تقلص زمن الاختراق النووي لإيران رغم العقبات التكنولوجية

تقلص زمن الاختراق النووي لإيران رغم العقبات التكنولوجية


تؤكد واشنطن وعدد من العواصم الغربية والإقليمية أن إيران على وشك إنتاج ما يكفي من الوقود النووي لتصنيع قنبلة نووية. ولكن ما مدى قرب إيران من امتلاك القدرة على إطلاق سلاح نووي؟
في هذا الإطار، ناقش الكاتب كولوم لينش العقبات التكنولوجية التي على طهران التغلّب عليها أولاً للحصول على برنامج أسلحة نووية يعمل بكامل طاقته، رغم أنها تنفي ذلك باستمرار.
وقال، في تقرير لمجلة “فورين بوليسي”، إن على طهران تطوير ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب للاستخدام في صنع قنبلة نووية واحدة أو أكثر، وبناء رأس نووية قادرة على حمل الوقود النووي الانشطاري، وتطوير نظام صاروخي باليستي قادر على إيصال المتفجرات النووية إلى هدفها، وإجراء اختبار لمعرفة إذا كانت المادة المتفجرة تعمل بالفعل.

تقلّص الزمن
في 2015، قدّرت الولايات المتحدة أن إيران ستحتاج إلى 12 شهراً  لإنتاج ما يكفي من الوقود النووي لقنبلة، إذا قررت التخلّي عن الاتفاق والبحث عن سلاح.
واليوم تقلّص هذا التقدير إلى حوالي شهر واحد، حيث وضعت طهران أجهزة طرد مركزي فائقة الجودة في منشآتها النووية، ويورانيوماً مخصباً بجودة أعلى بكثير مما يسمح به الاتفاق النووي.
وبموجب بنود اتفاق 2015، سُمح لإيران بتخزين ما يصل إلى 300 كيلوغراماً من اليورانيوم منخفض التخصيب، وتشغيل ما يزيد قليلاً عن 5 آلافجهاز طرد مركزي من الجيل الأول، في محطة نطنز لتخصيب الوقود.
ومنعت طهران من خصيب اليورانيوم بتركيز يزيد على 3.67% من نظير اليورانيوم-235، أي أن اليورانيوم المسموح لها بتخصيبه يصل إلى حدود توليد الطاقة الكهربائية بمستويات معتدلة دون أن تصل إلى مستوى 90% الكافي لصنع قنبلة.
ومنذ يوليو(تموز) 2019، بدأت إيران التخصيب إلى مستوى 5%، ووصلت إلى 20% في يناير (كانون الثاني) 2021، وإلى 60% في أبريل (نيسان)2021.
وبالاعتماد على هذه الأرقام، فإن إيران تحتاج خطوة صغيرة نسبياً لإنتاج وقود نووي يستخدم في صنع الأسلحة.
وبمجرد وصول اليورانيوم إلى نقاء بـ 3.67%، فإن ذلك يعني إزالة الغالبية العظمى من الذرات غير المرغوب فيها، ما يجعل التخصيب إلى 5 و20 و90% أقل استهلاكاً للوقت وأسهل بشكل متزايد.

عشرات الكيلوغرامات
ولتسريع وتيرة التخصيب، نصبت إيران الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة القادرة على تخصيب اليورانيوم بجودة أعلى في منشأة نطنز ومحطة فوردو، التي منع الاتفاق النووي التخصيب فيها.
وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، جمعت إيران مخزوناً من نحو 2313.4 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب، بما في ذلك 1622.3 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب إلى 5%، و113.8 كيلوغراماً المخصب إلى 20%، و17.7 كيلوغراماً مخصباً إلى 60%، وفقً الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقلت “فورين بوليسي” عن ديفيد أولبرايت، مؤسس معهد العلوم والأمن الدولي، أن إيران حصلت بالفعل على ما يكفي لإنتاج ما لا يقل عن 45 كيلوغراماً من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 90%، وهو ما يكفي من الوقود لإنتاج قنبلة نووية في وقت قصير. وأضاف أنه في غضون أشهر يمكن لإيران إنتاج وقود كافٍ لقنبلتين أخريين، ويُقدّر أنه في غضون ستة أشهر، قد تكون إيران في وضع يُمكنها من اختبار مادة متفجرة نووية.
وقال أولبرايت إن إنتاج الوقود الذي يستخدم في الأسلحة النووية يُعد من أصعب الانجازات الفنية على طريق القنبلة.

