تشييد جدار بين كييف وموسكو مأساة حقيقية

أوكرانيا مسألة «حياة أو موت» للكرملين...!

أوكرانيا مسألة «حياة أو موت» للكرملين...!

-- المسألة الأوكرانية هي مسألة وجودية ستحدد إرث عهد القيصر الجديد
-- منع أوكرانيا من أن تصبح على أعتاب روسيا، منصة أطلسية، نوعًا من حاملة طائرات أمريكية
-- منغمس في المسائل الخارجية، يبدو أن بوتين يعتبر أوكرانيا ملفه الكبير الذي يتعين تسويته
-- يتجاهل بوتين انتقادات الغرب ويشير إلى أن الهيكل الأمني الذي بقي في أوروبا هو من مخلفات الحرب الباردة


في رطوبة الصيف الروسي، ودون سابق إنذار، تم نشر قنبلة صغيرة على موقع الكرملين باللغتين الروسية والإنجليزية: مقال طويل موقّع من قبل فلاديمير بوتين نفسه، بعنوان لا يمكن أن يكون أوضح: “حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين”.

صدر النص بعد تصاعد أول للتوترات وتحركات القوات الروسية في أبريل، مقال يعدّ علامة فارقة، إذ يسلّط الضوء بشكل نهائي على المهمّة التي وضعها رئيس الكرملين لنفسه تجاه أوكرانيا.

«شعب واحد»
   هكذا، يكرّر بوتين من السطر الثاني قناعته، التي ردّدها عدّة مرات في العلن: بالنسبة له، فإن الروس والأوكرانيين شعب واحد، جاؤوا من نفس التاريخ. مصرّا على المهد الجغرافي الذي هو روس-كييف في القرن التاسع، شدد على الأصول الروحية -الأمير الكبير فلاديمير الأول الذي حوّل الروس إلى الأرثوذكسية في 988 -والأصول العرقية واللغوية المشتركة بين الدولتين -أو بالأحرى لهذه الأمة الواحدة.
   ولئن ذكّر بالتشرذم والاختلاط الناجم عن الغزوات المغولية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فإن الرئيس الروسي يعتمد على هذا الأصل المشترك ليقرر “وحدة” الشعبين. تسبب تفسيره التركيبي للغاية والموجه للتاريخ والتطورات والخصوصيات في القرون التالية حتى ثورة الميدان عام 2014، في إثارة ضجة في كييف.
 حدود غير متسقة
   فلاديمير بوتين، العميل السوفياتي السابق في المخابرات السوفياتية، نشأ في الاتحاد السوفياتي حيث لا تعني الحدود بين الجمهوريات الاشتراكية (السابقة) الكثير.
 في نصه، ينتقد بالمناسبة قرار السلطة الشيوعية بـ “إعطاء” شبه جزيرة القرم لجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية عام 1954. وسيتم ضمها –”إعادة”، كما يقول البعض في موسكو -من قبل روسيا عام 2014.
   يرى سيد الكرملين، انه إذا تم تشييد “جدار” بين كييف وموسكو، فإن هذه “مأساة” حقيقية، وهي من عمل الغرب الذي يريد أن يُفرّق ويُبعد الشعبين الشقيقين في تحدّ لإرادتهما.
من خلال مقاله والخطب الأخيرة الأخرى، يبدو أن الموضوع حساس، بل تسكنه شحنة عاطفيّة بالنسبة لبوتين... “هوس أوكراني” يسخر الغرب. في ديسمبر الماضي، ذهب إلى حد الحديث عن وضع يمكن مقارنته بـ “الإبادة الجماعية” في شرق أوكرانيا فيما يتعلق بالسكان الناطقين بالروسية في دونباس.
مهمة امام التاريخ
   «لا شك أنه أصر على توقيع هذا المقال بنفسه، وبمبادرة منه، يقول فيودور لوكيانوف، الأستاذ الروسي البارز في العلوم الجيوسياسية، والمعروف بأنه مقرّب من الكرملين، فالأمر يتعلق بإعطاء وجهة النظر الروسية، القائمة على ان الوضع الحالي لم يعد ممكنًا. ان بوتين يوافق على وجود دولتين، ولكن وفق منطقه، لا يمكن لأوكرانيا أن توجد إلا إذا “تفنلدت” “إشارة إلى حياد فنلندا بعد الحرب” بين الكتلة الغربية وروسيا. يجب أن تحافظ على علاقات جيدة مع جارتها الروسية، لأن ذلك طبيعي، فهي إلى حد بعيد الجمهورية الأقدم الأقرب إلينا. وإذا كانت، على العكس من ذلك، تميل إلى الغرب أكثر، فيجب تفكيك هذه الديناميكية».
   يعتقد العديد من المراقبين، أن فلاديمير بوتين يشعر بأنه مكلف بمهمة أمام التاريخ الروسي. قلقًا بشأن إرثه، هو الذي تخلى إلى حد ما عن الإدارة الداخلية للبلاد للمجال الدولي، يبدو أنه يرى أوكرانيا كملفه الكبير الذي يتعيّن إغلاقه.
    الهدف المطلق، بالطبع، هو تفادي عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو، وهو الامتداد الشرقي الذي لم تتوقف موسكو عن إدانته، وعلى الأقل، منع أوكرانيا من أن تصبح، على أعتاب روسيا، منصة أطلسية، نوعًا من حاملة طائرات أمريكية، على حد تعبير العديد من الخبراء. حتى أن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال مؤخرًا: “إنها مسألة حياة أو موت».

