الامارات تشارك ضمن 5 دول و1170 عارضاً بمعرض تراثنا 2025 في مصر
ترامب وروسيا.. «نمر من ورق» أم «دب صامد»؟
في خطوة عكست تصعيدًا لافتًا في الخطاب الأميركي تجاه موسكو، وصف الرئيس دونالد ترامب روسيا بأنها «نمر من ورق»، مقللًا من قدرتها على حسم الحرب الأوكرانية ومشيرًا إلى أن اقتصادها يترنح تحت وطأة العقوبات. لكن الرد الروسي لم يتأخر، إذ خرج الكرملين بصورة مضادة، واصفًا نفسه بـ»الدب» الذي يتحدى الضغوط، ومعلنًا أرقامًا عن نمو اقتصادي تجاوز 1.1بالمئة في النصف الأول من العام، مع توقعات بارتفاعه إلى 1.3بالمئة، متفوقًا على اقتصادات أوروبية ما زالت تبحث عن مخرج من تبعات الأزمات. هذا السجال اللفظي لم يكن مجرد تبادل أوصاف سياسية. بل كشف عن مرحلة جديدة من المواجهة، حيث تتداخل ساحات الحرب في أوكرانيا مع معارك الاقتصاد الدولي، ويُطرح السؤال: هل نحن أمام ضغط يقود إلى تسوية، أم انفجار يفتح مواجهة بين روسيا والناتو؟
ترامب ورسائله المزدوجة
ترامب لم يكتفِ بتوصيف روسيا على أنها عاجزة، بل وجّه دعوة صريحة لأوكرانيا لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الروسي. الرسالة هنا مزدوجة: إضعاف صورة موسكو أمام الداخل والخارج، ومنح كييف إشارة دعم قد تُقرأ على أنها ضوء أخضر لتصعيد العمليات العسكرية. لكن اللافت هو أن التحول في نبرة ترامب جاء بعد لقاء جمعه بالرئيس الروسي في ألاسكا، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الخطاب يعكس خلافًا جوهريًا مع موسكو، أم مجرد ورقة ضغط لجرّها إلى طاولة المفاوضات بشروط أمريكية.
الكرملين: الاقتصاد كأداة سياسية
في مواجهة الهجوم اللفظي، لجأ الكرملين إلى لغة الأرقام. الإصرار على إبراز النمو الاقتصادي، رغم العقوبات الغربية، بدا وكأنه محاولة لتأكيد أن «الدب الروسي» لم يفقد قدرته على الصمود.
المقارنة مع اقتصاد منطقة اليورو كانت مقصودة: رسالة للغرب أن العقوبات لم تضعف روسيا كما كان متوقعًا، بل ربما أضعفت أوروبا نفسها، التي تواجه أزمة طاقة وتباطؤًا صناعيًا. هذا الخطاب يخـــــدم هدفين أســـاســـيين: شـــد أزر الداخـــل الروســـــي، وتوجـــيه رســــالة إلى الخــــارج بـأن الحرب لم تستنزف قدرة موسكو على الاستمرار.
ترامب وروسيا
قدّمت الباحثة في العلاقات الدولية لانا بدفان قراءة متأنية للوضع الراهن بين واشنطن وموسكو. رغم التصريحات النارية للرئيس الأمريكي، بدا أن الأوساط السياسية والاقتصادية الروسية تحافظ على هدوء محسوب، وكأن موسكو اختارت إدارة الأزمة بعقلانية لا تفسدها الانفعالات. كشفت بدفان أن اللقاء الأخير في ألاسكا أبرز إدراك واشنطن لبعض الخطوط الحمراء الروسية، لكنها لم تتمكن بعد من استيعاب كامل أهداف الكرملين في أوكرانيا. موسكو، بحسب بدفان، لا تعتبر النصر العسكري هدفًا بحد ذاته، بل خطوة تمهيدية نحو تحقيق انتصار سياسي ودبلوماسي أكبر، في حين تسعى الولايات المتحدة لتسريع إيقاع الأحداث وفرض تسوية بشروطها.
وتشير بدفان إلى أن تصريحات ترامب تفتح مسارين متناقضين: الأول، مسار إيجابي قد يدفع روسيا نحو التفاوض وربما التوصل إلى اتفاق سلام ينهي النزاع. والثاني، مسار سلبي يهدد بتوسيع المواجهة بين روسيا وحلف الناتو، ما يحمل خطرًا على الاستقرار الاقتصادي والدبلوماسي في أوروبا والعالم.
العالم بين سلام هش وفوضى ممتدة
التباين بين «نمر من ورق» و»دب صامد» يعكس أكثر من مجرد تبادل للصور الرمزية. هو تعبير عن أزمة النظام الدولي نفسه: من جهة، قوة غربية تريد اختبار حدود الصبر الروسي، ومن جهة أخرى، موسكو تحاول إثبات أن العقوبات لم تفقدها القدرة على المبادرة. النتيجة حتى الآن هي حالة سيولة استراتيجية: لا أحد يعرف إن كانت التصريحات مقدمة لاتفاق يوقف النزيف في أوكرانيا، أم أنها تمهيد لانفجار أكبر يعيد تشكيل الخريطة الأمنية والاقتصادية للعالم. الخطاب الحاد بين ترامب والكرملين يكشف أن الحرب لم تعد مجرد صراع على أرض أوكرانيا، بل معركة على الهيبة الدولية والنظام الاقتصادي العالمي. في لحظة كهذه، كل كلمة تُقال تتحول إلى سلاح، وكل رقم اقتصادي يُعلن يصبح جزءًا من ميدان القتال. السؤال الذي يبقى معلقًا: هل يقود هذا السجال إلى طاولة مفاوضات أم إلى حافة مواجهة لا تُبقي ولا تذر؟