مشكلة التسليح
وأوضح بعض المتخصصين في حظر الانتشار النووي، أن الوقود النووي وحده لا يصنع ترسانة نووية.
ونقلت “فورين بوليسي” عن سهيل شاه، وهو زميل سياسي في شبكة القيادة الأوروبية، أن “ميل بعض البلدان، أي الولايات المتحدة وشركائها عبر الأطلسي، إلى التركيز بشكل كبير على وقت الاختراق يتجاهل عمداً الوقت الذي سيستغرقه انتقال إيران من امتلاك مخزون ذي مغزى من اليورانيوم عالي التخصيب، إلى سلاح نووي قابل للاستخدام».
من جهته، قال رئيس الوفد المفاوض الروسي ميخائيل أوليانوف: “ما يسمى وقت الاختراق، فكرة أمريكية. ونحن لا نشاركها بأي شكل من الأشكال، إذ لا يمكن استخدام الوقود دون رؤوس حربية، ولا يملك الإيرانيون رؤوساً حربية، ولن يحصلوا على التكنولوجيا اللازمة لإنتاجها قبل فترة طويلة». وقالت المجلة إن إيران لا تملك رأساً نوويةً عمليا “ومع ذلك فقد تصنع واحدة».
ونقلت “فورين بوليسي” عن داريل كيمبال، مدير جمعية الحد من التسلح، أن “السؤال هو كم وقتاً ستستغرق إيران لتتمكّن من الوصول إلى أسلحة نووية، بعد حصولها على ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج قنبلة واحدة. والجواب هو، سنوات».
وتقّدر السلطات الإسرائيلية أن إيران ستحتاج ما بين عام وعامين لتكون قادرة على إنتاج سلاح نووي. وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى للمجلة، إن إدارة بايدن “لن تجادل في وجود جدول زمني أطول للتسليح”. ومع ذلك، أضاف المسؤول “لدينا ثقة إضافية في قدرتنا على المراقبة ومعرفة ما يحدث في موضوع التخصيب».
لكن بعض الخبراء يقولون إن ذلك لا يجب أن يكون دافعاً للتهاون. ويقولون إن الخطر في حصول إيران على مخزون الوقود الذي يستخدم في صنع الأسلحة، هو أن صناع السياسات سيضطرون لتقييم قدرات إيران بشكل يعتمد على التخمين، ما قد يضيق الخيارات الدبلوماسية أمام واشنطن، ويزيد احتمالات نشوب صراع عسكري.

برنامج قديم حديث
ونفت إيران مطولاً أي نية لامتلاك سلاح نووي، مشيرة إلى أن المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي أصدر فتوى في 2003 حظر فيها استخدام الأسلحة النووية.
غير أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكدت أن إيران كانت تعمل على برنامج أسلحة نووية إلى غاية 2003.
وفي التسعينيات، زودت شبكة لتهريب الأسلحة بقيادة عبد القدير خان، عرّاب برنامج الأسلحة النووية الباكستاني، إيران بالتصاميم الأساسية لمكونات الأسلحة النووية.
وفي 2009، خلص تقييم داخلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنه قبل 2003، تراكمت لدى إيران “معلومات كافية لتكون قادرة على تصميم وإنتاج جهاز نووي قابل للتطبيق على أساس اليورانيوم عالي التخصيب وقوداً انشطارياً».
وخلص تقدير للاستخبارات الوطنية الأمريكية في 2007، إلى أن إيران أوقفت برنامجها للأسلحة النووية في 2003، بعد الضغوط الدولية المتزايدة، وقال إن هناك درجة معتدلة إلى عالية من الثقة بأن طهران تبقي الباب مفتوحاً لاستئناف البرنامج في مرحلة ما، في المستقبل.
في الآونة الأخيرة، أثارت تحليلات إيران وإجراءات النمو مخاوف المتخصصين في حظر انتشار الأسلحة النووية.
ففي فبراير(شباط) 2021، على سبيل المثال، أنتجت إيران كمية صغيرة من فولاذ اليورانيوم النقي في منشأتها النووية في أصفهان، تماشياً مع تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية حصلت عليه صحيفة “وول ستريت جورنال».
لم ينتج الفولاذ باليورانيوم المخصب، وهو جانب مهم من نواة سلاح نووي، ومع ذلك يمكن استخدام المعرفة التكنولوجية اللازمة لتحويل اليورانيوم إلى صلب، في برنامج أسلحة نووية.
وفي هذا الإطار، قال شاه: “الحقيقة الأساسية الفعلية هي أنه لا أحد يمكنه التأكد من أياً من تلك الجداول الزمنية، لا سيما أنه لن يكون لدينا مفهوم مستقر للتحليل والنمو الذي تمتلكه إيران».

