رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
«روح جنيف» تبخّرت تقريباً:
السياسة الخارجية الروسية: تغيير السرعة...!
-- يرفض الكرملين تمامًا اعتبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شريكًا في المفاوضات
-- تحوّل أوكرانيا إلى حاملة طائرات أمريكية متمركزة على الحدود الروسية سيقاومه أي رئيس روسي
-- المخاطر اليوم على الجبهة أعلى بكثير مما كانت عليه قبل سبع سنوات
يتحدث الرئيس فلاديمير بوتين كثيرًا عن السياسة الخارجية. في الشهر الماضي، أمضى عدة ساعات في مناقشة الشؤون العالمية في الاجتماع السنوي لنادي فالداي؛ وفي الآونة الأخيرة، أجرى مقابلة رئيسية على التلفزيون الروسي، تحدث فيها عن أوكرانيا وبيلاروسيا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
وأدت مشاركته، في 18 نوفمبر، في اجتماع لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية، إلى خطاب للعموم، ومزيد من المناقشات الخاصة، التي تظل بالطبع سرية.
كان الخطاب قصيرًا إلى حد ما، لكنه طرح عدة نقاط جديدة وهامة وذات دلالة. وتعلق المقطع الأكثر إثارة للاهتمام والمحيّر، بخصوم روسيا: الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو وعملائها مثل أوكرانيا.
«كان لتحذيراتنا الأخيرة بعض التأثير: نشأت توترات هناك”، صرّح بوتين للدبلوماسيين. “من المهم أن تدوم هذه التوترات أطول فترة ممكنة، حتى لا يخطر ببالهم أن يفبركوا أي صراع ... لسنا بحاجة إلى صراع جديد».
لم يكن بوتين يتحدث عن تحذيرات دبلوماسية، فالدبلوماسية مشلولة بحكم الأمر الواقع في علاقات روسيا بأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي والقوى العظمى في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا، ومع الولايات المتحدة فيما يتعلق بأوكرانيا. وفي هذه المرحلة، يرفض الكرملين تمامًا اعتبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، شريكًا في المفاوضات.
مستاءة من اصطفاف الأوروبيين اليا إلى جانب كييف ضد موسكو بشأن تنفيذ اتفاقيات مينسك، نشرت وزارة الخارجية مراسلات دبلوماسية بين زعيمها، سيرغي لافروف، ونظرائه في باريس وبرلين؛ ووفق سيرغي ريابكوف، نائب لافروف، فإن المحادثات الأخيرة بشأن أوكرانيا مع وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، في زيارتها لروسيا، لم تسفر عن أي نتائج، ولم تسمح لواشنطن باستيعاب حجج موسكو. أما الناتو، فبعد طرد ضباط روس تابعين لمكتب الحلف في بروكسل، فقد قطعت روسيا كل العلاقات معه.
ان التحذيرات التي أشار إليها الرئيس الروسي، تتعلق بأنشطة الجيش الروسي. في وقت سابق من هذا العام، نظمت وزارة الدفاع الروسية تدريبات ضخمة شملت تركيزًا كبيرًا للقوات على طول كامل الحدود مع أوكرانيا: الشمال والشرق والجنوب. كانت تحركات القوات واضحة للعيان، وتشير إلى أن هذا ربما لم يكن تمرينًا. وكرر ديمتري كوزاك، راس حربة الكرملين في دونباس والعلاقات مع كييف، كرّر تحذير بوتين السابق، من أن أي محاولة أوكرانية لاستعادة منطقتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين –على غرار المحاولة المجهضة للرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في أوسيتيا الجنوبية عام 2008 -ستعني نهاية الدولة الأوكرانية الحالية.
أخذ الأمريكيون هذه التدريبات على محمل الجد. ودخل الجنرال مارك ميلي، الذي يرأس اجتماع هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة، في مشاورات مباشرة مع الجنرال فاليري جيراسيموف، رئيس الأركان العامة الروسية. وفي الاخير، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن فلاديمير بوتين إلى اجتماع في جنيف أسفر عن استئناف المحادثات الأمريكية الروسية حول الاستقرار الاستراتيجي.
ومع ذلك، لم يكن هناك وقف للتصعيد فيما يتعلق بأوكرانيا ومنطقة البحر الأسود، وعلى نطاق أوسع، أوروبا الشرقية.