هندسة أمنية منتهية في عيون بوتين
   «يتجاهل بوتين الانتقادات الغربية ويشير إلى أن الهيكل الأمني الذي بقي في أوروبا هو من مخلفات الحرب الباردة، التي لم تعد موجودة”، يضيف فيودور لوكيانوف. وقد “قال ذات مرة لجورج بوش في قمة الناتو لعام 2008 في بوخارست، ‘ارفعوا أيديكم عن أوكرانيا’، البلد الذي يعتبره مصطنعًا».
   بالنسبة لأندريه كورتونوف، مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية، “أصبحت أوكرانيا السياسية معادية لروسيا. ووجهة النظر التي قدمها السيد بوتين مؤخرًا يتقاسمها طيف كبير داخل السلطة الروسية، وجميعهم على نفس الخط. وسواء كان الامر قائمًا أم لا، هناك خوف من خطر محتمل على أعتابنا من أوكرانيا، حيث يعتقد بوتين أيضًا أن الثقافة واللغة الروسية تتعرضان للهجوم والمحو. يتم تقديم أصدقائه (اوليغارش مقربون من موسكو) إلى المحاكم، والقنوات التلفزيونية الناطقة بالروسية تغلق ... إنه يدرك عدم استطاعته عكس هذه الحركة، لكنه يأمل في إيقافها على الأقل».

«أوكرانيا غير موجودة حقًا»
   من عام 2013 إلى عام 2020، كان المندوب غير الرسمي ومفكر الكرملين بخصوص أوكرانيا هو “الكاردينال الرمادي” المحافظ للغاية فلاديسلاف سوركوف، الذي يرى أنّ أوكرانيا لا بد أن تخضع للنفوذ الروسي، إن لم يكن للسيطرة. وعند مغادرته قبل عامين، قال: “أوكرانيا غير موجودة حقًا... لا يوجد سوى كتيّب عن اوكرانيا، ولا وجود لأوكرانيا».
   تمت إزاحة سوركوف من منصبه. لكن منذئذ، صعّد الكرملين، الذي يميل إلى رؤية روسيا كحصن محاصر، في ضغطه على أوكرانيا والكتلة الغربية بشهادة حجم قواته المنتشرة على الحدود. ويبدو الآن أنه مستعد لفعل أي شيء لفرض مراجعة للوضع الأمني على قائمة المناقشات الروسية الأمريكية.