغ وأبرز معالم التاريخ “البطولي” للحزب الشيوعي الصيني - شاوشان ، يانان ، شنغهاي - والتي يتم الاحتفاء بها بشكل ضخم من قبل دعاية النظام. في المجموع، أكثر من 120 موقعًا صنفها الحزب لبناء مشهد تذكاري لـ “الصين الجديدة” (شينهوا).
هذا الاهتمام بالسياحة الحمراء قديم، وتضاعف بعد أزمة تيانانمن (1989) ، في سياق “حمى ثقافية” حيث بدأت طقوس إحياء ذكرى الزعيم الاكبر تتطور في أشكال جديدة ، لا سيما الأشكال الفنية. وهذه الـ “ماومانيا”، التي يوظفها النظام، ترمي إلى تبرئة النظام من جرائمه الأخيرة، وإلى استقطاب الرأي العام في تبرير قومي تم تنظيمه أولاً ضد اليابان، ثم ضد العالم الغربي. ان أي شكل من أشكال الاحتجاج مقفل من حيث المبدأ، لكن يمكن دائمًا توقع مفاجئات.
هكذا، عام 1971، وهو نفس العام الذي صادف الذكرى الخمسين للحزب الشيوعي الصيني، اختفى وريث ماو تسي تونغ المزعوم، لين بياو، في حادث تحطم طائرة بعد اتهامه بمحاولة انقلاب. سنة التغيير هذه، شهدت أيضًا انضمام جمهورية الصين الشعبية الى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن طريق الإطاحة بتايوان هناك، وبدأت تقاربًا مذهلاً مع الولايات المتحدة (تجسد في زيارة ريتشارد نيكسون لبكين بعد عام) وتقريبًا نهاية الثورة الثقافية.
هذا هو قانون النوع في نظام شمولي: كل شيء يمكن توقعه باستثناء ما هو غير متوقع! هذا يعني بوضوح أننا لسنا في منأى عن معارضة قوية لإعادة انتخاب شي جين بينغ، وأنه سيتعين على هذا الأخير في النهاية التخلي عن بعض مسؤولياته كما فعل جيانغ زيمين في عهده. مع الاحتفاظ بمنصب رئيسي، وهو منصب قائد القوات المسلحة: ففي الصين، يظل الجيش الدعامة الأساسية للنظام وقد أنقذه أكثر من مرة من الانهيار. سيبقى شي جين بينغ في السلطة بكل الوسائل.
*هل ما زالت صورة شي جين بينغ خالية من العيوب داخل بلاده وحتى داخل حزبه؟ وهل تمكّن شي من ترسيخ الثقة في سياساته منذ توليه منصبه؟
- هذه الصورة كارثية... إنه الخوف يسود داخل الحزب. لا أحد يستطيع أن ينجو من غضب النظام، بما في ذلك رجال الأعمال، كما تظهر حالة جاك ما. لا شك أن شي جين بينغ، يشعر بالارتياح في اختياراته، لأنه لن يكون غورباتشوف الصيني، إلا أنه يبدو مثل دون كيشوت أكثر من كونه سياسي مسؤول. من جهة اخرى، من خلال تنشيط الكراهية القومية، لا سيما عند دبلوماسييه، فانه يطلق عملية خطيرة لن يكون بالإمكان السيطرة عليها في سياق أزمة اقتصادية حقيقية.
*عن موقع معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية
-- حثّ النظــام علــى الانجــاب لســـد العجــز الديموغرافي المقلق في البلاد يسجل فشلا ذريعا
-- يواجــه الحـزب حالــة اقتصاديــة غيــر ملائمة، وتوتر متزايد مع الولايات المتحدة
-- في الصين، يظل الجيش الدعامة الأساسية للنظام وقد أنقذه أكثر من مرة من الانهيار
-- أحد أكبر الأحزاب السياسية في العالم (الثاني بعد حزب بهاراتيا جاناتا في الهند) بأكثر من 90 مليون عضو
في يوليو 2021، سيحتفل الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه. حدث تاريخي ورمزي، ولكن قبل كل شيء فرصة للرئيس شي جين بينغ لإعادة تأكيد قوة الحزب والاستعداد لإعادة انتخابه المحتملة.
