أوروبا تواجه أزمتها الأخطر.. 3 تحديات «تخنق» الصندوق الدفاعي المشترك

أوروبا تواجه أزمتها الأخطر.. 3 تحديات «تخنق» الصندوق الدفاعي المشترك


كشفت مصادر دبلوماسية أن رهان أوروبا، بالاعتماد على نفسها في الدفاع عن أمنها ومجالها أمام أي تهديد ولا سيما القادم من روسيا، يواجه عقبات تزداد يومًا بعد يوم.
ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي في بروكسل لـ»إرم نيوز»، إن هناك 3 معضلات تهدد مستقبل الصندوق الدفاعي الأوروبي، الأولى رغبة دول بالقارة العجوز في ربط المساهمات المالية بالصفقات التي تحصل عليها شركاتها التسليحية في تصنيع معدات عسكرية متطورة تكون عماد البرنامج الدفاعي لتحقيق هدف الخطة المعنية بحماية أمن أوروبا أمام التهديد الروسي، في ظل حالة شبه الانفصال الأمريكي عن التعاون الدفاعي والإستراتيجي والخروج النوعي عن منظومة «الحلفاء» القائمة منذ عام 1945.

ضغوط ترامب
وبين المصدر، أن المعضلة الثانية أن هناك دولًا تتخوف من آثار انخراطها في عمل «الصندوق» من تهديد روسي مباشر لها خاصة في حال تمرير المسودة الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأضاف أن المعضلة الثالثة، أن هناك ضغوطًا يفرضها ترامب على دول أوروبية حول مشاركتها في الصندوق وتفعيله بالشكل الذي يحمل نوعًا من الانفصال في الاعتماد على الإصدارات العسكرية الأمريكية، وما يقابل ذلك من زيادة التعريفات الجمركية على بلدان أوروبية.
وأفاد المصدر بأن هناك خلافات أوروبية بحسب أسهم المشاركة في الصندوق الذي يستهدف رأس مال 800 مليار يورو حتى عام 2029، ويكون حجر الأساس النوعي وأيضًا الرمزي، تقديم المفوضية الأوروبية قروضًا ميسرة للصندوق بـ150 مليار يورو، ومن ضمن الخلافات أيضًا، وجود انقسام حول نوعية الصناعات العسكرية المطلوب إنتاجها.

خلافات حول
 الأصول الروسية
وذكر المصدر أن الصندوق صاحب تأسيسه خلافات حول مدى الاعتماد فيه على الأصول الروسية المجمدة في إطار العقوبات المفروضة على موسكو، وأن يتم التعامل باستقطاع من هذه الأموال في ظل خسائر أوروبا بسبب الحرب على أوكرانيا وما أنفق لدعم كييف عسكريًّا، ولكنَّ هناك اهتزازًا في القرار حول الذهاب إلى هذا المنحى.
وصرح المصدر بأن هناك دولًا أوروبية مترددة في التعامل بتحرير جانب من العقوبات على الأصول الروسية المجمدة وأن يحول منها استقطاعات في الصندوق الدفاعي وألا تكون المكونات المالية للصندوق من خزائن دول الاتحاد الأوروبي فقط.
وأشار إلى أن هذا التردد مرتبط بسيناريوهات نجاح خطة ترامب بخصوص أوكرانيا وتنفيذها، التي ستعد حينئذ انتصارًا لموسكو، وسيكون لها سياسات انتقامية مع دول أوروبية بعينها.

تأييد لروسيا
ويذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى خطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تحمل بنودًا ترضي إلى حد كبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 
ومن جهة أخرى، هناك تحدي الجدية في تفعيل الصندوق الدفاعي المعروف بـ»سايف» من جانب الدول الكبرى بالقارة العجوز.
ورغم أن الدول الأوروبية بقيادة فرنسا وألمانيا، كانت مفعمة بالحماسة لتأسيس «الصندوق الدفاعي» قبل أشهر قليلة، بعد ما ظهر من تخلي إدارة ترامب عن التحالف التاريخي القائم بين ضفتي الأطلسي في مواجهة روسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتهديد منظومة الناتو، إلا أن هناك خلافات مالية وإستراتيجية في الداخل الأوروبي، تحتاج لإعادة النظر في ملف هذا الصندوق.
ويأتي ذلك في وقت فشلت فيه المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من أجل إشراكها في صندوق تعزيز الدفاعات الذي يعمل على تقديم إستراتيجية بعشرات المليارات من اليوروهات لحماية القارة العجوز من تحديات أمنية وعسكرية تحيط بها، ويحمل من جهة أخرى أفضل فرص إنتاج لشركاتها الدفاعية.
وكان الاتحاد الأوروبي حدد مشاركة بريطانيا بملياري يورو في خطة ضمان القروض الخاصة بدعم أوكرانيا، في حين قدمت لندن عرضًا يقدر بـ10% فقط من المطلوب، وهو 200 مليون يورو؛ ما يضعف خطة الاتحاد الأوروبي لإصدار ما يعرف بـ»القرض التعويضي» المدعوم بالأصول الروسية المجمدة.

