رئيس الدولة يتلقى دعوة من خادم الحرمين لحضور القمة الخليجية - الأميركية في الرياض
إصلاحاته صمدت تسعة أيام... ما هو مأزق أردوغان؟
عرّف الصحافيّ التركيّ بوراك بكديل قرّاءه في “معهد غيتستون” الأمريكي إلى حلقة أردوغان المفضلة: تعزيز النقص الديموقراطي بشكل متهور، إضعاف المؤسسات، ورفض الاعتراف بحدود السلطات في النظام الديموقراطي.
يعزل الرئيس التركي بلاده عن حلفائها الغربيين ويتّبع سياسة خارجية قائمة على استعادة أراض “مفقودة” افتراضاً. تركيا اليوم هي على خلاف مع الولايات المتحدة وأوروبا في وقت واحد.
يوضح بكديل أنّ العزلة السياسية تنتج عزلة اقتصادية. الاقتصاد ينهار بسرعة والمستثمرون يهربون من تركيا. بدأ الناخبون يتذمرون من بلوغ التضخم وأسعار الفائدة نطاق الخانتين. الليرة تهوي وتهوي، بينما ترتفع البطالة بحدة. بعدها، يكتشف أردوغان ذاته الإصلاحية ويعد بتطبيق الديموقراطية، آملاً بطريقة عبثية أن يتمكن من قلب مسار الانهيار الاقتصادي.
في نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، تحدى أردوغان الولايات المتحدة كي تفرض عقوبات على دولته بينما أطلق هجوماً شخصياً ثانياً على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقال للأمريكيين: “مهما كانت عقوباتكم، فلا تتأخروا”. ثم توجه إلى ماكرون قائلاً: “الرجل المسؤول عن فرنسا أضل طريقه”. أتى ذلك بعد يوم واحد على اقتراحه بأن الرئيس الفرنسي بحاجة إلى عناية بصحته العقلية بعدما انتقد الإسلامويين المتطرفين. وقال أردوغان أيضاً للقادة الأوروبيين: “أنتم فاشيون بالمعنى الحقيقي للكلمة. أنتم فعلاً صلة الوصل في السلسلة النازية”. وفي نهاية أكتوبر توجه إلى الهولنديين عبر إحياء حديثه الصاخب قبل ثلاث سنوات: “أنتم فاشيون وبقايا النازية».
مع تقديم الاقتصاد مؤشرات أكثر سلبية، ومع فقدان الليرة ثلث قيمتها مقابل الدولار هذه السنة، برزت أزمة وشيكة في ميزان المدفوعات. بحلول 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كانت الليرة التركية أكبر عملة خاسرة في العالم لسنة 2020. طرد أردوغان حاكم البنك المركزي مراد أويصال في 6 نوفمبر. بعد يومين، أقال صهره ووزير الخزانة بيرات البيرق. في 13 نوفمبر، أطلق أردوغان ما سماه البرنامج الجديد والشامل للإصلاحات الاقتصادية والقضائية. وصف الناطق باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالين البرنامج بأنه “توجه جديد لزيادة معايير الحريات والحقوق الديموقراطية».
سرد بكديل دوافع أردوغان الضمنية التي تقف خلف تحركه الأخير كاتباً أن أي حملة علاقات عامة مصصمة لتحجيم الأضرار ستكون غير كافية إن لم تترافق مع لغة أفضل عن الغرب أو عن “النازيين” وفقاً لتعبير أردوغان. في 21 نوفمبر، قال الرئيس التركي: “نحن لا نرى أنفسنا في أي مكان آخر خارج أوروبا”. وأضاف: “نحن نتصور بناء مستقبلنا مع أوروبا”. بعد يومين، وصف وزير الدفاع التركي خلوصي آكار حلف شمال الأطلسي بأنه “حجر الزاوية لسياستنا الدفاعية والأمنية” مشدداً على أن تركيا تتطلع إلى العمل مع إدارة بايدن المقبلة.
لا يتحدث أردوغان عن الإصلاحات لأنه يريد إصلاح الديموقراطية المتعثرة في البلاد. يستهدف تحركه الأخير جذب الاستثمارات في وقت يدق الاقتصاد التركي جرس الإنذار. وفقاً للأرقام الرسمية، أدين 63014 تركياً بتهمة إهانة أردوغان بين 2014 و 2019. حوكم 9554 شخصاً منهم. وأظهر بحث جديد لشركة أرتي بير أن 1.7% من الأتراك يثقون بنظامهم القضائي و 1.2% بالبرلمان. حتى وزير العدل السابق الذي عينه أردوغان جميل شيشك الذي يشغل حالياً منصب عضو في المجلس الرئاسي الاستشاري أعرب عن تشاؤمه حيال الإصلاح. وقال: “استُهلكت كثيراً كلمة ‘إصلاح‘. يجب على الجميع ألا يتوقعوا شيئاً (من الجهد الجديد)». جاء تعهد أردوغان الإصلاحي في وقت يقبع رئيس سابق لحزب تركي-كردي وعشرات آخرون في السجن منذ سنوات. تم استبدال جميع رؤساء البلديات الأكراد تقريباً بموظفين رسميين عينتهم الحكومة. مئات من الصحافيين والسياسيين والمثقفين مسجونون بناء على تهم واهية بشكل غريب. يحكم القضاة الموالون للحكومة بما يناقض قرارات المحاكم التركية العليا ومن ضمنها المحكمة الدستورية، وبما يناقض قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. إنّ القضاة الذين يجرؤون على إصدار أحكام “غير مرغوب بها” يواجهون غالباً عقوبات تأديبية.
ليس صدفة أن تضع منظمة فريدوم هاوس تركيا في لائحة الدول “غير الحرة” سنة 2020 إلى جانب دول مثل أفغانستان وأنغولا وبيلاروسيا وبروناي وقطر وإيران وليبيا وكوريا الشمالية وغيرها. وفقاً لمشروع العدالة العالمية، تحل تركيا في المرتبة 107 من أصل 128 دولة في مجال حكم القانون. وبحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، تحتل تركيا المرتبة 154 من أصل 180، وهي أسوأ من مراتب باكستان والكونغو وبنغلادش. وعود أردوغان الإصلاحية هي إشكالية بشكل كبير: ليست حقيقية، كما أنها قليلة جداً ومتأخرة جداً. بعد أيام قليلة على إطلاق حملته الإصلاحية، رفض الدعوات لإطلاق سجينين هما سياسي كردي وناشط حقوقي. يقول المحلل السياسي البارز ومدير شركة كوندا للأبحاث بكير أغيدير: “صمد برنامج أردوغان للإصلاح تسعة أيام فقط”. يرى بكديل أن أردوغان في مأزق خطير: هو يريد أن تعاني دولته كأي ديموقراطية في العالم الثالث بينما يأمل في جذب الاستثمار الغربي بالكميات والشروط نفسها التي تتمتّع بها ديموقراطية غربية. “هذا لن يحدث”، يجزم الكاتب.