أداة دعائية، هل لا يزال الاحتفال بالذكرى المئوية يعزّز تأثير الحزب الشيوعي الصيني؟ قراءة اللحظة مع إيمانويل لينكوت، الأستاذ بكلية الآداب في المعهد الكاثوليكي بباريس، والمتخصص في التاريخ السياسي والثقافي للصين المعاصرة، والباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
*ماذا يرمز الاحتفال بمرور 100 عام على الحزب الشيوعي الصيني للحزب الحاكم؟
- إنه الاحتفال بأحد أكبر الأحزاب السياسية في العالم (الثاني بعد حزب بهاراتيا جاناتا في الهند) بأكثر من 90 مليون عضو. رحّالة لفترة طويلة وفي السريّة تحت الأرض، التصق منذ عام 1949 وإعلان جمهورية الصين الشعبية بهياكل الدولة. إنه يتوافق في هذا مع نوع من النظام الذي وصفته المفكرة حنا أرندت، بأنه نظام شمولي.
مرتبطًا بالإيديولوجية الماركسية، فهو لينيني في تنظيمه، أي مبهم وسري. من ناحية أخرى، في تاريخ العالم الشيوعي، ولد الحزب الشيوعي الصيني بعد أشهر قليلة من مؤتمر تور. حيث ظهرت خلافات كبيرة حول قيادة الثورة وتسييرها، وقسّمت خطوط الشرخ الأولى الحزب الشيوعي الصيني إلى عدة تيارات وقناعات. كانت الغالبية مؤيدة للسوفيات، وسيتم القضاء عليهم في النهاية مع الحركة التروتسكية بعد فشل الجبهة المتحدة وانتصار ماو تسي تونغ داخل الحزب الشيوعي الصيني.
في هذا، وغالبًا ما يتم نسيانه، كانت الصين، مثل ألمانيا، في عشرينات القرن الماضي، المسرحين الرئيسيين لصراع التيارات الأيديولوجية الرئيسية المختلفة حينها. يمثل أنصار الديمقراطية الأقلية، وما يهم الجمهور قبل كل شيء هو إعادة توحيد بلد مزقته الحرب الأهلية ثم الحرب بينها وبين اليابانيين.
الكومينتانغ بزعامة شيانغ كاي شيك، ثم الحزب الشيوعي الصيني، سينتهي بهما الأمر على التوالي لتجسيد هذه الوحدة. ولا يزال هذا هو الحال إلى حد كبير اليوم رغم علامات الانشقاقات والمعارضة المتزايدة. الأويغور والتبتيون والمغول ومتمردو هونغ كونغ، يعارضون السلطة، وجزء لا يستهان به من الشباب، في موقف المقاومة السلبية، يتبنى عن عمد وجهة نظر معاكسة لتوجيهات النظام التي تدعوه للتشمير عن سواعده، والاشتراك في المشاريع الوطنية.
إن حثّ النظام على الانجاب لسد العجز الديموغرافي المقلق في البلاد (نتيجة طبيعية لما نعرفه: الصين تواجه خطر الشيخوخة قبل أن تصبح غنية) لقي فشلا ذريعا. وهذه ليست المشكلة الوحيدة: أزمة كوفيد -19 جعلت شريحة كاملة من السكان تعاني في بلد، لنذكّر، لا توجد فيه منح بطالة. لذلك، يواجه الحزب الشيوعي الصيني حالة اقتصادية غير ملائمة، مع توتر متزايد في عملية لي الذراع الجارية مع الولايات المتحدة.
إن توتر الحزب الشيوعي الصيني وأعضائه واضح وجليّ، لأنه بالإضافة إلى هذه الذكرى السنوية التي سيتم الاحتفال بها في الأول من يوليو، موعدان آخران مهمان للغاية منتظران، أحدهما في خريف هذا العام والآخر عام 2022: اللجنة المركزية، ثم المؤتمر.