خلال الصيف، تحدت مدمرة تابعة للبحرية البريطانية روسيا بالإبحار قبالة شبه جزيرة القرم فيما تعتبره موسكو الآن مياهها الإقليمية . وأقرت أوكرانيا قانونًا خاصًا بالشعوب الأصلية يحرم الروس من هذا الوضع، وتستعد لتمرير قانون آخر ترى موسكو أنه يعادل خروج كييف رسميًا من اتفاقيات مينسك. في دونباس، استخدم الأوكرانيون طائرة بدون طيار تركية الصنع لضرب القوات الموالية لروسيا؛ وزاد الناتو من وجوده ونشاطه في البحر الأسود؛ وطارت القاذفات الاستراتيجية الأمريكية في مهمات على بعد 20 كيلومترًا فقط من الحدود الروسية، وفقًا لبوتين. وأثار الارتفاع الحرج في أسعار الغاز في أوروبا اتهامات لروسيا. وحتى أزمة المهاجرين على الحدود البولندية، والتي هي جزء من خطة للزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو لمعاقبة الاتحاد الأوروبي وإجبار قادته على الدخول في حوار معه، تم إلقاء اللوم بخصوصها مباشرة على الكرملين. ان ما أطلق عليه البعض في موسكو قبل الأوان “روح جنيف” تبخّر تقريباً.
لا يعني هذا أن روسيا لم تفعل شيئًا للرد على خصومها بل وتجاوزهم. سمحت روسيا لنصف مليون مواطن جديد يقيمون في دونباس بالتصويت في انتخابات مجلس الدوما في سبتمبر؛ وجعلت منتجات شركات دونباس مؤهلة لمشتريات الحكومة الروسية، وأوقفت شحنات الفحم إلى أوكرانيا. ونشر الرئيس بوتين والرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، مقالات مطولة ينتقدان بشدة سياسات السلطات الأوكرانية، ويخلصان بشكل أساسي إلى أنه لم يعد هناك أي حوار مع كييف. وفي ظل هذه الخلفية المتوترة، ظهرت تقارير في الولايات المتحدة تشير إلى أن روسيا تحشد مرة أخرى قواتها على الحدود، وربما تستعد لغزو أوكرانيا قريبًا.
في الوقت الحاضر، الخوف من الحرب في أوكرانيا منتشر على نطاق واسع. وقد حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، الكرملين من محاولة تكرار ما فعله عام 2014 لأنه سيتعرّض لأعمال انتقامية. في الواقع، المخاطر اليوم أعلى بكثير مما كانت عليه قبل سبع سنوات.
عام 2014، بعد أن حصل بوتين على تفويض من البرلمان الروسي لاستخدام القوة العسكرية “في أوكرانيا”، حصر استخدامها الفعلي في شبه جزيرة القرم، وبشكل خفي، على دونباس. وفي المرة القادمة، كما توحي كلمات بوتين، يُرجّح أن يكون النطاق الجغرافي للعمل العسكري الروسي، إذا أمر القائد العام الروسي بذلك، أوسع بكثير. وكل الذين يتكهنون بالشكل الذي قد يتخذه ذلك، لا يحتاجون إلى التفكير في سوابق قديمة كأفغانستان أو تشيكوسلوفاكيا أو المجر، فالمنطق يملي النظر إلى ما يجري في سوريا، باستثناء أنه قد لا يتم احتواء الحرب في أوكرانيا.
هل يتخذ الرئيس بوتين القرار المصيري؟ هل أوكرانيا هي ذاك “العمل غير المكتمل” الذي سيسعى الى إكماله قبل نهاية فترة حكمه؟
أم أن بوتين مجرد مخادع؟ يصعب الحسم، لكن بعض العناصر واضحة.
أولاً، سواء انضمت إلى حلف الناتو أم لا، فإن رؤية أوكرانيا تتحول إلى حاملة طائرات غير قابلة للإغراق، تسيطر عليها الولايات المتحدة، ومتمركزة على الحدود الروسية على بعد بضع مئات الأميال من موسكو -مقارنة صائبة من زملائي في كارنيجي في واشنطن –امر لا يقبل به الكرملين، بنفس القدر الذي رفض به البيت الابيض حاملة الطائرات الأخرى غير القابلة للإغراق، كوبا، -منذ ما يقرب من ستين عامًا. ان أي زعيم روسي سيسعى إلى منع هذا الترسيخ بكل الوسائل المتاحة له.
ثانيًا، لا يمكن استبعاد احتمال قيام القوات الأوكرانية بعمل عسكري واسع النطاق في دونباس، وهو أمر غير مرجح كما قد يبدو في الغرب. ان ما فعله ساكاشفيلي في محاولته استعادة أوسيتيا الجنوبية بالقوة عام 2008 لم يكن ذكيًا جدًا في البداية، ومع ذلك لم يوقفه الحليف الرئيسي لجورجيا. في خطابه أمام الدبلوماسيين في 18 نوفمبر، وصف بوتين الدول الغربية بأنها غير موثوقة، واتهمها على وجه الخصوص بأنها تعترف “سطحيا” فقط بالخطوط الحمراء وتحذيرات روسيا -أيا كان المعنى الذي قد اعطاه لهذه “السطحية».
ودعا السيد بوتين، لافروف إلى تزويد روسيا بـ “ضمانات جادة طويلة المدى” في المنطقة الأوروبية الأطلسية. وهذا الطلب يبدو محيرا ومربكا ومثيرا للقلق. هناك القليل مما يمكن للدبلوماسيين الروس فعله للحصول على ما يريده بوتين، والارجح أن رئيس الدولة يحث دبلوماسييه على استغلال ثمار الردع العسكري الذي ينظمه بنفسه حول أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود وأماكن أخرى في أوروبا الشرقية.
بالطبع، لا يترك الرئيس الروسي هذه المهمة بالكامل لمرؤوسيه. ففي الوقت الذي كان يلقي فيه هذا الخطاب القوي، كان سكرتيره في مجلس الأمن يجري محادثات مع مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة حول اجتماع محتمل آخر بين بوتين وبايدن “ جرى أمس الثلاثاء”. وكما هو الحال دائمًا مع الردع، لا يمكن أن ينجح إلا إذا ثبت أنّ التهديد موثوق به، في حين أنّ أيّ محاولة للتحقق مما إذا كان الطرف الآخر يخادع يمكن أن تنتهي بكارثة.
-- تحوّل أوكرانيا إلى حاملة طائرات أمريكية متمركزة على الحدود الروسية سيقاومه أي رئيس روسي
-- المخاطر اليوم على الجبهة أعلى بكثير مما كانت عليه قبل سبع سنوات
يتحدث الرئيس فلاديمير بوتين كثيرًا عن السياسة الخارجية. في الشهر الماضي، أمضى عدة ساعات في مناقشة الشؤون العالمية في الاجتماع السنوي لنادي فالداي؛ وفي الآونة الأخيرة، أجرى مقابلة رئيسية على التلفزيون الروسي، تحدث فيها عن أوكرانيا وبيلاروسيا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
وأدت مشاركته، في 18 نوفمبر، في اجتماع لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية، إلى خطاب للعموم، ومزيد من المناقشات الخاصة، التي تظل بالطبع سرية.
كان الخطاب قصيرًا إلى حد ما، لكنه طرح عدة نقاط جديدة وهامة وذات دلالة. وتعلق المقطع الأكثر إثارة للاهتمام والمحيّر، بخصوم روسيا: الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو وعملائها مثل أوكرانيا.
«كان لتحذيراتنا الأخيرة بعض التأثير: نشأت توترات هناك”، صرّح بوتين للدبلوماسيين. “من المهم أن تدوم هذه التوترات أطول فترة ممكنة، حتى لا يخطر ببالهم أن يفبركوا أي صراع ... لسنا بحاجة إلى صراع جديد».
لم يكن بوتين يتحدث عن تحذيرات دبلوماسية، فالدبلوماسية مشلولة بحكم الأمر الواقع في علاقات روسيا بأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي والقوى العظمى في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا، ومع الولايات المتحدة فيما يتعلق بأوكرانيا. وفي هذه المرحلة، يرفض الكرملين تمامًا اعتبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، شريكًا في المفاوضات.