أولويات الإنفاق
بدوره، يؤكد السياسي في الحزب الاشتراكي الألماني، حسين خضر، أن الخلافات الحالية حول صندوق الدفاع الأوروبي تكمن في أمور منها أولويات الإنفاق وحماية الصناعة الوطنية، بالإضافة إلى رغبة كل دولة بالتعامل بسياسة منفردة، في حين أن تفعيل عمل هذا الصندوق يتطلب وجود شروط مالية واضحة ورزنامة تربط التمويل ببرامج قابلة للقياس ومراحل تنفيذ ملزمة.
ومن ضرورات نجاح عمل هذا الصندوق بحسب حديث خضر لـ»إرم نيوز»، أن يتم العمل بآليات تحكيم وقرار أغلبية مؤهلة داخل مؤسسات الاتحاد لتفادي الشلل بالفيتو المفرط، مع إيجاد حوافز للتعاون الإقليمي عبر تمويل إضافي للمشاريع المشتركة بين دول صغيرة ومتوسطة.
ولفت خضر إلى أن الهدف من هذا الصندوق كخطوة ضرورية هو تعزيز قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها أمام تهديدات مثل روسيا، وأن يكون أداة لخلق صناعات دفاعية أوروبية مستقرة.
ولفت إلى أن هناك أولويات سياسية للخطة الدفاعية وعمل الصندوق تختص ببناء قدرات تكاملية عبر التركيز على ملء الفجوات الحيوية من قيادة وتحكم موحدة، واستطلاع بالأقمار الصناعية، واستخبارات مشتركة، وقدرات الضرب بعيدة المدى، بالإضافة إلى اعتماد آليات مشتركة للتمويل والشراء ولا سيما ما يتعلق بمعايير تقنية موحّدة.
واستكمل بالقول إن هناك معادلة مهمة تكمن في أن تكون أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها وأن تحافظ في الوقت ذاته على الشراكة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو حينما تتقاطع المصالح، مع الوضع في الاعتبار أن الاعتماد الأحادي على واشنطن غير مقبول في ظل تحولات سياسة إدارة ترامب.

خلافات حادة
بدوره، يرى رئيس المرصد الدولي للدراسات الإستراتيجية، الدكتور الحسين كنون، أن الخلافات داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي ســـــواء المجلس الوزاري والمفوضية والمؤسسات الماليــــة حادة للغاية ولا سيما في ظل الضغوط المحلية على الحكومات بسبب أزمات الطاقة التي تتصاعد مع قدوم فصل الشتاء على أثر الدعم المقدم لأوكرانيا في الحرب أمام روسيا. 
وأوضح كنون في تصريحات لـ»إرم نيوز»، أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أوروبا والتي تشهد مواجهات سياسية داخلية في صفوف حكومات الدول الكبرى في القارة العجوز، انعكست على القرارات المتعلقة بالصندوق الدفاعي الذي يدعم التوجه العسكري الأوروبي لمواجهة التهديدات الأمنية خاصة من روسيا.
واعتبر كنون أن تراكم العراقيل أمـام الاتحــــــــاد الأوروبي ومؤسساته في تكوين العمل الدفاعي للقارة، يواجه من ناحية أخرى نفوذًا قويًّــــــــا لسياسات الولايات المتحدة التي غيرت توجهها التاريخي للتحالف مع الأوروبيين، بجانب استغلال واشنطن آثار الأزمات الاقتصادية التي تعيشها دول أوروبية بسبب الحرب في أوكرانيا وعلى رأسها أزمة الطاقة.