ان مستقبل لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء الحالي، من ناحية، والذي يُعرف بخلافاته العميقة مع شي جين بينغ، والمرحلة القادمة في مسيرة وانغ هونينغ السياسية من ناحية أخرى، والذي بالإضافة إلى حقيقة أنه العقل المفكر للرئيس -يدين له النظام بكل شعاراته وخاصة شعار “الحلم الصيني”-أقنع الأخير بكل تأكيد بالانخراط في لعبة ليّ الذراع مع الأمريكيين ضد رأي عدد كبير جدا من كبار الشخصيات، في الميزان.
*كيف تساهم “السياحة الحمراء” الناتجة عن هذا الاحتفال في استراتيجية إعادة انتخاب شي جين بينغ المحتملة؟ هل ستتم هذه الأخيرة بسلاسة؟
- لنذكّر أن السياحة التذكارية المعروفة باسم “السياحة الحمراء”، وهي مهمة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هي سياحة بناء، لأن محورها وهيكلها الأماكن الرمزية التي عاش فيها ماو تسي تونغ وأبرز معالم التاريخ “البطولي” للحزب الشيوعي الصيني - شاوشان ، يانان ، شنغهاي - والتي يتم الاحتفاء بها بشكل ضخم من قبل دعاية النظام. في المجموع، أكثر من 120 موقعًا صنفها الحزب لبناء مشهد تذكاري لـ “الصين الجديدة” (شينهوا).
هذا الاهتمام بالسياحة الحمراء قديم، وتضاعف بعد أزمة تيانانمن (1989) ، في سياق “حمى ثقافية” حيث بدأت طقوس إحياء ذكرى الزعيم الاكبر تتطور في أشكال جديدة ، لا سيما الأشكال الفنية. وهذه الـ “ماومانيا”، التي يوظفها النظام، ترمي إلى تبرئة النظام من جرائمه الأخيرة، وإلى استقطاب الرأي العام في تبرير قومي تم تنظيمه أولاً ضد اليابان، ثم ضد العالم الغربي. ان أي شكل من أشكال الاحتجاج مقفل من حيث المبدأ، لكن يمكن دائمًا توقع مفاجئات.
هكذا، عام 1971، وهو نفس العام الذي صادف الذكرى الخمسين للحزب الشيوعي الصيني، اختفى وريث ماو تسي تونغ المزعوم، لين بياو، في حادث تحطم طائرة بعد اتهامه بمحاولة انقلاب. سنة التغيير هذه، شهدت أيضًا انضمام جمهورية الصين الشعبية الى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن طريق الإطاحة بتايوان هناك، وبدأت تقاربًا مذهلاً مع الولايات المتحدة (تجسد في زيارة ريتشارد نيكسون لبكين بعد عام) وتقريبًا نهاية الثورة الثقافية.
هذا هو قانون النوع في نظام شمولي: كل شيء يمكن توقعه باستثناء ما هو غير متوقع! هذا يعني بوضوح أننا لسنا في منأى عن معارضة قوية لإعادة انتخاب شي جين بينغ، وأنه سيتعين على هذا الأخير في النهاية التخلي عن بعض مسؤولياته كما فعل جيانغ زيمين في عهده. مع الاحتفاظ بمنصب رئيسي، وهو منصب قائد القوات المسلحة: ففي الصين، يظل الجيش الدعامة الأساسية للنظام وقد أنقذه أكثر من مرة من الانهيار. سيبقى شي جين بينغ في السلطة بكل الوسائل.
*هل ما زالت صورة شي جين بينغ خالية من العيوب داخل بلاده وحتى داخل حزبه؟ وهل تمكّن شي من ترسيخ الثقة في سياساته منذ توليه منصبه؟
- هذه الصورة كارثية... إنه الخوف يسود داخل الحزب. لا أحد يستطيع أن ينجو من غضب النظام، بما في ذلك رجال الأعمال، كما تظهر حالة جاك ما. لا شك أن شي جين بينغ، يشعر بالارتياح في اختياراته، لأنه لن يكون غورباتشوف الصيني، إلا أنه يبدو مثل دون كيشوت أكثر من كونه سياسي مسؤول. من جهة اخرى، من خلال تنشيط الكراهية القومية، لا سيما عند دبلوماسييه، فانه يطلق عملية خطيرة لن يكون بالإمكان السيطرة عليها في سياق أزمة اقتصادية حقيقية.
*عن موقع معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية