يخاطر بخسارة قاعدته الراديكالية:

انعطاف دونالد ترامب الدراماتيكي في مسألة التطعيم...!

انعطاف دونالد ترامب الدراماتيكي في مسألة التطعيم...!

-- أربك الرئيس السابق المعلقين وأنصاره من خلال نصيحته للأمريكان باتباع توصيات السلطات الصحية
-- أتباعه يتساءلون: هل أصبح ترامب مجرد «مهرج» إضافي في خدمة النخب والدولة العميقة؟
-- فهم ترامب أسباب هزيمته ويعمل الآن على ترميم صورته من أجل استعادة جزء من الناخبين


   انتقد كثيرون دونالد ترامب بشدة، وهم محقّون في ذلك، بشأن إدارته للأزمة الصحية عندما كان في منصبه، وقد قرر مؤخرًا المشاركة بشكل أكبر في حملة التطعيم رغم انتقادات بعض مؤيديه في وقت تجتاح فيه موجة أوميكرون الولايات المتحدة التي تأتي بعد موجة دلتا عالية الكثافة، ممّا جعل جميع الإشارات حمراء.    وتشهد العواصم الأمريكية الكبرى انفجار عدد الحالات، وتسلط الدراسات الأولى لوفيات فيروس كوفيد منذ وصول اللقاحات، الضوء على الآثار الضارة لانخفاض تغطية التطعيم في المقاطعات الجمهورية التي صوتت بأعداد كبيرة للرئيس السابق خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

  لقد ولت أيام الجفال وإنكار خطورة المرض بالنسبة لدونالد ترامب، لتفسح المجال للكلمات المسؤولة والمواقف الايجابية رغم مخاطر تنفير بعض أفراد عائلته السياسية. سيقول البعض أن الضرر قد حدث، لكن “أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا” سيقول آخرون.

تغيير وجهة جذري
   بقدر ما هو مفاجئ، فإن الملياردير النيويوركي يقدّم وجها جديدا في مكافحة المعلومات الصحية المضللة بعد أن تعهّدها ببراعة لأغراض سياسية من مارس 2020 إلى يناير 2021.
    قبل أيام قليلة من مغادرته البيت الأبيض، تلقى دونالد ترامب جرعاته دون التواصل رسميًا بشأنها، رغم أن هذا هو التقليد في الولايات المتحدة بالنسبة للسياسيين. وفي الأشهر التي تلت ذلك، وضع الرئيس السابق مصالحه الشخصية أولاً برفضه مساعدة إدارة بايدن في الترويج لحملة التطعيم. وتطلّب الأمر ثمانية أشهر واجتماعًا في ألاباما، إحدى الولايات الأقل تغطية من حيث التلقيح، لرؤيته يتخذ موقفًا واضحًا: “أوصيكم بأن تقبلوا على التطعيم... قمت بذلك... إنه جيد... لقّحوا”. تصريح كان صداه صيحات استهجان من جماهيره. أدرك حينها أنه لم يكن على انسجام مع مؤيديه، وأصبح أكثر تحفظًا بشأن هذا الموضوع بعد ذلك.

   لكن في الأيام الأخيرة، أربك الرئيس السابق مجدّدا المعلقين وأنصاره من خلال الدفاع بشكل كامل ومتكرر عن حاجة الأمريكيين لاتباع توصيات السلطات الصحية.
   خلال المحطة الأخيرة من جولته في تجمعات سياسية في دالاس يوم الأحد، 19 ديسمبر، قال دونالد ترامب إنه تلقى جرعة معززة، مشيدا بالعمل البحثي الذي تم خلال فترة رئاسته: “انظروا، لقد أنجزنا شيئًا تاريخيًا... لقد أنقذنا عشرات الملايين من الأرواح حول العالم...    نحن، معا، كل واحد منا، وليس أنا، نحن! لقد حرصنا على تطوير لقاح واحد، وتطوير ثلاثة لقاحات، وعلاج رائع. بدون ذلك، لكانت البلاد قد دمرت أكثر مما نراه اليوم. خذوا فضيلة ذلك ،لا تلعبوا لعبتهم عندما تقولون “آه، اللقاح ...”. إذا كنتم لا تريدونه، لستم مجبرون عليه، ولكن لكم الاستحقاق، لأننا أنقذنا عشرات الملايين من الأرواح».