مستاءة من اصطفاف الأوروبيين اليا إلى جانب كييف ضد موسكو بشأن تنفيذ اتفاقيات مينسك، نشرت وزارة الخارجية مراسلات دبلوماسية بين زعيمها، سيرغي لافروف، ونظرائه في باريس وبرلين؛ ووفق سيرغي ريابكوف، نائب لافروف، فإن المحادثات الأخيرة بشأن أوكرانيا مع وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، في زيارتها لروسيا، لم تسفر عن أي نتائج، ولم تسمح لواشنطن باستيعاب حجج موسكو. أما الناتو، فبعد طرد ضباط روس تابعين لمكتب الحلف في بروكسل، فقد قطعت روسيا كل العلاقات معه.
ان التحذيرات التي أشار إليها الرئيس الروسي، تتعلق بأنشطة الجيش الروسي. في وقت سابق من هذا العام، نظمت وزارة الدفاع الروسية تدريبات ضخمة شملت تركيزًا كبيرًا للقوات على طول كامل الحدود مع أوكرانيا: الشمال والشرق والجنوب. كانت تحركات القوات واضحة للعيان، وتشير إلى أن هذا ربما لم يكن تمرينًا. وكرر ديمتري كوزاك، راس حربة الكرملين في دونباس والعلاقات مع كييف، كرّر تحذير بوتين السابق، من أن أي محاولة أوكرانية لاستعادة منطقتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين –على غرار المحاولة المجهضة للرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في أوسيتيا الجنوبية عام 2008 -ستعني نهاية الدولة الأوكرانية الحالية.
أخذ الأمريكيون هذه التدريبات على محمل الجد. ودخل الجنرال مارك ميلي، الذي يرأس اجتماع هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة، في مشاورات مباشرة مع الجنرال فاليري جيراسيموف، رئيس الأركان العامة الروسية. وفي الاخير، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن فلاديمير بوتين إلى اجتماع في جنيف أسفر عن استئناف المحادثات الأمريكية الروسية حول الاستقرار الاستراتيجي.
ومع ذلك، لم يكن هناك وقف للتصعيد فيما يتعلق بأوكرانيا ومنطقة البحر الأسود، وعلى نطاق أوسع، أوروبا الشرقية.
خلال الصيف، تحدت مدمرة تابعة للبحرية البريطانية روسيا بالإبحار قبالة شبه جزيرة القرم فيما تعتبره موسكو الآن مياهها الإقليمية . وأقرت أوكرانيا قانونًا خاصًا بالشعوب الأصلية يحرم الروس من هذا الوضع، وتستعد لتمرير قانون آخر ترى موسكو أنه يعادل خروج كييف رسميًا من اتفاقيات مينسك. في دونباس، استخدم الأوكرانيون طائرة بدون طيار تركية الصنع لضرب القوات الموالية لروسيا؛ وزاد الناتو من وجوده ونشاطه في البحر الأسود؛ وطارت القاذفات الاستراتيجية الأمريكية في مهمات على بعد 20 كيلومترًا فقط من الحدود الروسية، وفقًا لبوتين. وأثار الارتفاع الحرج في أسعار الغاز في أوروبا اتهامات لروسيا. وحتى أزمة المهاجرين على الحدود البولندية، والتي هي جزء من خطة للزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو لمعاقبة الاتحاد الأوروبي وإجبار قادته على الدخول في حوار معه، تم إلقاء اللوم بخصوصها مباشرة على الكرملين. ان ما أطلق عليه البعض في موسكو قبل الأوان “روح جنيف” تبخّر تقريباً.
لا يعني هذا أن روسيا لم تفعل شيئًا للرد على خصومها بل وتجاوزهم. سمحت روسيا لنصف مليون مواطن جديد يقيمون في دونباس بالتصويت في انتخابات مجلس الدوما في سبتمبر؛ وجعلت منتجات شركات دونباس مؤهلة لمشتريات الحكومة الروسية، وأوقفت شحنات الفحم إلى أوكرانيا. ونشر الرئيس بوتين والرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، مقالات مطولة ينتقدان بشدة سياسات السلطات الأوكرانية، ويخلصان بشكل أساسي إلى أنه لم يعد هناك أي حوار مع كييف. وفي ظل هذه الخلفية المتوترة، ظهرت تقارير في الولايات المتحدة تشير إلى أن روسيا تحشد مرة أخرى قواتها على الحدود، وربما تستعد لغزو أوكرانيا قريبًا.