الصواريخ الباليستية
وتلعب الصواريخ البالستية دوراً حاسماً في أي برنامج أسلحة النووية، وتمكنت إيران من تطويرها طيلة سنوات.
ويبلغ مدى  صاروخ شهاب-3، الذي صمم على غرار صاروخ “نودونغ” الباليستي الكوري الشمالي، حوالي 800 ميل.
كما أن لدى إيران العديد من الإصدارات الأخرى، بما فيها “عماد”، و”سجيل”، و”قادر-110.” ويبلغ مدى “قادر-110” حوالي 1200 ميل، ما يضعها على مسافة قريبة من تل أبيب.
وقالت المجلة إن علماء الصواريخ الإيرانيين يعملون على إنتاج صاروخ “خورامشهر” متوسط المدى الذى يعتمد على صاروخ كوري شمالي، لم ينجح في التجارب.

الجزء الأصعب؟
ومع هذا، فإن امتلاك صاروخ باليستي طويل أو متوسط المدى ليس “الجزء الأصعب”، بل هو “جزء صعب” من مهمة امتلاك صواريخ حاملة لرؤوس نووية. ولم يتضح بعد إلى أي مدى تقدمت إيران في تسليح صواريخها.
ونقلت “فورين بوليسي” عن مارك فيتزباتريك، الزميل مشارك في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون منع الانتشار النووي، أنه “لم يتضح إذا اكتسبت إيران الخبرة في هذا المجال من الكوريين الشماليين أم لا».
وأشار تقرير داخلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2009 إلى أن إيران لم تتغلب على العقبات التقنية الحرجة.
وجاء في الوثيقة الداخلية أن “الوكالة لا تعتقد عموماً أن إيران حقّقت حتى الآن اختراقاً في وسائل دمج شحنة نووية في صاروخ شهاب 3».
ورغم ذلك، أضاف التقرير “مع بذل مزيد من الجهود، من المرجح أن تتغلب إيران على المشاكل».

وقت للدبلوماسية
ومع بداية المحادثات النووية يوم الجمعة الماضي، استعرضت إيران 3 صواريخ باليستية، “ديزفول” و”قيام” و”ذو الفقار”، وسط طهران.
ويُزعم أن الصواريخ الثلاثة، التي يزيد مداها على 600 ميل، استُخدمت في ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.
وفي الشهر الماضي، أطلقت إيران صاروخها الفضائي “سيمرغ”، أحدث خطوة في برنامج الفضاء الإيراني القادر على تعزيز قدرتها على التمكن من تكنولوجيا صواريخ الوقود الصلب اللازمة للصواريخ طويلة المدى.
وقال فيتزباتريك: “يجب أن يكون هناك شعور بالإلحاح، لكن إذا لم يبرم اتفاق بحلول منتصف فبراير (شباط)، فلن أستنتج أنه عليك التوجّه إلى العمل العسكري، قد يكون هناك وقت للدبلوماسية».