   مرة اخرى، أطلق جزء من الحضور صيحات الاستهجان. لكن ليس مهمّا الآن، لأنه لم يتردد في إعادة موقفه بعد بضعة أيام خلال مقابلة تلفزيونية مع كانديس أوينز، مقدمة البرامج المحافظة والمدانة بانتظام بسبب تعليقاتها المناهضة للتطعيم. فبينما كانت تلمّح إلى أنّه لا فائدة من اللقاحات، أوقفها الرئيس السابق بحزم: “إنها احدى أعظم النجاحات التي حققتها البشرية. ان اللقاح فاعل... والذين يمرضون بشكل حاد ويذهبون إلى المستشفى هم الذين لم يحصلوا على اللقاح... لكن هذا اختيارهم. إذا قمتم بالتلقيح، فأنتم محميون... النتائج جيدة جدا... وحتى إذا أصبتم بالمرض، فستكون اعراضا ثانويّة... لا يموت الناس عندما يتم تطعيمهم «.

استراتيجية انتخابية
لعام 2024؟
   لئن لم يقل دونالد ترامب قط تصريحات مناهضة للتلقيح خلال هذه الأزمة -رغم أنه ربط في الماضي بين التطعيم والتوحّد -وبدا صادقا للغاية خلال خطاباته الأخيرة، فمن المناسب مع ذلك أن نتساءل عن هذا التحول المذهل إلى حد ما.
 عام 2020، ساهمت الأزمة الصحية وعجزه على إظهار القيادة والتعاطف إلى حد كبير في انتصار جو بايدن، الذي يُنظر إليه على أنه أكثر عقلانية ومتوافقا مع العلم.
   طوابير استلام الطرود الغذائية، ومئات الآلاف من الوفيات، وانفجار البطالة، صدمت الأمريكيين إلى حد كبير الى درجة تساؤلهم حول قدرات وسلطة بلادهم التي كانت تبدو حتى ذلك الحين جاهزة لمواجهة جميع أنواع الكوارث. نراهن أنه فهم أسباب هزيمته، ويعمل الآن على ترميم صورته من أجل استعادة جزء من الناخبين، وخاصة المستقلين، الذين تجنبوه في نوفمبر 2020. ولأنّه سرّ مكشوف: ينوي دونالد ترامب الترشّح عام 2024. وهذه الاستراتيجية يمكن أن تؤتي ثمارها وتسمح له بتحدي جو بايدن على أرض سيطر عليها حتى الآن برأسه وكتفيه.

   لكنها استراتيجية لا تخلو من مخــاطر ســـياســــية حيـــــث أن الجزء الأكثر انتمــــــاء لنظريـــــات المؤامـــــــرة مـــن قاعدته بدأ يتساءل.
 وظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي، آلاف الرسائل السلبية عنه في الأيام الأخيرة. ويتساءل بعض أتباعه عما إذا تمّ “استنساخه” أو أنه أصبح مجرد “مهرج” اضافي في خدمة النخب والدولة العميقة.
    بعد إطعام الوحش، يمكن أن ينقلب عليه ويختار بطلًا جديدًا أكثر راديكالية، رغم أنه في الوقت الحالي لا يبدو أن أحدًا قادرًا على زعزعته وإثارة قلقه.
 ولكن، مهما كان الهدف من هذا الخط السياسي الجديد، فإن المهنيين الصحيين والسلطات الصحية سيسعدهم بانضمام داعم جديد إلى صفوفهم.