في الوقت الحاضر، الخوف من الحرب في أوكرانيا منتشر على نطاق واسع. وقد حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، الكرملين من محاولة تكرار ما فعله عام 2014 لأنه سيتعرّض لأعمال انتقامية. في الواقع، المخاطر اليوم أعلى بكثير مما كانت عليه قبل سبع سنوات.
عام 2014، بعد أن حصل بوتين على تفويض من البرلمان الروسي لاستخدام القوة العسكرية “في أوكرانيا”، حصر استخدامها الفعلي في شبه جزيرة القرم، وبشكل خفي، على دونباس. وفي المرة القادمة، كما توحي كلمات بوتين، يُرجّح أن يكون النطاق الجغرافي للعمل العسكري الروسي، إذا أمر القائد العام الروسي بذلك، أوسع بكثير. وكل الذين يتكهنون بالشكل الذي قد يتخذه ذلك، لا يحتاجون إلى التفكير في سوابق قديمة كأفغانستان أو تشيكوسلوفاكيا أو المجر، فالمنطق يملي النظر إلى ما يجري في سوريا، باستثناء أنه قد لا يتم احتواء الحرب في أوكرانيا.
هل يتخذ الرئيس بوتين القرار المصيري؟ هل أوكرانيا هي ذاك “العمل غير المكتمل” الذي سيسعى الى إكماله قبل نهاية فترة حكمه؟
أم أن بوتين مجرد مخادع؟ يصعب الحسم، لكن بعض العناصر واضحة.
أولاً، سواء انضمت إلى حلف الناتو أم لا، فإن رؤية أوكرانيا تتحول إلى حاملة طائرات غير قابلة للإغراق، تسيطر عليها الولايات المتحدة، ومتمركزة على الحدود الروسية على بعد بضع مئات الأميال من موسكو -مقارنة صائبة من زملائي في كارنيجي في واشنطن –امر لا يقبل به الكرملين، بنفس القدر الذي رفض به البيت الابيض حاملة الطائرات الأخرى غير القابلة للإغراق، كوبا، -منذ ما يقرب من ستين عامًا. ان أي زعيم روسي سيسعى إلى منع هذا الترسيخ بكل الوسائل المتاحة له.
ثانيًا، لا يمكن استبعاد احتمال قيام القوات الأوكرانية بعمل عسكري واسع النطاق في دونباس، وهو أمر غير مرجح كما قد يبدو في الغرب. ان ما فعله ساكاشفيلي في محاولته استعادة أوسيتيا الجنوبية بالقوة عام 2008 لم يكن ذكيًا جدًا في البداية، ومع ذلك لم يوقفه الحليف الرئيسي لجورجيا. في خطابه أمام الدبلوماسيين في 18 نوفمبر، وصف بوتين الدول الغربية بأنها غير موثوقة، واتهمها على وجه الخصوص بأنها تعترف “سطحيا” فقط بالخطوط الحمراء وتحذيرات روسيا -أيا كان المعنى الذي قد اعطاه لهذه “السطحية».
ودعا السيد بوتين، لافروف إلى تزويد روسيا بـ “ضمانات جادة طويلة المدى” في المنطقة الأوروبية الأطلسية. وهذا الطلب يبدو محيرا ومربكا ومثيرا للقلق. هناك القليل مما يمكن للدبلوماسيين الروس فعله للحصول على ما يريده بوتين، والارجح أن رئيس الدولة يحث دبلوماسييه على استغلال ثمار الردع العسكري الذي ينظمه بنفسه حول أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود وأماكن أخرى في أوروبا الشرقية.
بالطبع، لا يترك الرئيس الروسي هذه المهمة بالكامل لمرؤوسيه. ففي الوقت الذي كان يلقي فيه هذا الخطاب القوي، كان سكرتيره في مجلس الأمن يجري محادثات مع مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة حول اجتماع محتمل آخر بين بوتين وبايدن “ جرى أمس الثلاثاء”. وكما هو الحال دائمًا مع الردع، لا يمكن أن ينجح إلا إذا ثبت أنّ التهديد موثوق به، في حين أنّ أيّ محاولة للتحقق مما إذا كان الطرف الآخر يخادع يمكن أن تنتهي بكارثة.