الحرب في أوكرانيا تعمّق أزمة الغذاء وتصدم الأسواق

الحرب في أوكرانيا تعمّق أزمة الغذاء وتصدم الأسواق

شهدت أسواق الغذاء العالمية اضطرابات عميقة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ تسببت المواجهات العسكرية وتضرر البنية التحتية في تعطيل جزء كبير من صادرات الحبوب والأسمدة التي تعتمد عليها أسواق واسعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وباعتبار أن روسيا وأوكرانيا من أبرز المنتجين والمصدّرين للقمح والذرة وزيوت عباد الشمس، فإن أي تراجع في الإمدادات انعكس سريعاً على الأسعار العالمية وزاد من حالة عدم اليقين في سلاسل التوريد. كما أن العقوبات المفروضة على روسيا أثرت على صادرات الأسمدة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي عالمياً وأثار مخاوف من تراجع المحاصيل في العديد من الدول. في مواجهة هذه التداعيات، قادت الأمم المتحدة وتركيا جهود الوساطة عبر «مبادرة الحبوب في البحر الأسود» التي سمحت مبدئيًا بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية، قبل أن تنهار في منتصف 2023 مع انسحاب موسكو.
ومنذ ذلك الحين، تتواصل محاولات دبلوماسية لإحياء الاتفاق أو إيجاد صيغة بديلة تضمن سلامة الملاحة وتخفف من القيود المفروضة على تجارة الحبوب والأسمدة. ورغم بعض الشحنات التي تمت عبر ممرات برية وبحرية بديلة، فإن غياب آلية مستقرة وموثوقة ما زال يفاقم حالة القلق في الأسواق العالمية.
ينعكس هذا الواقع بقوة على الدول النامية التي تستورد معظم حاجتها من القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا. فقد أدى ارتفاع الأسعار وتذبذب الإمدادات إلى ضغوط كبيرة على الميزانيات الحكومية وزيادة مستويات التضخم الغذائي، خصوصاً في القارة الأفريقية التي تعاني أصلاً من هشاشة في أمنها الغذائي. كما واجهت دول الشرق الأوسط تحديات مماثلة مع ارتفاع فاتورة استيراد القمح المدعوم، ما جعلها عرضة لاتساع الفجوة بين العرض والطلب وزيادة المخاطر الاجتماعية المرتبطة بارتفاع أسعار الخبز والمواد الأساسية.
وأمام هذا المشهد، يجد المجتمع الدولي نفسه أمام معادلة صعبة: ضرورة تأمين ممرات آمنة ومستدامة لصادرات الحبوب والأسمدة، مع العمل على تعزيز برامج الدعم للدول الأكثر تأثراً. وإذا استمرت التعثرات في التوصل إلى اتفاق شامل، فإن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية مرشحة للتفاقم، بما قد يهدد الاستقرار السياسي في مناطق عديدة. ومن هنا تبرز أهمية تكثيف الجهود الدبلوماسية، وتوسيع نطاق التمويل الدولي لمبادرات الأمن الغذائي، لضمان ألا تتحول الأزمة إلى أزمة إنسانية ممتدة.
صدمة للأسواق
من جانبه، يؤكد مدير مركز رؤية للدراسات والبحوث الاقتصادية بلال شعيب، لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية» أن:
تبعات الحرب في أوكرانيا ما زالت تلقي بظلالها الثقيلة على أسعار الغذاء العالمية.
الأمر لا يقتصر على هذا الصراع فحسب، بل هو نتاج مجموعة من العوامل المتراكمة بدأت مع جائحة كورونا، مروراً بالتوترات الجيوسياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، وصولاً إلى الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
التغيرات المناخية كان لها تأثير بالغ على انكماش المساحات الزراعية وتراجع الإنتاج، بالتزامن مع ارتفاع تكاليف النقل وسط حالة من عدم اليقين والمخاطر التي تحيط بعمليات تداول السلع.
أن روسيا وأوكرانيا معاً تمثلان ركناً أساسياً في إنتاج الحبوب في العالم، وهو ما ضاعف من حدة الأزمة.
 ويوضح شعيب أن تكاليف التأمين على الشحنات ارتفعت بشكل كبير نتيجة التوترات الإقليمية، وعلاوة المخاطر، خصوصاً مع تهديدات الحوثيين في مضيق باب المندب، ما دفـــــع شـــــــركات التأمين لزيـادة أقساطها، فضلاً عن اضطرار بعض السفن لتغيير مساراتها، الأمر الذي انعكس مباشرة على تكلفة النقل العالمية.